تشاد: «استراحة محاربين» لا ترفع الأصابع عن الزناد

حكومة المتمردين السابقين تواجه إرث الصراع والشك

مؤتمر الحوار  التشادي في إحدى جلساته (أ.ف.ب)
مؤتمر الحوار التشادي في إحدى جلساته (أ.ف.ب)
TT

تشاد: «استراحة محاربين» لا ترفع الأصابع عن الزناد

مؤتمر الحوار  التشادي في إحدى جلساته (أ.ف.ب)
مؤتمر الحوار التشادي في إحدى جلساته (أ.ف.ب)

في أشهر الخريف تستقبل نجامينا، عاصمة جمهورية تشاد، زخاتٍ من المطر تلطف الأجواء وتتهيأ المدينة لاستقبال شتاء صحراوي بارد، غير أن ما هو أهم أن تلك الزخات تمنح المواطنين التشاديين فرصة لالتقاط الأنفاس بعد صيف طويل حار. مع هذا اعتاد التشاديون ألا يمنحوا أمطار الخريف صك أمان مطلق؛ لأنها قد تتحول بين عشية وضحاها إلى سيل جارف، وهو ما جعلهم لا يأمنون لأمرين في بلادهم: الطقس... والسياسة. السياسة في تشاد لا تختلف في تقلباتها عن الطقس في أشهر الخريف، فحالة «الصفاء النسبي» التي أشاعها تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة في البلاد، الأسبوع المنصرم، لم تفلح في تبديد كل «غيوم» القلق المتوطن في عقول التشاديين. وحتى بعدما رأوا متمردين سابقين، لطالما خاضوا صراعاً سياسياً وعسكرياً مريراً مع نظام الرئيس الراحل إدريس ديبي، ينفضون عن ثيابهم غبار ميادين القتال، أو يخلعون ثياب السجن، ليتخذوا طريقهم إلى قصور الحكم في عهد الابن محمد إدريس ديبي إيتنو. وهذا الأخير يترأس المجلس العسكري الحاكم للبلاد منذ رحيل والده. وسيبقى على رأس السلطة لعامين مقبلين، لحين إجراء انتخابات عامة في البلاد. بل ويحق له - وفق مخرجات الحوار الوطني الشامل - الترشح للانتخابات المزمع إجراؤها في نهاية المرحلة الانتقالية.
حالة القلق والحذر في تشاد لها ما يبررها لدى عدد من المراقبين. فحكومة الوحدة الوطنية جاءت بمرسوم من رئيس المجلس العسكري، بعد أسبوعين من حوار مصالحة وطنية، غابت عنه أو انسحبت منه العديد من فصائل المعارضة وقواها المؤثرة. وهو ما يشيع جواً من الترقب لما يمكن أن تسفر عنه المرحلة المقبلة.
بذا، لا يرى بعض المراقبين في التطور الأحدث سياسياً في تشاد أكثر من «استراحة محارب» تتأهب بعدها الأطراف لاستئناف المواجهة. وفي المقابل، يأمل المتفائلون بأن تكون تلك «الهدنة» بداية لفراق مع الماضي، والتخلص من إرث الشك الثقيل بين المعارضة والسلطة. وهو شك ترسّخ في الصحراء التشادية منذ مرحلة ما بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1960، ولم تعرف البلاد طيلة تلك العقود الستة انتقالاً سلمياً واحداً للسلطة.

محمد إدريس ديبي يؤدي القسم كرئيس انتقالي لتشاد (أ.ف.ب)

التشاديون يدركون أكثر من غيرهم أن ما يبدو أمام أعينهم ليس سوى «قمة جبل الجليد». ومع أن صحراءهم لا تعرف الجليد، فهي تعرف جيداً تأثير القوى القادمة من القارة الأوروبية العجوز. وتتقدم هذه القوى فرنسا، صاحبة الإرث الاستعماري الطويل في المنطقة، وروسيا المتحفزة لحجز موطئ قدم لاستعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي السابق. هاتان القوتان، بالذات، لا تدخران جهداً للحفاظ على وجودهما في الدولة التي تشغل قلب أفريقيا، وترتبط بحدود برية مع ست دول بالغة الاتساع. فهناك ليبيا من الشمال، والسودان من الشرق، وجمهورية أفريقيا الوسطى من الجنوب، والكاميرون ونيجيريا من الجنوب الغربي، والنيجر من الغرب. وبالتالي، مَن يفرض وجوده في تلك المنطقة يستطيع التحكم في مسارات الالتقاء بين شمال أفريقيا العربي الإسلامي والعمق الأفريقي المسيحي أو اللاديني. ولكن، في المقابل، غير أنه عليه كذلك أن يجيد قراءة «فسيفساء» التكوين الاجتماعي والقبلي لتشاد التي تضم أكثر من مائتي جماعة إثنية تتسم بتنوع لغاتها وتبايُن ممارساتها الثقافية والدينية.
> حكومة «الوحدة الوطنية»
بالعودة إلى تشكيل حكومة «الوحدة الوطنية» التشادية، سنجد أنها تضم 44 وزيراً ووزير دولة، من بينهم قادة متمردون سابقون وقّعوا «اتفاق الدوحة للسلام». وهذا الاتفاق هو الذي أتاح مشاركة نحو 30 فصيلاً مسلحاً - من إجمالي 50 - في «الحوار الوطني الشامل» بالعاصمة نجامينا وانطلق يوم 20 أغسطس (آب) الماضي، قبل أن يختتم أعماله وسط شد وجذب وانسحابات واتصالات للعودة في آخر أيام سبتمبر (أيلول) الماضي.
تصدّر لائحة أسماء المعارضين القادمين إلى دواوين السلطة، رئيساً للوزراء، صالح كبزابو (75 سنة) وهو اسم يعرفه التشاديون جيداً. ويوصف هذا الصحافي السابق والمرشح الرئاسي لأربع مرات، والذي يوصف بأنه «المعارض التاريخي للرئيس إدريس ديبي».
أيضاً، بين أعضاء الحكومة الجديدة توم إرديمي (67 سنة) المؤسس المشارك مع شقيقه التوأم تيمان إرديمي «اتحاد قوى المقاومة»، وهو إحدى الجماعات المتمردة الرئيسية الثلاث في البلاد. وسيشغل توم إرديمي - الذي أفرجت مصر عنه بعد احتجاز دام سنتين، وعاد إلى تشاد في سبتمبر الماضي بعد أن شاركت حركته في الحوار الوطني - منصب وزير الدولة المسؤول عن التعليم العالي والبحث. وللعلم، كان الأخوان إرديمي ضمن عناصر نظام الرئيس الراحل إدريس ديبي خلال التسعينات من القرن الماضي، قبل أن يتمردا عام 2005، ويقودا هجمات عدة للإطاحة بالنظام.
وفي حين مُنحت حقيبة «التنمية الإقليمية والتخطيط العمراني» لمحمد أسيلك حلاتة، نائب رئيس «اتحاد القوى من أجل الديمقراطية والتنمية»، وهي جماعة متمردة وقّعت أيضاً على «اتفاق الدوحة»، أبقيت 7 وزارات سيادية، هي المالية، والأمن العام، والدفاع، والشؤون الخارجية، والاتصالات، والإدارة الإقليمية، والتعليم الوطني في أيدي وزراء من «الحركة الوطنية للإنقاذ» الحزب التاريخي للرئيس السابق إدريس ديبي.
> مستقبل مجهول
تشكيل الحكومة الجديدة، وعقد «الحوار الوطني»، وقبلهما توقيع «اتفاق الدوحة للتهدئة» بين السلطة وحركات المتمردين، يعدها البعض خطوات تبشر بعهد مختلف. عهد فيه يتبع محمد إدريس ديبي - المعروف باسم الجنرال «كاكا» - قائد المجلس العسكري الذي تولى الحكم عقب مقتل ديبي الأب عام 2021، نهجاً مختلفاً عن ذلك الذي اتبعه والده في التعامل مع المعارضة على مدى عقود حكمه الثلاثة منذ عام 1990عندما قاد انقلاباً جاء به إلى السلطة، وبعدها بثلاث سنوات عقد مؤتمراً للحوار مع المعارضة. إلا أن مُخرجات ذلك المؤتمر لم تعرف طريق التطبيق طيلة العقود الثلاثة التي قبض فيها ديبي الأب على السلطة بيد حديدية، فأقصى المعارضة، وقاد تحالفات دولية دعمت حكمه، وأنقذته في غير مناسبة من استيلاء جماعات التمرد المسلحة على السلطة.
في المقابل، لا تزال قوى معارضة قوية ونافذة في الداخل التشادي متحفّظة عن الانخراط في المسار الذي يقوده ديبي الابن. ولا يقتصر هذا التحفظ على مُخرجات الحوار فحسب، بل يمتد أيضاً إلى وجود «الجنرال كاكا» نفسه في سدة الحكم، وقيادته للمرحلة الانتقالية «من دون سند دستوري»، وفق رأيهم.
الدكتورة أماني الطويل، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والخبيرة في الشؤون الأفريقية، ترى، أنه «رغم ما تضمنه اتفاق الدوحة من آليات عديدة معمول بها لفض النزاعات الداخلية على المستوى الإقليمي والدولي، فإن 19 حركة رفضت التوقيع، في مقدمتها حركة (فاكت) كبرى الحركات المتمردة». وتضيف، أن السبب «فقدان الثقة في المجلس العسكري، والمراوغة من جانبه في العديد من النقاط الجوهرية، أبرزها عدم جواز ترشح الفواعل السياسية خلال الفترة الانتقالية في الانتخابات اللاحقة لها».
وتوضح الطويل لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحوار الوطني التشادي وتشكيل الحكومة وتمديد المرحلة الانتقالية ليسوا سوى «استراحة محارب»، فالأطراف التي لم تنضم للحوار ولم توقع على اتفاق الدوحة هي الأطراف الأقوى، وهي تمتلك قدرات مسلحة لا يُستهان بها... فضلاً عن ارتباطات إقليمية مؤثرة، وربما مصادر تمويل مهمة». هذا الأمر يشير إلى إمكانية أن تتسبب تلك القوى في إثارة مشاكل كبيرة للحكومة الجديدة، إذا لم تنخرط في المسار السلمي على نحو صحيح.
> دعم أم صراع دولي
من ناحية ثانية، يصعب في السياسة التشادية فصل ما هو داخلي عما هو خارجي. إذ إن الدولة تحتل موقعاً ذا طبيعة استراتيجية تستقطب الاهتمام الدولي لعوامل عدة، منها الحرب ضد «الجماعات الإرهابية»، التي قاد الرئيس ديبي الأب جهداً معروفاً في مواجهتها بدعم دولي ملموس؛ وهو ما يجعل الدور الدولي بالغ التأثير في معادلة السياسة التشادية.
وعلى الرغم من الدعم الدولي والأممي الواسعين للحوار الشامل في تشاد، فإن ذلك الدعم لا يخلو أيضاً من تنافس بين فاعلين دوليين في المنطقة. في مقدمة هؤلاء فرنسا، التي باتت تعول كثيراً على تشاد لدعم نفوذها في الساحل الأفريقي، لا سيما بعد انسحابها من مالي. وهذا ما يفسّر الدعم الفرنسي الكبير لديبي الابن، استكمالاً لمسار من التحالف الاستراتيجي بين الجانبين طيلة حكم ديبي الأب.
وترى الدكتورة الطويل، أن «الأوضاع في منطقة الساحل الأفريقي مرهونة بالنفوذ الفرنسي وطبيعة التنافس الدولي في المنطقة، لكن الواضح أن نفوذ باريس متراجع في هذه المنطقة». ثم توضح، أن «ديبي الابن اتخذ نهجاً مخالفاً للمبدأ الفرنسي برفض الحوار مع جماعات المعارضة المسلحة، فإن باريس ستستفيد من نجاح الحوار التشادي. وفي حالة الفشل قد تجد نفسها مضطرة إلى التدخل من أجل وضع حد للمحاولات الروسية للتمدد في المنطقة. ومعلومٌ أن روسيا موجودة من خلال عناصر (فاغنر) في 23 دولة أفريقية، وسيكون من المُغري لموسكو أن توسّع حضورها في تشاد بعد ترسيخ أقدامها في أفريقيا الوسطى وليبيا»... وتستدرك «لكن الأمر بالنهاية يرتبط بمجريات الحرب في أوكرانيا، التي ستتحكم إلى حد بعيد بالسلوك الروسي في أفريقيا».
> ضامن الاستقرار
في أي حال، الواقع الراهن في تشاد يثير كذلك مجموعة من التساؤلات الكبرى وغير المسبوقة في تلك الدولة «الحبيسة» جغرافياً و«الرهينة» تاريخياً، وبخاصة ماضي الصراع الدامي بين السلطة وجماعات المعارضة المسلحة منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. إذ رفضت تلك الجماعات بشكل روتيني نزع سلاحها، رغم قرارات العفو المتكررة التي قدمها الرئيس السابق ديبي. وإذا نجح الجنرال الابن في دفع تلك الجماعات - وبخاصة الكبرى منها - إلى مسار التوافق، فإن ذلك سيمثّل صفحة جديدة في كتاب السياسة التشادية.
حتى الآن نجح محمد إدريس ديبي في تقديم نفسه ضامناً للاستقرار. إذ أفلح في إقناع الاتحاد الأفريقي، الذي يرأس مفوضيته موسى فقي، السياسي التشادي المخضرم والصديق القديم لوالده، بأن الحالة التشادية «خاصة أو فريدة». ولذا لم يطبّق الاتحاد الأفريقي عقوبات صارمة تتضمّنها بروتوكولاته على الدول التي تشهد انقلابات عسكرية. ومع أن ديبي الابن لم يفِ بتعهده السابق بتنظيم انتخابات ديمقراطية خلال 18 شهراً... لم تُعلَّق عضوية تشاد في بالاتحاد ولم تُفرض بحقها عقوبات تذكر.
أيضاً، حافظ ديبي الابن على دعم الحليف الفرنسي القديم، وفتح الباب أمام تحالفات بديلة في حال خذلته باريس، كما سعى لبناء شبكة من العلاقات مع دول الجوار ومع دول عربية بهدف تأمين انتقالٍ سلس في مرحلة انتقالية مضطربة.
وفي حين يعدّ أنصار الجيش نهج الجنرال الشاب «نجاحاً سياسياً»، يرى خصومه، أنه «يكرّر تجربة أبيه» قبل نحو ثلاثة عقود، عندما وصل ديبي الأب إلى السلطة عبر تمرد مسلح قاده للإطاحة بسلفه الرئيس حسين حبري في نهاية 1990، وآنذاك أطلق ديبي «المؤتمر الوطني المستقل» من أجل تسوية النزاعات المسلحة، بيد أنه لم يسفر عن أي خطوات جادة. كذلك، يذهب بعض المحللين إلى أن اتفاق «الحوار الوطني» ومخرجاته لا يحل مسألة المعارضة المسلحة، وأن هذا السيناريو وُضع مسبقاً... فعمدت الحكومة إلى تشتيت وزن المجموعات الرئيسة الأربع أو الخمس وسط تمثيل أوسع من قوى المعارضة.
ويُضاف إلى ما سبق أن الكثير من التقديرات السياسية ترى صعوبة تخلي المعارضة المسلحة عن العمل العسكري، مقابل ضمانات لا تزال في نظر تلك المجموعات «هشة»، ناهيك عن ارتباط تلك القوى بمصالح وتدخلات الأطراف الإقليمية والدولية والعلاقة العميقة للأوضاع التشادية بالأزمات المتفجرة في السودان وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى ومنطقة الساحل.
> نهج مغاير
في المقابل، ترى تحليلات أخرى، أن ديبي الابن عازم بالفعل على تبني نهج مغاير لما عرفته تشاد على مدى العقود الماضية، وهنا تقول شيماء البكش، الباحثة المختصة في الشؤون الأفريقية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجنرال محمد إدريس يسعى إلى تكريس صورته كقيادة شابة قادرة على تقديم نهج مختلف عما اعتمدته الأنظمة السياسية سابقاً في البلاد، وإن هذا ينسجم مع مسلك العديد من القيادات الشابة التي بدأت تظهر خلال السنوات الأخيرة في أكثر من دولة بالمنطقة، فتتبنى رؤية أكثر تحرراً من ميراث الماضي، وتعتمد مقاربة براغماتية واضحة ترتكز على حسابات المصلحة من دون التقيد بالاعتبارات الآيديولوجية أو القبلية أو الأحكام المطلقة».
وتعتقد البكش، أن «هذا النهج الذي يتبناه قائد المجلس العسكري في تشاد، لا ينفصل عن تحليل أوسع للموقف في دول الساحل الأفريقية، التي تنحو إلى البحث عن مصالحها الذاتية بعيداً عن حسابات الحلفاء وصراعاتهم الإقليمية والدولية». وتتابع «هذا ما هو حاصل، ولا سيما بعدما أصبحت صراعات تلك القوى عبئا يثقل كاهل دول الساحل التي تواجه تحديات سياسية وأمنية واجتماعية جمة، فضلاً عن التحديات الاقتصادية المزمنة، التي لا يبدو أن الحلفاء الحاليين في ظل المشهد الدولي الراهن والمثقل بالأزمات قادرون على مد يد العون لتلك الدول. ومن ثم فالدول الأفريقية في منطقة الساحل مضطرة إلى التعاطي مع مشاكلها من منظور المصلحة الذاتية، حتى وإن كانت بعض القرارات لا تحظى بدعم كامل من أولئك الحلفاء، على غرار ما فعله الجنرال ديبي من فتح قنوات للحوار مع جماعات المعارضة المسلحة، وهو ما كانت فرنسا ترفضه تاريخياً».
> مسار الأزمة التشادية منذ رحيل إدريس ديبي
20 أبريل (نيسان) 2021: مقتل الرئيس إدريس ديبي في ساحة المعركة أثناء زيارته للقوات التي تقاتل المتمردين في شمال تشاد.
20 أبريل 2021: تشكيل «المجلس العسكري الانتقالي» برئاسة محمد إدريس ديبي، ابن الرئيس الراحل، الذي وعد بتنظيم حوار مع المعارضة للتوصل إلى إعادة السلطة إلى المدنيين خلال 18 شهراً قابلة للتجديد مرة واحدة.
أبريل – أكتوبر (تشرين الأول) 2021: اندلاع موجة من الاحتجاجات على تولي الجيش مقاليد الأمور في البلاد، واستخدمت الأجهزة الأمنية والعسكرية القوة للسيطرة على الاحتجاجات.
10 أغسطس (آب) 2021: دعا الجنرال محمد إدريس ديبي المجموعات المتمردة، التي كان يرفض التفاوض معها سابقاً، إلى المشاركة مع باقي الأطراف المعنية في «الحوار الوطني».
2 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021: أعلنت المجموعات المتمردة الأبرز، ومنها «اتحاد قوى المقاومة» و«جبهة التغيير والوفاق في تشاد»، قبولها المشاركة في المؤتمر بشروط، منها الإفراج عن أعضاء مسجونين من المجموعات والعفو العام.
13 مارس (آذار) 2022: انطلاق المفاوضات بين الحكومة التشادية والجماعات المسلحة برعاية قطر.
4 يونيو (حزيران) 2022: أعلن رئيس المجلس العسكري الحاكم محمد إدريس ديبي إطلاق عملية لنزع السلاح في شمال البلاد، وذلك بعد تصاعد حدة الاشتباكات المسلحة هناك.
8 أغسطس 2022: توصل المجلس العسكري الحاكم ونحو 40 حركة من المعارضة المسلحة إلى «اتفاق الدوحة» لبدء حوار وطني يوم 20 أغسطس في نجامينا.
20 أغسطس 2022: أطلق محمد إدريس ديبي حواراً وطنياً شاملاً بحضور 1400 مندوب، يمثلون المعارضة المدنية والمسلحة، وكذلك المجلس العسكري الحاكم.
12 أكتوبر 2022: استقال رئيس الوزراء ألبرت باهيمي باداكي وحكومته غداة تعهد رئيس المجلس العسكري تشكيل «حكومة وحدة وطنية» تمهيداً لإجراء الانتخابات.
14 أكتوبر 2022: إعلان حكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة صالح كبزابو، المعارض التاريخي للرئيس إدريس ديبي، وبعضوية عدد من قادة حركات التمرد التشادية.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة: ما بين 10 آلاف و20 ألفاً فرّوا من السودان إلى تشاد

العالم العربي الأمم المتحدة: ما بين 10 آلاف و20 ألفاً فرّوا من السودان إلى تشاد

الأمم المتحدة: ما بين 10 آلاف و20 ألفاً فرّوا من السودان إلى تشاد

فرّ ما بين 10 آلاف و20 ألف شخص من المعارك الجارية في السودان بحثاً عن ملاذ في تشاد المجاورة، وفقاً لفرق تابعة لمفوضية الأمم المتّحدة السامية لشؤون اللاجئين موجودة على الحدود. ووفق وكالة الصحافة الفرنسية، قالت المفوضية، في بيان اليوم (الخميس)، إنّ «غالبية الوافدين هم من النساء والأطفال... تعمل المفوضية عن كثب مع الحكومة التشادية وشركائها لتقييم احتياجاتهم وإعداد استجابة مشتركة».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الخليج مباحثات سعودية ـ تشادية تناقش آفاق التعاون والمسائل المشتركة

مباحثات سعودية ـ تشادية تناقش آفاق التعاون والمسائل المشتركة

التقى الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، في جدة، (الاثنين)، محمد إدريس ديبي رئيس المجلس العسكري الانتقالي في تشاد، وجرى خلال اللقاء استعراض أوجه العلاقات الثنائية بين البلدين وآفاق التعاون في مختلف المجالات، إلى جانب بحث عدد من المسائل ذات الاهتمام المشترك. حضر اللقاء من الجانب السعودي، الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز وزير الدولة عضو مجلس الوزراء، والأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية، والدكتور مساعد العيبان وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني، والمهندس خالد الفالح وزير الاستثمار، وأحمد قطان المستشار بالديوان الملكي، وعامر ال

«الشرق الأوسط» (جدة)
الخليج لقاء سعودي - تشادي يبحث المسائل المشتركة

لقاء سعودي - تشادي يبحث المسائل المشتركة

بحث الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، الاثنين، مع محمد إدريس ديبي، رئيس المجلس العسكري الانتقالي في تشاد، المسائل ذات الاهتمام المشترك. جاء ذلك خلال لقاء جمعهما في جدة، واستعرضا فيه أوجه العلاقات الثنائية بين البلدين وآفاق التعاون في مختلف المجالات.

«الشرق الأوسط» (جدة)
العالم تشاد: مخاوف من تضرر المساعدات الإنسانية بعد الأزمة مع ألمانيا

تشاد: مخاوف من تضرر المساعدات الإنسانية بعد الأزمة مع ألمانيا

أثارت الأزمة الدبلوماسية بين تشاد وألمانيا في أعقاب الطرد المتبادل لسفيري البلدين، مخاوف عميقة بشأن انعكاسات الأزمة على المساعدات الإنسانية التي تقدمها دول ومؤسسات غربية مانحة لتشاد، التي تعد من بين أكثر دول العالم فقرا، كما تستضيف ما يزيد على مليون من اللاجئين والنازحين. وتبادل البلدان اللذان تجمعهما علاقات دبلوماسية منذ عام 1960 طرد السفيرين خلال الأيام القليلة الماضية، إذ طلبت ألمانيا (الثلاثاء) من سفيرة تشاد لديها، مريم علي موسى، مغادرة البلاد خلال 48 ساعة، وذلك رداً على تحرك مماثل قامت به الدولة الواقعة في وسط أفريقيا (الجمعة). ونقلت وكالة «رويترز» عن وزارة الخارجية الألمانية قولها إن الخ

العالم تشاد تطرد سفير ألمانيا بحجة «سلوكه الفظ»

تشاد تطرد سفير ألمانيا بحجة «سلوكه الفظ»

طرد السفير الألماني في تشاد الذي أعلنته الحكومة «شخصا غير مرغوب فيه» بسبب «سلوكه الفظّ»، مساء السبت، بحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤولين في العاصمة التشادية نجامينا. وكانت الحكومة التشادية أعلنت الجمعة أنها طلبت من السفير الألماني مغادرة البلاد خلال 48 ساعة، بسبب «عدم احترامه الممارسات الدبلوماسية». وقال وزير الخارجية التشادي، محمد صالح النظيف، إن «سفير ألمانيا في تشاد يان كريستيان غوردون كريكه سافر على متن طائرة (إير فرانس) مساء السبت». وأكد المتحدث باسم الحكومة عزيز محمد صالح مغادرة السفير.

«الشرق الأوسط» (نجامينا)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.