ماري أليس مالون... من ترويض الجياد إلى تطويع الجلود

قالت لـ «الشرق الأوسط» إنها تسلحت بالخبرة قبل ذهابها إلى إيطاليا لتكون نداً لحرفييها

ماري أليس سولييه
ماري أليس سولييه
TT

ماري أليس مالون... من ترويض الجياد إلى تطويع الجلود

ماري أليس سولييه
ماري أليس سولييه

لم يكن يخطر ببال الطفلة الصغيرة وهي تلعب مع الصبيان في الحقول والمزارع وتروض الخيول أنها ستُبدِل الأحذية الرجالية التي كانت تفضل ارتداءها بأحذية مفعمة بالأنوثة وهي شابة، فكيف لها أن تتصور أنها ستُسوقها لنساء العالم؟. لكن هذا ما حصل مع ماري أليس مالون، مؤسسة علامة «مالون سولييه».
تعترف في لقائها مع «الشرق الأوسط» بأن رحلتها من المزرعة التي ترعرعت فيها ببنسلفانيا إلى أهم شوارع الموضة العالمية كانت في غاية الإثارة والمُتعة. مضيفة وهي تضحك وكأنها تُبرر ذلك التناقض بين نشأتها وبين مظهرها الأنيق خلال المقابلة: «لا بد أن أنُوه بأن تلك الطفلة التي تتوخى الراحة والانطلاق لا تزال موجودة بداخلي لكن في حياتي الخاصة وعندما لا أحتاج إلى وضع الماكياج وارتداء أزياء أنيقة أو رسمية». تتابع: «لقد كبُرت بين الخيول والأشجار ولم يكن أحد من حولي يهتم بالمظهر بقدر ما يهتم إذا كانت الخيول تثق فيك وتطمئن إليك. وهذا يعني أن تكون مُخلصاً في عملك وصادقاً في تعاملك».


حذاء عال الرقبة استخدم فيه مزيج من جلد الغزال وجلد النابا - شجعها نجاحها لتتوسع لتصميم أحذية رجالية

عندما تُقابل مالون تلفتُك بقامتها الطويلة وبنيتها المتينة. تتذكر أنها فارسة سابقة، تدربت لدورة الألعاب الأولمبية للناشئين ومتسابقة في ترويض الخيول أيضاً. يبدأ اللقاء في محلها بـ«ماونت ستريت» الواقع في قلب منطقة مايفير بلندن. بعد دقائق قليلة تكتشف أن كلامها عن نفسها قليل بدرجة تحتاج إلى سحبه منها سحباً. عندما أواجهها مازحة بأني لا أعرف كيف أتعامل مع البخلاء في الكلام، تنفجر بالضحك، ثم تنفرج أساريرها فجأة وتتغير جلستها معتذرة: «لا بد أن أعترف لك بأني بطبعي خجولة جداً... لا أجيد الكلام عن نفسي». وتستطرد ضاحكة: «لهذا السبب أوظف أشخاصاً يقومون بهذه المهمة عني. فأنا جد سيئة في التسويق لنفسي، أحب العمل أكثر من الكلام. وحتى في مجال العمل فإن أسعد أوقاتي هو الجزء العملي وليس النظري، أي حين أنكب على صُنع الأشياء بيدي وتزيد سعادتي وأنا أراها تتبلور أمام أعيني». المُهم أن هذه الملاحظة كانت كافية لإذابة الجليد لتنطلق في الحديث عن البدايات والطموحات وكيف أن دراستها لعلم النفس ساعدتها كثيراً في فهم أهمية الأحذية بالنسبة للمرأة والرجل على حد سواء. فالعكب العالي مثلاً يعكس الثقة والأنوثة بتغييره مشية المرأة وإحساسها بذاتها، كما يؤثر على نظرة الرجل للمرأة وطريقة تعامله معها. تنتقل بعدها للكلام عن عشقها الأول والأهم وهو صُنع الأشياء وبناؤها بيدها. تُعيد الأمر إلى بدايتها في صناعة قطع الأثاث. فقد درست في قسم النجارة وتصميم الأثاث في معهد الفنون بكولورادو قبل أن تنتقل إلى تصميم الأحذية بلندن. تتذكر كيف كانت تُفكك هذه القطع سواء كانت كراسي أو غيرها عن قصد، لكي تفهم كيف تم بناؤها بشكل يمنحها التوازن والجمال على حد سواء. الآن وبعد مرور بضع سنوات على تأسيس علامتها تشير بالكثير من التواضع إلى أنها لم تكن تتوقع أنها ستُصبح يوماً مصممة أحذية تُقبل عليها نجمات وأيقونات موضة من مثيلات بيونسي وكاميرون دياز. ترُد هذا إلى أنها لا تصمم لنفسها «ولا حسب ذوقي وميولي الخاصة وأعتقد أن هذا أمر جيد لأنه من المفروض أن أفكر في نساء العالم وما يرغبن فيه. فتلك الطفلة التي ترعرعت في مزرعة نائية ببنسلفانيا تلعب مع الأطفال والخيول في الوحل لا تزال حية بداخلي كما قلت سابقاً، لكنها تعرف أيضاً مدى أهمية الموضة والأناقة بالنسبة لنساء غيري». تتذكر صورة مترسخة في مخيلتها عن جدتها التي كانت لا تخرج من بيتها إلا وهي في كامل أناقتها. هذا الاهتمام بالمظهر زرع بداخلها كما تقول «فضولاً عارماً بكل ما هو أنثوي. فأنا لا أمل مثلاً من متابعة المرأة وهي تضع ماكياجها وتصفف شعرها لساعات رغم أنني لست هذه المرأة».


مواكبة خطوط الموضة ضرورية لكن ليس على حساب الراحة والشريط على شكل سوار عند عظم الكاحل

الفترة التي عاشتها في العاصمة البريطانية وامتدت لسنوات، كانت أيضاً مهمة في تشكيل نظرتها إلى الموضة. فلندن كانت ولا تزال عاصمة الابتكار بلا حدود. هي أيضاً العاصمة التي لا تعترف بالقيود عندما يتعلق الأمر بالتعبير عن الأسلوب الخاص. أكثر ما شدها فيها توق المرأة إلى العملية والأناقة على حد سواء. فهي تلبس أحذية رياضية أو بدون كعب عند توجهها للعمل، لتغيرها بحذاء بعكب عالٍ في المساء لتلبية دعوة عشاء، وفي كل الحالات تتعامل مع الأمر بشكل طبيعي نابع من ثقتها بنفسها. هذه الصورة حفزتها على التفكير في تصميم أحذية تجمع الراحة بالأناقة وفي الوقت نفسه تغذي رغبتها في صُنع منتج خاص بها تُشرف عليه وتُنفذه من الألف إلى الياء. في عام 2013 توجهت إلى إيطاليا لتُحول هذه الرغبة إلى حقيقة، وفي عام 2014 أسست علامة «مالون سولييه» المميزة بشريط على شكل سوار عند عظم الكاحل بلون ذهبي أو ماسي، تطور مع الوقت إلى ألوان أخرى. كان مهماً بالنسبة لها أن تتميز تصاميمها عن كل ما هو موجود في السوق وأن تكون مريحة وبمواد وخامات عُضوية. قبل أن تتوجه إلى إيطاليا لمقابلة حرفييها، انتبهت إلى أنه عليها أن تفهم كل صغيرة وكبيرة في صنع الأحذية، من التصميم والتقطيع إلى بناء الكعب واختيار المواد وغيرها من الأمور. «كان هذا ضرورياً» حسب قولها: «حتى إذا ذهبت إلى إيطاليا لا أضطر للخضوع لإملاءات من يفهم هذا المجال أكثر مني بسبب تراكم زمن الخبرة بل سأكون نداً لهم لأني متسلحة بالعلم بدرجة تمكنني من فرض رأيي ورؤيتي ومن ثم كسب احترامهم». وبالفعل لم تواجهها معوقات كثيرة، فما تعلمته في أكاديمية «كوردواينرز» لصنع الأحذية الرجالية في لندن وتوفقها في الوصول إلى حرفيين إيطاليين ومنتجين للبقر من المصدرين للجلود الطبيعية، أصبحوا سنداً لها، ساعدها في ترجمة حُلمها بالشكل الذي تصورته، وهو أن يتميز بالراحة والجمال تماماً مثل أي قطعة أثاث.


مقالات ذات صلة

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)

ماريا كاترانتزو تستوحي من حمامات كاراكالا مجموعة «كالا»

دخول ماريا مصممةَ أزياءٍ إلى دار جواهر بادرة رحبت بها أوساط الموضة (بولغاري)
دخول ماريا مصممةَ أزياءٍ إلى دار جواهر بادرة رحبت بها أوساط الموضة (بولغاري)
TT

ماريا كاترانتزو تستوحي من حمامات كاراكالا مجموعة «كالا»

دخول ماريا مصممةَ أزياءٍ إلى دار جواهر بادرة رحبت بها أوساط الموضة (بولغاري)
دخول ماريا مصممةَ أزياءٍ إلى دار جواهر بادرة رحبت بها أوساط الموضة (بولغاري)

بوصفها أول مديرة إبداعية يجري تعيينها لقسم الأكسسوارات والسلع الجلدية في «بولغاري» للجواهر، لم يكن أمام المصمِّمة اليونانية الأصل، ماري كاترانتزو أي خيار سوى العودة إلى جذور الدار لتستوحي من تاريخها ما يزيد من وهجها وبريقها. لم تكن المهمة صعبة؛ نظراً لتاريخ يمتد على مدى قرون، ويحوي ما لا ينضب من الأفكار والأحجار الكريمة. بعد تفكير، وجدت أن حمامات كاراكالا، واحدة من عجائب روما السبع في العصور القديمة، وزهرة الكالا بشكلها العجيب، تُشَكِّلان نَبْعَيْنِ يمكن أن تنهل منهما، ومن هنا جاءت التسمية التي أطلقتها على المجموعة «كالا».

ماريا كاترانتزو وحقيبة مرصعة بالأحجار تجسد فسيفساء حمامات كاراكالا (بولغاري)

عندما أعلنت «بولغاري» في شهر أبريل (نيسان) الماضي التحاق ماري كاترانتزو، بها مديرةً فنيةً للمنتجات الجلدية والأكسسوارات، باركت أوساط الموضة والجواهر على حد سواء هذا القرار؛ فهذه خطوة ذكية من شأنها أن تَضُخَّ دماءً شابة بدار يبلغ عمرها أكثر من قرن. كان اسم ماري كاترانتزو وحده يكفي كي يثير فضول عشاق الجمال والإبداع؛ لأنهم يتوقعون منها إبداعات مهمة؛ كونها تتمتع بصيت طيب منذ تخرجها في معهد سانترال سانت مارتنز في عام 2008، لتصبح من بين أهم المصمِّمين الشباب المشاركين في أسبوع لندن. ومنذ سنوات قليلة، انتقلت للاستقرار في بلدها الأصلي، وتحديداً أثينا، لكن اسمها ظل محفوراً في أوساط الموضة، ومنقوشاً بطبعاتها الفنية الجريئة وتصاميمها الهندسية المثيرة.

المصممة ماري كاترانتزو مع المؤثرة الإيطالية أناديلا روسو (بولغاري)

بعد استقرارها في أثينا، بدأت سلسلة من الشراكات كانت دائماً تحقق النجاحِ؛ ففي عام 2019 قدمت عرضاً فخماً من خط الـ«هوت كوتور» في أثينا على خلفية معبد بوسيدون. في هذا العرض، تزيَّنت العارضات بجواهر من «بولغاري» عزَّزت فخامة الصورة من جهة، ودشَّنت علاقتها بالدار الرومانية من جهة ثانية. ربما يتساءل البعض عن كيف لدار متجذرة في التاريخ الروماني أن تتعاون مع مصممة يونانية، خصوصاً أن إيطاليا لا تفتقر إلى المواهب الشابة والمحترفة، ليأتي الجواب بسيطاً، وهو أن مؤسس الدار في الأصل يوناني، اسمه سوتيريو بولغاريس، كان ذلك منذ أكثر من قرنين من الزمن، لكن تغيَّرت فيه الأماكن وكذلك الاسم من «بولغاريس» إلى «بولغاري».

بالنسبة لدار تخصصت في الجواهر أولاً وأخيراً، فإن قرار تعيين مصمِّمة أزياء في منصب إبداعي، أمرٌ تكتيكي وذكي يستهدف ضخ دماء جديدة على قسم الأكسسوارات، وفي الوقت نفسه يريد استقطاب عميلات يعشقن أسلوب كاترانتزو، ولا يزال بداخلهن حنين للمساتها الفنية. تشير المصمِّمة إلى أن القرار لم يُتَّخذ بشكل سريع؛ فعلاقتها بالدار والمجموعة المالكة لها «إل في إم إتش» عمرها سنوات، بدأت بشكل تدريجي وعضوي بشراكات كثيرة، منها مشاركتها في عام 2021، في سلسلة الشراكات التي أطلقتها «بولغاري» تحت عنوان «سيربنتي بعيون...» وهي فعالية تستضيف فيها كل مرة مصمِّماً يضع بصماته الفنية على منتجها الأيقوني.

تقول ماري كاترانتزو إنها استلهمت من أرضية الحمامات وفسيفسائها المتعددة الألوان، شكل مروحة رصَّعتها في ورشات الدار بفلورنسا، باللؤلؤ والجمشت والزمرد والذهب؛ حيث أرادتها أن تحاكي قطعة جواهر بكل المقاييس، وهو ما كان. أمَّا من زهرة الكالا فاستلهمت شكلها النحتي المتعرج الذي يرمز للقوة والمرونة. وتشمل المجموعة حقائب «مينوديير» للسهرة، وأخرى جلدية لكل المناسبات، إلى جانب أوشحة حريرية. كانت التجربة ناجحة على المستويين التجاري والفني على حد سواء؛ فماريا تُدرك تماماً أن الاثنين وجهان لعملة واحدة، وهو ما أكده المصمِّم السعودي زياد البوعينين الذي تدرَّب في بداياته على يدها قائلاً في لقاء سابق مع «الشرق الأوسط» إن العمل معها عن قُرب كان فرصة ذهبية بالنسبة له، حيث «تعلمت منها الكثير من الأمور التي ساعدتني على فهم كيف تُدار أي دار أزياء أو شركة صغيرة من الداخل»، وتابع: «لم يكن العمل مع ماريا كاترانتزو ممتعاً من الناحية الفنية فحسب، بل فتح عيني على أمور كثيرة كانت غائبة عني بوصفي مصمماً شاباً يعتقد أن الابتكار في التصميم وحده يكفي».