«العلم الكونفدرالي» في قفص الاتهام.. بعد مذبحة شارلستون

يرمز لولايات جنوبية رفضت إلغاء العبودية خلال الحرب الأهلية الأميركية

«العلم الكونفدرالي» في قفص الاتهام.. بعد مذبحة شارلستون
TT

«العلم الكونفدرالي» في قفص الاتهام.. بعد مذبحة شارلستون

«العلم الكونفدرالي» في قفص الاتهام.. بعد مذبحة شارلستون

لم يدر في خلد مصممي العلم الفيدرالي الأميركي عام 1860 أن هذا العلم سيصبح مثار جدل وسببا لتفرقة الأميركيين فكريًا، وموضوعا شائكا للمتنافسين على الرئاسة الأميركية بعد نحو 150 عاما من تصميمه.
ويمثل هذا العلم حقبة كونفدرالية الولايات الجنوبية الأميركية، التي تشكلت خلال الحرب الأهلية الأميركية بين 1861 و1865، والتي رفضت تحرير العبيد والمساواة في الحقوق المدنية. وكانت تلك العوامل سبب اندلاع الحرب التي خسرتها الولايات الجنوبية.
حتى الآن، ما زال العلم الأحمر الذي يتوسطه شريطان أزرقان متقاطعان يحملان 13 نجمة، يرمز إلى ولايات الجنوب التي رفضت إلغاء العبودية في ذلك الوقت، مرفرفا في كثير من المدن والمنظمات والمباني الحكومية، وكذلك من قبل الأفراد كتقليد تتبعته بعض الولايات الجنوبية، للإشارة إلى الهوية الجنوبية والحقبة المهمة من تاريخ الجنوب الأميركي، رغم ارتباط العلم تاريخيًا بالعبودية، والعنصرية، ورغم الجدل المتعلق به الذي لم يتوقف منذ ذلك الحين.
وأصبح الجدل في أوجه على الساحة الأميركية بعد الهجوم على كنيسة شارلستون في ولاية ساوث كارولينا الأسبوع الماضي الذي أقدم خلاله شاب من البيض يدعى ديلان روف (21 عاما) على إطلاق الرصاص وقتل تسعة من المصلين السود. وظهر القاتل في عدة صور له على الإنترنت محرقا العلم الأميركي وملوحا بالعلم الكونفدرالي الذي يحمل دلالات عنصرية وكرها للسود، وهو الأمر الذي أكده القاتل في تصريحاته المعادية للسود، مما أدى بالشرطة إلى الإقرار بأن الجريمة تحمل طابع جريمة كراهية، وأنها عمل إرهابي يحمل دوافع عنصرية.
وعلى أثر هذه الحادثة، أصبح تعليق العلم على المباني الحكومية محل انتقادات شديدة من قبل محاربي العنصرية والمطالبين بالعدالة الاجتماعية، مما دعا حاكمة ولاية ساوث كارولينا، نيكي هالي، لمناشدة المشرعين إزالة علم الكونفدرالية من مبنى المجلس التشريعي للولاية، وتم قبول طلبها. وفي حديثها للصحافيين أوضحت هالي أنه حان الوقت لإبعاد العلم من ساحة المجلس لأنه رمز للموقف المؤيد للعبودية في الجنوب خلال الحرب الأهلية الأميركية. وأضافت: «هذه لحظة يمكننا أن نقول فيها إن العلم وإن كان جزءا لا يتجزأ من ماضينا، فإنه لا يمثل مستقبل دولتنا العظيمة، وبإزالة هذا الرمز الذي يفرق بيننا، آمل أن نخطو معًا إلى الأمام».
تعد ولاية ساوث كارولينا الولاية الوحيدة التي ما زالت تستعمل العلم بشكله الأصلي، بينما تستوحي أعلام كثير من الولايات الجنوبية تصميمها منه، مثل ولايات أركنساس، وجورجيا، وميسيسيبي، وتينيسي، وألاباما، وكارولينا الشمالية، وفلوريدا. إلا أنه من منذ إدلاء الحاكمة هالي بكلمتها مطلع هذا الأسبوع، والجدل حول العلم الكونفدرالي لم يتوقف في كثير من وسائل الإعلام الأميركية وفي نقاشات المذيعين ونقاشات الحملات الانتخابية للمتسابقين على الرئاسة من الحزب الجمهوري والديمقراطي على حد سواء، كما تبع نهجها عدد من حكام الولايات الآخرين، فيما سبقها آخرون لذلك.
ففي حين قام الجمهوري جيب بوش، الحاكم السابق لولاية فلوريدا، بإزالة العلم الكونفدرالي منذ 14 عاما، عمل حاكم ولاية ألاباما روبيرت بتلي على إزالة العلم من مبنى المجلس التشريعي في ولايته، ومنع حاكم فرجينيا وضع صورة العلم على لوحات تسجيل السيارات في الولاية. بينما تجنب مايك هاكابي وريك سانتوروم، وهما مرشحان من الحزب الجمهوري، اتخاذ أي قرار بشأن العلم، وذلك تجنبًا لإثارة حساسية بعض الناخبين الجمهوريين ممن يشكل البيض المحافظون النسبة العظمى منهم، كما حدث عام 1998 عندما خسر الحاكم الجمهوري ديفيد بيسلي إعادة انتخابه لولاية ساوث كارولينا بعد مطالباته بإزالة العلم.
أما المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة، هيلاري كلينتون، فطالبت الأميركيين بالقضاء على ما من شأنه تأجيج الانقسامات العرقية بينهم. وقالت إن العلم الكونفدرالي «رمز لماضينا العنصري الذي ليس له مكان في حاضرنا ومستقبلنا، ولذا يجب أن لا يرفف في أي مكان».
وأبدى كثير من الناشطين السود امتعاضهم من عدم اتخاذ إجراءات حاسمة بشأن منع العلم الكونفدرالي وتأييد بعض المسؤولين للإبقاء على العلم. وعبر مطرب الهيب هوب الأميركي والناشط في حقوق السود كيلير مايك عن امتعاضه من العلم، قائلا: «رغم تفهمي لكونه يمثل ماضي الجنوب، فإنه استخدم من قبل عنصريين، يعملون على إخافة السود والتنكيل بهم، وكذلك من قبل أعضاء من النازيين الجدد، فهل نعمل على الإبقاء عليه؟». فيما ذهب لويس فرخان زعيم التنظيم السياسي والديني «أمة الإسلام» إلى القول إنه «يجب إنزال العلم الأميركي وليس العلم الكونفدرالي وحده، فقط طالنا جحيم من المآسي بسبب هذا العلم، فمن الذين نحاربهم اليوم؟ هم أناس يحملون العلم الأميركي». ولعل تلك المطالبات هي التي أكدت مخاوف المذيع الأميركي رش ليمبي، اليميني المتشدد، من أن حظر العلم الكونفدرالي هو البداية فقط لطريق يسعى لحظر العلم الأميركي والمطالبة بإنزال من كل المباني الحكومية. كما عبر في برنامجه الإذاعي: «لقد رفرف العلم الأميركي فوق كثير من الولايات وفوق كثير من معاقل القتال أكثر من العلم الكونفدرالي». وأضاف: «مسألة العلم الكونفدرالي هي محاولة من الليبراليين للقضاء على معقل المصوتين المحافظين، وهو الجنوب».
إلا أن هناك من السود المحافظين من لا يكترث بالتصويت ويؤيدون العلم الكونفدرالي لأنه جزء من تراث يعتزون به؛ مثل الطالب الأميركي الأسود بايرون توماس من جامعة ساوث كارولينا الذي عاد إلى سجل النقاشات هذا الأسبوع بعد أن كرر مطالبته بالإبقاء على العلم. وأثار توماس الجدل عام 2011 بعد أن ربح قضيته ضد جامعته لمنعه من تعليق علم الكونفدرالية من شباك غرفته في السكن الجامعي، وظهر توماس على الساحة مره أخرى مؤخرا معارضا لقرار إزالة الأعلام، ومعللا ذلك بأن العلم هو مصدر للفخر بالهوية الجنوبية وبمشاركه أجداده في الحرب الأهلية من خلال إعداد الطعام للمحاربين وتجهيز العدة للمقاتلين البيض.
وفي السياق نفسه، تفاوتت آراء الأميركيين حول العلم الكونفدرالي حسب استطلاعات الرأي؛ فبحسب ما قال جون ديفز، الطالب في كلية المجتمع بشمال فيرجينا، لـ«الشرق الأوسط»: «العلم الكونفدرالي يشكل جزءا من تاريخنا، ولكن ذلك لا يعني موافقتنا على ما حصل فيه وعلى أنظمة العبودية حاليا، ولكني مع الإبقاء عليه لتذكير المجتمع المحلي بما يجب القيام به للنهوض بالحقوق المدنية للسود». وخالفه تود (25 عاما) العامل في إحدى محلات الكتب في فيرجينيا، إذ ذكر أن «الأحداث الأخيرة في شارلستون، وقبلها باليتمور ونيويووك وفيرغسون.. كلها تؤكد وجود عنصرية وعنف تجاه الأميركيين السود، والإبقاء على العلم في المباني الحكومية فيه تعزيز لهذه الممارسات وتعزيز لتفوق العنصر الأبيض في المجتمع، وهذه الثقافة يجب إيقافها».
وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «يوغوف» عام 2013، أن نحو 44 في المائة من الأميركيين يؤمنون بأن العلم رمز للعنصرية، مقابل 24 في المائة يرون أنه عنصري تماما. وأبدى 20 في المائة رأيهم بأن العلم يمثل رمزا للعنصرية ومصدر فخر للولايات الجنوبية في الوقت نفسه، واتفق 38 في المائة على رفض رفع العلم في المباني الحكومية أو العامة. وأظهر استطلاع آخر أجرته مؤسسة «بيو» عام 2011 أن 30 في المائة من الأميركيين يحملون مشاعر سلبية تجاه العلم الكونفدرالي، في حين رحب 9 في المائة فقط به وأظهروا مشاعر إيجابية تجاهه، بينما 58 في المائة لم يظهروا أي مشاعر تجاهه.
على الصعيد التجاري، قامت شركة «أبل» في الآونة الأخيرة بحذف كل الألعاب القتالية المستوحاة من الحرب الأهلية الأميركية والتي تحمل علم الكونفدرالية، من متجرها الإلكتروني، منضمة بذلك إلى قائمة الشركات التي سحبت الأعلام الكونفدرالية من قائمه مبيعاتها وتوقفت عن بيع أي منتجات أو سلع أو ملابس تحمل العلم الكونفدرالي، ومن تلك الشركات عمالقة المتاجر الأميركية «وولمارت» و«سيرز» و«كاي مارت» وموقعا «إي باي» و«أمازون»، وذلك تعاطفًا منها مع ضحايا وردود الفعل على جريمة شارلستون. ومع ذلك، ما زال العام الكونفدرالي الأميركي يصارع من أجل البقاء.



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.


بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.


واشنطن: مادورو غير شرعي

نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
TT

واشنطن: مادورو غير شرعي

نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)

قالت الولايات المتحدة اليوم (الثلاثاء)، إنها ما زالت ترفض اعتبار نيكولاس مادورو الرئيس الشرعي لفنزويلا، وتعترف بسلطة الجمعية الوطنية المُشَكَّلة عام 2015 بعد أن حلت المعارضة «حكومتها المؤقتة».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين: «نهجنا تجاه نيكولاس مادورو لا يتغير. إنه ليس الرئيس الشرعي لفنزويلا. نعترف بالجمعية الوطنية المُشَكَّلة عام 2015»، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية.
ولدى سؤاله عن الأصول الفنزويلية، ولا سيما شركة النفط الفنزويلية في الولايات المتحدة، قال برايس إن «عقوباتنا الشاملة المتعلقة بفنزويلا والقيود ذات الصلة تبقى سارية. أفهم أن أعضاء الجمعية الوطنية يناقشون كيف سيشرفون على هذه الأصول الخارجية».