روبرتو دي زيربي... مغامر جاء إلى برايتون كهدية في الوقت المناسب

المدير الفني الإيطالي يتميز بالشجاعة الكبيرة في خططه التكتيكية ويشكل تحدياً كبيراً للمدربين الآخرين

لاعبو برايتون وفرحة الفوز الساحق على تشيلسي برباعية (أ.ف.ب)
لاعبو برايتون وفرحة الفوز الساحق على تشيلسي برباعية (أ.ف.ب)
TT

روبرتو دي زيربي... مغامر جاء إلى برايتون كهدية في الوقت المناسب

لاعبو برايتون وفرحة الفوز الساحق على تشيلسي برباعية (أ.ف.ب)
لاعبو برايتون وفرحة الفوز الساحق على تشيلسي برباعية (أ.ف.ب)

لكي يتطور الدوري الإنجليزي الممتاز ويستمر في إثارة وإمتاع الجماهير، فإنه يحتاج إلى أفكار وفلسفات جديدة لمساعدة كرة القدم الإنجليزية في التطور والتحسن والمضي قدماً. ويعد روبرتو دي زيربي، المدير الفني الجديد لبرايتون، أحدث مدير فني ترك تأثيراً فورياً على المسابقة، بعدما أثار إعجاب المشجعين والمديرين الفنيين والنقاد بطريقته المميزة والممتعة في اللعب. في الحقيقة، لم أكن أعرف الكثير عن دي زيربي قبل وصوله إلى إنجلترا، لذلك حاولت معرفة كيف ستلائم طريقته في التدريب فلسفة نادي برايتون، التي تم بناؤها بذكاء شديد على مدى سنوات عديدة. إنها عملية مدروسة للغاية، ويبدو أن التعاقد مع المدير الفني الإيطالي الشاب هو خطوة في منتهى الذكاء أيضاً من جانب النادي الإنجليزي.

دي زيربي يحتفل بانتصار برايتون على ولفرهامبتون مع غروس صاحب هدف الفوز (رويترز)

وأثبت دي زيربي براعته عندما قاد برايتون للتغلب على تشيلسي بقيادة المدير الفني السابق لبرايتون، غراهام بوتر، بأربعة أهداف مقابل هدف وحيد قبل أن يهزم ولفرهامبتون على أرضه السبت. وتعد هاتان النتيجتان، خصوصاً الثقيلة على تشيلسي، بمثابة إنذار شديد اللهجة إلى أندية الدوري الإنجليزي الممتاز. من النادر أن يأتي مدير فني لكي يبني على النجاح الذي حققه سلفه، لأننا عادة ما نرى التغيير في القيادة الفنية يحدث لأن المدير الفني السابق أقيل بسبب سوء النتائج والمستويات. لكن دي زيربي تولى قيادة برايتون بعدما كان يقدم مستويات رائعة تحت قيادة بوتر، وقد يكون من الصعب على أي مدير فني أن يتولى قيادة فريق ناجح بالفعل، لأن أي تراجع ولو طفيفاً في النتائج أو المستوى لن يكون في صالحه. وعلاوة على ذلك، من السهل جداً تحديد المشاكل والعيوب في الفريق الذي يعاني والعمل على تحسينها، لكن من الصعب للغاية تطوير فريق جيد بالفعل. لكن لحسن الحظ، تمكن دي زيربي بأفكاره المبتكرة من تطوير الفريق بشكل ملحوظ.
وأمام ولفرهامبتون وتشيلسي، دفع دي زيربي بلاعب خط الوسط باسكال غروس في مركز الظهير الأيمن، وهو الذي سجل هدف الانتصار على ولفرهامبتون بتسديدة في سقف الشبكة في الدقيقة 83 (3 - 2). ومن الواضح للجميع أن المدير الفني الإيطالي يعرف جيداً كيف يشرح للاعبيه الأسباب التي دفعته لتغيير مراكزهم، وكيف يمكنهم تنفيذ تعليماته وتوجيهاته من أجل مصلحة الفريق، وهو الأمر الذي يجعل الفريق يتحلى بمرونة أكبر داخل المستطيل الأخضر. لكن تجب الإشارة أيضاً إلى أن دي زيربي قد استفاد كثيراً من حقيقة أن بوتر نفسه كان يغير مراكز اللاعبين بشكل مستمر، وهو الأمر الذي يجعل اللاعبين منفتحين على الأفكار المختلفة من مديرهم الفني الجديد، وهو ما يستخدمه دي زيربي لصالحه بشكل رائع.
ويمكن وصف دي زيربي بأنه مغامر فيما يتعلق بالطريقة التي يريد أن يلعب بها فريقه من الخلف، كما يسعى لاتباع مراحل معدة مسبقاً للعب. إنه يريد أن يتسلم المدافعون الكرة في عمق الملعب، وفي مناطق قريبة من مرمى فريقهم في بعض الأحيان، واستغلال قدراتهم الفنية لتحمل الضغط وإيجاد طريقة بالخروج للكرة ونقلها للأمام. ويعتمد المدير الفني الإيطالي على قلبي الدفاع في بناء الهجمات من الخلف للأمام، ويريد أن يمتص الضغط من الفريق المنافس، ويعطيه شعوراً مزيفاً بأنه في أمان، وبمجرد أن يستحوذ على الكرة فإنه ينقلها للأمام بسرعة كبيرة لنقلها إلى المهاجمين في موقف واحد ضد واحد.
وضد تشيلسي، أظهر دي زيربي أنه يمكن لكاورو ميتوما عزل تريفوه شالوبا، وأنه يمكن لسولي مارش أن يفعل الشيء نفسه مع مارك كوكوريلا. لقد كان تشيلسي يعتقد أنه بإمكانه استعادة الكرة سريعاً من خلال الضغط العالي في جميع أنحاء الملعب، لكن لاعبي برايتون أظهروا براعة كبيرة للغاية في الاحتفاظ بالكرة. وحتى عندما يفقد لاعبو برايتون الكرة، فإنه يضغطون على الفريق المنافس بطريقة مختلفة تماماً عما كان عليه الأمر تحت قيادة بوتر، لكن لا تزال هناك بعض المشاكل التي يتعين على الفريق التغلب عليها في خط الدفاع.
يتميز دي زيربي بأنه شجاع، ويبدو شخصية مثيرة للاهتمام سيقبلها ويحبها مشجعو برايتون. ومن الرائع دائماً أن ترى مديراً فنياً جديداً يأتي ويغير الطريقة التي يلعب بها النادي إلى الأفضل. إنه منظم للغاية فيما يتعلق برغبته في تحقيق أهدافه وخططه التكتيكية، على غرار المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا. ومن الواضح أنه يختار لاعباً معيناً أو منطقة بعينها داخل الملعب ويبني عليها خطته خلال المباراة.
ويشبه برايتون مانشستر سيتي من حيث الضغط الشرس على حامل الكرة، لكن برايتون يبني الهجمات بشكل مختلف. كما أن مانشستر سيتي لا يلعب بمغامرة كبيرة، مثل برايتون تحت قيادة دي زيربي. وفي أول 3 مبارايات تحت قيادة المدير الفني الإيطالي، كنت أعتقد أنه يلعب بطريقة تحمل قدراً هائلاً من المغامرة ستكلف الفريق غالياً، لكن ربما كان هذا الشعور ناجماً عن أنني كنت أرى الفريق يلعب بطريقة مختلفة عما كان يلعب بها في السابق.
لقد استعان برايتون بخدمات مدير فني قادر على العمل وفق الفلسفة التي بناها النادي على مدار سنوات عديدة، لكنه قادر أيضاً على إضافة شيء جديد، وهذا أمر جيد للغاية لأنك لو أحضرت المديرين الفنيين أنفسهم لتكرار العملية نفسها فسوف يكون الأمر مملاً للغاية بالنسبة للجماهير. إننا نرى الآن كثيراً من الاختلافات والتغييرات تحت قيادة دي زيربي، وأنا شخصياً أود أن أرى أفكاراً جديدة، وأن أنظر إلى ما يفعله المديرون الفنيون لكي أتعلم منهم، بينما أتساءل عما إذا كنت قادرة على أن أفعل الشيء نفسه. كرة القدم لا تتوقف عن التطور، فعندما جاء غوارديولا ويورغن كلوب، كان يتعين على المديرين الفنيين الآخرين التكيف والتطور والتحسن حتى يكونوا قادرين على مواجهتهما. ومن الواضح أن مواجهة دي زيربي ستكون تحدياً كبيراً لكل المديرين الفنيين في الدوري الإنجليزي الممتاز.
وقال المدير الفني شون دايك: «أفضل المديرين الفنيين عبارة عن لصوص»، وهو محق تماماً في ذلك، حيث إنهم يسافرون في جميع أنحاء العالم للتعلم من الآخرين والاطلاع على أفضل الأفكار لتشكيل أسلوبهم وفلسفتهم قبل تنفيذها على أرض الواقع. لقد سافر المديرون الفنيون البريطانيون حول العالم، فذهب بوتر إلى السويد، وذهب بريندان رودجرز إلى إسبانيا للتعلم من المديرين الفنيين هناك، وقضى إيدي هاو بعض الوقت مع دييغو سيميوني في أتلتيكو مدريد للتعلم منه أيضاً.
وبالتالي، فمن الجيد أن يتطور الدوري الإنجليزي الممتاز والمديرون الفنيون والأندية بشكل مستمر. أنا أحب التغيير والتطور، لأنه لو لم يحدث ذلك فإن الأمر سيكون مملاً. إننا بحاجة إلى التنافس المستمر والعمل الجاد من أجل حل المشكلات التي نواجهها. لقد جاء دي زيربي إلى الدوري الإنجليزي الممتاز ليختبر نفسه في هذه البطولة القوية، والآن فإن مهمة المنافسين هي أن يدفعوه إلى تقديم أفضل ما لديه!


مقالات ذات صلة

الحكم بسجن الدولي الإيطالي إيتزو لتواطئه مع «المافيا»

الرياضة الحكم بسجن الدولي الإيطالي إيتزو لتواطئه مع «المافيا»

الحكم بسجن الدولي الإيطالي إيتزو لتواطئه مع «المافيا»

أصدرت محكمة في نابولي حكماً بالسجن، في حق مُدافع فريق «مونتسا» الدولي أرماندو إيتزو، لمدة 5 أعوام؛ بسبب مشاركته في التلاعب بنتيجة مباراة في كرة القدم. وقال محاموه إن إيتزو، الذي خاض 3 مباريات دولية، سيستأنف الحكم. واتُّهِم إيتزو، مع لاعبين آخرين، بالمساعدة على التلاعب في نتيجة مباراة «دوري الدرجة الثانية» بين ناديه وقتها «أفيلينو»، و«مودينا»، خلال موسم 2013 - 2014، وفقاً لوكالات الأنباء الإيطالية. ووجدت محكمة في نابولي أن اللاعب، البالغ من العمر 31 عاماً، مذنب بالتواطؤ مع «كامورا»، منظمة المافيا في المدينة، ولكن أيضاً بتهمة الاحتيال الرياضي، لموافقته على التأثير على نتيجة المباراة مقابل المال.

«الشرق الأوسط» (ميلانو)
الرياضة الدوري «الإسباني» يتعافى «مالياً» ويرفع إيراداته 23 %

الدوري «الإسباني» يتعافى «مالياً» ويرفع إيراداته 23 %

أعلنت رابطة الدوري الإسباني لكرة القدم، اليوم (الخميس)، أن الأندية قلصت حجم الخسائر في موسم 2021 - 2022 لأكثر من ستة أضعاف ليصل إلى 140 مليون يورو (155 مليون دولار)، بينما ارتفعت الإيرادات بنسبة 23 في المائة لتتعافى بشكل كبير من آثار وباء «كوفيد - 19». وأضافت الرابطة أن صافي العجز هو الأصغر في مسابقات الدوري الخمس الكبرى في أوروبا، والتي خسرت إجمالي 3.1 مليار يورو، وفقاً للبيانات المتاحة وحساباتها الخاصة، إذ يحتل الدوري الألماني المركز الثاني بخسائر بقيمة 205 ملايين يورو. وتتوقع رابطة الدوري الإسباني تحقيق صافي ربح يقل عن 30 مليون يورو في الموسم الحالي، ورأت أنه «لا يزال بعيداً عن المستويات قب

«الشرق الأوسط» (مدريد)
الرياضة التعاون يوقف قطار الاتحاد... ويمنح النصر «خدمة العمر»

التعاون يوقف قطار الاتحاد... ويمنح النصر «خدمة العمر»

منح فريق التعاون ما تبقى من منافسات دوري المحترفين السعودي بُعداً جديداً من الإثارة، وذلك بعدما أسقط ضيفه الاتحاد بنتيجة 2-1 ليلحق به الخسارة الثانية هذا الموسم، الأمر الذي حرم الاتحاد من فرصة الانفراد بالصدارة ليستمر فارق النقاط الثلاث بينه وبين الوصيف النصر. وخطف فهد الرشيدي، لاعب التعاون، نجومية المباراة بعدما سجل لفريقه «ثنائية» في شباك البرازيلي غروهي الذي لم تستقبل شباكه هذا الموسم سوى 9 أهداف قبل مواجهة التعاون. وأنعشت هذه الخسارة حظوظ فريق النصر الذي سيكون بحاجة لتعثر الاتحاد وخسارته لأربع نقاط في المباريات المقبلة مقابل انتصاره فيما تبقى من منافسات كي يصعد لصدارة الترتيب. وكان راغد ال

الرياضة هل يكرر الهلال إنجاز شقيقه الاتحاد «آسيوياً»؟

هل يكرر الهلال إنجاز شقيقه الاتحاد «آسيوياً»؟

يسعى فريق الهلال لتكرار إنجاز مواطنه فريق الاتحاد، بتتويجه بلقب دوري أبطال آسيا بنظامها الجديد لمدة عامين متتاليين، وذلك عندما يحل ضيفاً على منافسه أوراوا ريد دياموندز الياباني، السبت، على ملعب سايتاما 2022 بالعاصمة طوكيو، بعد تعادل الفريقين ذهاباً في الرياض 1 - 1. وبحسب الإحصاءات الرسمية للاتحاد الآسيوي لكرة القدم، فإن فريق سوون سامسونغ بلو وينغز الكوري الجنوبي تمكّن من تحقيق النسختين الأخيرتين من بطولة الأندية الآسيوية أبطال الدوري بالنظام القديم، بعد الفوز بالكأس مرتين متتاليتين موسمي 2000 - 2001 و2001 - 2002. وتؤكد الأرقام الرسمية أنه منذ اعتماد الاسم الجديد للبطولة «دوري أبطال آسيا» في عا

فارس الفزي (الرياض)
الرياضة رغد النعيمي: لن أنسى لحظة ترديد الجماهير اسمي على حلبة الدرعية

رغد النعيمي: لن أنسى لحظة ترديد الجماهير اسمي على حلبة الدرعية

تعد الملاكمة رغد النعيمي، أول سعودية تشارك في البطولات الرسمية، وقد دوّنت اسمها بأحرف من ذهب في سجلات الرياضة بالمملكة، عندما دشنت مسيرتها الدولية بفوز تاريخي على الأوغندية بربتشوال أوكيدا في النزال الذي احتضنته حلبة الدرعية خلال فبراير (شباط) الماضي. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قالت النعيمي «كنت واثقة من فوزي في تلك المواجهة، لقد تدربت جيداً على المستوى البدني والنفسي، وعادة ما أقوم بالاستعداد ذهنياً لمثل هذه المواجهات، كانت المرة الأولى التي أنازل خلالها على حلبة دولية، وكنت مستعدة لجميع السيناريوهات وأنا سعيدة بكوني رفعت علم بلدي السعودية، وكانت هناك لحظة تخللني فيها شعور جميل حينما سمعت الج


بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
TT

بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)

حققت الأفغانية مانيزها تالاش حلمها بالأداء خلال مسابقات «أولمبياد باريس 2024» المقامة في العاصمة الفرنسية، ضمن فريق اللاجئين، بعد هروبها من قبضة «طالبان».

وترقص تالاش (21 عاماً) «بريك دانس»، وكانت أول راقصة معروفة في موطنها الأصلي (أفغانستان)، لكنها فرَّت من البلاد بعد عودة «طالبان» إلى السلطة في عام 2021. ومع ظهور رقص «البريك دانس» لأول مرة في الألعاب الأولمبية في باريس، ستصعد تالاش إلى المسرح العالمي لتؤدي ما هي شغوفة به.

وتقول تالاش في مقابلة أُجريت معها باللغة الإسبانية: «أنا أفعل ذلك من أجلي، من أجل حياتي. أفعل ذلك للتعبير عن نفسي، ولأنسى كل ما يحدث إذا كنت بحاجة إلى ذلك»، وفقاً لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

ترقص تالاش «بريك دانس» وهي في عمر السابعة عشرة (حسابها الشخصي - إنستغرام)

شبح «طالبان»

يرفض العديد من الأفغان المحافظين الرقص، وفكرة مشاركة النساء محظورة بشكل خاص. وفي ظل حكم «طالبان»، مُنعت النساء الأفغانيات فعلياً من ممارسة العديد من الأنشطة الرياضية. منذ عودة الجماعة إلى السلطة قبل 3 سنوات، أغلقت الحكومة مدارس البنات، وقمعت التعبير الثقافي والفني، وفرضت قيوداً على السفر على النساء، وحدَّت من وصولهن إلى المتنزهات وصالات الألعاب الرياضية.

مقاتل من «طالبان» يحرس نساء خلال تلقي الحصص الغذائية التي توزعها مجموعة مساعدات إنسانية في كابل (أ.ب)

وقال تقرير للأمم المتحدة عن حقوق الإنسان هذا العام إن «عدم احترام (طالبان) للحقوق الأساسية للنساء والفتيات لا مثيل له في العالم». منذ اليوم الذي بدأت فيه تالاش الرقص، قبل 4 سنوات، واجهت العديد من الانتقادات والتهديدات من أفراد المجتمع والجيران وبعض أفراد الأسرة. وقالت إنها علمت بأنها إذا أرادت الاستمرار في الرقص، فليس لديها خيار إلا الهروب، وقالت: «كنت بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة».

فريق اللاجئين

سيضم الفريق الذي ظهر لأول مرة في ألعاب «ريو دي جانيرو 2016»، هذا العام، 36 رياضياً من 11 دولة مختلفة، 5 منهم في الأصل من أفغانستان. وسيتنافسون تحت عَلَم خاص يحتوي على شعار بقلب محاط بأسهم، للإشارة إلى «التجربة المشتركة لرحلاتهم»، وستبدأ الأولمبياد من 26 يوليو (تموز) الحالي إلى 11 أغسطس (آب). بالنسبة لتالاش، التي هاجرت إلى إسبانيا، تمثل هذه الألعاب الأولمبية فرصة للرقص بحرية، لتكون بمثابة رمز الأمل للفتيات والنساء في أفغانستان، ولإرسال رسالة أوسع إلى بقية العالم.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

وفي فبراير (شباط) الماضي، تدخلت صديقة أميركية لتالاش، تُدعي جواركو، بالتقديم إلى عناوين البريد الإلكتروني الأولمبي لمشاركة الفتاة الأفغانية، وفي اليوم التالي، تلقت رداً واحداً من مدير فريق اللاجئين الأولمبي، غونزالو باريو. وكان قد تم إعداد فريق اللاجئين المتوجّه إلى باريس، لكن المسؤولين الأولمبيين تأثروا بقصة تالاش وسارعوا إلى تنسيق الموارد. وافقت اللجنة الأولمبية الإسبانية على الإشراف على تدريبها، وكان المدربون في مدريد حريصين على التطوع بوقتهم.

وقال ديفيد فينتو، المدير الفني للمنتخب الإسباني: «شعرت بأنه يتعين علينا بذل كل ما في وسعنا. في شهر مارس (آذار)، حصلت تالاش على منحة دراسية، مما سمح لها بالانتقال إلى مدريد والتركيز على الاستراحة. وبعد بضعة أسابيع فقط، وصلت الأخبار بأنها ستتنافس في الألعاب الأولمبية». يتذكر جواركو: «لقد انفجرت في البكاء، وكانت تبتسم».

وقالت تالاش: "كنت أبكي بدموع الفرح والخوف".وجزء من مهمة الألعاب الأولمبية المعلنة هو "دعم تعزيز المرأة في الرياضة على جميع المستويات" وتشجيع "مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة". ولهذا السبب، كانت العلاقة بين الحركة الأولمبية وأفغانستان مشحونة منذ فترة طويلة. وقامت اللجنة الأولمبية الدولية بتعليق عمل اللجنة الأولمبية في البلاد في عام 1999، وتم منع أفغانستان من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في سيدني.

شغفها حقق هدفها

لم يغِب عن تالاش أن موسيقى «البريك» و«الهيب هوب»، المحظورة في موطنها، أعطتها هدفاً لحياتها، وساعدت أيضاً في إنقاذ عائلتها. وقالت: «هذا أكبر بكثير من أي حلم حلمت به من قبل أو حتى يمكن أن أفكر فيه»، مضيفة: «إذا قالت (طالبان) إنها ستغادر في الصباح، فسوف أعود إلى منزلي بعد الظهر».

ويحكي جواد سيزداه، صديق تالاش وزعيم مجتمع «الهيب هوب» في كابل: «إذا سألت الأجانب عن أفغانستان، فإن الشيء الوحيد الذي يتخيلونه هو الحرب والبنادق والمباني القديمة. لكن لا، أفغانستان ليست كذلك». وأضاف: «أفغانستان هي تالاش التي لا تنكسر. أفغانستان هي التي أقدم فيها بموسيقى الراب، ليست الحرب في أفغانستان وحدها».

وعندما كانت تالاش في السابعة عشرة من عمرها، عثرت على مقطع فيديو على «فيسبوك» لشاب يرقص «بريك دانس» ويدور على رأسه، في مشهد لم يسبق لها أن رأت شيئاً مثله. وقالت: «في البداية، اعتقدت أنه من غير القانوني القيام بهذا النوع من الأشياء». ثم بدأت تالاش بمشاهدة المزيد من مقاطع الفيديو، وأصابها الذهول من قلة الراقصات. وأوضحت: «قلتُ على الفور: سأفعل ذلك. أنا سوف أتعلم».

وقامت بالتواصل مع الشاب الموجود في الفيديو (صديقها سيزداه) الذي شجعها على زيارة النادي المحلي الذي تدرب فيه، والذي كانت لديه محاولة لتنمية مجتمع «الهيب هوب» في كابل، ولجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لدعوة جميع الأعمار والأجناس للرقص وموسيقى الراب. كان هناك 55 فتى يتدربون هناك. كانت تالاش الفتاة الأولى.

وقال سيزداه (25 عاماً): «إذا رقص صبي، فهذا أمر سيئ في أفغانستان وكابل. وعندما ترقص فتاة، يكون الأمر أسوأ. إنه أمر خطير جداً. رقص الفتاة أمر غير مقبول في هذا المجتمع. لا توجد إمكانية لذلك.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

كنا نحاول أن نجعل الأمر طبيعياً، لكنه كان صعباً للغاية. لا يمكننا أن نفعل ذلك في الشارع. لا يمكننا أن نفعل ذلك، كما تعلمون، في مكان عام»، وفقا لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

كانت تالاش أول فتاة تنضم إلى نادي الرقص «Superiors Crew» في كابل.

تهديدات بالقتل

بعد استيلاء «طالبان» على السلطة، فرَّ أعضاء النادي إلى باكستان. وفي أحد الأحداث الجماعية الأولى للفريق في النادي الصغير، انفجرت سيارة مفخخة في مكان قريب. ووقعت إصابات في الشارع، لكن الراقصين بالداخل لم يُصابوا بأذى. ومع انتشار أخبار بأن تالاش كانت ترقص، بدأت تتلقى تهديدات بالقتل.

مقاتل من «طالبان» يقف في الحراسة بينما تمر امرأة في العاصمة كابل يوم 26 ديسمبر 2022... وشجب مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة القيود المزدادة على حقوق المرأة بأفغانستان (أ.ب)

كان من المفترض أن يكون النادي مكاناً آمناً، ولكن في أحد الأيام دخل رجل مدعياً أنه راقص يريد التعلم. وبدا مريباً لباقي الأعضاء، ووفقاً لتالاش وسيزداه، سرعان ما داهمت قوات إنفاذ القانون النادي، وألقت القبض على الرجل الذي كان يحمل قنبلة. قال سيزده: «إنهم قالوا إنه عضو في (داعش). لقد أراد فقط أن يفجِّر نفسه».

رحلة الهروب للنجاة!

وبعد بضعة أشهر من الواقعة، غادرت قوات «حلف شمال الأطلسي» والجيش الأميركي أفغانستان، وعادت «طالبان» إلى السلطة في 2021، وقال سيزداه إن مالك العقار اتصل به وحذره من العودة، وإن الناس كانوا يبحثون عن أعضاء الفريق، وقال سيزداه: «هناك أسباب كثيرة» للمغادرة. «الأول هو إنقاذ حياتك».

وقام العشرات من أعضاء نادي «الهيب هوب» بتجميع ما في وسعهم وتحميلهم في 3 سيارات متجهة إلى باكستان. أخذت تالاش شقيقها البالغ من العمر 12 عاماً، وودعت والدتها وأختها الصغرى وأخاً آخر.

وقالت تالاش: «لم أكن خائفة، لكنني أدركت أنني بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة. كان هذا مهماً بالنسبة لي. لم أغادر قط لأنني كنت خائفة من (طالبان)، أو لأنني لم أتمكن من العيش في أفغانستان، بل لأفعل شيئاً، لأظهر للنساء أننا قادرون على القيام بذلك؛ أنه ممكن». اضطرت تالاش إلى ترك والدتها في أفغانستان، وتحقق الحلم الأولمبي ولم شمل الأسرة.

لمدة عام تقريباً، عاشوا بشكل غير قانوني في باكستان دون جوازات سفر وأمل متضائل. لم يشعروا بالأمان في الأماكن العامة، لذلك قضى 22 شخصاً معظم اليوم محشورين معاً في شقة. لم يكن هناك تدريب أو رقص. تلقت تالاش كلمة مفادها أن مسؤولي «طالبان» اتصلوا بوالدتها في كابل للاستفسار عن مكان وجود الفتاة الصغيرة. وقالت: «أحياناً أتمنى أن أنسى كل ذلك»، ثم تواصل أعضاء نادي «الهيب هوب» مع السفارات ومجموعات المناصرة والمنظمات غير الحكومية للحصول على المساعدة. وأخيراً، وبمساعدة منظمة إسبانية للاجئين تدعى People HELP، تم منحهم حق اللجوء في إسبانيا.

انقسم الفريق، وتم نقل تالاش وشقيقها إلى هويسكا، وهي بلدة صغيرة في شمال شرقي إسبانيا. كانت لديها وظيفة تنظيف في صالون محلي، ورغم عدم وجود استوديو أو نادٍ مخصص للاستراحة، فقد وجدت صالة ألعاب رياضية تسمح لها بالرقص بعد ساعات العمل. بعد سنوات من الانفصال، تم لم شمل تالاش وعائلتها أخيراً حيث يعيشون الآن في نزل للاجئين بمدريد.