«الأخلاقيات والحرب».. الإنسانية والفردوس المفقود

«الأخلاقيات والحرب».. الإنسانية والفردوس المفقود
TT

«الأخلاقيات والحرب».. الإنسانية والفردوس المفقود

«الأخلاقيات والحرب».. الإنسانية والفردوس المفقود

صدر حديثا ضمن سلسلة «عالم المعرفة» كتاب بعنوان «الأخلاقيات والحرب»، لمؤلفه الأستاذ والخبير الاستراتيجي «ديفيد فيشر»، ومن ترجمة الأستاذ عماد عوام. وهو كتاب يستمد راهنيته من كونه يعيد التفكير فلسفيا في العلاقة الممكنة بين الأخلاق والحرب، ويعمل على الانخراط في التفكير في ما يسمى بالحرب العادلة، كما تم التأسيس لها من طرف فلسفات متعددة على مر التاريخ، خاصة ما أشار إليه القديس أوغسطين (354 - 430)، وتوما الأكويني (1225 - 1274)، في حديثهما عن الحرب. ففي عالم تسوده الحروب والنزاعات التي لا تتوقف، نجد هذا الكتاب بحمولته الفلسفية يقدم مقاربات جنيالوجية، تعود بالموضوع إلى جذوره الأولى التي يمكن أن نستنير بها في معالجة وتنظيم تصورنا للحرب في علاقتها بالأخلاق. وهكذا، فالإشكال المطروح من طرف ديفيد فيشر يمكن إجماله في ما يلي: كيف يمكن للحروب التي تخلق ضحايا، وتدمر البيئة والقيم والأشخاص، أن تكون عادلة؟
يؤكد ديفيد فيشر على أن العالم المعاصر يعيش أزمة أخلاقية لا يمكن إنكارها. فمند القرن التاسع عشر أصبحت تسود المجتمعات المعاصرة نزعة تشكيكية في الأخلاق الموروثة. وازداد الأمر تأكدا بعد فشل عصبة الأمم وانهيارها، وعدم قدرتها على الحد من الحربين العالميتين، الأولى والثانية، إلى درجة أصبح الكل يؤمن معها بأن العلاقات الدولية لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن تنضبط للمعايير الأخلاقية، وأن كل شيء يجب أن يتسم بالواقعية، والسياسات المرادفة لها. لكن على الرغم من كل ذلك، لا يزال نبض الحس الأخلاقي موجودا عند البعض ممن يعلنون من دون استسلام أن الدولة المعاصرة مطالبة بالتمسك، ولو بالحد الأدنى من الأخلاقيات. ولنا في حرب العراق وقضية المهاجرين في بريطانيا نموذجان مهمان، على أن العامل الأخلاقي قد يكون حاسما في بعض القضايا. فبريطانيا تفتخر بمعاملتها الجيدة وتقبلها للمهاجرين، مهما تعددت القيم التي يؤمنون بها. وحرب العراق أثبت العالم تجاهها أنه قادر على عدم الانخراط في الحرب لاعتبارات أخلاقية، إلى الحد الذي يجعل فيشر يؤكد أنه لا يمكن للدولة أن تستمر من دون معايير أخلاقية تنضبط لها، وأن وجود الدولة قد يصبح في خطر في حال اشتغلت من دون مرجعية أخلاقية في قراراتها.

التأسيس لتقليد الحرب العادلة

إذا كانت الفلسفة البراغماتية قد فرضت نفسها كثيرا في القرن العشرين، حيث أصبحت الدول تجعل المصلحة الخاصة والنتائج النفعية فوق كل اعتبار، وتوجه السياسات نحو هذه الوجهة بالذات، فإن ديفيد فيشر يحاول أن يؤسس لتصور آخر مختلف، يضيف للاعتبارات النفعية اعتبارات أخرى لا تقل أهمية، وهي الاعتبارات الأخلاقية. إذ لا بد من التوفيق بين البراغماتية والأخلاق. فتقويم السلوك الفاضل من غير الفاضل يجب أن يوضع في ميزان بين الجوانب الداخلية للفعل، وهي الجوانب الأخلاقية، وكذا الجوانب الخارجية، وهي الجوانب البراغماتية، والحرب هي الأخرى يجب أن ينظر إليها انطلاقا من هذا المنظور.
إن فيشر يسعى في مقاربته إلى رسم الحدود ووضع المعايير التي تسمح بالقول بأننا بصدد حرب عادلة أو غير عادلة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا العمل ليس جديدا في التاريخ، بل كل ما هنالك أن فيشر يحاول فقط مراجعة بعض المبادئ التي حضرت في فلسفات أخلاقية وسياسية كثيرة، فهناك العديد من المبادئ الخاصة بالحرب العادلة المتفق عليها، التي تمت صياغتها عبر القرون. ويكفي التذكير بما صاغه القديس أوغسطين بقوله إن الحرب العادلة هي التي تكون ثأرا من ظلم أو لاستعادة شيء جرى الاستيلاء عليه. وعلى الرغم من كل هذا فالحرب تبقى شرا في ذاتها، ويجب العمل على تجنبها. وفي هذا السياق يقول القديس أوغسطين: «على الحكيم أن يرثي لحقيقة أن يكون مضطرا لشن حرب».
لكي تكون الحرب عادلة في نظر فيشر، يجب أن تخضع لمعايير متعددة نذكر منها:
أولا: ضرورة استحضار عملية الموازنة بين النفع والضرر، بين خسائر الحرب ومكتسباتها سواء قبل نشوبها أو بعدها. فلا ينبغي أن يكون الضرر أكثر من النفع. بمعنى أنه على الحرب أن تقوم على حسابات استراتيجية وتكتيكية دقيقة، حيث لا تفوق التبعات السلبية الخير المستهدف تحقيقه، على الرغم من أن حساب النتائج يبقى أمرا صعبا، إلا أنه ضروري جدا.
ثانيا: إذا كانت الحرب تقوم على قضايا معينة، فيجب أن تكون هذه القضايا بالضرورة قضايا عادلة. فلا حرب عادلة من دون قضية عادلة. وعندما تزول دوافع الحرب وأسبابها، فيلزم إنهاؤها في أقرب وقت ممكن.
ثالثا: يضيف فيشر مبدأ آخر أساسيا، لا يقل عن القضية العادلة، مبدأ الحصانة بالنسبة لغير المقاتلين، والامتناع عن الإضرار بعامة الشعب البسطاء. هذه المبادئ لا تطبق أثناء الحرب فقط، بل بعدها كذلك. وإذا كانت الجوانب السلبية المرافقة للحرب لا مفر منها، فلا يجب أن تكون غاية في حد ذاتها حتى يمكن تبريرها. فالغاية تكون في هذه الحالة هي المحدد الرئيسي للطبيعة الأخلاقية للفعل، على الرغم من أن الغاية، ولو كانت نبيلة، فهي قد تكون غير حاسمة في بعض الأحيان. فقد تكون الغاية نبيلة وتكون طريقة الفعل غير نبيلة، مما يؤثر على الدوافع النبيلة ويسيء إليها. كل هذه شروط في نظر فيشر يمكن اعتبارها بمثابة مبادئ للحرب العادلة.

تطبيقات مبادئ الحرب العادلة

يستحضر ديفيد فيشر وهو يتناول العلاقة الممكنة بين الأخلاق والحرب مجموعة من النماذج التاريخية، ليقدم لنا بذلك مقاربة يتداخل فيها التحليل السوسيولوجي بالتحليل التاريخي والجيوسياسي للحرب.
يتطرق ديفيد فيشر مثلا لمسألة التعذيب التي تعرض لها الكثير من المعتقلين بتهم الإرهاب. فالتعذيب انطلاقا من معايير الحرب العادلة يظل غير مقبول ولا يمكن تبريره، ما دام عملية طويلة مؤلمة وتتسم بالقذارة، فضلا عن كونه يتم ضدا على الأخلاق التي تعمل على تحقيق الوجود الإنساني. أما بالنسبة للحرب التي شنت من طرف الناتو على يوغوسلافيا، بعد قيامها بحملة تطهير عرقي ضد سكان كوسوفو، من طرف سلوبودان ميلوسوفيتش، فحتى وإن شكلت هذه الحرب استثناء ووضعت أوروبا والعالم أمام حيرة كبيرة من أمرها، حيث لم تحسم موقفها إلا بعد تفكير طويل، فقد اعتبرت حربا عادلة، لأنها نصرت شعبا أعزل يتعرض للذبح، وإن كانت في بعض عملياتها قد ظلت غير عادلة، حيث عمل حلف الناتو على قصف المدنيين بغية الحد من شعبية ميلوسوفيتش بينهم.
أما بالنسبة لحرب الخليج الأولى فقد كانت القضية عادلة، لأنها حاولت إيقاف زعيم ديكتاتوري يتسلط على دولة جارة ضعيفة. العيب الوحيد في هذه الحرب هو العدد الكبير من المدنيين الذين لقوا مصرعهم. أما في حرب العراق فالدوافع لم تكن واضحة كليا، والقضية لم تكن عادلة تماما. كما أن التعذيب الذي تم في العديد من السجون العراقية حوّل هذه الحرب إلى حرب غير عادلة، وووجهت بتمرد كبير وبعدد هائل من القتلى، على الرغم من أن عملية إسقاط نظام صدام حسين لم تتطلب الكثير، ولكن الإشكالات ظهرت بالأساس بعد إسقاطه.
يضيف فيشر لمبادئه الخاصة بالحرب العادلة فكرة أن الحروب التي تتم تحت مسمى التدخلات الإنسانية، في بعض الدول، لا يمكن أن تتم إلا بشروط الحرب العادلة نفسها كوجود سلطة مختصة، وأن تكون القضية عادلة، وأن يكون الضرر المحتمل متناسبا مع المصالح، أخذا بعين الاعتبار احتمالات النجاح والالتزام بمبادئ حصانة غير المقاتلين، وأن يسفر العمل على إقامة سلام عادل.
هذه المبادئ في نظر ديفيد فيشر هي التي بإمكانها جعل الحرب عادلة، فهل ستسير الإنسانية بهديها، في انتظار إيقاف الحرب نهائيا نحو سلام دائم بين الشعوب، كما كان يحلم الفيلسوف كانط؟



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)

تحت عنوان «النقد الفلسفي» انطلقت صباح اليوم، فعاليات مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة بدورته الرابعة، الذي يقام بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر بيت الفلسفة بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة، هو أول مؤتمر من نوعه في العالم العربي ويشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً من تعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة مثل الفلسفة والأدب والعلوم.

ويتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطور الفكر المعاصر.

الدكتور عبد الله الغذامي (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويسعى المتحدثون من خلال هذا الحدث إلى تقديم رؤى نقدية بناءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي ومفاهيم مثل «نقد النقد» وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

وتسعى دورة المؤتمر لهذا العام لأن تصبح منصة غنية للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش، حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

ويأتي المؤتمر في ظل الاحتفال بـ«اليوم العالمي للفلسفة» الذي يصادف الخميس 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، والذي أعلن من قبل «اليونيسكو»، ويحتفل به كل ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر، وتم الاحتفال به لأول مرة في 21 نوفمبر 2002.

أجندة المؤتمر

وعلى مدى ثلاثة أيام، تضم أجندة مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة؛ عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتتح اليوم بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد بيت الفلسفة، وكلمة لأمين عام الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتتضمن أجندة اليوم الأول 4 جلسات: ضمت «الجلسة الأولى» محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

كما ضمت الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أمّا الجلسة الثالثة، فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما تضم الجلسة الرابعة، محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، ويرأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما تضم أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

الدكتور أحمد البرقاوي عميد بيت الفلسفة (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويتكون برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر 2024) من ثلاث جلسات، تضم الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، ويرأس الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وتضم الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، ويرأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وتضم الجلسة الثالثة، محاضرة الدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم إي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

ويتكون برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تتناول الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي على طلاب الصف الخامس» تشارك فيها شيخة الشرقي، وداليا التونسي، والدكتور عماد الزهراني.

وتشهد الجلسة الثانية، اجتماع حلقة الفجيرة الفلسفية ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.