تشاد: «استراحة محاربين» لا ترفع الأصابع عن الزناد

حكومة المتمردين السابقين تواجه إرث الصراع والشك

مؤتمر الحوار  التشادي في إحدى جلساته (أ.ف.ب)
مؤتمر الحوار التشادي في إحدى جلساته (أ.ف.ب)
TT

تشاد: «استراحة محاربين» لا ترفع الأصابع عن الزناد

مؤتمر الحوار  التشادي في إحدى جلساته (أ.ف.ب)
مؤتمر الحوار التشادي في إحدى جلساته (أ.ف.ب)

في أشهر الخريف تستقبل نجامينا، عاصمة جمهورية تشاد، زخاتٍ من المطر تلطف الأجواء وتتهيأ المدينة لاستقبال شتاء صحراوي بارد، غير أن ما هو أهم أن تلك الزخات تمنح المواطنين التشاديين فرصة لالتقاط الأنفاس بعد صيف طويل حار. مع هذا اعتاد التشاديون ألا يمنحوا أمطار الخريف صك أمان مطلق؛ لأنها قد تتحول بين عشية وضحاها إلى سيل جارف، وهو ما جعلهم لا يأمنون لأمرين في بلادهم: الطقس... والسياسة. السياسة في تشاد لا تختلف في تقلباتها عن الطقس في أشهر الخريف، فحالة «الصفاء النسبي» التي أشاعها تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة في البلاد، الأسبوع المنصرم، لم تفلح في تبديد كل «غيوم» القلق المتوطن في عقول التشاديين. وحتى بعدما رأوا متمردين سابقين، لطالما خاضوا صراعاً سياسياً وعسكرياً مريراً مع نظام الرئيس الراحل إدريس ديبي، ينفضون عن ثيابهم غبار ميادين القتال، أو يخلعون ثياب السجن، ليتخذوا طريقهم إلى قصور الحكم في عهد الابن محمد إدريس ديبي إيتنو. وهذا الأخير يترأس المجلس العسكري الحاكم للبلاد منذ رحيل والده. وسيبقى على رأس السلطة لعامين مقبلين، لحين إجراء انتخابات عامة في البلاد. بل ويحق له - وفق مخرجات الحوار الوطني الشامل - الترشح للانتخابات المزمع إجراؤها في نهاية المرحلة الانتقالية.
حالة القلق والحذر في تشاد لها ما يبررها لدى عدد من المراقبين. فحكومة الوحدة الوطنية جاءت بمرسوم من رئيس المجلس العسكري، بعد أسبوعين من حوار مصالحة وطنية، غابت عنه أو انسحبت منه العديد من فصائل المعارضة وقواها المؤثرة. وهو ما يشيع جواً من الترقب لما يمكن أن تسفر عنه المرحلة المقبلة.
بذا، لا يرى بعض المراقبين في التطور الأحدث سياسياً في تشاد أكثر من «استراحة محارب» تتأهب بعدها الأطراف لاستئناف المواجهة. وفي المقابل، يأمل المتفائلون بأن تكون تلك «الهدنة» بداية لفراق مع الماضي، والتخلص من إرث الشك الثقيل بين المعارضة والسلطة. وهو شك ترسّخ في الصحراء التشادية منذ مرحلة ما بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1960، ولم تعرف البلاد طيلة تلك العقود الستة انتقالاً سلمياً واحداً للسلطة.

محمد إدريس ديبي يؤدي القسم كرئيس انتقالي لتشاد (أ.ف.ب)

التشاديون يدركون أكثر من غيرهم أن ما يبدو أمام أعينهم ليس سوى «قمة جبل الجليد». ومع أن صحراءهم لا تعرف الجليد، فهي تعرف جيداً تأثير القوى القادمة من القارة الأوروبية العجوز. وتتقدم هذه القوى فرنسا، صاحبة الإرث الاستعماري الطويل في المنطقة، وروسيا المتحفزة لحجز موطئ قدم لاستعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي السابق. هاتان القوتان، بالذات، لا تدخران جهداً للحفاظ على وجودهما في الدولة التي تشغل قلب أفريقيا، وترتبط بحدود برية مع ست دول بالغة الاتساع. فهناك ليبيا من الشمال، والسودان من الشرق، وجمهورية أفريقيا الوسطى من الجنوب، والكاميرون ونيجيريا من الجنوب الغربي، والنيجر من الغرب. وبالتالي، مَن يفرض وجوده في تلك المنطقة يستطيع التحكم في مسارات الالتقاء بين شمال أفريقيا العربي الإسلامي والعمق الأفريقي المسيحي أو اللاديني. ولكن، في المقابل، غير أنه عليه كذلك أن يجيد قراءة «فسيفساء» التكوين الاجتماعي والقبلي لتشاد التي تضم أكثر من مائتي جماعة إثنية تتسم بتنوع لغاتها وتبايُن ممارساتها الثقافية والدينية.
> حكومة «الوحدة الوطنية»
بالعودة إلى تشكيل حكومة «الوحدة الوطنية» التشادية، سنجد أنها تضم 44 وزيراً ووزير دولة، من بينهم قادة متمردون سابقون وقّعوا «اتفاق الدوحة للسلام». وهذا الاتفاق هو الذي أتاح مشاركة نحو 30 فصيلاً مسلحاً - من إجمالي 50 - في «الحوار الوطني الشامل» بالعاصمة نجامينا وانطلق يوم 20 أغسطس (آب) الماضي، قبل أن يختتم أعماله وسط شد وجذب وانسحابات واتصالات للعودة في آخر أيام سبتمبر (أيلول) الماضي.
تصدّر لائحة أسماء المعارضين القادمين إلى دواوين السلطة، رئيساً للوزراء، صالح كبزابو (75 سنة) وهو اسم يعرفه التشاديون جيداً. ويوصف هذا الصحافي السابق والمرشح الرئاسي لأربع مرات، والذي يوصف بأنه «المعارض التاريخي للرئيس إدريس ديبي».
أيضاً، بين أعضاء الحكومة الجديدة توم إرديمي (67 سنة) المؤسس المشارك مع شقيقه التوأم تيمان إرديمي «اتحاد قوى المقاومة»، وهو إحدى الجماعات المتمردة الرئيسية الثلاث في البلاد. وسيشغل توم إرديمي - الذي أفرجت مصر عنه بعد احتجاز دام سنتين، وعاد إلى تشاد في سبتمبر الماضي بعد أن شاركت حركته في الحوار الوطني - منصب وزير الدولة المسؤول عن التعليم العالي والبحث. وللعلم، كان الأخوان إرديمي ضمن عناصر نظام الرئيس الراحل إدريس ديبي خلال التسعينات من القرن الماضي، قبل أن يتمردا عام 2005، ويقودا هجمات عدة للإطاحة بالنظام.
وفي حين مُنحت حقيبة «التنمية الإقليمية والتخطيط العمراني» لمحمد أسيلك حلاتة، نائب رئيس «اتحاد القوى من أجل الديمقراطية والتنمية»، وهي جماعة متمردة وقّعت أيضاً على «اتفاق الدوحة»، أبقيت 7 وزارات سيادية، هي المالية، والأمن العام، والدفاع، والشؤون الخارجية، والاتصالات، والإدارة الإقليمية، والتعليم الوطني في أيدي وزراء من «الحركة الوطنية للإنقاذ» الحزب التاريخي للرئيس السابق إدريس ديبي.
> مستقبل مجهول
تشكيل الحكومة الجديدة، وعقد «الحوار الوطني»، وقبلهما توقيع «اتفاق الدوحة للتهدئة» بين السلطة وحركات المتمردين، يعدها البعض خطوات تبشر بعهد مختلف. عهد فيه يتبع محمد إدريس ديبي - المعروف باسم الجنرال «كاكا» - قائد المجلس العسكري الذي تولى الحكم عقب مقتل ديبي الأب عام 2021، نهجاً مختلفاً عن ذلك الذي اتبعه والده في التعامل مع المعارضة على مدى عقود حكمه الثلاثة منذ عام 1990عندما قاد انقلاباً جاء به إلى السلطة، وبعدها بثلاث سنوات عقد مؤتمراً للحوار مع المعارضة. إلا أن مُخرجات ذلك المؤتمر لم تعرف طريق التطبيق طيلة العقود الثلاثة التي قبض فيها ديبي الأب على السلطة بيد حديدية، فأقصى المعارضة، وقاد تحالفات دولية دعمت حكمه، وأنقذته في غير مناسبة من استيلاء جماعات التمرد المسلحة على السلطة.
في المقابل، لا تزال قوى معارضة قوية ونافذة في الداخل التشادي متحفّظة عن الانخراط في المسار الذي يقوده ديبي الابن. ولا يقتصر هذا التحفظ على مُخرجات الحوار فحسب، بل يمتد أيضاً إلى وجود «الجنرال كاكا» نفسه في سدة الحكم، وقيادته للمرحلة الانتقالية «من دون سند دستوري»، وفق رأيهم.
الدكتورة أماني الطويل، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والخبيرة في الشؤون الأفريقية، ترى، أنه «رغم ما تضمنه اتفاق الدوحة من آليات عديدة معمول بها لفض النزاعات الداخلية على المستوى الإقليمي والدولي، فإن 19 حركة رفضت التوقيع، في مقدمتها حركة (فاكت) كبرى الحركات المتمردة». وتضيف، أن السبب «فقدان الثقة في المجلس العسكري، والمراوغة من جانبه في العديد من النقاط الجوهرية، أبرزها عدم جواز ترشح الفواعل السياسية خلال الفترة الانتقالية في الانتخابات اللاحقة لها».
وتوضح الطويل لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحوار الوطني التشادي وتشكيل الحكومة وتمديد المرحلة الانتقالية ليسوا سوى «استراحة محارب»، فالأطراف التي لم تنضم للحوار ولم توقع على اتفاق الدوحة هي الأطراف الأقوى، وهي تمتلك قدرات مسلحة لا يُستهان بها... فضلاً عن ارتباطات إقليمية مؤثرة، وربما مصادر تمويل مهمة». هذا الأمر يشير إلى إمكانية أن تتسبب تلك القوى في إثارة مشاكل كبيرة للحكومة الجديدة، إذا لم تنخرط في المسار السلمي على نحو صحيح.
> دعم أم صراع دولي
من ناحية ثانية، يصعب في السياسة التشادية فصل ما هو داخلي عما هو خارجي. إذ إن الدولة تحتل موقعاً ذا طبيعة استراتيجية تستقطب الاهتمام الدولي لعوامل عدة، منها الحرب ضد «الجماعات الإرهابية»، التي قاد الرئيس ديبي الأب جهداً معروفاً في مواجهتها بدعم دولي ملموس؛ وهو ما يجعل الدور الدولي بالغ التأثير في معادلة السياسة التشادية.
وعلى الرغم من الدعم الدولي والأممي الواسعين للحوار الشامل في تشاد، فإن ذلك الدعم لا يخلو أيضاً من تنافس بين فاعلين دوليين في المنطقة. في مقدمة هؤلاء فرنسا، التي باتت تعول كثيراً على تشاد لدعم نفوذها في الساحل الأفريقي، لا سيما بعد انسحابها من مالي. وهذا ما يفسّر الدعم الفرنسي الكبير لديبي الابن، استكمالاً لمسار من التحالف الاستراتيجي بين الجانبين طيلة حكم ديبي الأب.
وترى الدكتورة الطويل، أن «الأوضاع في منطقة الساحل الأفريقي مرهونة بالنفوذ الفرنسي وطبيعة التنافس الدولي في المنطقة، لكن الواضح أن نفوذ باريس متراجع في هذه المنطقة». ثم توضح، أن «ديبي الابن اتخذ نهجاً مخالفاً للمبدأ الفرنسي برفض الحوار مع جماعات المعارضة المسلحة، فإن باريس ستستفيد من نجاح الحوار التشادي. وفي حالة الفشل قد تجد نفسها مضطرة إلى التدخل من أجل وضع حد للمحاولات الروسية للتمدد في المنطقة. ومعلومٌ أن روسيا موجودة من خلال عناصر (فاغنر) في 23 دولة أفريقية، وسيكون من المُغري لموسكو أن توسّع حضورها في تشاد بعد ترسيخ أقدامها في أفريقيا الوسطى وليبيا»... وتستدرك «لكن الأمر بالنهاية يرتبط بمجريات الحرب في أوكرانيا، التي ستتحكم إلى حد بعيد بالسلوك الروسي في أفريقيا».
> ضامن الاستقرار
في أي حال، الواقع الراهن في تشاد يثير كذلك مجموعة من التساؤلات الكبرى وغير المسبوقة في تلك الدولة «الحبيسة» جغرافياً و«الرهينة» تاريخياً، وبخاصة ماضي الصراع الدامي بين السلطة وجماعات المعارضة المسلحة منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. إذ رفضت تلك الجماعات بشكل روتيني نزع سلاحها، رغم قرارات العفو المتكررة التي قدمها الرئيس السابق ديبي. وإذا نجح الجنرال الابن في دفع تلك الجماعات - وبخاصة الكبرى منها - إلى مسار التوافق، فإن ذلك سيمثّل صفحة جديدة في كتاب السياسة التشادية.
حتى الآن نجح محمد إدريس ديبي في تقديم نفسه ضامناً للاستقرار. إذ أفلح في إقناع الاتحاد الأفريقي، الذي يرأس مفوضيته موسى فقي، السياسي التشادي المخضرم والصديق القديم لوالده، بأن الحالة التشادية «خاصة أو فريدة». ولذا لم يطبّق الاتحاد الأفريقي عقوبات صارمة تتضمّنها بروتوكولاته على الدول التي تشهد انقلابات عسكرية. ومع أن ديبي الابن لم يفِ بتعهده السابق بتنظيم انتخابات ديمقراطية خلال 18 شهراً... لم تُعلَّق عضوية تشاد في بالاتحاد ولم تُفرض بحقها عقوبات تذكر.
أيضاً، حافظ ديبي الابن على دعم الحليف الفرنسي القديم، وفتح الباب أمام تحالفات بديلة في حال خذلته باريس، كما سعى لبناء شبكة من العلاقات مع دول الجوار ومع دول عربية بهدف تأمين انتقالٍ سلس في مرحلة انتقالية مضطربة.
وفي حين يعدّ أنصار الجيش نهج الجنرال الشاب «نجاحاً سياسياً»، يرى خصومه، أنه «يكرّر تجربة أبيه» قبل نحو ثلاثة عقود، عندما وصل ديبي الأب إلى السلطة عبر تمرد مسلح قاده للإطاحة بسلفه الرئيس حسين حبري في نهاية 1990، وآنذاك أطلق ديبي «المؤتمر الوطني المستقل» من أجل تسوية النزاعات المسلحة، بيد أنه لم يسفر عن أي خطوات جادة. كذلك، يذهب بعض المحللين إلى أن اتفاق «الحوار الوطني» ومخرجاته لا يحل مسألة المعارضة المسلحة، وأن هذا السيناريو وُضع مسبقاً... فعمدت الحكومة إلى تشتيت وزن المجموعات الرئيسة الأربع أو الخمس وسط تمثيل أوسع من قوى المعارضة.
ويُضاف إلى ما سبق أن الكثير من التقديرات السياسية ترى صعوبة تخلي المعارضة المسلحة عن العمل العسكري، مقابل ضمانات لا تزال في نظر تلك المجموعات «هشة»، ناهيك عن ارتباط تلك القوى بمصالح وتدخلات الأطراف الإقليمية والدولية والعلاقة العميقة للأوضاع التشادية بالأزمات المتفجرة في السودان وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى ومنطقة الساحل.
> نهج مغاير
في المقابل، ترى تحليلات أخرى، أن ديبي الابن عازم بالفعل على تبني نهج مغاير لما عرفته تشاد على مدى العقود الماضية، وهنا تقول شيماء البكش، الباحثة المختصة في الشؤون الأفريقية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجنرال محمد إدريس يسعى إلى تكريس صورته كقيادة شابة قادرة على تقديم نهج مختلف عما اعتمدته الأنظمة السياسية سابقاً في البلاد، وإن هذا ينسجم مع مسلك العديد من القيادات الشابة التي بدأت تظهر خلال السنوات الأخيرة في أكثر من دولة بالمنطقة، فتتبنى رؤية أكثر تحرراً من ميراث الماضي، وتعتمد مقاربة براغماتية واضحة ترتكز على حسابات المصلحة من دون التقيد بالاعتبارات الآيديولوجية أو القبلية أو الأحكام المطلقة».
وتعتقد البكش، أن «هذا النهج الذي يتبناه قائد المجلس العسكري في تشاد، لا ينفصل عن تحليل أوسع للموقف في دول الساحل الأفريقية، التي تنحو إلى البحث عن مصالحها الذاتية بعيداً عن حسابات الحلفاء وصراعاتهم الإقليمية والدولية». وتتابع «هذا ما هو حاصل، ولا سيما بعدما أصبحت صراعات تلك القوى عبئا يثقل كاهل دول الساحل التي تواجه تحديات سياسية وأمنية واجتماعية جمة، فضلاً عن التحديات الاقتصادية المزمنة، التي لا يبدو أن الحلفاء الحاليين في ظل المشهد الدولي الراهن والمثقل بالأزمات قادرون على مد يد العون لتلك الدول. ومن ثم فالدول الأفريقية في منطقة الساحل مضطرة إلى التعاطي مع مشاكلها من منظور المصلحة الذاتية، حتى وإن كانت بعض القرارات لا تحظى بدعم كامل من أولئك الحلفاء، على غرار ما فعله الجنرال ديبي من فتح قنوات للحوار مع جماعات المعارضة المسلحة، وهو ما كانت فرنسا ترفضه تاريخياً».
> مسار الأزمة التشادية منذ رحيل إدريس ديبي
20 أبريل (نيسان) 2021: مقتل الرئيس إدريس ديبي في ساحة المعركة أثناء زيارته للقوات التي تقاتل المتمردين في شمال تشاد.
20 أبريل 2021: تشكيل «المجلس العسكري الانتقالي» برئاسة محمد إدريس ديبي، ابن الرئيس الراحل، الذي وعد بتنظيم حوار مع المعارضة للتوصل إلى إعادة السلطة إلى المدنيين خلال 18 شهراً قابلة للتجديد مرة واحدة.
أبريل – أكتوبر (تشرين الأول) 2021: اندلاع موجة من الاحتجاجات على تولي الجيش مقاليد الأمور في البلاد، واستخدمت الأجهزة الأمنية والعسكرية القوة للسيطرة على الاحتجاجات.
10 أغسطس (آب) 2021: دعا الجنرال محمد إدريس ديبي المجموعات المتمردة، التي كان يرفض التفاوض معها سابقاً، إلى المشاركة مع باقي الأطراف المعنية في «الحوار الوطني».
2 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021: أعلنت المجموعات المتمردة الأبرز، ومنها «اتحاد قوى المقاومة» و«جبهة التغيير والوفاق في تشاد»، قبولها المشاركة في المؤتمر بشروط، منها الإفراج عن أعضاء مسجونين من المجموعات والعفو العام.
13 مارس (آذار) 2022: انطلاق المفاوضات بين الحكومة التشادية والجماعات المسلحة برعاية قطر.
4 يونيو (حزيران) 2022: أعلن رئيس المجلس العسكري الحاكم محمد إدريس ديبي إطلاق عملية لنزع السلاح في شمال البلاد، وذلك بعد تصاعد حدة الاشتباكات المسلحة هناك.
8 أغسطس 2022: توصل المجلس العسكري الحاكم ونحو 40 حركة من المعارضة المسلحة إلى «اتفاق الدوحة» لبدء حوار وطني يوم 20 أغسطس في نجامينا.
20 أغسطس 2022: أطلق محمد إدريس ديبي حواراً وطنياً شاملاً بحضور 1400 مندوب، يمثلون المعارضة المدنية والمسلحة، وكذلك المجلس العسكري الحاكم.
12 أكتوبر 2022: استقال رئيس الوزراء ألبرت باهيمي باداكي وحكومته غداة تعهد رئيس المجلس العسكري تشكيل «حكومة وحدة وطنية» تمهيداً لإجراء الانتخابات.
14 أكتوبر 2022: إعلان حكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة صالح كبزابو، المعارض التاريخي للرئيس إدريس ديبي، وبعضوية عدد من قادة حركات التمرد التشادية.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة: ما بين 10 آلاف و20 ألفاً فرّوا من السودان إلى تشاد

العالم العربي الأمم المتحدة: ما بين 10 آلاف و20 ألفاً فرّوا من السودان إلى تشاد

الأمم المتحدة: ما بين 10 آلاف و20 ألفاً فرّوا من السودان إلى تشاد

فرّ ما بين 10 آلاف و20 ألف شخص من المعارك الجارية في السودان بحثاً عن ملاذ في تشاد المجاورة، وفقاً لفرق تابعة لمفوضية الأمم المتّحدة السامية لشؤون اللاجئين موجودة على الحدود. ووفق وكالة الصحافة الفرنسية، قالت المفوضية، في بيان اليوم (الخميس)، إنّ «غالبية الوافدين هم من النساء والأطفال... تعمل المفوضية عن كثب مع الحكومة التشادية وشركائها لتقييم احتياجاتهم وإعداد استجابة مشتركة».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الخليج مباحثات سعودية ـ تشادية تناقش آفاق التعاون والمسائل المشتركة

مباحثات سعودية ـ تشادية تناقش آفاق التعاون والمسائل المشتركة

التقى الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، في جدة، (الاثنين)، محمد إدريس ديبي رئيس المجلس العسكري الانتقالي في تشاد، وجرى خلال اللقاء استعراض أوجه العلاقات الثنائية بين البلدين وآفاق التعاون في مختلف المجالات، إلى جانب بحث عدد من المسائل ذات الاهتمام المشترك. حضر اللقاء من الجانب السعودي، الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز وزير الدولة عضو مجلس الوزراء، والأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية، والدكتور مساعد العيبان وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني، والمهندس خالد الفالح وزير الاستثمار، وأحمد قطان المستشار بالديوان الملكي، وعامر ال

«الشرق الأوسط» (جدة)
الخليج لقاء سعودي - تشادي يبحث المسائل المشتركة

لقاء سعودي - تشادي يبحث المسائل المشتركة

بحث الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، الاثنين، مع محمد إدريس ديبي، رئيس المجلس العسكري الانتقالي في تشاد، المسائل ذات الاهتمام المشترك. جاء ذلك خلال لقاء جمعهما في جدة، واستعرضا فيه أوجه العلاقات الثنائية بين البلدين وآفاق التعاون في مختلف المجالات.

«الشرق الأوسط» (جدة)
العالم تشاد: مخاوف من تضرر المساعدات الإنسانية بعد الأزمة مع ألمانيا

تشاد: مخاوف من تضرر المساعدات الإنسانية بعد الأزمة مع ألمانيا

أثارت الأزمة الدبلوماسية بين تشاد وألمانيا في أعقاب الطرد المتبادل لسفيري البلدين، مخاوف عميقة بشأن انعكاسات الأزمة على المساعدات الإنسانية التي تقدمها دول ومؤسسات غربية مانحة لتشاد، التي تعد من بين أكثر دول العالم فقرا، كما تستضيف ما يزيد على مليون من اللاجئين والنازحين. وتبادل البلدان اللذان تجمعهما علاقات دبلوماسية منذ عام 1960 طرد السفيرين خلال الأيام القليلة الماضية، إذ طلبت ألمانيا (الثلاثاء) من سفيرة تشاد لديها، مريم علي موسى، مغادرة البلاد خلال 48 ساعة، وذلك رداً على تحرك مماثل قامت به الدولة الواقعة في وسط أفريقيا (الجمعة). ونقلت وكالة «رويترز» عن وزارة الخارجية الألمانية قولها إن الخ

العالم تشاد تطرد سفير ألمانيا بحجة «سلوكه الفظ»

تشاد تطرد سفير ألمانيا بحجة «سلوكه الفظ»

طرد السفير الألماني في تشاد الذي أعلنته الحكومة «شخصا غير مرغوب فيه» بسبب «سلوكه الفظّ»، مساء السبت، بحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤولين في العاصمة التشادية نجامينا. وكانت الحكومة التشادية أعلنت الجمعة أنها طلبت من السفير الألماني مغادرة البلاد خلال 48 ساعة، بسبب «عدم احترامه الممارسات الدبلوماسية». وقال وزير الخارجية التشادي، محمد صالح النظيف، إن «سفير ألمانيا في تشاد يان كريستيان غوردون كريكه سافر على متن طائرة (إير فرانس) مساء السبت». وأكد المتحدث باسم الحكومة عزيز محمد صالح مغادرة السفير.

«الشرق الأوسط» (نجامينا)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.