كوريا الجنوبية رهينة استفزازات بيونغ يانغ النووية

دبلوماسيون يربطون بين تصعيد الخطاب النووي الروسي والاختبارات الصاروخية الكورية الشمالية

أشخاص يتابعون في محطة قطارات بسيول خبر إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً جديداً أمس (أ.ف.ب)
أشخاص يتابعون في محطة قطارات بسيول خبر إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً جديداً أمس (أ.ف.ب)
TT

كوريا الجنوبية رهينة استفزازات بيونغ يانغ النووية

أشخاص يتابعون في محطة قطارات بسيول خبر إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً جديداً أمس (أ.ف.ب)
أشخاص يتابعون في محطة قطارات بسيول خبر إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً جديداً أمس (أ.ف.ب)

تعيش كوريا الجنوبية، منذ عقود، أسيرة هاجس استفزازات الجارة الشمالية وابتزازها النووي الذي دخل في الفترة الأخيرة مرحلة تصاعدية مفتوحة على أسوأ الاحتمالات، بعد أن أصبح السلاح النووي أحد العناوين الرئيسية في الحرب الدائرة في أوكرانيا، وعاد الحديث عن سباق التسلح النووي واستعراض القوة الذرية يتصدّر أدبيات المواجهة العسكرية بين واشنطن وموسكو.
ويجمع المراقبون في سيول على أن الخطاب النووي الذي افتتحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد الانتكاسات الميدانية التي تعرضّت لها قواته في أوكرانيا، والردود الغربية التي كان آخرها الاختبار النووي الأميركي لنسخة متطورة من الصواريخ الباليستية فائقة السرعة، يفتحان شهيّة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون على المزيد من الاستفزازات بعد سبحة التجارب غير المسبوقة التي أطلقتها بيونغ يانغ منذ بداية هذا العام.
ويسود الاعتقاد بين الأوساط الدبلوماسية في سيول أن ثمّة ترابطاً وثيقاً بين تصعيد الخطاب النووي الروسي وسلسلة الاختبارات التي أجرتها كوريا الشمالية، وأن المناورات النووية الكثيفة التي أجرتها موسكو مؤخراً بإشراف مباشر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقرار واشنطن تسريع نشر أحدث أسلحتها النووية المطورة في بلدان الحلف الأطلسي الأوروبية، يضعان شبه الجزيرة الكورية والمنطقة المحيطة بها على أبواب مرحلة جديدة من التصعيد من الصعب جداً التكهن بتطوراتها.
ولا يخفي المسؤولون في وزارة خارجية كوريا الجنوبية قلقهم من هذا «التوافق بين روسيا وكوريا الشمالية حول تسريع إرساء مبدأ الهجوم النووي الاحترازي»، على حد قول خبير دبلوماسي في الشؤون العسكرية. ويعتبر هذا الخبير أن ترسيخ استخدام التهديد النووي كوسيلة للحفاظ على السلطة وتوسيع دائرة النفوذ والهيمنة الإقليمية من شأنه أن يقوّض دعائم النظام الدولي القائم، ويفتح الباب على مرحلة خطيرة من سباق التسلح.
ويذكّر أحد المسؤولين في وزارة الدفاع الكورية بأن تصعيد نظام بيونغ يانغ لم يقتصر على إطلاق 26 صاروخاً باليستياً منذ بداية العام الحالي، بل شمل اختباراً، هو الأول من نوعه، لصاروخ «هواسونغ 17» العابر للقارات الذي يصل مداه إلى 4500 كيلومتر، أي بقدرة على ضرب قاعدة «غوام» الأميركية في المحيط الهادئ. ويقول الخبراء إن هذا الصاروخ حلّق على علو لم يسبق أن بلغه أي صاروخ كوري شمالي آخر، وكان عبر في المجال الجوي الياباني مثيراً الذعر بين السكان، ما اضطر السلطات إلى إعلان حالة الطوارئ في بعض المناطق وتوجيه المواطنين بالاحتماء في الملاجئ.
ويعتبر المراقبون في سيول أن هذا التصعيد الذي شكّله إطلاق هذا الصاروخ الكوري الشمالي، الذي يرجّح أنه مجهّز لحمل رؤوس نووية، ليس ردّاً على المناورات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية فحسب، بل يندرج في إطار المشهد الدولي الذي ترتسم معالمه على وقع الحرب الدائرة في أوكرانيا، والتوتر المتزايد بين الصين وتايوان بعد دخول واشنطن مباشرة على خط النزاع إثر زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى الجزيرة، وإعلان الإدارة الأميركية عن استعدادها لمساعدة تايوان في حال تعرّضها لهجوم عسكري.
وتعزو الأوساط الدبلوماسية في سيول هذا التصعيد الكوري الشمالي إلى سببين رئيسيين؛ الأول، رغبة بيونغ يانغ في العودة إلى واجهة الأحداث بعد تصدرها المشهد الدولي في عهد الإدارة الأميركية السابقة. والثاني، الضغط لرفع العقوبات التي أقرّها مجلس الأمن الذي يواجه مرحلة من التعطيل شبه التام بسبب من الحرب في أوكرانيا.
ورغم التحذيرات التي صدرت هذا الأسبوع عن الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية لرد «غير مسبوق» في حال أقدمت بيونغ يانغ على تجربة نووية جديدة، يسود الاعتقاد في كوريا الجنوبية بأن الجارة الشمالية لن تتراجع عن تنفيذ الخطوة التي أعلنت عنها، والتي تهدف إلى التأكيد بأنها قادرة على ضرب أهداف داخل الأراضي الأميركية.
وما يؤكد هذا الاعتقاد، القرار الذي صدر منذ أيام عن الجمعية العليا للشعب، وهي بمثابة البرلمان في كوريا الشمالية، والذي يثبّت اعتماد العقيدة النووية الجديدة التي تقوم على مبدأ الهجوم الوقائي في مواجهة تهديد عسكري خارجي، أو محاولة إسقاط النظام الذي يتزعمه كيم جونغ أون. ورغم أن هذه العقيدة الجديدة تستثني من الهجوم الوقائي الدول غير النووية، إلا أنها تشمل الدول المتحالفة مع القوى النووية، أي أن كوريا الجنوبية تقع ضمن دائرتها.
وكان الزعيم الكوري الشمالي وصف السلاح النووي بأنه «السيف الثمين» الذي لا نيّة لديه في التخلي عنه، أو التفاوض حوله، إذ يعتبره الضمانة ضد أي اجتياح أو اعتداء خارجي. ويعترف المسؤولون هنا بأن هذه العقيدة النووية قد أكّدتها تجربة الحرب الدائرة في أوروبا، أولاً بنتائج تخلّي أوكرانيا عن السلاح النووي مقابل اعتراف روسيا بسيادتها وحدودها. وثانياً، بانتهاك موسكو الاتفاقات الموقعة مع كييف واجتياحها الأراضي الأوكرانية.
ويتجسّد الترابط بين روسيا وكوريا الشمالية أيضاً في استحالة تحويل الرفض المتنامي لسياسة الابتزاز النووي إلى عقوبات دولية في مجلس الأمن، بسبب من اصطدامها الأكيد بالفيتو الروسي، ورفض الصين فرض المزيد من العقوبات على بيونغ يانغ. يضاف إلى ذلك أن ثمة تنسيقاً يتبدّى بين موسكو وبكين للمطالبة بتخفيف العقوبات وفتح قنوات للحوار الدبلوماسي تثبّت الوضع القائم حالياً، أي القبول بروسيا كدولة تحتل 20 في المائة من الأراضي الأوكرانية، وكوريا الشمالية كقوة نووية.
وكان الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول قد لمح في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي إلى أن الرضوخ للابتزاز النووي، والقبول بالمكاسب التي يمكن الحصول عليها باللجوء إليه، سيكون ضربة قاتلة لسياسة عدم الانتشار النووي، وتهديداً مدمراً للسلم الدولي.


مقالات ذات صلة

كوريا الشمالية تتعهد بتعزيز «الردع العسكري» رداً على إعلان واشنطن

العالم كوريا الشمالية تتعهد بتعزيز «الردع العسكري» رداً على إعلان واشنطن

كوريا الشمالية تتعهد بتعزيز «الردع العسكري» رداً على إعلان واشنطن

تعتزم كوريا الشمالية تعزيز «الردع العسكري» ضد كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، منتقدة اتفاق القمة الذي عقد هذا الأسبوع بين البلدين بشأن تعزيز الردع الموسع الأميركي، ووصفته بأنه «نتاج سياسة عدائية شائنة» ضد بيونغ يانغ، وفقاً لما ذكرته وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية. ونشرت وكالة الأنباء المركزية الكورية (الأحد)، تعليقاً انتقدت فيه زيارة الدولة التي قام بها رئيس كوريا الجنوبية يون سيوك - يول إلى الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، ووصفت الرحلة بأنها «الرحلة الأكثر عدائية وعدوانية واستفزازاً، وهي رحلة خطيرة بالنسبة لحرب نووية»، وفقاً لما نشرته وكالة الأنباء الألمانية. وذكرت وكالة أنباء «

«الشرق الأوسط» (سيول)
العالم كوريا الشمالية تحذر من «خطر أكثر فداحة» بعد اتفاق بين سيول وواشنطن

كوريا الشمالية تحذر من «خطر أكثر فداحة» بعد اتفاق بين سيول وواشنطن

حذرت كيم يو جونغ شقيقة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون من أن الاتفاق بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية لتعزيز الردع النووي ضد بيونغ يانغ لن يؤدي إلا إلى «خطر أكثر فداحة»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. كانت واشنطن وسيول حذرتا الأربعاء كوريا الشمالية من أن أي هجوم نووي تطلقه «سيفضي إلى نهاية» نظامها. وردت الشقيقة الشديدة النفوذ للزعيم الكوري الشمالي على هذا التهديد، قائلة إن كوريا الشمالية مقتنعة بضرورة «أن تحسن بشكل أكبر» برنامج الردع النووي الخاص بها، وفقا لتصريحات نقلتها «وكالة الأنباء الكورية الشمالية» اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (بيونغ يانغ)
العالم شركة تبغ ستدفع 600 مليون دولار كتسوية لانتهاكها العقوبات على بيونغ يانغ

شركة تبغ ستدفع 600 مليون دولار كتسوية لانتهاكها العقوبات على بيونغ يانغ

وافقت مجموعة «بريتيش أميركان توباكو» على دفع أكثر من 600 مليون دولار لتسوية اتهامات ببيعها سجائر لكوريا الشمالية طوال سنوات في انتهاك للعقوبات التي تفرضها واشنطن، كما أعلنت وزارة العدل الأميركية الثلاثاء. في أشدّ إجراء تتخذه السلطات الأميركية ضدّ شركة لانتهاك العقوبات على كوريا الشمالية، وافق فرع الشركة في سنغافورة على الإقرار بالذنب في تهم جنائية تتعلق بالاحتيال المصرفي وخرق العقوبات. وأفادت وزارة العدل الأميركية بأنه بين عامَي 2007 و2017، عملت المجموعة على تشغيل شبكة من الشركات الوهمية لتزويد صانعي السجائر في كوريا الشمالية بسلع. وقال مسؤولون أميركيون إن الشركة كانت تعلم أنها تنتهك عقوبات أم

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم كوريا الشمالية: وضعنا كدولة تملك أسلحة نووية حقيقة لا يمكن إنكارها

كوريا الشمالية: وضعنا كدولة تملك أسلحة نووية حقيقة لا يمكن إنكارها

نقلت وكالة الأنباء المركزية الكورية، اليوم الجمعة، عن وزيرة خارجية كوريا الشمالية، تشوي سون هوي، قولها إن وضع البلاد باعتبارها دولة تمتلك أسلحة نووية سيظل حقيقة لا يمكن إنكارها، وإنها ستستمر في بناء قوتها حتى القضاء على التهديدات العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها. جاءت تصريحات الوزيرة في بيان ينتقد الولايات المتحدة ودول مجموعة السبع.

«الشرق الأوسط» (سيول)
العالم كوريا الشمالية ترفض دعوة «مجموعة السبع» للامتناع عن تجارب نووية جديدة

كوريا الشمالية ترفض دعوة «مجموعة السبع» للامتناع عن تجارب نووية جديدة

رفضت كوريا الشمالية، اليوم (الجمعة)، دعوة مجموعة السبع لها إلى «الامتناع» عن أي تجارب نووية أخرى، أو إطلاق صواريخ باليستية، مجددةً التأكيد أن وضعها بوصفها قوة نووية «نهائي ولا رجعة فيه»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». ونددت وزيرة الخارجية الكورية الشمالية تشوي سون هوي بالبيان «التدخلي جداً» الصادر عن «مجموعة السبع»، قائلة إن القوى الاقتصادية السبع الكبرى في العالم تُهاجم «بشكل خبيث الممارسة المشروعة للسيادة» من جانب بلادها. وقالت تشوي في بيان نشرته «وكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية» إن «موقف جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية بصفتها قوة نووية عالمية نهائي ولا رجوع فيه». واعتبرت أن «(مج

«الشرق الأوسط» (بيونغ يانغ)

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
TT

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

خلُص تقرير جديد إلى أن عدد ضحايا الأسلحة المتفجرة من المدنيين وصل إلى أعلى مستوياته عالمياً منذ أكثر من عقد من الزمان، وذلك بعد الخسائر المدمرة للقصف المُكثف لغزة ولبنان، والحرب الدائرة في أوكرانيا.

ووفق صحيفة «الغارديان» البريطانية، فقد قالت منظمة «العمل على الحد من العنف المسلح» (AOAV)، ومقرها المملكة المتحدة، إن هناك أكثر من 61 ألف مدني قُتل أو أصيب خلال عام 2024، بزيادة قدرها 67 في المائة على العام الماضي، وهو أكبر عدد أحصته منذ بدأت مسحها في عام 2010.

ووفق التقرير، فقد تسببت الحرب الإسرائيلية على غزة بنحو 55 في المائة من إجمالي عدد المدنيين المسجلين «قتلى أو جرحى» خلال العام؛ إذ بلغ عددهم أكثر من 33 ألفاً، في حين كانت الهجمات الروسية في أوكرانيا السبب الثاني للوفاة أو الإصابة بنسبة 19 في المائة (أكثر من 11 ألف قتيل وجريح).

فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على أقاربهم الذين قُتلوا بالغارات الجوية الإسرائيلية في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (د.ب.أ)

وشكّلت الصراعات في السودان وميانمار معاً 8 في المائة من إجمالي عدد الضحايا.

ووصف إيان أوفيرتون، المدير التنفيذي لمنظمة «العمل على الحد من العنف المسلح»، الأرقام بأنها «مروعة».

وأضاف قائلاً: «كان 2024 عاماً كارثياً للمدنيين الذين وقعوا في فخ العنف المتفجر، خصوصاً في غزة وأوكرانيا ولبنان. ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهل حجم الضرر الناجم عن هذه الصراعات».

هناك أكثر من 61 ألف مدني قُتل أو أصيب خلال عام 2024 (أ.ب)

وتستند منظمة «العمل على الحد من العنف المسلح» في تقديراتها إلى تقارير إعلامية باللغة الإنجليزية فقط عن حوادث العنف المتفجر على مستوى العالم، ومن ثم فهي غالباً ما تحسب أعداداً أقل من الأعداد الحقيقية للمدنيين القتلى والجرحى.

ومع ذلك، فإن استخدام المنظمة المنهجية نفسها منذ عام 2010 يسمح بمقارنة الضرر الناجم عن المتفجرات بين كل عام، ما يُعطي مؤشراً على ما إذا كان العنف يتزايد عالمياً أم لا.