«وليام ستايرون»: كنت أشعر بالفقدان وأخاف من كل شيء حولي

الكاتب الأميركي يروي معاناته مع الاكتئاب في «ظلام مرئي»

«وليام ستايرون»: كنت أشعر بالفقدان وأخاف من كل شيء حولي
TT

«وليام ستايرون»: كنت أشعر بالفقدان وأخاف من كل شيء حولي

«وليام ستايرون»: كنت أشعر بالفقدان وأخاف من كل شيء حولي

يروي وليام ستايرون، أحد أبرز كتاب أميركا المعاصرين، في كتابه «ظلام مرئي» الذي صدر عن دار «الكرمة» بالقاهرة، بترجمة أنور الشامي، وقائع رحلة مؤلمة مع الاكتئاب الانتحاري، وتداعياته المفجعة اجتماعياً وجسدياً.
في باريس، وذات ليلة باردة من أواخر أكتوبر (تشرين الأول) عام 1985، أدرك ستايرون (1925- 2006) للمرة الأولى، أن الصراع مع الاضطراب الذي يعتمل في ذهنه، واستحوذ عليه منذ شهور عديدة، ربما ينتهي نهاية مفجعة، وأنه أصبح يتخبط عاجزاً عن التعامل معه.
لم تسعده المناسبة المبهجة التي جاءت به إلى فرنسا، فمن بين عديد من المظاهر الرهيبة للمرض، الجسمانية والنفسية، يظل الشعور بكراهية الذات، أو بتعبير ألطف: «انعدام تقدير الذات» هو أحد أعراضه الأكثر شيوعاً. لذلك كانت كآبته تنطوي على مفارقة شديدة؛ لأنه كان قد سافر إلى باريس في رحلة مستعجلة لأربعة أيام لتسلّم الجائزة التي كان يفترض أن ترد إليه إحساسه بذاته على نحو رائع؛ حيث تلقى في مطلع ذلك الصيف خبراً مفاده أنه قد اختير للحصول على جائزة «تشينو ديل دوكا» العالمية التي تمنح سنوياً لأديب أو عالم، تتجلى في أعماله موضوعات أو مبادئ بها شيء من الإنسانية.
أصبحت تلك الجائزة تحظى باحترام كبير في فرنسا، وهي أمة مغرمة بمنح الجوائز الثقافية، على حد تعبيره، ليس لما تتميز به من الانتقائية والشرف الذي تسبغه على متلقيها فقط، ولكن أيضاً لسخاء قيمتها المالية التي كانت تعادل في ذلك العام 25 ألف دولار تقريباً. وكان من بين الفائزين بها خلال العشرين عاماً الماضية خورخي لويس بورخيس.
في يوم حفل تسلُّم الجائزة الذي كان مقرراً أن يقام عند الظهر، وأن تعقبه مأدبة غداء رسمية، استيقظ ستايرون وقت الضحى في غرفته في فندق «بون رويال»، وطمأن نفسه بأنه بحال طيبة، ونقل هذا الخبر السار إلى زوجته روز؛ حيث تمكن من التغلب على الأرق، ونام بضع ساعات بمساعدة مهدئ بسيط اسمه «هالسيون»، ولذلك كانت حالته المعنوية جيدة. ولكن هذه البهجة الهشة لم تكن سوى مظهر زائف معتاد، فقد كان واثقاً بأن مشاعر التعاسة سوف تداهمه قبل حلول المساء. كان قد وصل إلى نقطة يرصد فيها بدقة كل مرحلة من مراحل حالته المتدهورة، وكان إقراره بالمرض قد جاء بعد إنكار دام عدة أشهر، فسَّر خلالها التوعك والأرق ونوبات القلق المفاجئة، في أول الأمر، بأنها أعراض انسحابية لامتناعه عن الكحول، وقبل أن يعرف أن الاكتئاب في مراحله الخطيرة ليس له علاج سريع المفعول، لذلك فإن العجز عن تخفيف حدة المرض هو أشد أعراضه فجاعة، وأنه يكشف عن نفسه للضحية بوضوح تام.
لقد أدرك عبر قراءته ومتابعته، أن حالته المرضية حالة لا نمطية في جانب واحد على الأقل من جوانبها اللافتة، فمعظم المرضى يصيبهم وهن شديد في ساعات الصباح الأولى، وما يستتبعه ذلك من تأثير خبيث يجعلهم عاجزين عن مغادرة الفراش، ولا يشعرون بالتحسن إلا مع مرور الوقت؛ لكن حالته كانت نقيض ذلك تماماً. فبينما كان بمقدوره أن ينهض ويمارس عمله بشكل شبه طبيعي تقريباً خلال الجزء الأول من اليوم، كان يشعر بهذه الأعراض مع انتصاف فترة ما بعد الظهيرة أو بعد ذلك بقليل؛ حيث يداهمه الشعور بالكآبة، ويتملكه إحساس بالرهبة والاغتراب، وفوق ذلك ينتابه قلق خانق، مع شعور يقترب من الشلل التام المصحوب بألم مبرح.
ظهرت على وجه سيمون ديل دوكا -وكانت امرأة ضخمة البنيان وذات شعر داكن وتتصرف بأناقة تليق بالملكات- إمارات الدهشة في أول الأمر، كما هو متوقع، ثم الغضب حينما أخبرها بعد حفل تسلُّم الجائزة أنه لن يحضر معها مأدبة الغداء المقامة في الطابق العلوي من القصر، أو مع أعضاء الأكاديمية الفرنسية الذين اختاروه للحضور للحصول على الجائزة. كان رفضه قاطعاً وساذجاً، وأخبرها بشكل صريح أنه قد ارتبط بدلاً من ذلك بموعد غداء في مطعم مع ناشرته الفرنسية، فرنسواز جاليمار. ويعترف بأن قراره هذا كان شائناً، فقد تم إخطاره وإخطار كل المعنيين قبل عدة أشهر بذلك، وأن مأدبة الغداء -فضلاً عن كونها تقام على شرفه- تمثل جزءاً من مراسم الحفل، ولكن تصرفه كان في حقيقة الأمر ناجماً عن تأثير المرض الذي كان قد تفاقم إلى حد مميت.
يذكر صاحب رواية «اختيار صوفي» الشهيرة التي تحولت إلى فيلم بالاسم نفسه، أنه حين كان لا يزال كاتباً شاباً، مر بما يسميها «مرحلة ألبير كامو» باعتباره من يحدد بشكل أساسي إطار رؤيته للحياة وللتاريخ، متجاوزاً بذلك تقريباً أي شخصية أدبية معاصرة أخرى.
وثمة رواية قصيرة كتبها كامو لاحقاً، وهي «السقطة»، نالت إعجابه؛ لكن مع بعض التحفظ، فالشعور بالذنب وإدانة الذات لدى المحامي الراوي، وهو يواصل حواره مع ذاته في إحدى الحانات بمدينة أمستردام، بدا صاخباً بعض الشيء، وينطوي على قدر من المبالغة.
لم يدرك ستايرون وقت قراءته لتك الرواية أن تصرفات المحامي كانت تنبثق إلى حد كبير من كونه واقعاً في براثن حالة اكتئاب حادة، وهكذا كان جاهلاً حتى بمجرد وجود هذا المرض. لم يكن الاكتئاب الذي أصابه وهو في الستين من النمط الهوسي، ذلك الذي تصحبه نوبات من النشوة والفرح، فقد لاحظ أن الأشياء من حوله قد بدأت تكتسب طابعاً مغايراً في أوقات بعينها. أمست أوقات دخول المساء أكثر كآبة، وأصبحت أقل حيوية في ساعات الصباح، وصار المشي في الغابة المحيطة بالمنزل أقل إمتاعاً. وخلال ساعات العمل في آخر فترة ما بعد الظهيرة، كانت تمر به لحظات يتملكه خلالها نوع من الهلع والقلق الذي لا يدوم سوى بضع دقائق، ولكنه يأتي مصحوباً بغثيان شديد.
كان واضحاً أنه يقف على حافة الانتحار، وأنه عما قريب سوف يلتقيه وجهاً لوجه. وللأسف الشديد، لم يكن اللجوء إلى الطبيب النفسي سبباً للخلاص؛ بل تفاقم الأمر؛ حيث كان ذلك الطبيب يعد له دواءً مضاداً للاكتئاب يسمى «لوديوميل»، وهو دواء كان يصيبه بالتوتر، وبفرط نشاط كريه في الحركة. وأصبح حديثه معه يشوبه التلعثم؛ نظراً لأن كلامه الذي بات يحاكي مشيته قد تباطأ، حتى أصبح معادلاً صوتياً لمشيته المتثاقلة، ورفض الطبيب ذهابه للمستشفى حتى لا يوصم بالجنون.
في نهاية ذلك الكتاب الذي وصفته بعض الصحف الأميركية بـأنه «تقشعر له الأبدان؛ لكنه مفعم بالأمل»، يصف المؤلف الاكتئاب في شكله الحاد بأنه ما هو إلا جنون. ويوضح فكرته قائلاً: «جنون الاكتئاب هو نقيض العنف، إنه عاصفة فعلاً، ولكنها عاصفة ضبابية كثيفة، وسرعان ما يظهر لدى الشخص تباطؤ في ردات فعله، وتعتريه حالة شلل شبه تام. ويخرج صوته خافتاً ومتحشرجاً ومتشنجاً للغاية».
جاء الشفاء بعد أشهر من العلاج في المستشفى، ثم أشهر أخرى ضمن مرحلة النقاهة، وهو ما يعلق عليه وليام ستايرون قائلاً: «كنت أشعر بالفقدان يحيط بي من كل جانب، وأخاف من كل شيء خوفاً طفولياً».


مقالات ذات صلة

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
ثقافة وفنون الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر الفائزين بدورتها العاشرة خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد وشخصيات بارزة ودبلوماسية وعلمية.

ميرزا الخويلدي (الدوحة)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.