ترجمة إنجليزية جديدة لـ«ألف ليلة وليلة» تظهر ضعف الترجمات السابقة

أقدم مخطوطة لا تزال باقية منها تعود إلى القرن الخامس عشر

ترجمة إنجليزية جديدة لـ«ألف ليلة وليلة» تظهر ضعف الترجمات السابقة
TT

ترجمة إنجليزية جديدة لـ«ألف ليلة وليلة» تظهر ضعف الترجمات السابقة

ترجمة إنجليزية جديدة لـ«ألف ليلة وليلة» تظهر ضعف الترجمات السابقة

تتسم الترجمة الجديدة التي تقدمها ياسمين سيل لكتاب «ألف ليلة وليلة» ببنية متماسكة وسلسة ومزخرفة بمهارة جعلت النسخ السابقة تبدو إما مبهرجة أو باهتة قليلاً إذا ما قورنت بنسختها. ويعود أول دليل مكتوب عن العمل الذي يُعرف باللغة الإنجليزية باسم «ذا أرابيان نايتس» «الليالي العربية» أو «ذا ثاوذاند آند وان نايتس» «ألف ليلة وليلة» إلى بداية القرن التاسع. وتصور صفحتان تالفتان حائلتا اللون كتاباً يسمى «ألف ليلة» تم اكتشافه في القاهرة، لكن أصله يعود إلى سوريا، المشهد الافتتاحي من السرد الروائي والذي تطلب فيه شخصية تدعى دنيازاد من شهرزاد أن تروي لها قصة عن «البراعة والنقائص والحرفة اليدوية والغباء» إن لم تكن تشعر بالنعاس. لا يوجد ذِكر للملك المتعطش للدماء شهريار، والذي يتعهد فضّ بكارة كل العذارى في المملكة وقتلهن بعدما شهد خيانة زوجته، لكن يدل الجزء المقتطع من الصفحة على الأقل على وجود شهرزاد منذ 1200 عام تقريباً.
هناك كتب لها أسماء مماثلة وتتضمن مشاهد مشابهة تم تداولها خلال القرون الوسطى في العالم العربي، لكن يعود تاريخ أقدم مخطوطة لا تزال باقية إلى القرن الخامس عشر. كان هذا النص السوري، الذي يتألف من ثلاثة أجزاء (وربما يكون هناك جزء رابع لكنه مفقود)، أساس ترجمة أنطوان غالان الفرنسية (1704 - 1717) بعنوان «لي ميل إي أون نوي»، والتي تعد أول ترجمة لذلك الكتاب إلى لغة أوروبية. لقد كان غالان خبير آثار لدى الملك لويس الرابع عشر، وقد راقت نسخته الفرنسية الأنيقة التي تكونت من اثني عشر جزءاً، لذائقة البلاط وافتتانه بالقصص الخيالية. لقد حظيت القصص بشعبية كبيرة، وسرعان ما تمت ترجمة نسخ غالان إلى الإنجليزية باسم «ذا أرابيان نايتس إنترتينمنتس»، وساعدت في إرساء صيحة «القصص الشرقية» التي امتدت حتى القرن التاسع عشر (مسار أساسي من تاريخ الرواية). كانت هناك ترجمتان مهمتان لكتاب «ألف ليلة وليلة» إلى اللغة الإنجليزية تعودان إلى العصر الفيكتوري. كانت الأولى بقلم إدوارد لين، مؤلف معاجم عظيم، لا يزال يعتمد الباحثون وطلاب العلم، على معجمه العربي - الإنجليزي المكون من ثمانية أجزاء، وقد عاش لفترة من الزمن في القاهرة وقام بتأليف عمل مبكر عن الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) بعنوان «عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم» (1836) قبل نشر ترجمته لكتاب «ألف ليلة وليلة» 1838 - 1840.
ارتعب لين من حرية غالان في التعامل مع الأصل، فبدلاً من القصص الخيالية نظر لين إلى القصص على أنها تصوير دقيق لحياة العرب، الذين كان يعتقد أنها لم تتغير منذ العصور الوسطى. ترجمته، المستندة إلى نص أصلي عربي مختلف عن النص الذي اعتمد عليه غالان، مدعّمة بحواشي سفلية عن الطعام والملبس والموسيقى والقانون، وغيرها. لقد كان لين يخاف أحياناً من القصص نفسها، والتي يمكن أن تصبح أقرب إلى البذاءة والفحش. جاء في إحدى الحواشي السفلية «أنا أتجاوز وأتجاهل هنا مشهداً مستهجناً كثيراً»، وكانت المشاهد المستهجنة المكروهة هي تحديداً ما أثار اهتمام السير ريتشارد فرانسيس برتون، المستكشف الذي يجيد لغات عدة، وصديق سوينبيرن، وخبير حر في الممارسات الجنسية «للشرق». اعتقد برتون أن نسخ لين لكتاب «ألف ليلة وليلة» كانت مبهرجة ومخصبة، فنشر نسخته «غير المخصبة» في 1885 - 1888، وهي تقتبس كثيراً من ترجمة سابقة قدمها الشاعر جون بين نشرتها جمعية «كاما شاسترا»، والتي تم إنشاؤها بالأساس من أجل نشر ترجمات لأعمال هندية مثل «كاما سوترا». بالغ برتون في عرض الأجزاء التي تجاهلها وتجاوزها لين بدافع الحياء، حيث وصلت الشروح والتعليقات التوضيحية التي تضمنها عمله، والتي كانت أكثر من تلك التي وردت في ترجمة مؤلف المعاجم، إلى ما يعادل مقالاً مكوناً من خمسين صفحة عن حب الغلمان.
* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله
يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان

«كتاب وخنجر»: أكاديميون في سلك الجاسوسية

أليس
أليس
TT

«كتاب وخنجر»: أكاديميون في سلك الجاسوسية

أليس
أليس

يطيح «كتاب وخنجر: هكذا أصبح الأكاديميون وأمناء المكتبات الجواسيس غير المتوقعين في الحرب العالمية الثانية» للباحثة الأميركية إليز غراهام بالنموذج التقليدي الذي غلب على أذهان الجمهور حول شخصيّة الجاسوس عميل الاستخبارات، والتي تكرّست عبر مئات الروايات والأفلام السينمائيّة والمسلسلات التلفزيونيّة على مثال «جيمس بوند» - بطل روايات الكاتب البريطاني إيان فلمنغ - فيقدّم من خلال سيرة أربع من عملاء مكتب الخدمات الاستراتيجية (OSS) - كان نواة تأسيس وكالة الاستخبارات الأميركيّة لاحقاً - الذين لم يأتوا من خلفيات أمنية أو عسكريّة، ولا حتى من أقسام الفيزياء والتكنولوجيا بالجامعات الأميركية والبريطانية المرموقة - كما كان الحال في مشروع مانهاتن لإنتاج القنبلة النووية، بل من أقسام الأكاديمية النظريّة في الأنثروبولوجيا والتاريخ واللغات، فكأنما تضع «أقل الناس لمعاناً في العالم، في المهنة الأكثر بريقاً في العالم»، على حد تعبير المؤلفة.

تعود بدايات هذه العلاقة غير المتوقعة بين العلوم النظريّة ووكالات الجاسوسية إلى أيّام الحرب العالميّة الثانية، التي دخلتها الولايات المتحدة دون جهاز استخبارات مدني كما كان الحال في بعض أمم أوروبا - تأسس جهاز الاستخبارات البريطاني في عام 1909 – إذ اعتمدت دائماً لجمع المعلومات الاستراتيجية والحساسة من العالم على جهاز الاستخبارات العسكرية التابع للجيش الأميركي.

على أن الحاجة إلى نهج جديد يوسع دائرة جمع المعلومات لما وراء الإطار العسكري بدت ماسة بعد اندلاع الحرب على البر الأوروبي في 1939 مع غزو ألمانيا لبولندا، فعمد الرئيس فرانكلين روزفلت إلى تكليف المحامي البارز ويليام دونوفان بتأسيس ما سمي وقتها بمكتب الخدمات الاستراتيجية الذي استمر في نشاطه عامين بعد انتهاء الحرب عام 1945 ليخلفه في مهماته وكالة الاستخبارات المركزية من 1947 والتي تعد اليوم أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم على الإطلاق.

غلاف الكتاب

وتقول غراهام إنّ تصور دونوفان عن جهاز مدني للاستخبارات تمحور حول بناء منظومة لجمع كميات هائلة من البيانات وتحليلها للوصول إلى استنتاجات ذات فائدة، مما يحتاج إلى مهارات احترافيّة في التعامل مع المعلومات والأرشيف إلى جانب أساسيات العمل الميداني، ولذلك استقصد البحث عن مهنيين متخصصين من عالم الأكاديميا والسعي لتجنيدهم كعملاء.

كان أساتذة الجامعات وأمناء المكتبات وخبراء الأرشيف منجماً غنياً للمواهب التي يمكن أن تلعب دور الجاسوس المفترض ببراعة: أذكياء ويمكنهم التعلّم بسرعة، يحسنون التعامل مع المعلومات، ومعتادون على العمل المضني، ويتسمون عادة بالتحفظ في سلوكياتهم، مما يسهل ذوبانهم في الأجواء من حولهم دون لفت الانتباه، ومنهم بنى دونوفان أول شبكة تجسس أميركيّة محترفة في الفضاء المدنيّ.

تتبع غراهام في «كتاب وخنجر» دونوفان بينما يتصيد هذه المواهب في أروقة الكليّات النظريّة للجامعات الأميركيّة، وتضئ على قصص أربع منهم ممن تم تجنيدهم بأسلوب أدبي رفيع يمزج بين حقائق التاريخ ورومانسيّة الدراما، لتكون الولادة الأولى للجهد الاستخباراتي الأميركي في أجواء من الرّفوف المديدة من الكتب ورائحة الورق، وصناديق الوثائق والبحث عن معلومة في كومة من البيانات بعيداً عن الأنظار بدلاً من الصورة التلفزيونية لمطاردات العميل رقم 007 بالسيارات الرياضيّة الفارهة، والقفز من الطائرات، وترك المغلّفات للعملاء في نقاط الالتقاط. وبالنسبة للمؤلفة فإن كتابها بمثابة تذكّر لهؤلاء الكوادر الذين ساعدوا الولايات المتحدة على كسب الحرب، وتالياً مد مظلّة الهيمنة الأميركيّة على العالم لعقود.

الشخصيّات الأربعة التي اختارتها غراهام لسرد هذه المرحلة كانوا لدى تجنيدهم قد سلكوا في حياتهم خطوطاً مهنيّة أكاديمية في عدد من جامعات النخبة عندما تحدث إليهم موظفون فيدراليون لطلب مساعدتهم في المجهود الحربيّ. جوزيف كيرتس كان يدرّس اللغة الإنجليزية في جامعة ييل، وأديل كيبري أستاذة تاريخ العصور الوسطى في جامعة شيكاغو والخبيرة بعبور الأرشيفات وأقسام المحفوظات، وكارلتون كون أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة هارفارد، وأيضاً شيرمان كينت الباحث الملحق بقسم التاريخ في جامعة ييل.

تلقى المجندون الأكاديميون الجدد تدريبات مكثّفة على أساليب الخداع، ومراوغة المطاردين وطرائق التشفير وأساسيات القتال الفردي، ويبدو أنهم لم يجدوا صعوبة في التقاط هذه المهارات الجديدة، لكن الجزء الأصعب كما لاحظ مدربوهم كان تعليمهم نسيان خلفيّة اللياقة والتهذيب التي قد تمنعهم من ضرب الخصم تحت الحزام أو استغلال نقاط ضعفه.

أرسل بعدها كيرتس وكيبري تحت غطاء مهمّة أكاديمية لشراء الكتب من دور النشر المحليّة. كيرتس إلى إسطنبول - التي كانت تمور بالجواسيس من كل الدّول - وكيبري إلى استوكهولم - للبحث في مكتبات دولة محايدة عن مواد ألمانية قد تكون ممنوعة من التوزيع في مناطق أخرى من أوروبا: مثل الصحف والمجلات، والصّور، والخرائط.

أكوام المواد الأوليّة التي جمعتها كيبري كانت بحاجة إلى تنظيم وتحليل، وتلك كانت مهمة أوكلت لكينيث، الذي قاد فريقاً من المحللين تولى مثلاً تحديد مواقع المطارات ونقاط توزيع الكهرباء ومحطات السكك الحديدية ومكاتب التلغراف على امتداد الأراضي الفرنسيّة للعمل على منع قوات الاحتلال النازي من الانتفاع بها، وفي الوقت ذاته تحديد مبانٍ ومساحات قد يتسنى للحلفاء الاستفادة منها عند الحاجة لإنشاء مستشفيات ميدانيّة ونقاط ارتكاز.

وتقول غراهام إن فريق كينت نجح مستفيداً من الخرائط السياحيّة وأدلة الأعمال التي أرسلتها كيبري في تحديد مواقع معامل تنتج مكونات أساسيّة لصناعة أسلحة المحور والتي استهدفها الحلفاء بالتخريب بشكل ممنهج. أما كون فيبدو أنّه لم يكن مفيداً كثيراً خلال فترة الحرب، وكانت أفضل فكرة له كما تقول غراهام هي إخفاء العبوات الناسفة في أكوام الفضلات التي تتركها البغال على جوانب الطرق.

عاد هؤلاء الأكاديميون إلى جامعاتهم بعدما وضعت الحرب أوزارها: كيرتس استعاد وظيفته أستاذاً في جامعة ييل، واستأنفت كيبري عملها في عبور المجموعات الأرشيفية المغلقة التي تحتفظ بها الحكومات ومراكز البحث وجهات ذات حيثية مثل الفاتيكان. أما كينت فلم يعد يجد نفسه في عالم الأكاديميا، فالتحق بعد عدّة سنوات بوكالة الاستخبارات المركزية وأسس مجلتها البحثية الداخلية، «دراسات في الاستخبارات»، فيما تورط كون في نشر نظريات أنثروبولوجيّة ذات نفس عنصري ما لبثت أن فقدت قيمتها العلميّة خلال الخمسينيات فخسر سمعته وانتهى إلى الإهمال.

وتقول غراهام إن هذه البدايات المشجعة للتقاطع بين عالمي الكتاب والخنجر جعلت من مجموعة جامعات النخبة الأميركيّة - التي تسمى برابطة اللبلاب - بمثابة مزارع مفتوحة لاستقطاب المواهب المميزة إلى العمل الاستخباراتي، وهو الأمر الذي لا أحد ينكر أنه مستمر إلى الآن.