في شرق أوكرانيا... فولوديمير زيلينسكي آخر يعيش محنته الخاصة

فولوديمير زيلينسكي (64 عاماً) يحمل الاسم نفسه للرئيس الأوكراني (أ.ف.ب)
فولوديمير زيلينسكي (64 عاماً) يحمل الاسم نفسه للرئيس الأوكراني (أ.ف.ب)
TT

في شرق أوكرانيا... فولوديمير زيلينسكي آخر يعيش محنته الخاصة

فولوديمير زيلينسكي (64 عاماً) يحمل الاسم نفسه للرئيس الأوكراني (أ.ف.ب)
فولوديمير زيلينسكي (64 عاماً) يحمل الاسم نفسه للرئيس الأوكراني (أ.ف.ب)

عندما جاءت القوات الروسية تطرق أبواب منازل قريته الصغيرة في شرق أوكرانيا في أواخر أبريل (نيسان) للتحقق من هويات السكان، شعر المتقاعد فولوديمير زيلينسكي (64 عاما) بالرعب. وعندما فتح لهم الباب، نظر أحد الجنود الروس إلى جواز سفره وانفجر ضاحكا. وقال الجندي: «لا تقلقوا يا رفاق، لقد انتهت الحرب. يمكننا العودة إلى الديار... لقد أمسكنا برئيسهم!».

وعمل زيلينسكي الذي يحمل الاسم نفسه للرئيس الأوكراني والمولود عام 1958 في مدينة باخموت في شرق أوكرانيا التي كانت وقتها جزءا من الاتحاد السوفياتي، في منجم فحم، وكان سائقا في الجيش السوفياتي ثم أخيرا كان عاملا في مجال البناء.
ومنذ غزو روسيا جارتها في فبراير (شباط)، أمضى زيلينسكي الذي لا تربطه قرابة بالرئيس الأوكراني، معظم الحرب مختبئا من القصف في قبو منزله. وقال زيلينسكي: «لقد أقلعت عن التدخين قبل أربع سنوات، لكنني عدت إليه». ولم تكشف وكالة الصحافة الفرنسية اسم قريته لأسباب أمنية.
أُجليت زوجته فالنتينا زيلينسكا (72 عاما) إلى غرب أوكرانيا في بداية الحرب، لكن زيلينسكي رفض مغادرة المنزل الذي اشتراه قبل 20 عاما.
فهنا، كان بإمكانه أخيرا استنشاق «أنقى هواء» بعد سنوات أمضاها في بلدة تعدين، وزرع الخضراوات في قطعة أرضه والاستمتاع بوقته والاصطياد من البركة المحلية.

وعادت زيلينسكا إلى منزلها بعدما طردت قوات كييف الروس من القرية أواخر الشهر الماضي.
لكنه الآن يتعرض لقصف المدفعية الروسية، وتشعر زيلينسكا بالذعر عندما يلقي انفجار في الخارج بالصفائح البلاستيكية الموضوعة على نافذة محترقة إلى الداخل. وقال زوجها: «ليست معتادة على ذلك».
مستعينا بمصباح، وجد ألبوم صور فيه صورة له عندما كان أربعينيا، مرتديا زيا باللون الكاكي.
وعلق: «لا أعتقد أنني أشبه الرئيس. مطلقا». لكن زوجته عبرت عن رأي مختلف، قائلة: «لكنك تشبهه!». وأجابها ضاحكا «عن أي رئيس تتحدثين؟ (الرئيس الأميركي جو) بايدن؟». وأوضحت زوجته أن زيلينسكي اسم عائلة شائع في أوكرانيا، وفي روسيا أيضا.
لكنها أقرت بأنها لم تعرف أي شخص آخر اسمه فولوديمير زيلينسكي حتى انتخاب الرئيس الأوكراني، وهو ممثل كوميدي سابق، في العام 2019.
وصوت فولوديمير زيلينسكي، المتقاعد، لصالح المرشح الذي يحمل الاسم نفسه، في الانتخابات.
وقال: «أداؤه جيد، إنه شاب وذكي» لكنه أعرب عن خيبة أمله لأن الرئيس لا يقوم بالمزيد من الجهود للتفاوض من أجل إنهاء الحرب مع روسيا.
وتابع: «الناس هنا لا يمكنهم تحمل المزيد».

على غرار العديد من السكان من جيله في منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، يعتبر زيلينسكي أوكرانيا وطنه.
لكن هذا الجندي السوفياتي السابق يشعر بالحنين أيضا إلى سنوات أمضاها تحت حكم النظام السوفياتي الذي يقول إنه جلب السلام والازدهار لجيله.
صادف، أمس (الأربعاء)، الذكرى السنوية الـ22 لزواج فالنتينا وفولوديمير، وأراد الأخير أن يقدم باقة من الأزهار لزوجته... لكن في قرية دمرها القتال وانقطعت عن بقية العالم، لم يعثر على أي منها.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟