شاشة الناقد

«بلاك آدم» يواجه أعداءه
«بلاك آدم» يواجه أعداءه
TT

شاشة الناقد

«بلاك آدم» يواجه أعداءه
«بلاك آدم» يواجه أعداءه

BLACK ADAM **
إخراج‪:‬ هوام كوليت - سيرا‬
الولايات المتحدة - 2022
«بلاك آدم» فيلم آخر في سلسلة أفلام الكوميكس التي تقودها شخصيات لا تهزمها المصاعب ولا تقتلها أدوات الحرب. شخصيات تنطلق من تاريخ بعيد وتصب في الحياة الحاضرة. يختلف الفيلم هنا في أن بطله ليس بطلاً أبيض لا في البشرة ولا في ماضيه. هو شوائب من تجارب مرّة أدت به إلى غضب ورغبة عارمة في الانتقام مما عايشه من سوء وضع.
أساساً ما تشترك معظم الأفلام المقتبسة من شخصيات «السوبر هيروز» و«الكوميكس» في أنها تحتاج لتبرير تصرّف أبطالها ذوي القوّة الخارقة وهذا التبرير يدفع باتجاه تضخيم القدرات البطولية، وهذا مفهوم، وباتجاه تضخيم القوى المعادية. هذا بدوره مفهوم لأن بطلنا لا يستطيع أن يعني الكثير إذا ما كان يطارد عصابة من مجرمي الشوارع الصغار. عصبة من النشالين مثلاً. أو يخصص الوقت للبحث عن قاتل متسلسل أو امرأة أو طفل تم اختطافهما مقابل فدية.
هذا متروك لأبطال آخرين بطموحات مختلفة. البطولة الفائقة والخارجة عن المعتاد عليها أن تستخدم أسلحة ذاتية المصدر (قدرة على الطيران، قدرة على الانتقال بحبال عنكبوتية أو قدرة على استخدام إشعاعات من الجسد تنطلق صوب ما هو مطلوب تدميره».
في سياق ذلك، لا يتوقّف الأمر على اختلاف هذا النوع من البطولات بفضل حجم البطل وحجم أعدائه. في معظم هذه الأفلام هناك طروحات سياسية المعنى لمن يريد التوجّه خارج المعروض المباشر. العالم في خطر. الخطر آت من أشرار يطمحون للسيطرة عليه. البطل يواجه المخططات ويتغلب على الأعداء.
ضمن هذا المفهوم هناك قضيّتان: عدم تحديد ما يمثّله الأعداء في عالم اليوم بل إبقاء المعنى كحالة هلامية عامّة، والإبقاء على مفهوم أن البطل أميركي (في الغالب، أي باستثناء شخصيات Black Panther) ولديه القدرة المدوّية للدفاع عن العالم ضد الدمار وخطط الأشرار أينما كانوا.
هذا الجانب الآخر مرتبط لا بالسياسة الأميركية التي عيّنت نفسها رجل أمن العالم (ولكثيرين مصدر متاعبه أيضاً) فقط، بل بالتوجه إلى الجمهور الكاسح، الذي بات يقبل ما يراه من دون طرح أسئلة. يرضى بأنه بحاجة إلى بطل أميركي (أو غربي إذا ما ضممنا شخصية جيمس بوند البريطانية) بصرف النظر عن لماذا عليه أن يكون أميركياً ولماذا التهديد يطال العالم بأسره (في أغلب الأحوال).
«بلاك آدم» يحتوي على هذه الطروحات من دون الحاجة للتوقف عندها. هي ما يُقرأ بين السطور
تبدأ القصّة قبل 5 آلاف سنة في عصر فرعوني في مصر. بطل الفيلم ما زال ولداً صغيراً مُستعبداً كأقرانه الذين يمضون الوقت في تكسير الحجارة والحفر وما شابه من أشغال شاقة في الصحراء اللاهبة وتحت سياط الحرّاس. إما ذلك أو الجلد والموت. بعد هذه الصورة الدالّة التي تنتهي بمقتل والديه أمام عينيه، ننتقل إلى العصر الحالي. ذلك لأن الصبي الذي انتهى به الأمر إلى التحنيط يخرج من قبره رجلاً. هل نما خلال موته؟ كيف؟ لا يسأل الفيلم نفسه ولا يريدنا أن نسأله، لكن آدم الأسود، كما أسمه، يقف شامخاً وقد أصبح دواين جونسون في الدور المذكور.
هذا لا يحتاج للخروج من الأبواب المُشادة. يتجه مباشرة إلى الجدار ويخترقه. وهذه ليست الأعجوبة الوحيدة. يستطيع بناظريه إطلاق أشعة قوية كافية لتدمير المكان بأسره. وبعد قليل نراه يجرّب أدواته في المعركة الأولى بينه وبين أعداء تم حشدهم ضده (يقودهم جيمس بوند السابق بيرس بروسنن) تبعاً لأوامر وجهتها لهم مسؤولة «الجمعية الأميركية للعدالة» (أنجيلا أدامز، غير الوارد اسمها في بطاقة الفيلم الفنية).
في الأساس، آدم ليس بطلاً كشأن سوبرمان أو باتمان أو سواهما. هو شرير شخصيات شركة DC المألوفة. ما يريده الفيلم له هنا هو أن يكون بطل الحكاية التي نراها في كل الأحوال. سيواجه قدرات غير محدودة لأفرد الجمعية ولأبطال الكوميكس الآخرين (بينهم سوبرمان نفسه) لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لتقديمه للجمهور العريض.
ومنذ البداية، ينطلق آدم لممارسة شخصيّته على هذا النحو. لا يتورّط الفيلم في تفسير العلاقة بين آدم وبين أفراد الجمعية ولا كيف سيتحول هوكمان (ألديس هودج) أو دكتور Fate (بيرس بروسنن) أو سايكلون (كونتيسا سويندل) إلى أشرار بمفهوم التقليد السائد وهم أبطال في أفلام أخرى. هذا اللاشرح يستمر لحين لاحق تتبدّى فيه بعض الحقائق التي لن تغيّر من الوضع أي شيء، فالبطل سيعترض طريق الأعداء من دون تردد. يرد ذكر «الجمعية الأميركية للعدالة»، التي تحتوي على بضع أبطال آخرين من الوزن ذاته، لكنه لا يحتفي كثيراً بها أو يبحث ولو بإيجاز عما تقوم به. هذه الحبكة تمضي لتكشف عن أحداث تحتوي على مزيد من المعارك الفردية وقليل من الحوار الذي يذهب في اتجاهات جديدة.
وبينما دواين جونسون يقود البطولة بنجاح متمتعاً باللياقة البدنية المطلوبة، إلا أن هناك القليل من المناسبات التي تتطلب منه أن يغيّر تعابيره من مشهد لآخر. هذا بدوره لا يجد صانعو الفيلم ضرورة له، ما يؤكد نظرية المخرج جيمس كاميرون من أن صانعي هذه الأفلام يكتفون فقط في تحويل أبطالهم وأشرارهم إلى ما يشبه لاعبي السيرك.
يستعين السيناريو بشخصية أخرى لبعض الثراء في الحكاية هي شخصية ذلك الولد (بودي سانجوي) الذي تثيره مسألة أن صديقه هو عملاق قوي. الفكرة هنا منح المَشاهد تنويعاً في المهام حتى لا يأتي الفيلم بمنوال واحد من الأحداث. لكن لا شيء يقوله ذلك الصبي يستطيع أن يُفيد المتلقي أو الحكاية أو الفيلم بكامله. كذلك فإن ما يلقيه آدم من حوارات هو تكرار لبعض القوانين الخاصة التي حملها معه منذ 5 آلاف سنة والتي تدعو إلى السلام واللا - عنف. طبعاً لو عمل بمقتضاها لما كان هناك هذا الفيلم.
لا ننسى بالطبع أن دواين جونسون وُلد نجماً عندما لعب دور مومياء عائد إلى الحياة في فيلم «المومياء تعود» The Mummy Returns (وهو فيلم رديء آخر أخرجه ستيفن سومرز سنة 2001). مخرج الفيلم الحالي كوليت - سيرا يحسن استخدام بطله كتجسيد مختلف للقوّة. لكنه كان أكثر نجاحاً في إدارته لجونسون في فيلميهما السابق Jungle Cruise والسبب خفّة ذلك الفيلم وانخفاض سقف توقعاته لما يناسب مزج المغامرة بالكوميديا. هذا لا يقع في هذا الفيلم لأن المطلوب منه أن ينتمي إلى «موديل» آخر من الأحداث والبطولة والنوع.


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.