لغز انجذاب النساء إلى القتلة المتسلسلين وحكاياتهم المرعبة

«فتيات مانسون» داخل المحكمة عام 1969 (أ.ب)
«فتيات مانسون» داخل المحكمة عام 1969 (أ.ب)
TT

لغز انجذاب النساء إلى القتلة المتسلسلين وحكاياتهم المرعبة

«فتيات مانسون» داخل المحكمة عام 1969 (أ.ب)
«فتيات مانسون» داخل المحكمة عام 1969 (أ.ب)

من داخل سجنه في كاليفورنيا؛ حيث كان ينتظر عقوبة الإعدام عام 1996، تزوّج القاتل المتسلسل ريتشارد راميريز من إحدى معجباته الكثيرات. لم تكن دورين ليوي أول امرأة تقع في غرام قاتل متسلسل، وتُحوِّل إعجابها به من بعيد إلى علاقة رسمية.
فمَن ينسى القاتل المتسلسل الأشهر على الإطلاق تشارلز مانسون، وكتيبته النسائية من القاتلات المعروفات بـ«فتيات مانسون»، اللاتي كنّ يأتمرن لإشارةٍ من إصبعه وينفّذن الجرائم نيابة عنه. أما صياد البشر وآكل لحومهم جيفري داهمر الذي استحق مؤخراً مسلسلاً من «نتفليكس»، فقد أمضى سنوات سجنه وهو يتلقى يومياً عشرات الرسائل ومبالغ مالية من المعجبات اللاتي لم يترددن في عرض الزواج عليه.

منذ أسطورة دراكولا، تميل النساء إلى شخصية حاصد الضحايا. وقد أكدت مجموعة كبيرة من الدراسات والإحصائيات أن عدد الإناث اللاتي يتابعن قصص القتلة المتسلسلين أكبر من عدد الرجال المهتمين بالموضوع، حتى قبل أن تنفتح شهية منصات البث على إنتاج مسلسلات تروي حكايات هؤلاء المجرمين، كانت النساء يشفين غليلهنّ من خلال الكتب. فقد أظهرت دراسة أعدّتها جامعة إلينوي عام 2010 أن 70 % من قرّاء كتب الجريمة الواقعية من الإناث، أما مع رواج هذا النوع من المسلسلات، فما عاد مستغرَباً أن تُمضي النساء ساعاتٍ أمام الشاشة لمشاهدتها.
لكن ما الذي يدفع بالجنس اللطيف إلى متابعة هذا الصنف العنيف من القصص؟ وما الذي يجعل السيّدات يتعاطفن مع القتلة المتسلسلين أكثر مما يفعل الرجال؟

مواجهة الخوف
انطلاقاً من رغبتها في حماية نفسها من وحوش هذه الدنيا، قد تتسمّر المرأة أمام شاشتها لاستكشاف المزيد عنهم. يقول عالم نفس الاجتماع د. رمزي أبو إسماعيل، لـ«الشرق الأوسط» في هذا الإطار، إن «النساء يشاهدن هذا النوع من البرامج لأنهن يتماهين مع الضحية ويخشين من أن يُوضعن في موقف مُشابه للذي وُضعت فيه. تشعر المرأة بأنها في حاجة لزيادة معلوماتها حول موضوع القتلة المتسلسلين؛ حتى تتجنب الوقوع في موقف مماثل. أضف إلى ذلك أن المرأة تنجذب عموماً إلى الخطر والإثارة».
تتيح مسلسلات الجريمة الواقعية أمام النساء أن يمتحنّ خوفهنّ ويضعنه تحت الاختبار. يدفعهنّ فضولهنّ للجلوس وجهاً لوجه مع مواقف مخيفة، كما أن مثل هذه الأعمال، سواء أكانت متلفزة أم مكتوبة، يعرض تجارب حيّة تفسح المجال أمام النساء للتعلم من مآسي الأخريات، من دون أن يُعرِّضن أنفسهن للخطر. يستكشفن خلفيات الجريمة، ويغُصن في دوافع المجرم، فيجمعن كل تلك المعلومات؛ في محاولةٍ لتعلّم التصرف في حالات مرعبة مماثلة.
إلى جانب الاستفادة والتعلم، تشكّل هذه المادة مساحة للمرأة تُطلق من خلالها ما تخزِّن من طاقة عدوانية. ففي وقت يستحوذ الرجل على الرياضات العنيفة، والألعاب الإلكترونية الدموية، والمبارزات الجسدية، لا يبقى للإناث أكثر من الغوص في تلك الحكايات المخيفة والمثيرة.


القاتل المتسلسل ريتشارد راميريز وزوجته دورين التي ارتبط بها خلال سجنه (تويتر)

القاتل الجذّاب
مع تصاعد اهتمام منصات البث العالمية بسَرد قصص القتلة المتسلسلين، برزَ خروجٌ عن سياق الرواية الواقعية. فقد عمدَ عدد من المسلسلات التوثيقية إلى ما يسمّيه بعض النقاد والمشاهدين، «تجميل» للصورة الحقيقية. ويقوم التجميل هذا على إضافة ملامح درامية ورومانسية إلى شخصية القاتل.
يعلّق د. أبو إسماعيل على هذه النقطة بقوله: «خلال عملية تسويق شخصية القاتل المتسلسل، يجري التركيز على سمات ذكورية جذابة. ومن المحتمل أن تستثير تلك الذكورية المسيطرة الإناث عاطفياً، فالمرأة تنجذب إلى ما يُعرَف بشخصية المثلث الأسود التي يتسم بها بعض الرجال، والمبنية على المكيافيلية والسيكوباثية والنرجسية. وهي من بعض الصفات التي تميل إليها المرأة. فكلما جرى التسويق للقاتل المتسلسل على أنه شخص جذاب، زادت احتمالات إعجاب المشاهِدات الإناث به».
غالباً ما يلتصق عنصر اللغز والغموض بشخصية القاتل المتسلسل، وهذا سبب آخر يُضاف إلى قائمة الأسباب التي تجعل المرأة تنجذب إليه. تُذهلها تلك الناحية المُعتمة فتسعى وراء فهمها، كما أنها تتأثر بالكاريزما والذكاء والجرأة والقوة التي يتمتع بها.

التعاطف مع القاتل «الضحية»
عندما وقف القاتل المتسلسل الشهير تيد بوندي عام 1979 في المحكمة الأميركية، كان يواجه أكثر من 30 تهمة بخطف واغتصاب وقتل فتيات ونساء. داخل القاعة جلست سيدات كثيرات قدِمن من مختلف الولايات بهدف مساندته والتعبير عن إعجابهن به.

قد يفسّر ذلك التعاطف المستغرب وغير المنطقي أن المرأة تميل إلى اعتبار القاتل المتسلسل ضحية. أما مردّ ذلك فهو أن العاطفة هي أولى غرائز النساء وهي التي تتحكّم بهنّ. يؤكد د. أبو إسماعيل في هذا الإطار: «في الأعمال التوثيقية الدرامية يجري تظهير القاتل المتسلسل على أنه شخصية مريضة، وأن هناك مسببات خارجة عن إرادته أوصلته إلى ما هو فيه. تنجذب الإناث إلى هذا الفائض من الدراما الذي تفتعله الجهات المنتجة بهدف تحقيق المشاهدات، وقد تميل حتى إلى التعاطف مع المجرم».
ويضيف الأستاذ المحاضر في جامعة كِنت البريطانية أن «أحد العوامل الأساسية التي تلعب دوراً في تأثر المرأة بشخصية القاتل المتسلسل هو تصويره على أنه بحاجة إلى المساعدة. تعتقد بعض النساء أن لديهن القدرة على إنقاذ هذا الشخص، ولا سيّما أن بعض الدراما تُظهره على أنه كان ضحية خلال طفولته. وبما أن لدى المرأة عاطفة كبيرة، تشعر بأنها تريد أن تخلّص هذا المجرم وأن تعيده إلى المجتمع السليم».
يلفت أبو إسماعيل هنا إلى أهمية التمييز بين المرأة التي تُعجب بشخصية القاتل المتسلسل من خلال الكتب والمسلسلات، أي «من بعيد لبعيد»، وتلك التي تذهب أبعد من ذلك فتقرر أن تقترب منه وتكون جزءاً من حياته بهدف إنقاذه.
أما إذا انتقلنا إلى ضفة القاتلات المتسلسلات، فاللافت أنهن لم يشكّلن بعدُ مادة دسمة بالنسبة لمنصات البث، ولا بالنسبة إلى جمهور الذكور. ويُرجع أبو إسماعيل ذلك إلى كون الرجل أقل انجذاباً إلى تركيبة القاتلة المتسلسلة الأنثى، على مستويَي الشكل والمضمون.


مقالات ذات صلة

العثور على 5 جثث مقطعة في شاحنة بالمكسيك

أميركا اللاتينية عناصر من الشرطة المكسيكية، في إسكوبيدو، المكسيك 20 أبريل 2022 (رويترز)

العثور على 5 جثث مقطعة في شاحنة بالمكسيك

عُثر على 5 جثث على الأقل مقطَّعة الأوصال، الخميس، بشاحنة في غواناخواتو بوسط المكسيك التي تشهد حرباً مفتوحة بين كارتلات المخدرات، على ما أفادت به السلطات.

«الشرق الأوسط» (مكسيكو سيتي)
المشرق العربي تظهر الصورة زنزانة في سجن صيدنايا الذي عُرف بأنه «مسلخ بشري» في عهد نظام الأسد بينما يبحث رجال الإنقاذ السوريون عن أقبية مخفية محتملة في المنشأة في دمشق في 9 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

محققو الأمم المتحدة أعدوا قوائم بآلاف من مرتكبي جرائم خطيرة في سوريا

وضع محققون تابعون للأمم المتحدة قوائم سرية بأربعة آلاف من مرتكبي جرائم خطيرة في سوريا، آملين مع سقوط الرئيس بشار الأسد بضمان المحاسبة.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي صورة ملتقطة في 4 ديسمبر 2020 في جنيف بسويسرا تظهر غير بيدرسن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

مبعوث الأمم المتحدة يندد ﺑ«وحشية لا يمكن تصورها» في سجون نظام الأسد

قال مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا إن الفظاعات التي شهدها سجن «صيدنايا» ومراكز الاحتجاز الأخرى في سوريا، تعكس «الوحشية التي لا يمكن تصورها» التي عاناها السوريون.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
أوروبا الطفلة البريطانية الباكستانية الأصل سارة شريف التي قضت بفعل الضرب في أغسطس 2023 (متداولة)

القضاء البريطاني يدين بالقتل والدَي طفلة توفيت جرّاء الضرب

أدان القضاء البريطاني والدَي الطفلة الإنجليزية الباكستانية الأصل سارة شريف التي قضت بفعل الضرب في أغسطس 2023 بعد تعرضها لسوء المعاملة على مدى سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا نساء أيزيديات يرفعن لافتات خلال مظاهرة تطالب بحقوقهن والإفراج عن المختطفين لدى تنظيم «داعش» المتطرف في الموصل بالعراق... 3 يونيو 2024 (رويترز)

السجن 10 سنوات لهولندية استعبدت امرأة أيزيدية في سوريا

قضت محكمة هولندية بالسجن عشر سنوات بحق امرأة هولندية أدينت بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بإبقائها امرأة أيزيدية عبدة في سوريا.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)

مصر تستعيد قطعاً أثرية ومومياء من آيرلندا

إحدى القطع الأثرية المصرية المُستردّة من آيرلندا (وزارة السياحة والآثار)
إحدى القطع الأثرية المصرية المُستردّة من آيرلندا (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر تستعيد قطعاً أثرية ومومياء من آيرلندا

إحدى القطع الأثرية المصرية المُستردّة من آيرلندا (وزارة السياحة والآثار)
إحدى القطع الأثرية المصرية المُستردّة من آيرلندا (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت مصر استعادة قطع أثرية من آيرلندا، تضمَّنت أواني فخارية ومومياء وقطعاً أخرى، عقب زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للدولة المذكورة.

وقالت وزارة الخارجية المصرية إنّ جهود استعادة القطع الأثرية من آيرلندا استمرّت طوال عام ونصف العام، وأوضحت في بيان، الجمعة، أنّ «القطع الأثرية التي استُردَّت من جامعة (كورك) الآيرلندية، هي مومياء مصرية وعدد من الأواني الفخارية والقطع الأثرية الأخرى، والجامعة أبدت تعاوناً كبيراً في تسهيل إجراءات إعادتها».

وتمثّل القطع المُستعادة حقبة مهمّة من التاريخ المصري القديم، وجزءاً من التراث الثقافي المصري الذي يحظى باهتمام الجميع، ومن المقرَّر عرضها في المتاحف المصرية، وفق بيان «الخارجية».

وأوضح الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر، الدكتور محمد إسماعيل خالد، أنّ «استرداد هذه القطع جاء وفقاً للاتفاق الثنائي الموقَّع مؤخراً بين المجلس الأعلى للآثار وجامعة (كورك) الآيرلندية»، مشيراً في بيان لوزارة السياحة والآثار، إلى أنّ الجامعة كانت قد حصلت عليها بين الأعوام 1920 و1930؛ ومن بينها تابوت خشبي ملوَّن بداخله بقايا مومياء ومجموعة من الأواني الكانوبية المصنوعة من الحجر الجيري بداخلها أحشاء المتوفّى.

القطع الأثرية المُستردّة تعود إلى حقب تاريخية مهمّة (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، كشف مدير الإدارة العامة لاسترداد الآثار، المُشرف على الإدارة المركزية للمنافذ الأثرية، شعبان عبد الجواد، عن أنّ «الأواني الكانوبية التي استُردَّت لكاهن يُدعى (با ور)، من الأسرة 22 من العصر المتأخر؛ كان يحمل ألقاباً من بينها (حارس حقول الإله). أما التابوت الخشبي فهو من العصر الصاوي لشخص يُدعى (حور)، وكان يحمل لقب (حامل اللوتس)؛ وتوجد بداخله بقايا مومياء وعدد من أسنانها»، وفق بيان الوزارة.

وأعلنت مصر، في وقت سابق، استرداد أكثر من 30 ألف قطعة أثرية من 2014 حتى أغسطس (آب) 2024، كما استُردَّت أخيراً 67 قطعة أثرية من ألمانيا. وكانت وزارة الخارجية قد أعلنت في يناير (كانون الثاني) 2023 استرداد 17 قطعة أثرية من الولايات المتحدة الأميركية، أبرزها «التابوت الأخضر».

في هذا السياق، يرى عالم الآثار المصري الدكتور حسين عبد البصير، أنّ «استعادة القطع الأثرية والمومياوات فرصة لإثراء بحثنا الأثري والتاريخي، إذ تساعدنا في الكشف عن جوانب جديدة من التاريخ المصري»، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المقتنيات توفّر رؤى قيّمة حول أساليب الدفن والعادات الثقافية القديمة التي كانت جزءاً من الحياة اليومية للمصريين القدماء».

ويعدُّ عبد البصير هذه الاستردادات إسهاماً في تعزيز الهوية الوطنية، إذ تُساعد في الحفاظ على التراث الثقافي من أجل الأجيال القادمة، مؤكداً أنّ «وزارة الخارجية المصرية تلعب دوراً حيوياً في استرداد الآثار من خلال التفاوض مع الدول الأجنبية والتنسيق الدبلوماسي للوصول إلى حلول تفاوضية تُرضي الأطراف المعنيّة»، لافتاً إلى أنّ استرداد القطع يأتي بالتزامن مع زيارة الرئيس المصري إلى آيرلندا؛ مما يؤكد اهتمام الدولة على أعلى مستوياتها باسترداد آثار مصر المُهرَّبة من الخارج.

قطع متنوّعة من الآثار استردّتها مصر من آيرلندا (وزارة السياحة والآثار)

«وتسهم الاتفاقات الثنائية التي تعقدها مصر مع الدول في استعادة الآثار؛ منها 5 اتفاقات لمكافحة تهريبها والاتجار في الآثار المسروقة مع سويسرا وكوبا وإيطاليا وبيرو وكينيا»، وفق عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، الخبير الآثاري الدكتور عبد الرحيم ريحان، الذي يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «العلاقات القوية بين مصر وآيرلندا منذ تولّي الرئيس السيسي الحُكم أسهمت في استعادة هذه الآثار»، مشيراً إلى أنّ «مصر استعادت نحو 30 ألف قطعة أثرية منذ تولّيه الرئاسة، من الولايات المتحدة الأميركية، وإنجلترا، وفرنسا، وإسبانيا، وهولندا، وكندا، وألمانيا، وبلجيكا، وإيطاليا، وسويسرا، ونيوزيلندا، وقبرص، والإمارات، والكويت، والأردن».

ويتابع: «جاء ذلك بعد جهود حثيثة من إدارة الآثار المُستردة بالمجلس الأعلى للآثار، وبمتابعة مستمرّة لكل المزادات العلنية، وكل ما يُنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر وكالات الأنباء الدولية عن الآثار المصرية المنهوبة، وعن طريق مفاوضات مثمرة، بالتعاون بين وزارات السياحة والآثار والخارجية والداخلية في مصر».