باليرمو عاصمة جزيرة صقلية في إيطاليا، ومفترق طرق الحضارات لآلاف السنين، تمزج ما بين التوابل الشرقية والفسيفساء البيزنطية والكنائس بمعمار إسلامي وأسماء طرق ومناطق عربية. مدينة تقع على حافة أوروبا وفي قلب العالم القديم، وفيها تعانق الأسواق الشعبية عطر الشرق، وتحرس أشجار النخيل القصور القوطية.
سوق «إل كابو» الشهير ببيع المأكولات المحلية والخضار والفاكهة (شاتر ستوك)
فيها لا يمكنك الهروب من التاريخ، فتتنفسه في كل زاوية وفي كل حارة. باليرمو أكبر مدينة في صقلية، ولكنها كانت لا تزال خجولة سياحياً بعض الشيء، ولكن اليوم اختلف الأمر، لأنها في طريقها للنجومية، والسبب هو امتلاكها مقومات الوجهة السياحة الجذابة، بما تزخر به من معالم ثقافية وتراثية، وفيها أكبر دار أوبرا في إيطاليا، وأكثر المطاعم والمقاهي النابضة بالحياة.
هذه باليرمو باختصار، هيا بنا لنتعرف عليها بالتفصيل، وسأضمن لكم أن زيارة واحدة إليها ستجعلكم تقعون في غرامها.
فطور إيطالي وأجمل إطلالة على البحر (شاتر ستوك)
يوم واحد في باليرمو
إذا كان وقتك ضيقاً، ويمكنك أن تمضي يوماً واحداً في باليرمو، ركِّز على الزيارات التالية:
1 - قم بزيارة قصر النورمان
2 - لالتقاط أجمل الصور أنصحك بالذهاب إلى كنيسة «سانت جون أوف ذا هيرميتس» القريبة من قصر النورمان
3 - اصعد على سطح كاتدرائية باليرمو، وتمتَّع بجمال معمارها الداخلي
4 - الغداء في أحد المطاعم الصغيرة ضروري
5 - تمشَّ في الشوارع المخصصة للمشاة في وسط المدنية التاريخي، وقم بجولة على الكنائس والقصور الكثيرة القريبة من بعضها
6 - توجه إلى «فورو إيطاليكو»
7 - خذ قسطاً من الراحة والتأمل في الحديقة النباتية في «فيلا جوليا»
منظر لبقايا أعمدة بيزنطية (شاتر ستوك)
يومان في باليرمو
إذا كان لديك الوقت لتمضية يومين في باليرمو، زد على قائمة الزيارات التي أوصينا بها ليوم واحد القائمة التالية:
1 - قم بزيارة سوق «بالارو» للتعرف على المنتجات المحلية في باليرمو.
2 – قم زيارة مسرح «ماسيمو» الأكبر في إيطاليا (من أجمل الزيارات)
3 - قم بتناول الغداء في سوق «إل كابو» التي تجد فيها كثيراً من المأكولات المحلية الشعبية اللذيذة
4 - لا بد من زيارة منطقة مونريالي القريبة، وأهم ما يمكن أن تقوم به هو زيارة كاتدرائيتها الشهيرة بمعمارها وهندستها، وبعدها التوجه إلى أعلى نقطة فيها لالتقاط أجمل الصور
ثلاثة أيام في باليرمو
تعرفت إلى ما يمكنك القيام به في يومين، الآن زد على تلك الزيارات الآتي:
1 - لمحبي الزيارات الغريبة والمرعبة بعض الشيء، يمكنهم زيارة مقابر باليرمو «كابوشين كاتاكومز أوف بالريرمو» حيث ترى مومياوات وتوابيت بشكل غير مألوف
2 - زيارة قصر «ميرتو» جميلة وشيقة تعود بك إلى عالم النبلاء في القرن الثامن عشر، وتجعلك تعيش حياتهم للحظات
3 - وقفة طعام في أحد المطاعم القريبة... ركّز على الأسماك والخضراوات المقلية
4 - استمتع بزرقة الماء على شاطئ «مونديللو»، وتذوق ألذ آيس كريم إيطالي
كاتدرائية مونريالي
عندما تزور باليرمو ستُفاجأ بالكم الهائل من الكنائس والقصور، واللافت هو أن هندسة ومعمار الكنائس قام بهما العرب، ولهذا السبب تجد وجه تشابه كبيراً ما بين هندسة الكنائس والجوامع. إليك أهم الكنائس والكاتدرائيات:
- كاتدرائية مونريالي Monreale Cathedral، تبعد نحو 40 دقيقة بالسيارة عن وسط باليرمو، وهي مُدرَجة على لائحة «اليونيسكو»، هندستها رائعة، لأنها مستمدة من عدة أنماط وطُرُز، عندما تدخل إليها سوف تقف عاجزاً عن وصف روعة الرسومات وكمية الذهب المستخدمة على الجدران والأسقف، كانت تتمتع الكاتدرائية النورمانية البيزنطية ببرجين، ولكنها تعرضت لصاعقة قوية أدت إلى هدم نصف واحد منهما. استخدم فيها أكثر من 6 آلاف وخمسمائة متر مربع من قطع الفسيفساء التي ترسم صوراً تحكي قصصاً من العهدين القديم والجديد.
الكاتدرائية استثنائية بجمالها وهندستها، ولكن المنطقة التي تقع فيها لا تقل جمالاً؛ فالمشي في أزقتها الضيقة سيعطيك فكرة عن نمطها وعن طريقة عيش أهلها. ودَعْ رحلة المشي تأخذك إلى نقاط جميلة مطلة على باليرمو من أعلى تقدم لك فرصة التقاط الصور ورؤية الشمس وهي تختفي وراء الجبال التي تسور المدينة.
باليرمو أكبر مدينة في صقلية (شاتر ستوك)
يوم في سوق الطعام
تعتبر سوق «إل كابو» من أجمل وأقدم أسواق الطعام والتوابل في باليرمو؛ فهي تقع في القسم القديم من المدينة التي كانت مسورة بجدران عالية في الماضي. أما اليوم، فتم نزع تلك الأسوار، ولكن لا تزال عند المداخل آثار للأبواب التي كانت تقبع هناك. فندق «فيلا إيجيا» يقوم بتنظيم رحلات إلى السوق يتخللها المشي في المنطقة المخصصة للمشاة فقط، وعلى طول الطريق تصطف عربات بيع الأكل المحلي، مثل الباستا والمقالي، لا سيما الباذنجان الذي يدخل في معظم وصفات المطبخ الصقلي، وبعدها تذوق العصائر الطازجة وشمّ رائحة التوابل والبهارات المحلية والمستوردة مثل الزعفران (يشرح لنا مرشدنا السياحي جورجيو أن الجائحة أجبرت أصحاب الأكشاك على وضع التوابل في أكياس من البلاستيك، مما غيَّر المشهد العام للسوق التي كانت تشتهر بطريقة عرض البهارات التي تنبعث منها روائح نفاذة).
الجميل في هذه المنطقة أنك تأكل وتتمشى وتتعرف على السكان وتشاهد النساء اللاتي يجلسن على شرفات بيوتهن، ويقمن بإلقاء التحية عليك فتتسامر معهن، فثقافة الشعب الصقلي شبيهة جداً بالثقافة العربية؛ فهذا الشعب ودود جداً، ويحب الزوار، ولا يفرق بين جنس أو جنسية أو دين. وفخور جداً؛ كون باليرمو حصلت على لقب «أكثر مدينة في العالم من حيث زحمة السير». وإلى جانب روعة زحمة السوق والطعام اللذيذ والأرانشيني الصقلية التي يسيل لها اللعاب، تشاهد أجمل القصور والكنائس التي تبدو من الخارج وكأنها مساجد. من ألذ ما يمكن أن تتذوقه في سوق «إل كابو»، الأرانشيني المقرمشة والكروكيتي والكاساتا والكانولي، ويجب أن تعرف شيئاً عن الصقليين، وهو أنهم يعشقون المقالي، ويقومون بقلي كل شيء تقريباً.
يقوم الفندق أيضاً بتقديم حصص الطهي على يد الطاهي ديفيدي؛ فبعد شراء الخضراوات الطازجة من السوق تعود إلى الفندق، وتبدأ بتطبيق الوصفة التي يقدمها لك الطاهي، وهي وصفة أشهر باستا في باليرمو اسمها «باستا إلا نورما» وهي عبارة عن معكرونة مع باذنجان وأكثر من صنف من الطماطم وبعض الأعشاب مثل الزعتر وجبن الريكوتا، أما بالنسبة للسلطة المحلية؛ فهي سلطة «الشمر» أو Fennel، وبحسب الطاهي، فإن سرَّ الحصول على الشمر المقرمش هو نقعه في ماء بارد مع مكعبات من الثلج، أما بالنسبة للصلصة فهي تعتمد على البرتقال وكثير من زيت الزيتون.
«فيلا إيجيا» مبنى تاريخي يحمل كثيراً من القصص والأحداث (شاتر ستوك)
أجمل وأفخم عنوان للإقامة في باليرمو
يعتبر فندق «فيلا إيجيا» Villa Igiea من أقدم وأشهر الفنادق في باليرمو، ويعتبر أيضاً من المعالم المهمة في المدينة؛ ففي عام 1899 قامت عائلة فلوريو ذات النفوذ العالي في صقلية بشراء المبنى من الأدميرال الإنجليزي السير ويليام دومفيل، وكان من المفترض تحويل المبنى إلى مصحة لمداواة مرضى السل، خصوصاً أن ابنة فلوريو وفرانكا أُصيبت بهذا المرض، وبحكم موقع المبنى المطل على البحر. وكان ينظر إلى ماء البحر مقابل الفندق على أنه ماء شافٍ ويُعرف باسم «أكواسانتا».
ولكن تغيرت فكرة المشروع، فقررت العائلة المالكة الجديدة أن تحول المبنى إلى فندق ضخم يستقطب الزوار من حول العالم؛ فتم تكليف إرنستو باسيلي مهمة الهندسة المعمارية، وافتتح الفندق في أوائل القرن العشرين.
استقبل الفندق منذ افتتاحه أرفع الشخصيات السياسية والفنية والرياضيين، وفي عام 1907 نزل فيه ملك إنجلترا إدوارد السابع وزوجته الملكة ألكسندرا والأميرة فيكتوريا. ولكن سرعان ما جاءت الحروب وقلبت الموازين، وطوال الحربين العالميتين عانت «فيلا إيجيا» من الضربات المستمرة، واستخدمت كمستشفى.
وبعد استتباب الأمن وحلول السلام عادت الفيلا إلى عهدها الماضي لتستقبل النجوم والأثرياء. وفي الفترة ذاتها، اكتشفت السينما باليرمو عندما تم تصوير فيلم «إيفري فلاغ» للممثل إيرول فلين في المرفأ القابع تحت أسوار الفيلا، لتصبح باليرمو بعدها مرتعاً لمشاهير هوليوود وأهم مخرجيها، بالإضافة إلى أهم الممثلين، مثل كلوديا كاردينالي وألين دولون وصوفيا لورين الذين اختاروا الفندق مكاناً للإقامة أثناء قيامهم بتصوير أفلامهم السينمائية. وعلى مر الزمن استمرت «فيلا إيجيا» في الترحيب بالضيوف غير العاديين مثل الملوك والأثرياء.
وفي عام 2019، استحوذت فنادق «روكو فورتي» العالمية على «فيلا إيجيا» واستطاعت العلامة وضع لمستها العصرية على الفندق من خلال تطويره وترميمه مع الحفاظ على معالمه التراثية الاستثنائية، وقامت أولغا بوليزي مديرة التصميم في «روكو فورتي»، بوضع لمساتها على الفندق الذي يُعتبر معلماً تاريخياً محمياً من الدرجة الأولى، وبطريقة ذكية جداً تم بناء برج جديد للفندق متناسقاً مع المبنى القديم، مع العِلم بأنه من الصعب جداً القيام بتغييرات جذرية على المبنى، لأنه تاريخي ولا يُسمَح بتغيير ملامحه التراثية الأصلية.
ميزة الفندق أنه مطلّ على البحر والمرفأ مباشرة، ويضم مطعمين جميلين جداً مع جلسات في الهواء الطلق، وتم وضع لمسات عصرية على مبنى أثري، فتم افتتاح مركز صحي يقدم أهم العلاجات، وميزته الديكورات الخاص بصقلية مثل استخدام السيراميك بنقشات الأرابيسك التي يطغي عليها اللونان الأزرق والأبيض مع تطعيمات باللون الأصفر. اللافت في الفندق هو العناية للتفاصيل التي تجعل الفندق عصرياً مع معاناة تاريخه الحافل بالذكريات، فزينت الممشى الرئيس فيه والبهو لوحات زيتية أصلية أحضرت من منزل عائلة فلوريو وفرانكا المالكين الأصليين للمبنى، كما توجد في بعض الأماكن خزنات وأثاث استخدمت فترة الحرب، ولم يتم تغيير مكانها، لتكون شاهدة على تاريخ عامر بالذكريات الخاصة في فترة الزمن الجميل وأيام العز التي شهدتها السينما أهم ممثليها.
فعلى سبيل المثال، تلتمس في مطعم الفندق الرئيسي الذوق الكلاسيكي الذي يسيطر عليه اللون الأزرق الملكي، مع إطلالة على البحر وآثار لأعمدة تعود للعهد البيزنطي تنتصب عند خلفية بركة السباحة وتضفي على المكان سحراً إضافياً، وتجعل الحدائق المحيطة بالفندق، التي تغازل البحر، رونقاً جميلاً لا تجده إلا هناك.