كينيا تتخلى عن حظر المحاصيل المعدلة وراثياً لتحقيق الأمن الغذائي

الجفاف أضر بإنتاج الذرة في حقول مزارعين كينيين (رويترز)
الجفاف أضر بإنتاج الذرة في حقول مزارعين كينيين (رويترز)
TT

كينيا تتخلى عن حظر المحاصيل المعدلة وراثياً لتحقيق الأمن الغذائي

الجفاف أضر بإنتاج الذرة في حقول مزارعين كينيين (رويترز)
الجفاف أضر بإنتاج الذرة في حقول مزارعين كينيين (رويترز)

رفعت كينيا مؤخراً حظراً على زراعة واستيراد المحاصيل المعدلة وراثياً وسط أسوأ موجة جفاف منذ 40 عاماً، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بما فيها الذرة البيضاء، السلعة الرئيسية في البلاد.
وكانت الحكومة الكينية قد وافقت في ديسمبر (كانون الأول) 2019، على زراعة القطن المعدل وراثياً، وأعرب المزارعون الكينيون عن رضاهم عن المحصول الجيد، على الرغم من ظروف الجفاف في المواسم القليلة الماضية، وهو ما شجع الحكومة لاحقاً على رفع الحظر الذي كان مفروضاً على المحاصيل الغذائية، كما يقول بينارد أوديامبو أولو، المحاضر في علوم وتكنولوجيا الأغذية في جامعة إجيرتون الكينية، في تقرير نشره موقع «ذا كونفرسيشن» في 26 أكتوبر (تشرين الأول).
وبينما رحب العلماء بالقرار الذين عدّوه الحل المتاح لتحقيق الأمن الغذائي مع تغيرات المناخ التي تسبب موجات جفاف من حين لآخر، لا يزال هناك «لوبي» معارض لهذا التوجه، بدعوى أنه له أخطاراً محتملة على الصحة والبيئة.
والمحاصيل المعدلة وراثياً، يتم إنتاجها عن طريق تغيير تركيبتها الجينية من خلال إدخال جين منتقى من نوع آخر غير ذي صلة، ويكون ذلك بغرض إضفاء خاصية مرغوبة مثل زيادة الغلة أو تحمل الحشرات أو مقاومة الجفاف.
وتشير الهندسة الوراثية إلى العلم المتضمن في اختيار الجينات المرغوبة المسؤولة عن سمات معينة من نوع ما ونقلها إلى جينات محصول آخر.
ويعمل البشر على تحسين جودة المحاصيل المستأنسة منذ آلاف السنين، لكنّ هذا يتم في الغالب من خلال التربية التقليدية، حيث يتم تشجيع السمات المهمة واختيارها وانتقالها من جيل إلى آخر.
وعادةً ما يستغرق التكاثر التقليدي من 10 إلى 15 عاماً، بينما يستغرق إنتاج صنف بالهندسة الوراثية فترة أقل من خمس سنوات، وكانت الموافقة على هذه المحاصيل المعدلة وراثياً وزراعتها بطيئة في أفريقيا، حيث سمح بها عدد قليل من البلدان، وكانت جنوب أفريقيا رائدة في تبني هذا التوجه في أفريقيا ولديها خبرة تمتد لأكثر من عقد.
وارتفع عدد البلدان في أفريقيا التي تُزرع فيها المحاصيل المعدلة وراثياً من ثلاثة في عام 2016 إلى 10 بحلول عام 2022، وقد قامت هذه البلدان العشرة بتسويق أنواع مختلفة من المحاصيل المعدلة وراثياً.
وكانت غانا من الدول التي سمحت مؤخراً بإنتاج اللوبيا المقاومة لحفار القرون، باستخدام الهندسة الوراثية، وبذلك تكون قد انضمت إلى القائمة المتزايدة من البلدان الأفريقية المسوِّقة للمحاصيل المعدلة وراثياً، وهذا هو أول محصول معدل وراثياً تتم الموافقة عليه في البلاد.
واستندت المواقف الحكومية السابقة المناهضة للهندسة الوراثية في كينيا، المنضمة حديثاً لهذا التوجه، إلى دراسة علمية عام 2012، ربطت الكائنات المعدلة وراثياً بالسرطان في الفئران.
وغالباً ما يشير نشطاء مكافحة الكائنات المعدلة وراثياً إلى هذه الدراسة، بالإضافة إلى القول إن هناك تأثيرات غير معروفة حتى الآن للتعديلات الجينية، وهذا سبب رئيسي للضغط من أجل الحظر.
كما تتراوح أسباب أخرى بين المخاوف بشأن تأثير الكائنات المعدلة وراثياً، والإشارات المختلطة من الاتحاد الأوروبي حول صحة وسلامة الأغذية المعدلة وراثياً، والمخاطر المحتملة للكائنات المعدلة وراثياً على البيئة والتنوع البيولوجي.
ويقول بينارد أوديامبو: «كان تغيير موقف الحكومة الكينية مدعوماً بعدد من التطورات، كان أولها تقرير فريق العمل المعنيّ بالأغذية المعدلة وراثياً في كينيا، والذي نتج عنه تنظيم علمي سليم ووجود إطار تنظيمي قوي، كما كان هناك عامل آخر وهو الجفاف المستمر الذي يعاني منه أكثر من 4 ملايين كيني حالياً، ويهدد الأمن الغذائي، وربما أدى ذلك بالحكومة إلى التفكير في حلول أكثر راديكالية على الرغم من المعارضة».
ويضيف: «على أثر ذلك، قررت الحكومة مراجعة كل حالة على حدة، لإدخال الكائنات المعدلة وراثياً على أسس تنظيمية تم الاتفاق عليها».
من جانبه، يثني علاء حموية، مدير المكتب الإقليمي للمركز الدولي للبحوث في المناطق الجافة والقاحلة (إيكاردا) بمصر، على هذا التوجه الكيني، وقال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «في تقديري، فإن الهندسة الوراثية أكثر أمناً من الطرق التقليدية في الزراعة، وأوفر في اقتصاديات الإنتاج».
ويُبدي حموية تعجيه من التسامح مع استخدام المبيدات الزراعية التي قد تؤدي إساءة استخدامها إلى تأثير مسرطن، بينما يتم في الوقت ذاته، الاعتراض على الهندسة الوراثية، بدعوى أنها تؤدي لطفرات قد تسبب السرطانات.
ويقول: «هذه التخوفات كان من الممكن قبولها قبل ظهور تقنية التحرير الجيني (كريسبر كاس 9)، التي حصل مطورها على جائزة نوبل العام الماضي، والتي تتيح استهداف جين بعينة يحقق وظيفة محددة».
ويوضح حموية أنه «لا بديل أمام العالم في ظل التغيرات المناخية التي تهدد الأمن الغذائي والأزمات الاقتصادية التي تؤثر على توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي المستوردة من الخارج، سوى اللجوء للهندسة الوراثية، التي تتيح لك إنتاج محصول مقاوم للآفات التي تنشط مع تغيرات المناخ والجفاف، دون الحاجة إلى استخدام المبيدات المستوردة من الخارج».
ويشير إلى تقارير أبلغ خلالها مزارعون أفارقة جربوا مؤخراً القطن المعدل وراثياً، عن انخفاض كبير في تكلفة الإنتاج من خلال تقليل الرش لمكافحة الآفات والأمراض الحشرية، ومكافحة دودة اللوز الأفريقية.


مقالات ذات صلة

السعودية تحتفي بإبداعات الثقافة العراقية في مهرجان «بين ثقافتين»

يوميات الشرق يسعى مهرجان «بين ثقافتين» إلى إثراء المعرفة الثقافية عبر تجاربَ فنيّةٍ مبتكرة (الشرق الأوسط)

السعودية تحتفي بإبداعات الثقافة العراقية في مهرجان «بين ثقافتين»

تحتفي وزارة الثقافة السعودية بنظيرتها العراقية في النسخة الثانية من مهرجان «بين ثقافتين» خلال الفترة من 18 إلى 31 ديسمبر (كانون الأول) المقبل في الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)

البازعي: «جائزة القلم الذهبي» متفردة... وتربط بين الرواية والسينما

بدأت المرحلة الثانية لـ «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» لتحديد القائمة القصيرة بحلول 30 ديسمبر قبل إعلان الفائزين في فبراير.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق ستقدم للزوار رحلة فريدة لمعايشة أجواء استثنائية مشابهة لسلسلة الأفلام الأيقونية الشهيرة (منصة ويبوك)

تركي آل الشيخ و«براذرز ديسكفري» يكشفان عن «هاري بوتر: مغامرة موسم الرياض»

في حدث يجمع المتعة والإثارة، سيكون زوار موسم الرياض 2024 على موعد لمعايشة أجواء استثنائية مشابهة لسلسلة الأفلام الأيقونية الشهيرة «هاري بوتر: موسم الرياض».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق حضور لافت شهدته حديقة السويدي خلال فعاليات «أيام السودان» (الشرق الأوسط)

ثراء ثقافي يجذب زوار «أيام السودان» في الرياض

واصلت حديقة السويدي في الرياض استضافة فعاليات «أيام السودان» ضمن مبادرة «تعزيز التواصل مع المقيمين» التي أطلقتها وزارة الإعلام السعودية بالشراكة مع هيئة الترفيه

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الفنون السودانية زيّنت فعاليات اليوم الأول من الفعاليات (الشرق الأوسط)

تعزيزاً للتواصل مع المقيمين... «أيام السودان» تنطلق في الرياض

أطلقت مبادرة «انسجام عالمي» السعودية، فعالية «أيام السودان»؛ بهدف تعزيز التواصل مع آلاف من المقيمين السودانيين في البلاد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

عقود من الرّيادة السعودية في فصل التوائم

جانب من حضور الجلسات الحوارية في اليوم الأخير من «المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة»... (تصوير: تركي العقيلي)
جانب من حضور الجلسات الحوارية في اليوم الأخير من «المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة»... (تصوير: تركي العقيلي)
TT

عقود من الرّيادة السعودية في فصل التوائم

جانب من حضور الجلسات الحوارية في اليوم الأخير من «المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة»... (تصوير: تركي العقيلي)
جانب من حضور الجلسات الحوارية في اليوم الأخير من «المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة»... (تصوير: تركي العقيلي)

بينما تتواصل جلسات «المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة»، بالعاصمة السعودية الرياض لليوم الثاني، أظهرت ردهات المكان، والمعرض المصاحب للمؤتمر بما يحتويه، تاريخاً من الريادة السعودية في هذا المجال على مدى 3 عقود، وفقاً لردود الفعل من شخصيات حاضرة وزوّار ومهتمّين.

جانب من المعرض المصاحب لـ«المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة»... (تصوير: تركي العقيلي)

على الجهة اليُمنى من مدخل مقر المؤتمر، يكتظ المعرض المصاحب له بالزائرين، ويعرّج تجاهه معظم الداخلين إلى المؤتمر، قُبيل توجّههم لحضور الجلسات الحوارية، وبين مَن يلتقط الصور مع بعض التوائم الموجودين ويستمع لحديثٍ مع الأطباء والطواقم الطبية، برزت كثير من المشاعر التي باح بها لـ«الشرق الأوسط» عددٌ من أشهر حالات التوائم السياميّة التي نجحت السعودية في عمليات فصلها خلال السنوات الأخيرة.

«أعمل في المستشفى حيث أُجريت عملية فصلنا»

السودانيتان التوأم هبة وسماح، من أوائل التوائم الذين أُجريت لهم عمليات الفصل قبل 3 عقود، وقد عبّرتا لـ«الشرق الأوسط» عن فخرهما بأنهما من أولى الحالات الذين أُجريت عملية فصلهما في السعودية.

قالت هبة عمر: «مَدّتنا عائلتنا بالقوة والعزيمة منذ إجرائنا العملية، وهذا الإنجاز الطبي العظيم ليس أمراً طارئاً على السعودية، وأرجو أن يجعل الله ذلك في ميزان حسنات قيادتها وشعبها».

التوأم السيامي السوداني هبة وسماح (تصوير: تركي العقيلي)

أما شقيقتها سماح عمر فتضيف فصلاً آخر من القصة :«لم نكن نعرف أننا توأم سيامي إلّا في وقت لاحق بعد تجاوزنا عمر الـ10 سنوات وبعدما رأينا عن طريق الصّدفة صورة قديمة لنا وأخبرنا والدنا، الذي كافح معنا، بذلك وعاملنا معاملة الأطفال الطبيعيين»، وتابعت: «فخورون نحن بتجربتنا، وقد واصلنا حياتنا بشكل طبيعي في السعودية، وتعلّمنا فيها حتى أنهينا الدراسة الجامعية بجامعة المجمعة، وعُدنا إلى السودان عام 2020 شوقاً إلى العائلة ولوالدتنا»، وبعد اندلاع الحرب في السودان عادت سماح إلى السعودية لتعمل في «مستشفى الملك فيصل ومركز الأبحاث»، وهو المستشفى نفسه الذي أُجريت لها ولشقيقتها فيه عملية الفصل.

ووجهت سماح عبر «الشرق الأوسط» رسالةً إلى التوائم السيامية طالبتهم فيها باستكمال حياتهم بشكل طبيعي: «اهتموا بتعليمكم وصحتكم؛ لأن التعليم على وجه الخصوص هو الذي سيقوّيكم لمواجهة صعوبة الحياة».

«وجدتُ العلاج في السعودية»

بوجهين تغشاهما البراءة، ويشع منهما نور الحياة، بينما لا يتوقع من يراهما أن هاتين الطفلتين قد أجرتا عملية فصل؛ إذ تظهرا بصحة جيدة جداً، تقف الباكستانيتان التوأم فاطمة ومشاعل مع أبيهما الذي يتحدث نيابةً عنهما قائلاً :«بحثت في 8 مستشفيات عن علاج للحالة النادرة لفاطمة ومشاعل، ولم أنجح في مسعاي، وعندما رفعت طلباً إلى الجهات الصحية في السعودية، جاء أمر العلاج بعد شهرين، وتوجهت إلى السعودية مع تأشيرة وتذاكر سفر بالإضافة إلى العلاج المجاني. رافقتني حينها دعوات العائلة والأصدقاء من باكستان للسعودية وقيادتها على ما قدمته لنا».

التوأم السيامي الباكستاني فاطمة ومشاعل (تصوير: تركي العقيلي)

«السعودية بلد الخير (...) فاطمة ومشاعل الآن بأفضل صحة، وأصبحتا تعيشان بشكل طبيعي مثل أخواتهما الثلاث الأخريات»؛ يقول الوالد الباكستاني... «أشكر القيادة السعودية والشعب السعودي الطيب والدكتور عبد الله الربيعة على الرعاية التي تلقيناها منذ كان عمر ابنتيّ عاماً واحداً في 2016».

وقبل أن تغادرا الكاميرا، فاضت مشاعر فاطمة ومشاعل بصوتٍ واحد لميكروفون «الشرق الأوسط»: «نحن فاطمة ومشاعل من باكستان، ونشكر السعودية والملك سلمان والأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، والدكتور عبد الله الربيعة».

عُماني فخور بالسعودية

أما محمد الجرداني، والد العُمانيتين التوأم صفا ومروة، فلم يُخفِ شعوره العارم بالفخر بما وصلت إليه السعودية من استخدام التقنيات الحديثة في المجال الطبي حتى أصبحت رائدة في هذا المجال ومجالات أخرى، مضيفاً أن «صفا ومروة وُلد معهما شقيقهما يحيى، غير أنه كان منفرداً».

الجرداني وهو يسهب في الحديث لـ«الشرق الأوسط»، وسط اختلاط المشاعر الإنسانية على وجهه، أكّد أن صحة ابنتيه اليوم «في أفضل حالٍ بعدما أُجريت لهما عملية الفصل في السعودية عام 2007، وأصبحتا تمارسان حياتهما بأفضل طريقة، ووصلتا في دراستهما إلى المرحلة الثانوية»، وأضاف: «نعزو الفضل في ذلك بعد الله إلى الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، ثم الملك سلمان، والأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، اللذين واصلا المسيرة الإنسانية للسعودية... وصولاً إلى هذا المؤتمر، وتحديد يوم 24 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عامٍ (يوماً للتوائم الملتصقة)».

الجرداني أشاد بجهود الدكتور عبد الله الربيعة في قيادة الفرق الطبية المختصة، وقال إنه «مدين بالشكر والعرفان لهذا المسؤول والطبيب والإنسان الرائع».

المؤتمر الذي يُسدَل الستار على أعماله الاثنين ينتشر في مقرّه وبالمعرض المصاحب له عدد من الزوايا التي تسلّط الضوء على تاريخ عمليات فصل التوائم، والتقنيات الطبية المستخدمة فيها، بالإضافة إلى استعراضٍ للقدرات والإمكانات الطبية الحديثة المرتبطة بهذا النوع من العمليات وبأنشطة «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية».