حذف مشاهد من «الزوجة الثانية» يثير تساؤلات في مصر

سينمائيون اعتبروه «اعتداءً صارخاً وتشويهاً متعمداً»

لقطة من فيلم «الزوجة الثانية»
لقطة من فيلم «الزوجة الثانية»
TT

حذف مشاهد من «الزوجة الثانية» يثير تساؤلات في مصر

لقطة من فيلم «الزوجة الثانية»
لقطة من فيلم «الزوجة الثانية»

أثار حذف خمس دقائق من مشاهد الفيلم المصري الشهير «الزوجة الثانية» خلال عرضه على قناة «الحياة دراما» أخيراً، أزمة تناقلها متابعون على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما أن الفيلم يعد من أحد كلاسيكيات السينما المصرية التي أنتجت خلال ستينات القرن الماضي، وقد احتل المركز 14 في قائمة «أفضل مائة فيلم مصري»، وجسد أدوار البطولة به سعاد حسني وشكري سرحان، وصلاح منصور، وسناء جميل، ومن إخراج صلاح أبو سيف.
كان المخرج السينمائي سعد هنداوي قد اكتشف الحذف خلال متابعته للفيلم، مفجراً الأزمة على صفحته بـ«فيسبوك»، معتبراً ذلك «تشويهاً متعمداً واعتداءً صارخاً على الفيلم»، بحسب وصفه، وقال هنداوي لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه ليست المرة الأولى التي يعرض الفيلم محذوفاً منه بعض المقاطع، بل حدث ذلك قبل عامين وعلى القناة نفسها، مضيفاً: «كتبت على صفحتي في حينها، وتواصل معي محمد زكريا مدير المكتبة والرقابة في قناة روتانا التي تحوز ملكية الفيلم، نافياً بشدة أن يكون لهم علاقة بأي حذف ورد به، وها هو يتكرر، وقد بحثت عن نسخة (أونلاين) من الفيلم لاستخرج المشاهد التي تم حذفها ليراها متابعون، لأن الخمس دقائق مبني عليها مواقف عديدة، وهي لمشاهد أساسية ومحورية بالفيلم وبالشكل المتعلق به».

ويضيف هنداوي: «هذا الفيلم الوحيد تقريباً للمخرج الكبير صلاح أبو سيف الذي نجد به مزجاً بين الفنون والثقافة الشعبية، لأن كاتبه هو أحمد رشدي صالح، والمشهد يبدأ بـ(صندوق الدنيا)، في القرية، و(الأراجوز)، الذي يوحي للبطلة بحل لأزمتها في مواجهة (العمدة الظالم)، ليكون الحل من صلب الفيلم، كما أن هناك حذفاً لمشهد آخر حميم بين فاطمة وزوجها أبو العلا (سعاد حسني وشكري سرحان) تم حذفة برغم أنه لا يحوي أي لقطة جارحة، ولا ينطوي على أي فجاجة، لكنني لم أتوقف أمام ذلك، لأن مشهد (الأراجوز) أكثر أهمية وأساسي، وهو ليس مشهداً منفرداً، بل تتابع درامي كامل، ومن الواضح أن هناك مونتيراً قام به، وسمح لنفسه أن يفترض انتقالاً مختلفاً بين المشاهد عما أراده المخرج الراحل».
ويرى هنداوي أنه إذا وجدت أي قناة شيئاً لا ترغب في عرضه، فعليها ألا تعرض الفيلم من البداية، ولا تسمح لأحد أن يشوه فيلماً مهماً على كل المستويات، منوهاً: «بأننا ما زلنا نعاني لعدم وجود أرشيف سينمائي».
وبحسب الناقدة خيرية البشلاوي فإن حذف جزء من الفيلم يعد هدماً له يماثل العدوان على كائن حي، مؤكدة أن الفيلم ليس سلعة يتصرف فيها البعض كيفما يشاء حتى لوكان صاحبه قد رحل، إذ يظل ملكاً أدبياً له وللجمهور الذي ارتبط به وحفظ مشاهده، ومثلما تقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «يجب التصدي لذلك بقوة لأن (الزوجة الثانية) فيلم في غاية الأهمية، فهو يناقش الظلم الاجتماعي والاستبداد والديكتاتورية المخيفة، ويعرض للمرأة ككائن حي وليس كسلعة، لهذا فإن اللعب في مشاهده يمثل اعتداءً على حرية الفنان وحرية المتلقي أيضاً، ولا بد أن تتصدى لذلك الجهات السينمائية المسؤولة كغرفة صناعة السينما، ونقابة السينمائيين حفاظاً على كرامة العمل الفني». على حد تعبيرها.

في المقابل، نفى الكاتب يسري الفخراني، رئيس المحتوى الدرامي بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وقوع أي حذف من جانب قناة «الحياة دراما» على الفيلم، مؤكداً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «الأفلام والمسلسلات تعرض كاملة دون أي تدخل بالحذف»، موضحاً: «نحن نعرض الفيلم كاملاً بنسخته أو لا نعرضه من الأساس، وهذه سياسة القناة منذ إنشائها» باعتبار أنها قناة متخصصة، لكننا نرتب توقيتات العرض بحسب الفئة العمرية».
ويضيف قائلاً: «نحن لا نملك الأفلام ونتعاقد مع عدة جهات لنحصل منها على حقوق عرض محددة المدة ويعاد تجديدها، وبالنسبة لفيلم (الزوجة الثانية) هذه هي النسخة التي قمنا بشراء حق عرضها ولم يحدث أي تدخل منا، ومنذ أن لفت نظري المخرج سعد هنداوي لهذا الأمر بدأت أبحث عن نسخة كاملة للفيلم، لنستبدلها ونعيد ما تم حذفه لأننا منذ صدورنا نعرض النسخ الكاملة للأفلام المتوفرة لنا».
يذكر أن فيلم «الزوجة الثانية» صدر في 14 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1967 وقد كتب قصته أحمد رشدي صالح وكتب له الحوار محمد مصطفى سامي، الذي شارك أيضاً في كتابة السيناريو مع المخرج صلاح أبو سيف والكاتب سعد الدين وهبة وأنتجه رمسيس نجيب، ويسلط الفيلم الضوء على الاستبداد الواقع على الفلاحين البسطاء في الريف المصري، بعدما رغب عمدة إحدى القرى في إنجاب ابن له بعد تأخر إنجاب زوجته، التي أقنعها بأن يتزوج من خادمتهم المتزوجة من فلاح فقير ولديها أطفال، ويجبر زوجها على تطليقها ويهدده بتلفيق تهمة له، وتستخدم الزوجة الحيل في إبعاده عنها.



بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
TT

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى، فإن المصرية مريم شريف تفوقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بالدورة الرابعة لـ«مهرجان البحر الأحمر السينمائي» التي تَنافس على جوائزها 16 فيلماً، وترأس لجنة تحكيمها المخرج العالمي سبايك لي، لتحوز جائزة «اليسر» لأفضل ممثلة عن أدائها لشخصية «إيمان»، الشابة التي تواجه التّنمر بسبب قِصرِ قامتها في فيلم «سنو وايت»، وذلك خلال حفل ختام المهرجان الذي أقيم الخميس في مدينة جدة السعودية.

وعبّرت مريم عن سعادتها بهذا الفوز قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «الحمد لله، هذه فرحة كبيرة تكلّل جهودنا طوال فترتي التحضير والتصوير، لكنني أحتاج وقتاً لأستوعب ذلك، وأشكر أستاذة تغريد التي أخضعتني لورشِ تمثيلٍ عدة؛ فكُنا نجلس معاً لساعات طوال لتُذاكر معي الدّور وتوضح لي أبعاد الشخصية، لذا أشكرها كثيراً، وأشكر المنتج محمد عجمي، فكلاهما دعماني ومنحاني القوة والثقة لأكون بطلة الفيلم، كما أشكر مهرجان (البحر الأحمر السينمائي) على هذا التقدير».

المخرجة تغريد أبو الحسن بين منتج الفيلم محمد عجمي والمنتج محمد حفظي (إدارة المهرجان)

سعادة مريم تضاعفت بما قاله لها المخرج سبايك لي: «لقد أذهلني وأبهجني برأيه حين قال لي، إن الفيلم أَثّر فيه كثيراً بجانب أعضاء لجنة التحكيم، وإنني جعلته يضحك في مشاهد ويبكي في أُخرى، وقلت له إنه شرفٌ عظيم لي أن الفيلم حاز إعجابك وجعلني أعيش هذه اللحظة الاستثنائية مع أهم حدث في حياتي».

وأضافت مريم شريف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنها لم تُفكّر في التمثيل قبل ذلك لأن السينما اعتادت السخرية من قِصار القامة، وهو ما ترفضه، معبّرة عن سعادتها لتحقيق العمل ردود أفعال إيجابية للغاية، وهو ما كانت تتطلّع إليه، ومخرجته، لتغيير أسلوب تعامل الناس مع قِصار القامة لرؤية الجمال في الاختلاف، وفق قولها: «نحن جميعاً نستحق المساواة والاحترام، بعيداً عن التّهكم والسخرية».

وكان قد شهد عرض الفيلم في المهرجان حضوراً لافتاً من نجوم مصريين وعرب جاءوا لدعم بطلته من بينهم، كريم فهمي الذي يشارك بصفة ضيف شرف في الفيلم، وبشرى التي أشادت بالعمل، وكذلك أمير المصري ونور النبوي والمنتج محمد حفظي.

قُبلة على يد بطلة الفيلم مريم شريف من الفنان كريم فهمي (إدارة المهرجان)

واختارت المخرجة أن تطرح عبر فيلمها الطويل الأول، أزمة ذوي القامة القصيرة الذين يواجهون مشاكل كبيرة، أقلّها تعرضهم للتنمر والسخرية، وهو ما تصدّت له وبطلتها عبر أحداث الفيلم الذي يروي قصة «إيمان» قصيرة القامة التي تعمل موظفة في أرشيف إحدى المصالح الحكومية، وتحلم مثل كل البنات بلقاءِ فارس أحلامها وتتعلق بأغنية المطربة وردة الجزائرية «في يوم وليلة» وترقص عليها.

وجمع الفيلم بين بطلته مريم شريف وبعض الفنانين، ومن بينهم، كريم فهمي، ومحمد ممدوح، ومحمد جمعة، وخالد سرحان، وصفوة، وكان الفيلم قد فاز بوصفه مشروعاً سينمائياً بجائزة الأمم المتحدة للسكان، وجائزة الجمعية الدولية للمواهب الصاعدة في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وعلى الرغم من أن مريم لم تواجه الكاميرا من قبل، بيد أنها بدت طبيعية للغاية في أدائها وكشفت عن موهبتها وتقول المخرجة: «كنت مهتمة أن تكون البطلة غير ممثلة ومن ذوات القامة القصيرة لأحقق المصداقية التي أردتها، وحين التقيت مريم كانت هي من أبحث عنها، وكان ينقصنا أن نقوم بعمل ورش تمثيل لها، خصوصاً أن شخصية مريم مختلفة تماماً عن البطلة، فأجرينا تدريبات مطوّلة قبل التصوير على الأداء ولغة الجسد والحوار، ووجدت أن مريم تتمتع بذكاء لافت وفاجأتني بموهبتها».

لم يكن التمثيل يراود مريم التي درست الصيدلة في الجامعة الألمانية، وتعمل في مجال تسويق الأدوية وفق تأكيدها: «لم يكن التمثيل من بين أحلامي لأن قِصار القامة يتعرضون للسخرية في الأفلام، لكن حين قابلت المخرجة ووجدت أن الفيلم لا يتضمّن أي سخرية وأنه سيُسهم في تغيير نظرة كثيرين لنا تحمست، فهذه تجربة مختلفة ومبهرة». وفق تعبيرها.

ترفض مريم لقب «أقزام»، وترى أن كونهم من قصار القامة لا يحدّ من قدرتهم ومواهبهم، قائلة إن «أي إنسان لديه مشاعر لا بد أن يتقبلنا بدلاً من أن ننزوي على أنفسنا ونبقى محبوسين بين جدران بيوتنا خوفاً من التنمر والسخرية».

تغريد أبو الحسن، مخرجة ومؤلفة الفيلم، درست السينما في الجامعة الأميركية بمصر، وسافرت إلى الولايات المتحدة للدراسة في «نيويورك أكاديمي» قبل أن تُخرج فيلمين قصيرين، وتعمل بصفتها مساعدة للمخرج مروان حامد لسنوات عدّة.

المخرجة تغريد أبو الحسن وبطلة الفيلم مريم شريف (إدارة المهرجان)

وكشفت تغريد عن أن فكرة الفيلم تراودها منذ 10 سنوات: «كانت مربية صديقتي من قِصار القامة، اقتربتُ منها كثيراً وهي من ألهمتني الفكرة، ولم أتخيّل أن يظهر هذا الفيلم للنور لأن القصة لم يتحمس لها كثير من المنتجين، حتى شاركنا الحلم المنتج محمد عجمي وتحمس له».

العلاقة التي جمعت بين المخرجة وبطلتها كانت أحد أسباب تميّز الفيلم، فقد تحولتا إلى صديقتين، وتكشف تغريد: «اقتربنا من بعضنا بشكل كبير، وحرِصتُ على أن تحضر مريم معي ومع مدير التصوير أحمد زيتون خلال معاينات مواقع التصوير حتى تتعايش مع الحالة، وأخبرتها قبل التصوير بأن أي مشهد لا ترغب به سأحذفه من الفيلم حتى لو صوّرناه».

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

وتلفت تغريد إلى مشروعٍ سينمائيّ يجمعهما مرة أخرى، في حين تُبدي مريم سعادتها بهذا الالتفاف والترحيب من نجوم الفن الذين شاركوها الفيلم، ومن بينهم: كريم فهمي الذي عاملها برفق ومحبة، ومحمد ممدوح الذي حمل باقة ورد لها عند التصوير، كما كان كل فريق العمل يعاملها بمودة ولطف.