«كوب 27»... قمة الطموحات الكبيرة في الوقت الصعب

خبراء أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن العالم لا يملك رفاهية خروجها من دون إنجاز

الفيضانات التي شهدتها باكستان تذكر العالم بأهمية اتخاذ مواقف إيجابية في «كوب 27»  (غيتي)
الفيضانات التي شهدتها باكستان تذكر العالم بأهمية اتخاذ مواقف إيجابية في «كوب 27» (غيتي)
TT

«كوب 27»... قمة الطموحات الكبيرة في الوقت الصعب

الفيضانات التي شهدتها باكستان تذكر العالم بأهمية اتخاذ مواقف إيجابية في «كوب 27»  (غيتي)
الفيضانات التي شهدتها باكستان تذكر العالم بأهمية اتخاذ مواقف إيجابية في «كوب 27» (غيتي)

لم تمر على العالم ظروف مناخية قاسية تجعله في أشد الحاجة للاتفاق بشأن قضايا المناخ، مثل هذه الأيام التي باتت فيها تلك الظواهر تؤثر في حياة العالم بأسره، حيث لا فرق بين دول غنية وفقيرة، ففي الوقت نفسه الذي تشهد فيه منطقة القرن الأفريقي موجة جفاف قاسية، كانت القارة الأوروبية الصيف الماضي على موعد غير متوقع مع موجة جفاف لم تحدث منذ 500 عام. وكما عانت باكستان هذا الصيف من فيضانات غير مسبوقة، فقد فاجأت فيضانات غير مسبوقة منطقة غرب ألمانيا العام الماضي.
وتعطي هذه الظواهر المناخية غير المسبوقة لقمة المناخ «كوب 27» التي تبدأ فعالياتها (الأحد) في مدينة شرم الشيخ المصرية، أهمية كبيرة؛ إذ يُعوَّل عليها لتكون دافعاً للمشاركين بالقمة من أجل الارتقاء بالطموح إلى مستوى هذه الأخطار التي تهدد العالم بـ«الانتحار الجماعي»، على حد وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لها في كلمة له بالحوار التمهيدي للقمة الذي استضافته مدينة برلين الألمانية في يوليو (تموز) الماضي.
وقبل بداية القمة، أعاد غوتيريش التحذير نفسه، مؤكداً حاجة العالم للخروج من شرم الشيخ بـ«اتفاقية تاريخية»، مشيراً في حوار خاص له بصحيفة «الغارديان» البريطانية نُشر الجمعة، إلى أنه دون تحقيق ذلك «سيُقضى علينا جميعاً». وقال إنه «لا توجد طريقة يمكننا من خلالها تجنُّب وضع كارثي، إذا لم يتمكن العالمان المتقدم والنامي من إقامة اتفاق تاريخي».
وفشلت الدول المتقدمة في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بالسرعة الكافية، وفشلت أيضاً في توفير الأموال اللازمة للدول الفقيرة للتعامل مع الطقس القاسي الناتج عن ذلك، وستكون العدالة المناخية المفقودة بين العالم الغني المسؤول عن معظم الانبعاثات، والفقراء الذين يتحملون وطأة الآثار، هي أكبر قضية في قمة المناخ، كما أوضح غوتيريش. وأضاف غوتيريش أن «السياسات الحالية بشأن المناخ كارثية جداً، والحقيقة هي أننا لن نكون قادرين على تغيير هذا الوضع إذا لم يتم وضع اتفاق بين البلدان المتقدمة والبلدان ذات الاقتصادات الناشئة».
والاتفاق الذي يتطلع له غوتيريش سيتطلب من الاقتصادات الكبرى بذل المزيد من الجهد لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتزويد البلدان الفقيرة بشريان الحياة (المال) للتعامل مع آثار التغيرات المناخية التي لا تتحمل تلك البلدان مسؤوليتها، لكنه يدرك، في الوقت ذاته، التحديات التي قد تعرقل الوصول لهذا الاتفاق، وأهمها أن القمة تُعقد في توقيت بالغ الصعوبة. وتجري أحداث القمة وسط أسوأ توترات جيوسياسية منذ سنوات، بسبب حرب أوكرانيا، والعلاقات الأميركية الصينية المتوترة التي تراجعت إلى مستويات متدنية جديدة هذا العام، إلى جانب أزمة الطاقة وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري وارتفاع أسعار المواد الغذائية التي تسببت في أزمة زيادة تكلفة المعيشة في جميع أنحاء العالم.
وتمثل هذه الظروف السياسية والاقتصادية عقبة كبيرة أمام الوصول للاتفاق التاريخي الذي يتمناه غوتيريش، فالدول المتقدمة التي لم تلتزم في أوقات سابقة بتعهداتها بشأن تقديم ما لا يقل عن 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020 لمساعدة البلدان الفقيرة على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتكيف مع آثار أزمة المناخ، ستجد صعوبة أكبر مع الوضع الاقتصادي والسياسي الراهن في الوفاء بهذا الالتزام. لكن غوتيريش يتمنى أن تكون قمة شرم الشيخ فرصة لإعادة بناء الثقة بين الدول الغنية والفقيرة، معولاً على تضمين «الاتفاق التاريخي» الذي يتمناه، تعهدات جديدة واضحة بشأن التمويل.
وأكد وائل أبو المجد، الدبلوماسي المصري المسؤول عن إدارة المفاوضات في قمة المناخ، أهمية إظهار التقدم في مسألة تمويل المناخ، واصفاً هذا الملف بـ«الأمر الأساسي» خلال القمة. وقال في إحاطة صحافية قبل انطلاق القمة: «الـ100 مليار دولار التي تعهدت بها الدول المتقدمة في السابق، لن تقترب حتى من جزء بسيط من المبالغ المطلوبة، فهذه الأرقام بالتريليونات، لكن الالتزام بها سيكون لفتة مهمة جداً وذات طبيعة رمزية، وذلك لخلق الثقة».
ويقول حسن أبو النجا، المدير التنفيذي للشبكة العربية للتنمية المستدامة لـ«الشرق الأوسط»: «رغم التحديات التي تواجه تلك القمة، فإن العالم لا يملك رفاهية خروجها من دون إنجاز واضح ينقذ البشرية من المصير الصعب الذي تسير نحوه بخطى متسارعة». ويضيف: «نحن نقترب بشدة من نقاط التحول التي ستتسبب في انهيار مناخي لا رجعة فيه، وهذا الضرر لن يسمح لنا بالتعافي واحتواء ارتفاع درجات الحرارة».
ونقاط التحول في النظام المناخي هي العتبة التي يمكن أن تؤدي إلى حدوث تغيرات كبيرة في المناخ عند تجاوزها، وتشمل ذوبان التربة الصقيعية التي تطلق غاز الميثان، وهو غاز دفيء قوي يغذي مزيداً من التسخين، والنقطة التي تتحول فيها غابات الأمازون المطيرة الجافة من كونها ممتصاً إلى مصدر للكربون، وهو ما يخشى العلماء من أنه يقترب بسرعة.
ويقول أبو النجا: «هناك شواهد عايشناها هذا الصيف تغذي هذه المخاوف، وقد حدث كل ذلك، بينما لا تزال الزيادة في درجة حرارة سطح الأرض، مقارنة بفترة ما قبل الثورة الصناعية، في حدود 1.1 درجة مئوية». ويتساءل: «كيف سيكون الحال إذا تجاوزنا عتبة الـ1.5 درجة مئوية التي حددتها اتفاقية باريس 2015 كحد لا ينبغي للعالم تجاوزه؟».
ويشير أحدث تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة، إلى أن الزيادة في درجة حرارة سطح الأرض تتجه بخطورة متزايدة نحو تجاوز عتبة الـ1.5 درجة مئوية، وهو ما يفرض على العالم تجاوز خلافاته في قمة «شرم الشيخ»، وهو النداء الذي وجهه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال اجتماع رؤساء الدول والحكومات حول تغير المناخ في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وطالب الرئيس المصري في كلمته بـ«ضرورة عدم السماح للخلافات السياسية أو أي ظرف عالمي، بأن يؤدي إلى التراجع عن الالتزامات والتعهدات الخاصة التي قطعها العالم على نفسه لمواجهة تغير المناخ». وذكّر السيسي الدول المتقدمة بـ«ضرورة الإسراع من وتيرة تنفيذ التزاماتها، تجاه الدول النامية، بتوفير تمويل المناخ لصالح خفض الانبعاثات والتكيف». كما ذكّر الرئيسي المصري الرؤساء خلال الاجتماع بأن ما شهدته دولة باكستان من فيضانات خلفت دماراً غير مسبوق، وفقداناً في الأرواح وما شهدته القارة الأوروبية والولايات المتحدة، من حرائق غابات غير مسبوقة، نتيجة لارتفاع درجات الحرارة يعد نذيراً مؤلماً لما سيكون عليه مستقبل أبنائنا وأحفادنا ما لم نتحرك سريعاً.
ويعول مجدي علام، الأمين العام لاتحاد خبراء البيئة العرب، آمالاً على أن تكون هذه الظواهر المناخية المتطرفة التي أشار إليها الرئيس، هي الضمان الوحيد، لإمكانية خروج القمة بإنجاز لا نملك رفاهية عدم تحقيقه. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هناك مواقف تم الإعلان عنها مؤخراً في الاجتماعات التمهيدية للقمة، تشير إلى استشعار دول العالم المختلفة بالخطر الذي ينتظرنا، ونتمنى ترجمة ذلك في القمة».
فيما تمنى وائل أبو المجد، الدبلوماسي المصري المسؤول عن إدارة المفاوضات في قمة المناخ، أن تكون التصريحات والتعهدات السياسية التي يتم الإدلاء بها أمام الكاميرات، هي ذاتها التي يتم التعبير عنها في غرف التفاوض. وقال إن «هذه المواقف الإيجابية العلنية، لن تكون ذات قيمة حتى تُترجم في غرف التفاوض».


مقالات ذات صلة

مؤتمر المناخ يصل إلى محطته الأخيرة دون توافق في نسخة «كوب 30»

الاقتصاد جانب من الجلسات في اليوم الختامي لمؤتمر المناخ «كوب 30» المنعقد في مدينة بيليم البرازيلية (أ.ب)

مؤتمر المناخ يصل إلى محطته الأخيرة دون توافق في نسخة «كوب 30»

دخل مؤتمر المناخ «كوب 30»، المنعقد في مدينة بيليم البرازيلية وسط غابات الأمازون، يومه الأخير على وقع توتر غير مسبوق.

«الشرق الأوسط» (بيليم (البرازيل))
أميركا اللاتينية انتشر الدخان داخل وخارج المكان الذي يستضيف مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (أ.ف.ب)

علاج 13 شخصاً بعد استنشاق الدخان إثر حريق بمقر مؤتمر المناخ «كوب 30»

قال منظمون، في بيان، إن 13 شخصاً تلقوا العلاج من استنشاق الدخان الناجم عن حريق اندلع في المقر الذي ينعقد فيه مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ (كوب 30).

«الشرق الأوسط» (بيليم (البرازيل))
تحليل إخباري الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا يصافح نائب رئيس الوزراء الصيني دينغ شيويه شيانغ قبل مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في بيليم (رويترز)

تحليل إخباري الصين تتربع على عرش «كوب 30» وتملأ الفراغ الأميركي

لأول مرة منذ 3 عقود، تغيب أميركا عن قمة الأمم المتحدة للمناخ، تاركة الباب مفتوحاً أمام الصين لتتصدر المشهد قائدةً جديدة في مكافحة الاحتباس الحراري.

«الشرق الأوسط» (بيليم (البرازيل))
أميركا اللاتينية قارب مهجور يرقد في خزان مائي جفّ بفعل الجفاف على مشارف صنعاء (إ.ب.أ)

الأمم المتحدة: أزمة المناخ أكبر تهديد في عصرنا

رغم الحروب والنزاعات الكثيرة في أنحاء العالم، عدّت رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنالينا بيربوك، أزمة المناخ «أكبر تهديد في عصرنا».

«الشرق الأوسط» (بيلم (البرازيل))
أميركا اللاتينية اشتبك متظاهرون مع قوات الأمن في محاولة لاقتحام مقر مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 30» في بيليم بالبرازيل (إ.ب.أ) play-circle 00:37

متظاهرون من السكان الأصليين يشتبكون مع الأمن في قمة المناخ بالبرازيل (صور)

اشتبك عشرات المتظاهرين من السكان الأصليين مع حراس أمن، الثلاثاء، في قمة المناخ (كوب 30) في بيليم البرازيلية، في حدث نادراً ما يحصل في مؤتمر المناخ السنوي.

«الشرق الأوسط» (بيليم (البرازيل))

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.