حكومة بيرو ترفع حالة الطوارئ في مناطق المتمردين بعد 30 عامًا

إنهاء القيود على الحقوق الأساسية للمواطنين.. منها حرية الاجتماع

حكومة بيرو ترفع حالة الطوارئ في مناطق المتمردين بعد 30 عامًا
TT

حكومة بيرو ترفع حالة الطوارئ في مناطق المتمردين بعد 30 عامًا

حكومة بيرو ترفع حالة الطوارئ في مناطق المتمردين بعد 30 عامًا

بعد 30 عامًا على حالة طوارئ في مناطق المتمردين في بيرو أعلن الرئيس أولانتا هومالا أمس أنه رفع حالة الطوارئ في إقليم «التو هوالاغا» في شمال الأمازوني، المشهور بالزراعة غير القانونية للكوكا، وبأنه كان منطقة نفوذ سابقة لحركة «الدرب المضيء» الماوية المتمردة.
وصرح هومالا بعد ساعات على إعلان الشرطة عن ضبط معدات كانت تستخدمها «الدرب المضيء» في هذه المنطقة: «إننا نرفع حالة الطوارئ المطبقة منذ 30 عاما».
وقد اجتاح النزاع بين حركة «الدرب المضيء» خصوصا وحكومة بيرو بين عامي 1980 و2000، وتسببت الحركة في مصرع 70 ألف شخص واختفاء 15 ألفا آخرين.
ويعني رفع حالة الطوارئ انتهاء القيود على الحقوق الأساسية للأشخاص مثل حصانة المنزل أو حرية الاجتماع والتنقل لسكان التو هوالاغا في أدغال بيرو التي تضم منطقتي هوانوكو وسان مارتين. وفي أواسط التسعينات، تم حل حركة «الدرب المضيء»، ويمضي أبرز قادتها ومنهم مؤسس هذه الحركة الماوية أبيمايل غوزمن عقوبة بالسجن مدى الحياة بسبب مسؤوليتهم في واحد من أكثر النزاعات دموية في أميركا اللاتينية.
واعتبرت حركة الدرب المضيء مسؤولة عن مقتل 54 في المائة من الضحايا، كما أكدت لجنة الحقيقة والمصالحة في تقريرها في 2003.
وحركة «الدرب المضيء» هي التنظيم السياسي والعسكري للشيوعيين الماويين في بيرو، انطلقت عام 1980 لتقيم حكم الديموقراطية الجديدة وهي من تسميات ديكتاتورية البروليتاريا، المصطلح الماركسي اللينيني المعروف.
ويعتمد الحزب على النظرية الماركسية اللينينية الماوية، ويتبع نهج الكفاح المسلح وإطلاق الحرب الشعبية من أجل إقامة الجمهورية الاشتراكية والثورة الثقافية.
للصول إلى مجتمع شيوعي منذ اعتقال زعيم الحزب أبيمال غوزمان في عام 1992، ونشاطات المنظمة العسكرية منخفضة.
بعض الفصائل من «الدرب المضيء» يدعون الآن للقتال من أجل إجبار الحكومة على التوصل إلى معاهدة سلام مع الثوار الماويين.
وجاءت تسمية «الدرب المضيء» للحزب الشيوعي البيروفي من عبارة مؤسس الحركة الشيوعية خوسيه كارلوس مارياتيغي، حيث قال: «الماركسية اللينينية تفتح الدرب المضيء للثورة»، وأضيفت عبارة «الدرب المضيء» واختصار حروف في اللغة الإسبانية لتميز الحزب الماركسي اللينيني الماوي عن بقية الأحزاب التي تحمل نفس الاسم، وأصبح اختصار الحزب «بي سي بي - إس إل».
ويذكر أنه لا تزال المنظمات الدولية لمكافحة الزراعة غير القانونية للكوكا وتجار المخدرات، تعتبر بيرو مع كولومبيا، أحد أبرز منتجي الكوكا والكوكايين في العالم. وأكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الشهر الماضي أن «أكثر من 15 ألف شخص فقدوا أثناء المواجهات بين الدولة والمتمردين اليساريين المتطرفين»، والذي دام عقدين من الزمن.
وأعلنت اللجنة أن «معظم المفقودين كانوا مزارعين فقراء وجدوا أنفسهم بين معسكرين هما قوات الجيش الحكومي ومقاتلي منظمة (الدرب المضيء)».
وفي بداية يونيو (حزيران) الحالي، اعتبرت مهمة للأمم المتحدة أن اللامساواة المستمرة في البلاد، مسؤولة عن العنف السياسي في بيرو. وهي تعتبر أن شعب بيرو ما زال مقسوما، وأن المصالحة ما زالت بعيدة بسبب هذا النزاع.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.