باليرمو... إيطالية بنكهة عربية

لماذا حان وقت الذهاب إليها؟

باليرمو مدينة مسورة بالجبال الداكنة والبراكين (شاتر ستوك)
باليرمو مدينة مسورة بالجبال الداكنة والبراكين (شاتر ستوك)
TT

باليرمو... إيطالية بنكهة عربية

باليرمو مدينة مسورة بالجبال الداكنة والبراكين (شاتر ستوك)
باليرمو مدينة مسورة بالجبال الداكنة والبراكين (شاتر ستوك)

باليرمو عاصمة جزيرة صقلية في إيطاليا، ومفترق طرق الحضارات لآلاف السنين، تمزج ما بين التوابل الشرقية والفسيفساء البيزنطية والكنائس بمعمار إسلامي وأسماء طرق ومناطق عربية. مدينة تقع على حافة أوروبا وفي قلب العالم القديم، وفيها تعانق الأسواق الشعبية عطر الشرق، وتحرس أشجار النخيل القصور القوطية.


سوق «إل كابو» الشهير ببيع المأكولات المحلية والخضار والفاكهة (شاتر ستوك)

فيها لا يمكنك الهروب من التاريخ، فتتنفسه في كل زاوية وفي كل حارة. باليرمو أكبر مدينة في صقلية، ولكنها كانت لا تزال خجولة سياحياً بعض الشيء، ولكن اليوم اختلف الأمر، لأنها في طريقها للنجومية، والسبب هو امتلاكها مقومات الوجهة السياحة الجذابة، بما تزخر به من معالم ثقافية وتراثية، وفيها أكبر دار أوبرا في إيطاليا، وأكثر المطاعم والمقاهي النابضة بالحياة.
هذه باليرمو باختصار، هيا بنا لنتعرف عليها بالتفصيل، وسأضمن لكم أن زيارة واحدة إليها ستجعلكم تقعون في غرامها.


فطور إيطالي وأجمل إطلالة على البحر (شاتر ستوك)

يوم واحد في باليرمو
إذا كان وقتك ضيقاً، ويمكنك أن تمضي يوماً واحداً في باليرمو، ركِّز على الزيارات التالية:
1 - قم بزيارة قصر النورمان
2 - لالتقاط أجمل الصور أنصحك بالذهاب إلى كنيسة «سانت جون أوف ذا هيرميتس» القريبة من قصر النورمان
3 - اصعد على سطح كاتدرائية باليرمو، وتمتَّع بجمال معمارها الداخلي
4 - الغداء في أحد المطاعم الصغيرة ضروري
5 - تمشَّ في الشوارع المخصصة للمشاة في وسط المدنية التاريخي، وقم بجولة على الكنائس والقصور الكثيرة القريبة من بعضها
6 - توجه إلى «فورو إيطاليكو»
7 - خذ قسطاً من الراحة والتأمل في الحديقة النباتية في «فيلا جوليا»


منظر لبقايا أعمدة بيزنطية (شاتر ستوك)

يومان في باليرمو
إذا كان لديك الوقت لتمضية يومين في باليرمو، زد على قائمة الزيارات التي أوصينا بها ليوم واحد القائمة التالية:
1 - قم بزيارة سوق «بالارو» للتعرف على المنتجات المحلية في باليرمو.
2 – قم زيارة مسرح «ماسيمو» الأكبر في إيطاليا (من أجمل الزيارات)
3 - قم بتناول الغداء في سوق «إل كابو» التي تجد فيها كثيراً من المأكولات المحلية الشعبية اللذيذة
4 - لا بد من زيارة منطقة مونريالي القريبة، وأهم ما يمكن أن تقوم به هو زيارة كاتدرائيتها الشهيرة بمعمارها وهندستها، وبعدها التوجه إلى أعلى نقطة فيها لالتقاط أجمل الصور

ثلاثة أيام في باليرمو
تعرفت إلى ما يمكنك القيام به في يومين، الآن زد على تلك الزيارات الآتي:
1 - لمحبي الزيارات الغريبة والمرعبة بعض الشيء، يمكنهم زيارة مقابر باليرمو «كابوشين كاتاكومز أوف بالريرمو» حيث ترى مومياوات وتوابيت بشكل غير مألوف
2 - زيارة قصر «ميرتو» جميلة وشيقة تعود بك إلى عالم النبلاء في القرن الثامن عشر، وتجعلك تعيش حياتهم للحظات
3 - وقفة طعام في أحد المطاعم القريبة... ركّز على الأسماك والخضراوات المقلية
4 - استمتع بزرقة الماء على شاطئ «مونديللو»، وتذوق ألذ آيس كريم إيطالي

كاتدرائية مونريالي
عندما تزور باليرمو ستُفاجأ بالكم الهائل من الكنائس والقصور، واللافت هو أن هندسة ومعمار الكنائس قام بهما العرب، ولهذا السبب تجد وجه تشابه كبيراً ما بين هندسة الكنائس والجوامع. إليك أهم الكنائس والكاتدرائيات:
- كاتدرائية مونريالي Monreale Cathedral، تبعد نحو 40 دقيقة بالسيارة عن وسط باليرمو، وهي مُدرَجة على لائحة «اليونيسكو»، هندستها رائعة، لأنها مستمدة من عدة أنماط وطُرُز، عندما تدخل إليها سوف تقف عاجزاً عن وصف روعة الرسومات وكمية الذهب المستخدمة على الجدران والأسقف، كانت تتمتع الكاتدرائية النورمانية البيزنطية ببرجين، ولكنها تعرضت لصاعقة قوية أدت إلى هدم نصف واحد منهما. استخدم فيها أكثر من 6 آلاف وخمسمائة متر مربع من قطع الفسيفساء التي ترسم صوراً تحكي قصصاً من العهدين القديم والجديد.
الكاتدرائية استثنائية بجمالها وهندستها، ولكن المنطقة التي تقع فيها لا تقل جمالاً؛ فالمشي في أزقتها الضيقة سيعطيك فكرة عن نمطها وعن طريقة عيش أهلها. ودَعْ رحلة المشي تأخذك إلى نقاط جميلة مطلة على باليرمو من أعلى تقدم لك فرصة التقاط الصور ورؤية الشمس وهي تختفي وراء الجبال التي تسور المدينة.


باليرمو أكبر مدينة في صقلية (شاتر ستوك)

يوم في سوق الطعام
تعتبر سوق «إل كابو» من أجمل وأقدم أسواق الطعام والتوابل في باليرمو؛ فهي تقع في القسم القديم من المدينة التي كانت مسورة بجدران عالية في الماضي. أما اليوم، فتم نزع تلك الأسوار، ولكن لا تزال عند المداخل آثار للأبواب التي كانت تقبع هناك. فندق «فيلا إيجيا» يقوم بتنظيم رحلات إلى السوق يتخللها المشي في المنطقة المخصصة للمشاة فقط، وعلى طول الطريق تصطف عربات بيع الأكل المحلي، مثل الباستا والمقالي، لا سيما الباذنجان الذي يدخل في معظم وصفات المطبخ الصقلي، وبعدها تذوق العصائر الطازجة وشمّ رائحة التوابل والبهارات المحلية والمستوردة مثل الزعفران (يشرح لنا مرشدنا السياحي جورجيو أن الجائحة أجبرت أصحاب الأكشاك على وضع التوابل في أكياس من البلاستيك، مما غيَّر المشهد العام للسوق التي كانت تشتهر بطريقة عرض البهارات التي تنبعث منها روائح نفاذة).
الجميل في هذه المنطقة أنك تأكل وتتمشى وتتعرف على السكان وتشاهد النساء اللاتي يجلسن على شرفات بيوتهن، ويقمن بإلقاء التحية عليك فتتسامر معهن، فثقافة الشعب الصقلي شبيهة جداً بالثقافة العربية؛ فهذا الشعب ودود جداً، ويحب الزوار، ولا يفرق بين جنس أو جنسية أو دين. وفخور جداً؛ كون باليرمو حصلت على لقب «أكثر مدينة في العالم من حيث زحمة السير». وإلى جانب روعة زحمة السوق والطعام اللذيذ والأرانشيني الصقلية التي يسيل لها اللعاب، تشاهد أجمل القصور والكنائس التي تبدو من الخارج وكأنها مساجد. من ألذ ما يمكن أن تتذوقه في سوق «إل كابو»، الأرانشيني المقرمشة والكروكيتي والكاساتا والكانولي، ويجب أن تعرف شيئاً عن الصقليين، وهو أنهم يعشقون المقالي، ويقومون بقلي كل شيء تقريباً.
يقوم الفندق أيضاً بتقديم حصص الطهي على يد الطاهي ديفيدي؛ فبعد شراء الخضراوات الطازجة من السوق تعود إلى الفندق، وتبدأ بتطبيق الوصفة التي يقدمها لك الطاهي، وهي وصفة أشهر باستا في باليرمو اسمها «باستا إلا نورما» وهي عبارة عن معكرونة مع باذنجان وأكثر من صنف من الطماطم وبعض الأعشاب مثل الزعتر وجبن الريكوتا، أما بالنسبة للسلطة المحلية؛ فهي سلطة «الشمر» أو Fennel، وبحسب الطاهي، فإن سرَّ الحصول على الشمر المقرمش هو نقعه في ماء بارد مع مكعبات من الثلج، أما بالنسبة للصلصة فهي تعتمد على البرتقال وكثير من زيت الزيتون.


«فيلا إيجيا» مبنى تاريخي يحمل كثيراً من القصص والأحداث (شاتر ستوك)

أجمل وأفخم عنوان للإقامة في باليرمو
يعتبر فندق «فيلا إيجيا» Villa Igiea من أقدم وأشهر الفنادق في باليرمو، ويعتبر أيضاً من المعالم المهمة في المدينة؛ ففي عام 1899 قامت عائلة فلوريو ذات النفوذ العالي في صقلية بشراء المبنى من الأدميرال الإنجليزي السير ويليام دومفيل، وكان من المفترض تحويل المبنى إلى مصحة لمداواة مرضى السل، خصوصاً أن ابنة فلوريو وفرانكا أُصيبت بهذا المرض، وبحكم موقع المبنى المطل على البحر. وكان ينظر إلى ماء البحر مقابل الفندق على أنه ماء شافٍ ويُعرف باسم «أكواسانتا».
ولكن تغيرت فكرة المشروع، فقررت العائلة المالكة الجديدة أن تحول المبنى إلى فندق ضخم يستقطب الزوار من حول العالم؛ فتم تكليف إرنستو باسيلي مهمة الهندسة المعمارية، وافتتح الفندق في أوائل القرن العشرين.
استقبل الفندق منذ افتتاحه أرفع الشخصيات السياسية والفنية والرياضيين، وفي عام 1907 نزل فيه ملك إنجلترا إدوارد السابع وزوجته الملكة ألكسندرا والأميرة فيكتوريا. ولكن سرعان ما جاءت الحروب وقلبت الموازين، وطوال الحربين العالميتين عانت «فيلا إيجيا» من الضربات المستمرة، واستخدمت كمستشفى.
وبعد استتباب الأمن وحلول السلام عادت الفيلا إلى عهدها الماضي لتستقبل النجوم والأثرياء. وفي الفترة ذاتها، اكتشفت السينما باليرمو عندما تم تصوير فيلم «إيفري فلاغ» للممثل إيرول فلين في المرفأ القابع تحت أسوار الفيلا، لتصبح باليرمو بعدها مرتعاً لمشاهير هوليوود وأهم مخرجيها، بالإضافة إلى أهم الممثلين، مثل كلوديا كاردينالي وألين دولون وصوفيا لورين الذين اختاروا الفندق مكاناً للإقامة أثناء قيامهم بتصوير أفلامهم السينمائية. وعلى مر الزمن استمرت «فيلا إيجيا» في الترحيب بالضيوف غير العاديين مثل الملوك والأثرياء.
وفي عام 2019، استحوذت فنادق «روكو فورتي» العالمية على «فيلا إيجيا» واستطاعت العلامة وضع لمستها العصرية على الفندق من خلال تطويره وترميمه مع الحفاظ على معالمه التراثية الاستثنائية، وقامت أولغا بوليزي مديرة التصميم في «روكو فورتي»، بوضع لمساتها على الفندق الذي يُعتبر معلماً تاريخياً محمياً من الدرجة الأولى، وبطريقة ذكية جداً تم بناء برج جديد للفندق متناسقاً مع المبنى القديم، مع العِلم بأنه من الصعب جداً القيام بتغييرات جذرية على المبنى، لأنه تاريخي ولا يُسمَح بتغيير ملامحه التراثية الأصلية.
ميزة الفندق أنه مطلّ على البحر والمرفأ مباشرة، ويضم مطعمين جميلين جداً مع جلسات في الهواء الطلق، وتم وضع لمسات عصرية على مبنى أثري، فتم افتتاح مركز صحي يقدم أهم العلاجات، وميزته الديكورات الخاص بصقلية مثل استخدام السيراميك بنقشات الأرابيسك التي يطغي عليها اللونان الأزرق والأبيض مع تطعيمات باللون الأصفر. اللافت في الفندق هو العناية للتفاصيل التي تجعل الفندق عصرياً مع معاناة تاريخه الحافل بالذكريات، فزينت الممشى الرئيس فيه والبهو لوحات زيتية أصلية أحضرت من منزل عائلة فلوريو وفرانكا المالكين الأصليين للمبنى، كما توجد في بعض الأماكن خزنات وأثاث استخدمت فترة الحرب، ولم يتم تغيير مكانها، لتكون شاهدة على تاريخ عامر بالذكريات الخاصة في فترة الزمن الجميل وأيام العز التي شهدتها السينما أهم ممثليها.
فعلى سبيل المثال، تلتمس في مطعم الفندق الرئيسي الذوق الكلاسيكي الذي يسيطر عليه اللون الأزرق الملكي، مع إطلالة على البحر وآثار لأعمدة تعود للعهد البيزنطي تنتصب عند خلفية بركة السباحة وتضفي على المكان سحراً إضافياً، وتجعل الحدائق المحيطة بالفندق، التي تغازل البحر، رونقاً جميلاً لا تجده إلا هناك.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.