«الدرونز»... نقلة نوعية للجماعات «الإرهابية» في أفريقيا

بموازاة اجتماع أممي يناقش مخاطر وصولها للتنظيمات المتطرفة

طائرات «درون» بولندية في قاعدة المركبات الجوية غير المأهولة رقم 12 في ميروسلاويك شمال غربي بولندا أمس (أ.ب.أ)
طائرات «درون» بولندية في قاعدة المركبات الجوية غير المأهولة رقم 12 في ميروسلاويك شمال غربي بولندا أمس (أ.ب.أ)
TT

«الدرونز»... نقلة نوعية للجماعات «الإرهابية» في أفريقيا

طائرات «درون» بولندية في قاعدة المركبات الجوية غير المأهولة رقم 12 في ميروسلاويك شمال غربي بولندا أمس (أ.ب.أ)
طائرات «درون» بولندية في قاعدة المركبات الجوية غير المأهولة رقم 12 في ميروسلاويك شمال غربي بولندا أمس (أ.ب.أ)

تناقش لجنة الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، التابعة لمجلس الأمن الدولي، خلال اجتماع لها في الهند، الجمعة، التهديد المتزايد الذي تشكله التكنولوجيا الجديدة والناشئة على العالم، ومن بينها استخدام الجماعات الإرهابية للطائرات دون طيار «الدرونز».
ويأتي الاجتماع بموازاة تحذيرات دولية من انتشار الطائرات دون طيار في أيدي التنظيمات الإرهابية بالقارة الأفريقية، والتي باتت مركز ثقل جديداً لتلك الجماعات الإرهابية، حيث تزدهر الصراعات الأهلية والحكومات الهشة.
ووفق تصريحات المبعوثة الهندية لدى الأمم المتحدة، السفيرة روشيرا كامبوج، على موقع المنظمة الدولية، فإنه يتم حالياً «الإبلاغ عن هجمات يتم فيها استخدام أنظمة الطائرات دون طيار، في العديد من مناطق الصراع، مما يضفي تعقيداً بشأن استخدامها المشروع».
وتتميز الطائرات دون طيار برخص أسعارها النسبي مقارنة بالطائرات التقليدية، علاوة على سهولة الوصول إلى التكنولوجيا المستخدمة في صناعتها، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن إمكانية وصول هذا السلاح الخطير إلى الجماعات المتطرفة.
ومنتصف أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، لفت تقرير نشره معهد الدراسات الأمنية في بريتوريا بجنوب أفريقيا (ISS)، إلى تزايد الأدلة على استخدام الإرهابيين والجماعات الإجرامية للطائرات دون طيار في أفريقيا.
وأشار التقرير، الذي جاء تحت عنوان «الطائرات بدون طيار المسلحة - أحدث تهديد تقني يصل إلى أفريقيا»، إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية الجارية أبرزت دور «الدرونز» في ساحات القتال، وثمة سباق تسلح جارٍ الآن في مجال إنتاجها والحصول عليها، مضيفاً أنه يمكن أيضاً شراء الطائرات دون طيار وتكييفها واستخدامها لتعطيل البنى التحتية الحيوية مثل المطارات ومحطات الطاقة وشبكات الاتصالات.

إحدى طائرتي استطلاع طراز «هيرميس 900» أثناء رحلات للتدريب في قاعدة بوسط سويسرا سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)

ويحذر مجلس الأمن، بموجب القرار رقم (2617)، من إساءة استخدام الطائرات دون طيار، كما يحث الأعضاء على «تحقيق التوازن بين تعزيز الابتكار من جهة، ومنع إساءة استخدام أنظمة الطائرات دون طيار من جهة أخرى».
ويلفت تقرير (ISS) إلى ما حدث خلال التصعيد الأخير في الأعمال العدائية في مقاطعة كابو ديلجادو في شمال موزمبيق، حيث أفادت السلطات الحكومية بأن «الجماعات المتشددة نشرت طائرات دون طيار في المقاطعة، وساعدها ذلك بقوة في تقويض الاستقرار النسبي الذي تحقق هناك مؤخراً».
وجاء في تقرير نشره مركز «أفريقيا للدراسات الاستراتيجية»، العام الماضي، أنه من المرجح أن تغير تكنولوجيا الدرونز وجه الحرب في أفريقيا بسبب طبيعتها المستقلة، علاوة على التكاليف المنخفضة، مشيراً إلى أنه يمكن شراء بعض النماذج وتسليحها مقابل أقل من 650 دولاراً. ونقل التقرير عن صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أن «جماعة بوكو حرام النيجيرية حصلت على طائرات دون طيار واستخدمتها لأغراض استخباراتية»، وقال إن «طائرات بوكو حرام كانت أكثر تطوراً من تلك التي تستخدمها الحكومة».
ويعتقد عبد الفتاح الفاتحي، مدير «مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية» في المغرب، أن حصول الجماعات المتطرفة في الساحل الأفريقي والصحراء على الدرونز مسألة ممكنة جداً، باعتبار أن المنطقة «مسرح للتنافس الدولي بالوكالة بين قوى كبرى، ومنها أميركا وروسيا، وهو مناخ تقوى فيه الجماعات المتطرفة».
وقال الفاتحي لـ«الشرق الأوسط» إن «داعش والجماعات التابعة له في أفريقيا يزداد نفوذهم بوتيرة متنامية، وإن زيادة الفضاء الترابي وامتلاك الفضاء الممكن للتجارة في السلاح قد يمكنهم من توفير طاقات مادية وتقنية تجعل من السهل بمكان خلق بيئة لصناعة الدرونز أو تجميعها».
وتزدهر الأنشطة الإرهابية في أفريقيا، وبشكل خاص في البلدان التي تعاني من الاضطرابات الأمنية والاحتراب الأهلي والنزاعات المسلحة، حيث تستفيد الجماعات المسلحة من ضعف الحكومات وحالة الهشاشة السياسية والأمنية.
وبحسب المؤشر العالمي للإرهاب، تم تسجيل 7234 هجوماً إرهابياً في قارة أفريقيا، حيث أودى الإرهاب بحياة 28 ألفاً و960 ضحية عام 2021، كما أنه يوجد قرابة 30 كياناً إرهابياً متمركزاً في أفريقيا مسجلاً في قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي. يقول الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة أحمد بان: «استطاع داعش في فترة ازدهار التنظيم تطوير نماذج بدائية من الطائرات دون طيار واستخدامها في بعض الهجمات في سوريا والعراق». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «يعد هذا السلاح الخطير ذا أهمية كبرى للتنظيمات والجماعات المسلحة؛ بسبب رخص ثمنه وسهولة تطويره، لا سيما أن جماعات مثل داعش لديها كوادر بشرية علمية عالية المستوى، كما أن السلاح نفسه يسهل استخدامه في تكتيكات الاستنزاف والدعاية وبث الرعب والخوف».
وفي عام 2017، قال تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، إنه عثر على وثائق تضمنت نماذج لطائرات دون طيار استخدمها تنظيم داعش بهدف جمع المعلومات وقصف مواقع العمليات باستخدام أنواع مختلفة من المتفجرات. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين عسكريين أميركيين في بغداد أن «داعش» استخدم أكثر من 80 طائرة من دون طيار يتم التحكم بها عن بعد ضد القوات العراقية وحلفائها.
ورغم فرض التحالف الدولي حظر طيرانٍ على الدرونز التجارية، فإن التنظيم تجاوز ذلك عن طريق إدخال تعديلاتٍ على التطبيقات الذكية، وتركيب وتوليف رقاقاتٍ إلكترونية على أنظمة تحديد المواقع في الدرونز، وفقاً للتقرير.
بدوره، يرى المحلل العسكري ورئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية، العميد سمير راغب، أنه «حتى في حالة الدرونز البدائية فإنها يمكنها تشكيل خطورة عبر حمل القنابل اليدوية والقنابل الهجينة المصنعة يدوياً، ويصل الأمر لحمل انتحاريين أو قذائف هاون».
ويشير راغب في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «هناك الكثير من طرازات الطائرات دون طيار التي تباع في الأسواق، ويمكن للجماعات الإرهابية الحصول عليها عبر أطراف ثالثة، خصوصاً في أفريقيا حيث تنتشر عصابات الجريمة المنظمة وعصابات غسل الأموال، ثم تحميلها بأسلحة».
وبالنسبة للشركات التي تبيع الطائرات دون طيار التجارية الأغراض الهادفة للربح فإنها، كما يقول الخبير العسكري، قد لا تعرف أن هذه الطائرات يشتريها أشخاص أو كيانات وسيطة لا تاريخ إجرامي لديها، وبالتالي فهي تبيع بشكل قانوني، ويتم الكثير من عمليات البيع عبر منصات إلكترونية عابرة لفكرة المكان مثل مواقع البيع الإلكتروني».
أما عن إمكانية التصنيع فيرى راغب أن «العقبة الوحيدة تكمن في الحصول على التكنولوجيا المستخدمة ومعرفة طرق التوليف والمواءمة التي تصنع بها الدرونز، لكن المكونات المستخدمة متاحة وتباع بشكل قانوني لأغراض مدنية وسلمية، لذا فإن الجماعات الإرهابية يمكنها صنع طائرات دون طيار، دون التعرض لأزمات في جلب الموارد إذا توافر لديها الكوادر والمعرفة اللازمة».
ويضيف: «على سبيل المثال، محرك الطائرة دون طيار قد يكون محرك سيارة أو دراجة بخارية أما جسد الطائرة فقد يصنع من مواد مثل الفايبر الذي يستخدم في العديد من الأدوات والمفروشات المنزلية».
ويشير راغب إلى أنه فيما يخص الأمور التقنية المتعلقة ببرامج التحكم عن بعد فإن داعش وغيرها من الجماعات، يمكنها أن تتعاقد مع تقنيين مختصين عبر وسطاء عاديين لا سجل إجرامي أو إرهابي لديهم، كما يمكنها حال عدم توافر الكوادر لديها استئجار خدمات أفراد من مبرمجين ومتخصصين لتصميم برامج التحكم والشرائح والرقائق الإلكترونية؛ لأنها شبيهة جداً ببرامج أخرى تستخدم لأغراض سلمية».


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

مسؤول: قراصنة إلكترونيون صينيون يستعدون لصدام مع أميركا

القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)
القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)
TT

مسؤول: قراصنة إلكترونيون صينيون يستعدون لصدام مع أميركا

القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)
القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)

قال مسؤول كبير في مجال الأمن الإلكتروني في الولايات المتحدة، الجمعة، إن قراصنة إلكترونيين صينيين يتخذون مواطئ قدم في بنية تحتية خاصة بشبكات حيوية أميركية في تكنولوجيا المعلومات تحسباً لصدام محتمل مع واشنطن.

وقال مورغان أدامسكي، المدير التنفيذي للقيادة السيبرانية الأميركية، إن العمليات الإلكترونية المرتبطة بالصين تهدف إلى تحقيق الأفضلية في حالة حدوث صراع كبير مع الولايات المتحدة.

وحذر مسؤولون، وفقاً لوكالة «رويترز»، من أن قراصنة مرتبطين بالصين قد اخترقوا شبكات تكنولوجيا المعلومات واتخذوا خطوات لتنفيذ هجمات تخريبية في حالة حدوث صراع.

وقال مكتب التحقيقات الاتحادي مؤخراً إن عملية التجسس الإلكتروني التي أطلق عليها اسم «سالت تايفون» شملت سرقة بيانات سجلات مكالمات، واختراق اتصالات كبار المسؤولين في الحملتين الرئاسيتين للمرشحين المتنافسين قبل انتخابات الرئاسة الأميركية في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) ومعلومات اتصالات متعلقة بطلبات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة.

وذكر مكتب التحقيقات الاتحادي ووكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية أنهما يقدمان المساعدة الفنية والمعلومات للأهداف المحتملة.

وقال أدامسكي، الجمعة، إن الحكومة الأميركية «نفذت أنشطة متزامنة عالمياً، هجومية ودفاعية، تركز بشكل كبير على إضعاف وتعطيل العمليات الإلكترونية لجمهورية الصين الشعبية في جميع أنحاء العالم».

وتنفي بكين بشكل متكرر أي عمليات إلكترونية تستهدف كيانات أميركية. ولم ترد السفارة الصينية في واشنطن على طلب للتعليق بعد.