الهنود يعودون لأدوات طهي أجدادهم

من الأسباب جائحة {كورونا} والفائدة الصحية

الأواني النحاسية تحافظ على نكهة الطعام
الأواني النحاسية تحافظ على نكهة الطعام
TT

الهنود يعودون لأدوات طهي أجدادهم

الأواني النحاسية تحافظ على نكهة الطعام
الأواني النحاسية تحافظ على نكهة الطعام

يعجّ مطبخ الشيف الهندي الشهير فيكاس خانا بالأواني النحاسية وصناديق توابل عمرها 100 عام، حتى إن هناك مقلاة حديدية موجودة منذ حفل زفاف جدته.
ويقول الطاهي الهندي الحاصل على نجمة ميشلان، والذي يعمل بشكل دؤوب على جمع القطع الأثرية الخاصة بالمطابخ من جميع أنحاء الهند، التي غالباً ما يعرضها في مطعمه «جونون» الموجود في ولاية نيويورك، الولايات المتحدة: «لقد أتقنت الهند القديمة فن صناعة السبائك، ويسعدني أن أرى مكونات مثل النحاس والقصدير والحديد والكربون تشق طريقها مرة أخرى إلى مطابخنا، وذلك لأنهم لا يمثلون تراثنا الهندي فحسب، بل يمثلون البحث العلمي والفنون والتصميم والأشكال الفريدة الخاصة بنيودلهي أيضاً».

مجموعة من الأواني الفخارية التي تحافظ على حرارة الطعام لمدة أطول

ويضم «متحف الطهي»، الذي يعد الأول من نوعه، مئات الأواني والأطباق، ومغرفة رائعة عمرها 100 عام كانت تُستخدَم لتقديم الطعام في المعابد، وأواني من مناطق «كونكان» و«أودوبي» و«تشيتيناد»، ومرشات بذور قديمة، وأطباقاً ملونة يعود تاريخها إلى عصر هارابان، وبكرات دوارة، ومجموعة متنوعة من مصافي الشاي، وعصارات فواكه تعمل بالضغط اليدوي، وزجاجات لحفظ المخللات، وأواني خزفية جميلة، ومجموعة من الملاعق ذات النقوش الفنية وملاعق التقديم من مختلف أنحاء الهند، مثل «كوتشي» و«جامو» و«بيون» و«حيدر آباد» و«غوجارات» و«راغاستان»، حتى الولايات الشمالية الشرقية، من بين كثير من الولايات الأخرى.
وفي سعيه للحفاظ على التراث الثقافي الهندي الغني، سافر الشيف خانا على مدى السنوات العشر الماضية واستكشف طول البلاد وعرضها وقام ببناء هذا المستودع الضخم الذي يضم محتويات مطابخنا من المناطق والجغرافيا والأديان والثقافات المختلفة، وتمكن الشيف خانا أيضاً من استعادة بعض قطع أدوات الطهي والأواني التي كانت قد فُقدت بمرور الوقت، على سبيل المثال، في الحقبة الهولندية والبرتغالية.
ولكن مَن الشخص الذي قد يرغب في تأسيس متحف كامل للأواني؟ ولماذا؟ يجيب الطاهي الهندي على هذا السؤال قائلاً: «السبب يرجع إلى شغفي بالحفاظ على ثقافتنا التي باتت تحتضر»، ويضيف: «لقد لاحظت كيف تخلصت والدتي وجدتي، على مر السنين، من أواني الطهي الكبيرة والأواني المستخدمة في المناسبات الخاصة، وشعرت أنه في يوم من الأيام، سيضيع كل هذا إلى الأبد، ولذلك بدأت في الاحتفاظ بكثير من هذه الأدوات».
وفي السنوات الأخيرة، باتت فكرة إحياء التراث أحد الجوانب المميزة لفن الطهي الهندي، وذلك من خلال التركيز على تقنيات الطهي القديمة لوصفات عمرها قرون، واستخدام المكونات المنسية والمعلومات القديمة الخاصة بالطهي، إذ يبدو أن نيودلهي قد عادت إلى الوراء في الزمن من أجل كتابة لغة تذوق طعام جديدة للمستقبل، وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك أيضاً اهتماماً متزايداً بالحياة المستدامة والصديقة للبيئة.

الشيف فيكاس خانا في جولة تسوق في أسواق الهند الشعبية المتخصصة ببيع أواني الطبخ القديمة

- العودة إلى كل ما هو قديم
مع ازدياد وعي الناس بمخاطر أدوات الطهي الحديثة؛ حيث يتم ترشيح النيكل والكروم من أواني الفولاذ المقاوم للصدأ (ستانلس ستيل)، وتسريب مركب «بيسفينول A» المعروف باسم «BPA» من البلاستيك إلى الأطعمة، فإن المواد التقليدية مثل النحاس والحديد والحجر والطين باتت تعود مرة أخرى إلى المطابخ الهندية، إذ يبدو أن الهنود قد باتوا يعودون إلى أدوات جداتهم القديمة فيما يتعلق بالطهي.
وتشير المتاجر التي تبيع أدوات الطهي التقليدية المصنوعة من النحاس الأصفر والبرونز والحديد الزهر والطين والحجر الأملس إلى وجود زيادة في الطلب في هذه الأوقات، ووفقاً للمؤسس المشارك في شركة «Zishta» الهندية لأدوات الطبخ التقليدية المصنوعة من حديد الزهر والنحاس، لميرا راماكريشنان، فإن الطلب على الأدوات التي ينتجونها قد تضاعف. وأضاف: «لقد أتاح وباء فيروس كورونا المستجد للجميع وقتاً للتوقف وإحداث تغيير في نمط حياتهم».
وبالنسبة إلى كايال فيزي سريرام، فإن بدء تشغيل منصة عبر الإنترنت لبيع أدوات الطهي التقليدية المصنوعة يدوياً كان هو الخطوة المنطقية التالية بعد إدارتها متجراً للأطعمة العضوية، إذ كانت هي وزوجها يديران المتجر لبضع سنوات في «تشيناي» عندما أدركت أن توفير المكونات الطبيعية بالكامل ليس كافياً لمساعدة الناس على عيش حياة صحية، ولذا فإنه كان من المهم أيضاً الطهي في الأوعية المناسبة للاحتفاظ بالعناصر الغذائية ونكهات المكونات، وبعدها بدأت رحلتها للعثور على أواني الطهي المصنوعة من الطين والحديد والنحاس.
وتقول سريرام: «هناك سبب لاستخدام أجدادنا لهذه الأواني، فالطبخ في الطين، على سبيل المثال، يقلل من حموضة الطعام، حتى لو استغرق وقتاً أطول من المقالي غير اللاصقة».
وافتتحت منصة سريرام الإلكترونية «Essential Traditions» منذ 3 سنوات 4 متاجر فعلية في «تشيناي» و«بنغالورو»، كما أنها توظف 16 شخصاً وتزيد إيراداتهم عن 10 ملايين روبية سنوياً.
وبالمثل، تأملت كافيا شيريان النكهات الموجودة في مطابخ الهنود القدامى، وتساءلت: «لماذا يكون طعم حساء راسام (حساء يتم تناوله بشكل تقليدي في جنوب الهند، وهو مصنوع من التمر الهندي والطماطم والتوابل والأعشاب العطرية) الذي تطبخه جداتنا لذيذاً جداً؟ ولماذا تمتاز الفاصوليا والأرز في مطابخ أمهاتنا بطعم ريفي سري؟».
يبدو أن الإجابة على هذه الأسئلة كانت تقودها دائماً إلى أدوات المطبخ التقليدية مثل الأواني الفخارية، التي يكمن السحر فيها؛ حيث أدركت أن هناك كثيرين مثلها يتوقون لتذوق الأطباق التي كانوا يتناولونها في طفولتهم مرة أخرى.
وأطلقت شيريان منصة عبر الإنترنت باسم «Green Heirloom» تبيع خلالها أدوات الطهي التقليدية المصنوعة يدوياً للمطابخ الحديثة، وتعتبر مقاليها المصنوعة من الحديد الزهر وأواني الأورالي الفخارية السوداء (المصنوعة عادة من الطين والنحاس والبرونز) من أكثر المنتجات مبيعاً.
وتقول شيريان: «المقالي التي نبيعها متعددة الاستخدامات بحيث يمكنك وضعها على المواقد التي تعمل بالغاز أو الكهربائية حتى داخل الفرن، فقط عليك أن تعتني بها جيداً، وحينها يمكن أن تدوم طويلاً، فالأواني الفخارية صحية لأنها تحول الأطعمة الحمضية إلى قلوية، ما يجعلها أسهل في الهضم».

هناك إقبال كبير على الأواني النحاسية في مطابخ الطهاة الهنود

- تفضيلات الطهاة
يستخدم الشيف الهندي مانو شاندرا، وهو شريك في مطعم «Olive Bar & Kitchen and Toast & Tonic» في الهند، مدقة خشبية ثقيلة يصفها بأنها «ناعمة للغاية»، يستخدمها في الضغط على بعض الخضراوات لإخراج النكهات منها، إذ يقول وهو يقوم بطهي صلصة «البيستو» عن طريق الضغط على الريحان الذي أحضره من حديقة مطبخه: «باستخدام هذه المدقة يتم تحرير النكهات، ولكن ملمس الريحان لا يصبح مثل العجين، ولأن صنع البيستو بهذه الطريقة لا يعرضه للحرارة ولا للأكسدة فإنه يحافظ على لونه، فيما تعمل حرارة الخلاط على أكسدة الريحان وتوزيع الزيت داخل الخليط، ما يغير لونه وملمسه».
فيما يصرّ الشيف الهندي إتي ميسرا على طحن عجينة الخردل البنغالية باستخدام أداة تقليدية قديمة تسمى «سيلباتا» تُستخدم لطحن الطعام، إذ يقول إنه عندما يتم ضغط بذور الخردل تحت الحجر الأسطواني وتتدحرج فوق الحجر المسطح في الـ«سيلباتا»، فإن نكهتها تزدهر بشكل أكبر، ويتابع: «نحن نريد أن يكون الخردل قشدياً وليس مُراً، فالمرارة تنتج عن استخدام الخلاط».
ويقول الشيف أبهيجيت ساها، وهو صاحب مطعم هندي أيضاً، إنه يجب استخدام الأواني التقليدية للطهي، وأيضاً لتخزين الطعام، ويضيف: «يتم وضع الزبادي تقليدياً في أواني فخارية، وذلك لأنها تساعد في تغذية البكتيريا الجيدة، التي بدورها تساعد في تكوين زبادي كثيف».
ويبدو مطبخ الشيف شيري ميهتا مالهوترا مليئاً بأواني الطهي التقليدية بما في ذلك الأواني النحاسية والبرونزية، ومقالي الحديد الزهر، والألواح النحاسية، والأوعية الفخارية، والـ«سيلباتا»، والهراسات الخشبية، التي ورثت معظمها من جدتها، وتقول مالهوترا: «لقد أصبحت أستخدم هذه الأواني منذ فترة طويلة، إذ إنني لم أرث وصفات من جدتي فحسب، بل ورثت أوانيها أيضاً».
وفي مطبخ جدتها البنجابي التقليدي، كانت الأواني النحاسية مُخصصة لطبخ البقوليات، بينما كان يتم طهي الخضراوات الجافة في المقالي الحديدية التي تضفي على الأطباق لوناً داكناً لذيذاً، كما يضمن تصميم هذه الأواني ذات الجدران السميكة بقاء الطعام ساخناً لفترة أطول.

- القيمة الغذائية
تقول اختصاصية التغذية الهندية لوفنيت باترا: «النحاس لا ينجذب للمغناطيس، وموصل للحرارة ويدوم طويلاً، وتكمن فائدة الطهي باستخدام الأواني النحاسية في فقدان 7 في المائة فقط من العناصر الغذائية خلال عملية الطهي».
وعن الفوائد المتعددة للشرب في الأواني النحاسية، تقول باترا إن «تخزين المياه في جرة مصنوعة من النحاس يخلق عملية طبيعية لتنقية المياه، فالمياه المحفوظة داخل الأوعية النحاسية لها خصائص مضادة للبكتيريا، ومضادة للميكروبات، ومضادة للأكسدة، ومضادة للالتهابات».
وفي كتابها الذي جاء بعنوان «كايا يوجا... الطريق إلى السعادة والصحة وطول العمر»، أوضحت الدكتورة ناتشيكيتا داس كيف تتبع النساء في بعض أجزاء جنوب الهند طريقة فريدة لإضافة الحديد إلى نظامهن الغذائي لمكافحة فقر الدم؛ حيث يقمن بطحن الزبادي في وعاء من الحديد المطاوع باستخدام مدقة، وتقول داس: «يمتص الزبادي ذو الوسط الحمضي الحديد عند طحنه، وهذا الزبادي المدعم بالحديد كان علاجاً فعالاً لفقر الدم في جنوب الهند على مدى أجيال».
وعن الفوائد التي تضيفها أواني الطبخ التقليدية القديمة إلى الصحة، يقول دريتي أوديشي، وهو خبير في فقدان الوزن الزائد والتحكم في الوزن ومدرب الصحة: «تعتبر المقالي المصنوعة من الحديد الزهر بديلاً رائعاً للأواني غير اللاصقة، التي تُصنع من مواد كيميائية سامة معينة تتحلل في درجات حرارة عالية، وهي بالتأكيد ليست طريقة صحية للطهي واستهلاك الطعام، فيما يمكن أن يرشح الحديد الزهر بعض الحديد في الطعام وهذا شيء جيد، بالنظر إلى أن نقص الحديد يعد أمراً شائعاً إلى حد ما في جميع أنحاء العالم».
وتقول سافيتا ماهاجان، وهي ربة منزل في نيودلهي: «لقد قمنا مؤخراً بالتبديل من الحديد غير اللاصق إلى الحديد الزهر، وقد بات مذاق طعامنا أفضل من أي وقت مضى، فعائلتي تستخدم أواني الطهي التقليدية منذ سنوات، ولكن تم إغراؤهم، بشكل مؤقت، بأدوات الطهي الحديثة اللامعة والمطلية قبل بضع سنوات، إلا أننا نقوم الآن بطهي جميع البقوليات والخضراوات في أواني فخارية».
وكان قد تم تشخيص مستشارة الطهي والمدونة الهندية سايانتاني مهاباترا بأنها مصابة بفقر دم خطير بعد ولادة طفلها الثاني، ولكن أقراص الحديد التي وصفها لها الطبيب لم تناسبها، وتقول: «في ذلك الوقت، اقترح كبار السن في الأسرة أن أحضر طعامي في أواني طهي من الحديد الزهر، واتفق طبيبي مع هذا الرأي».
وقد عُرفت الأواني التقليدية المصنوعة من معادن مثل الحديد والنحاس والبرونز منذ آلاف السنين بأنها لا تحافظ على العناصر الغذائية للطعام المطبوخ فيها فحسب، ولكنها تضفي أيضاً قيمة غذائية إضافية وخصائص طبية للطعام، وتوصي الأيورفيدا القديمة (منظومة من تعاليم الطب التقليدي التي نشأت في شبه القارة الهندية منذ أكثر من 5 آلاف عام، وانتشرت إلى مناطق أخرى من العالم كشكل من أشكال الطب البديل، وتعنى في اللغة السنسكريتية؛ علم الحياة)، باستخدام هذه الأواني أيضاً، بل إنها تنص على استخدامات محددة لكل معدن، مع التأكيد على مزاياه العلاجية.


مقالات ذات صلة

طارق إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»: نعيش مرحلة انتقالية للعودة إلى الجذور

مذاقات الشيف طارق إبراهيم في مطبخه (إنستغرام)

طارق إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»: نعيش مرحلة انتقالية للعودة إلى الجذور

في جعبته أكثر من 30 عاماً من الخبرة في صناعة الطعام. مستشار هيئة اللحوم والماشية الأسترالية.

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات «السوشي»... شارة اجتماعية أم أكلة محبوبة؟

«السوشي»... شارة اجتماعية أم أكلة محبوبة؟

«جربت السوشي؟»... سؤال يبدو عادياً، لكن الإجابة عنه قد تحمل دلالات اجتماعية أكثر منها تفضيلات شخصية لطبق آسيوي عابر من ثقافات بعيدة.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف العالمي أكيرا باك (الشرق الأوسط)

الشيف أكيرا باك يفتتح مطعمه الجديد في حي السفارات بالرياض

أعلن الشيف العالمي أكيرا باك، اكتمال كل استعدادات افتتاح مطعمه الذي يحمل اسمه في قلب حي السفارات بالرياض، يوم 7 أكتوبر الحالي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
مذاقات البرغر اللذيذ يعتمد على جودة نوعية اللحم (شاترستوك)

كيف أصبح البرغر رمز الولايات المتحدة الأميركية؟

البرغر ليس أميركياً بالأصل، بل تعود أصوله إلى أوروبا، وبالتحديد إلى ألمانيا.

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات الشيف دواش يرى أنه لا يحق للبلوغرز إعطاء آرائهم من دون خلفية علمية (انستغرام)

من يخول بلوغرز الطعام إدلاء ملاحظاتهم السلبية والإيجابية؟

فوضى عارمة تجتاح وسائل التواصل التي تعجّ بأشخاصٍ يدّعون المعرفة من دون أسس علمية، فيطلّون عبر الـ«تيك توك» و«إنستغرام» في منشورات إلكترونية ينتقدون أو ينصحون...

فيفيان حداد (بيروت)

حكايةُ الكنافة بالشكولاته نجمة الإنترنت الشهية

اللمسة خاصة بكل شيف ولا وصفة صارمة تُطبَّق بالحذافير (فيسبوك)
اللمسة خاصة بكل شيف ولا وصفة صارمة تُطبَّق بالحذافير (فيسبوك)
TT

حكايةُ الكنافة بالشكولاته نجمة الإنترنت الشهية

اللمسة خاصة بكل شيف ولا وصفة صارمة تُطبَّق بالحذافير (فيسبوك)
اللمسة خاصة بكل شيف ولا وصفة صارمة تُطبَّق بالحذافير (فيسبوك)

تخدع التسمية؛ ففي لبنان مثلاً تعني الكنافة كعكة محشوَّة بجبن تعلوه حلوى أقرب إلى «النمّورة»، وسط كثافة القَطر المتدلّي، عادةً، إلا لمَن يفضِّل الحدّ من الحلاوة. لكنَّ الإنترنت يضجّ بما يُسمَّى الكنافة بالشكولاته في دبي، غير المُتخِّذة من الكعكة مصدر الطَعم الأول، بل المُسلِّمة نفسها للشوكولاته ومكوّنات تُشكِّل الحشوة، أشهرها الفستق الحلبي. على الفور، يتحوّل المشهد مادةً دارجة بين المشاهير والعامّة، ويغمر الفضول كثيرين، ليعدّها بعضهم في المنازل ويحصر آخرون تجربة التذوُّق في المطعم.

اللمسة خاصة بكل شيف ولا وصفة صارمة تُطبَّق بالحذافير (فيسبوك)

اللمسة على النكهة خاصة بكل شيف، فلا وصفة صارمة تُطبَّق بالحذافير. الأكيد أنّ الكنافة بالشوكولاته في دبي تتطلَّب عناية بالتفاصيل والتنبُّه إلى جودة المكوّنات. نكهاتها تتعدّد باختلاف أنواع الشوكولاته. وهذا مردُّه مستوى الفخامة المُشتهى. فالشوكولاته الداكنة تعزّز الشعور بعمق النكهة وبكونها مركَّزة وواثقة، بينما تُضفي الشوكولاته بالحليب إحساساً بغنى الطعم الكريمي، لتضمن الشوكولاته السويسرية أو البلجيكية الفاخرة التذوُّق الفريد. هذه الفرادة ترفع مرتبة الكنافة بالشوكولاته في دبي لتُعَدّ من أرقى أنواع الحلويات التي تتباهى مطاعم فاخرة بتقديمها. ففي تلك المتخصِّصة بالمأكولات الشرق أوسطية التقليدية، وتلك العصرية، تُسجَّل تجربة شخصية عنوانها تناوُل ما يطيب.

يمتلئ الإنترنت بفيديوهات تؤكد مزج النكهات التقليدية بلمسة إبداع لخَلْق توازن مثالي بين الحلاوة والمرارة والطعم الغني العالق تحت اللسان. فالتجربة الحسّية تقتضي الشعور بتدفّق المكوّنات خلال التهامها. للبعض، هذه لحظة رائعة. إنها خليط الطعم والقوام والرائحة، إذ يمنح تآزرها لمحة واقعية عن كيفية تطوُّر الأطعمة وتكيّفها لتُناسب الأذواق الحديثة. فالجمع بين تراث الشرق الأوسط ولمسات عصرية من العالم، يؤكد خصوصية التجربة.

الكنافة بالشوكولاته تتطلَّب عناية بالتفاصيل والتنبُّه إلى جودة المكوّنات (فيسبوك)

هذه حكاية ابتكار في عالم الحلويات، تعزّزها الأفكار والثقافات المتعدّدة في دبي. طهاة من العالم يختبرون تجارب تمتاز بالتجديد، لإرضاء متذوّقين تتباين آراؤهم حول الأطباق وفق الخلفيّة الثقافية والتفضيل الشخصي. ولأنّ الكنافة بالشوكولاته تستميل الجميع، يهرع إلى تناولها المقيمون المحلّيون، عشاق الحلويات التقليدية ممَن يرغبون في تجربة نكهات جديدة، والشباب الميّالون إلى تذوُّق كل مبتكَر في عالم الحلويات، فتجذبهم تجربة المألوف مُقدَّماً بلمسة تثير الاهتمام. كذلك السياح، بلهفة الفضول حيال الحلويات الشرقية، مع ميلهم إلى نكهات اعتادوا عليها مثل الشوكولاته. التعديل على تجربة الحلوى العربية، الذي تتيحه الكنافة بالشوكولاته، لا بدّ أن يلائم الأذواق.

وتُعدُّ الخيارَ المرحَّب به من جميع أفراد الأسرة. فكبار السنّ يفضّلون الطعم التقليدي فيها، والأطفال والشباب يميلون نحو النكهة المُبتَكرة. أما ذوّاقة الحلويات الفاخرة، فقد بلغوا مقصدهم. فالتجربة مميّزة، تمنحها مطاعم ومقاهٍ ضمن قائمة طعامها الراقية.

تتدخّل الشوكولاته المُستخدمة لتشكِّل عاملاً حاسماً يُحدِّد السعر. فتلك الداكنة والفاخرة ترفع الأسعار بشكل ملحوظ. ينضمّ موقع المطعم إلى المعادلة، لحتمية ميل مطاعم المناطق السياحية أو الفاخرة إلى رفع أسعارها. ولا مهرب من رفع السعر بزيادة حجم الحصة أيضاً، لتتيح الأسعار المتنوّعة اختيار المتذوِّق ما يناسب ميزانيته من دون التضحية بتميُّز التجربة.

الفرادة ترفع مرتبة الكنافة بالشوكولاته في دبي لتُعَدّ من أرقى الحلويات (فيسبوك)

رواجها عبر الإنترنت يكثّف الطلب عليها ويُسرّع تحوّلها رغبة مُلحَّة. ولكن ما أشعل هذا الانتشار؟ يحلّ الابتكار في الطهي سبباً أول، لتليه العلاقة المتينة بين الإنسان ووسائل التواصل؛ ولا يُغفَل التوجّه العام نحو تجربة الحلويات الفريدة. ذلك يُضاف إلى تحلّي الكنافة بالشوكولاته في دبي بجاذبية بصرية، مما يُسرّع رواجها عبر منصات مثل «تيك توك» و«إنستغرام»، جرّاء كثافة مُشاركة صور وفيديوهات تُظهر اللمسة الشهية.

تحرُّر التجربة من الحصر في حيّز ضيّق، مثل المنزل أو المطعم، إلى المُشاركة العريضة بفعل وسائل التواصل، يعزّز حضورها. فالكنافة بالشوكولاته تصبح موضوعاً مفضَّلاً لمدوّنين ومحبّي طعام على المنصات الرقمية؛ تُصوّرها فيديوهاتهم وهي تُقطَّع لتكشف إغواء المكوّنات اللذيذة، مُحقِّقة مشاهدات قياسية تسمح بانتشارها الكبير.

رواجها عبر الإنترنت يُسرّع تحوّلها تجربة تذوّق فريدة (أمازون)cut out

يضيف تذوُّق مؤثّرين وطهاة لهذه الحلوى، وعدَّها، والتسويق لها عبر حساباتهم، إلى رواجها بُعداً جديداً. فتكوُّن رأي إيجابي حولها، يُشجّع متابعين على التجربة، مما يكثّف الشعبية. كما يتيح ربطها باللحظات الاجتماعية، فرصة انتشار أوسع. ففي الغالب، يجتمع أصدقاء أو عائلات لالتهامها، مع ما تعني الجَمْعة من أرجحية توثيقها بصورة أو فيديو للمُشاركة. يأتي ذلك وسط انتشار تحدّيات تُقارن مثلاً بين الطعم التقليدي للكنافة وطعمها المُبتَكر لتبادُل الآراء بالتعليق والتفاعل. كلُّه يُسرِّع الرواج، مُدعَّماً بأثر دبي على المستوى السياحي. فجذبها زواراً من العالم، يسمح بمطاردة تجارب فريدة؛ ومن عادة السائح، غالباً، مُشاركة تجاربه الغذائية عبر وسائل التواصل.

الانتشار الكبير مردُّه أيضاً التقديم المميّز. فمطاعم في دبي تتعمَّد الابتكار بطرق تقديم تتّبع إضافات غير تقليدية أو أساليب خاصة. بذلك تلفت الأنظار وتُحرّك الفضول، لتصبح حديث الساعة وتشغل مَن لا يشعرون باكتمال أي تجربة خارج توثيقها الرقمي.