رفض الدبلوماسيون الكبار في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، في بيان مشترك «نادر» أصدروه ليل الأحد - الاثنين، ما وصفوه بأنه «ادعاءات كاذبة» أطلقها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو عن استعدادات في أوكرانيا لاستخدام «قنبلة قذرة» على أراضيها، محذّرين من أن روسيا تسعى إلى «ذريعة» كهذه لتصعيد الحرب.
وأصدرت الحكومات الثلاث، وهي من أقوى الحلفاء للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، هذا البيان على أثر اتصالات منفصلة أجريت بين وزير الدفاع الروسي ونظرائه الأميركي لويد أوستن والبريطاني بن والاس والفرنسي سيباستيان ليكورنو. وعبر خلالها شويغو عن «قلق» موسكو من «استعدادات نهائية» تجريها كييف لاستخدام «القنبلة القذرة»، وهي تُستخدم لنشر مواد مشعة عبر متفجرات تقليدية. وكرر الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف هذه الادعاءات على رغم رفض المسؤولين الغربيين لها.
ووزعت وزارة الخارجية الأميركية البيان المشترك لوزراء الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والبريطاني جيمس كليفيرلي والفرنسية كاترين كولونا الذين كرروا «دعمنا الثابت لسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها في مواجهة العدوان الروسي المستمر»، مؤكدين أنهم سيظلون «ملتزمين مواصلة دعم جهود أوكرانيا للدفاع عن أراضيها لأطول فترة ممكنة».
وإذ أشاروا إلى المحادثات الهاتفية بين وزراء دفاع دولهم مع وزير الدفاع الروسي «بناء على طلبه»، أوضحوا أنهم «جميعاً نرفض ادعاءات روسيا الكاذبة بشكل واضح؛ إذ تتهم أوكرانيا بالاستعداد لاستخدام قنبلة قذرة على أراضيها الخاصة». وقالوا إن «العالم قادر على كشف حقيقة أي محاولة لاستخدام هذه المزاعم كذريعة للتصعيد، ونحن نرفض أي ذريعة تستخدمها روسيا للتصعيد». وكذلك، ناقش وزراء الخارجية «عزمهم المشترك على مواصلة دعم أوكرانيا والشعب الأوكراني بالمساعدات الأمنية والاقتصادية والإنسانية بوجه الحرب العدوانية الوحشية التي يشنها الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين على بلادهم».
وكذلك، كررت الناطقة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أدريان واتسون رفض الولايات المتحدة لـ«ادعاءات شويغو الكاذبة بشكل واضح».
راية كاذبة؟
وخلال اتصال مع نظيره الأميركي، وصف وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا تصريحات المسؤولين الروس بأنها «أكاذيب». وقال بلينكن في بيان منفصل، إنه يرفض «مزاعم شويغو الكاذبة بشكل واضح»، معبراً عن ثقته في أن «العالم سيرى من خلال أي محاولة من جانب روسيا لاستخدام هذا الادعاء كذريعة للتصعيد».
وتعليقاً على الاتصالات التي أجراها شويغو مع المسؤولين الغربيين، قال الرئيس الأوكراني، إنه «عندما ينظم وزير الدفاع الروسي حلقة دائرية عبر الهاتف ويتصل بوزراء الخارجية لإبلاغهم قصصاً حول ما يسمى بالقنبلة النووية القذرة، فإن الجميع يفهمون كل شيء جيداً. يفهمون من هو مصدر كل شيء قذر يمكن تخيله في هذه الحرب»، مضيفاً أن الادعاءات الروسية تعني شيئاً واحداً: أعدت روسيا بالفعل كل هذا».
ووصفت الصحافة الأميركية تحذير روسيا من القنابل القذرة بأنه الأحدث من عملية «راية كاذبة» محتملة، علماً بأن روسيا ادعت سابقاً أن أوكرانيا تصنع أسلحة بيولوجية بدعم من الولايات المتحدة، وهو ادعاء أثار تحذيرات من احتمال استخدام روسيا لمثل هذه الأسلحة في الحرب.
ونظراً إلى خطورة الاتهامات الروسية الجديدة، قال وزير الدفاع البريطاني في بيان منفصل، إن روسيا اتهمت حلفاء أوكرانيا، بما في ذلك بريطانيا، بالتخطيط «لتصعيد الصراع في أوكرانيا». وإذ نفى هذه الادعاءات، حذر من أن «مثل هذه الادعاءات لا ينبغي أن تستخدم كذريعة لمزيد من التصعيد».
وأفادت وزارة القوات المسلحة الفرنسية، بأن شويغو أبلغ نظيره سيباستيان ليكورنو، أن «الوضع في أوكرانيا يتدهور بسرعة ويتجه نحو تصعيد لا يمكن السيطرة عليه».
«الخط الأحمر» الروسي
وبعد ثمانية أشهر من الحرب، تجد روسيا نفسها في موقف ضعيف، إذ تكافح للحفاظ على الأراضي التي احتلتها في حربها البرية. وانتقلت إلى الضربات الصاروخية التي دمرت ولا تزال تدمر أهدافاً مدنية بعيداً عن الجبهات. كما يواجه الرئيس الروسي قلقاً متزايداً في الداخل في شأن طريقة تعامل جيشه مع الحرب. وعلى هذه الخلفية، أثار بوتين شبح استخدام الأسلحة النووية، في احتمال مرعب لم يقلق الأميركيين منذ نهاية الحرب الباردة، للمحافظة على مكاسبه التي تتقلص في أوكرانيا. وحذر الرئيس الأميركي جو بايدن من أن الحرب في أوكرانيا يمكن أن تتحول إلى «هرمجدون» (معركة كبرى) نووية، لكن البيت الأبيض أكد أن الولايات المتحدة لم تر أي إشارات على أن روسيا تستعد عمليا لاستخدام أسلحة نووية.
وقال مسؤولون أميركيون، إن وزير الدفاع أوستن تحادث مع شويغو الأحد للمرة الثانية في ثلاثة أيام، في اتصال كان هدفه «تحديد الخطوط الحمر التي يمكن أن تستفز روسيا لشن هجوم نووي على أوكرانيا». ونقلت صحيفة «النيويورك تايمز» عن اثنين من المسؤولين، أن هذا كان يهدف إلى التوضيح لإدارة بايدن سبب إثارة بوتين بشكل مطرد احتمال توجيه ضربة نووية في أوكرانيا. وأضافت الصحيفة، أنه مع خسارة قواته للأرض، سعى بوتين إلى تصوير الأراضي في أوكرانيا التي ضمها بشكل غير قانوني كجزء من «روسيا الأم»، معتبراً أن أي هجوم تدعمه الولايات المتحدة داخل تلك المناطق سينظر إليه على أنه هجوم على الوطن الروسي.
ستة أسابيع
إلى ذلك، قدّرت الاستخبارات الأميركية أن الفرصة المثلى للجيش الأوكراني لتحقيق مكاسب ضد القوات الروسية ستستمر لمدة ستة أسابيع أخرى، وفقاً لما نقله موقع «ستراتفور» الاستخباري، مضيفاً أن أهمية هذه التقييمات بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين «تكمن في أنها تجعله يعتقد أن الوقت في صالحه، فيركز قواته على العمليات الدفاعية والعمل على استقرار جبهة الحرب خلال الأشهر المقبلة قبل أن تتهيأ الظروف من جديد لشن هجمات كبرى». وأوضح، أن «العوامل التي ستزيد من تعقيد التقدم الأوكراني بعد الإطار الزمني لستة أسابيع في زيادة الطقس الغائم والممطر؛ مما سيعوق صور الأقمار الصناعية وحركة المركبات. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تساقط أوراق الشجر هذا الشتاء سيفقد تجمعات القوات التي كانت تحجبها الأشجار غطاءها الطبيعي، وفضلاً عن ذلك سيصل المزيد من الجنود الروس الذين تتم تعبئتهم وتدريبهم حالياً إلى خط المواجهة في أوكرانيا». ورأى، أن «تركيز أوكرانيا سينصبّ في المستقبل المنظور على منطقة خيرسون، حيث تتزايد التكهنات بأن قواتها هناك يمكن أن تستعيد الأراضي حتى نهر دنيبر في وقت أقرب مما كان متوقعاً بعد إعلان القوات الروسية الموجودة بالمنطقة أنها ستجلي المدنيين من هذه المدينة». وأضافت، أنه «إذا استعادت أوكرانيا السيطرة على خيرسون، سيفتح ذلك أمامها الباب للتقدم جنوباً نحو شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا عام 2014، وسيمثل ذلك نكسة سياسية كبيرة للحكومة الروسية».