مخاوف الموحّدين الدروز في سوريا تضعهم في حالتي انقسام وترقّب

بين «مطرقة» نظام يدّعي حماية الأقليات.. و«سندان» قوى متشدّدة لا تكترث بالنسيج المحلي

مخاوف الموحّدين الدروز في سوريا تضعهم في حالتي انقسام وترقّب
TT

مخاوف الموحّدين الدروز في سوريا تضعهم في حالتي انقسام وترقّب

مخاوف الموحّدين الدروز في سوريا تضعهم في حالتي انقسام وترقّب

أثارت المذبحة التي ذهب ضحيتها أكثر من 20 قرويًا من الموحِّدين الدروز في شمال محافظة إدلب، بأقصى شمال غربي سوريا، على يد أحد القادة الميدانيين في «جبهة النصرة» ونفر من أتباعه، مخاوف من وقوع مزيد من أعمال القتل المشابهة تستهدف الأقلية الدرزية السورية. ووفق مراقبين جيّدي الاطلاع، أدى تسارع وتيرة الأحداث إلى إثارة جو من التوتر حتى داخل طائفة الموحِّدين الدروز أنفسهم. علما بأنه منذ بداية الأحداث في سوريا حاولت الطائفة أن تنأى بنفسها عن التشنّج الطائفي الذي تحوّل بمرور الوقت، ووفق مخطّط النظام، إلى مواجهات تخوضها قوى وميليشيات طائفية. ومن ثَم، وجد الموحِّدون الدروز أنفسهم على نحو متزايد ما بين مطرقة نظام يزعم أنه «مدافع عن الأقليات» وسندان الثوار الذين أخذت تبرز في صفوفهم جماعات راديكالية مثل «جبهة النصرة» وغيرها، بينما اقتطع تنظيم داعش لنفسه أجزاء واسعة من البلاد.
في مطلع يونيو (حزيران) الحالي سمعت أصوات إطلاق النار في قرية قلب لوزة، بجبل السُّمّاق (أو الجبل الأعلى) في أقصى شمال محافظة إدلب السورية. وكان وراء هذه الاشتباكات محاولة أحد أعضاء «جبهة النصرة» مصادرة منزل قروي درزي متهم بولائه لنظام بشار الأسد. وبعدها اضطرت المعارضة السورية لوقف هجومها المُعدّ لتحرير مطار الثعلة العسكري، بمحافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية في جنوب البلاد، درءًا للتفاعلات الطائفية بعدما حدث في ريف إدلب. وفي الأسبوع الماضي، ادّعت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية أن مقاتلي المعارضة السورية، بمن فيهم «جبهة النصرة»، هاجموا قرية حَضَر الدرزية في الجزء السوري - غير المحتلّ إسرائيليًا - من هضبة الجولان حيث يعيش نحو 25 ألف درزي.
أحداث الأسابيع الأخيرة وضعت الموحِّدين الدروز السوريين، رغمًا عنهم، في بؤرة الأحداث. الوزير أكرم شُهيّب، وهو عضو في الحزب التقدّمي الاشتراكي، الفصيل السياسي الرئيسي للدروز في لبنان، شرح لـ«الشرق الأوسط» الوضع قائلاً بأنه يعيش نحو 500 ألف من الموحِّدين في سوريا، ويقطن الجزء الأكبر منهم في محافظة السويداء التي تغطّي الجزء الجَبلي من حوران الطبيعية، متاخمة سهل حوران الذي تغطيه محافظة درعا المجاورة، كذلك تعيش مجموعات صغيرة من الموحّدين الدروز في مناطق أخرى من جنوب سوريا أبرزها منطقة إقليم البلان (الجولان)، وضواحي دمشق الجنوبية والجنوبية الغربية، هذا بالإضافة إلى الوجود الدرزي في محافظة إدلب بشمال سوريا. وتابع الوزير شُهيّب أن الموحِّدين الدروز جماعة عرقية عربية تنتشر في لبنان وسوريا وإسرائيل والأردن.
وفي حين يعلِّق جَبر الشوفي، العضو القيادي في المعارضة السورية، في حديث مع «الشرق الأوسط» على مذبحة إدلب التي تُعد الحادثة الأولى من نوعها التي تلحق بالدروز منذ بداية الصراع السوري، بالقول: «إن ما حدث في ريف إدلب عدوان صارخ يعبر عن عنف (جبهة النصرة) وممارسات واعتقادات معينة تعود إلى الماضي»، شدّد شُهيّب على أن «حادثة قلب لوزة حادثة فردية أخذت طابعًا عنيفًا، علما بأن دروز جبل السُّمَّاق انضموا منذ اليوم الأول إلى الثوار وانسجموا مع جيرانهم».
ويعتقد الكثير من الموحِّدين الدروز في لبنان أن النظام استغلّ التوتّرات الطائفية ليعزّز من مخاوف الطائفة ويبتزّها لكي تبقى إلى جانبه. فتاريخيًا، اعتمد النظام سياسة القضاء على العائلات السياسية كما على العمل الحزبي والسياسي، كذلك كان للنظام تأثير كبير على مشايخ العقل الثلاث لدى الطائفة - كحال علاقته بالقيادات الدينية المُسلمة والمسيحية في سوريا - ومن ثم حاول جرّ أهل السويداء إلى أزمة مع محيطهم. وفي هذا الصّدد يقول شُهيّب: «لدينا عتَب على البعض من إخواننا في جبل العرب (السويداء) لأن حاضرهم لا يبدي صورة حقيقية عن ماضيهم الذي كان مشرفًا وتميّز بالتعاون ما بين سهل درعا وأهل جبل العرب».
أما جبر الشوفي، فيشير إلى أن النظام بدأ يستخدم بطاقة «داعش» لصالحه، معتبرًا أنه «يمكن للسويداء أن تتعرّض للخطر من مقاتلي «داعش» أو سِواهم؛ إذ سبق للنظام أن سهّل وصول «داعش» إلى تدمر نظرًا لأهمية المدينة التي تحتوي على آثار كثيرة، ليتمكن بالتالي من أن يطرح نفسه محاربًا للإرهاب. وللعلم، لا تبعد تدمر إلا ساعتين فقط عن السويداء وجنوب سوريا التي تقع تحت سيطرة الثوار.
إن التخوّف من «داعش»، وكذلك الأحداث الأخيرة مع «جبهة النصرة»، التي استنكرت في الواقع حادثة قلب لوزة وتعهّدت بمعاقبة من تسبب بها، فضلاً عن سَعي النظام إلى إظهار نفسه حاميًا للأقليات، عوامل تركت الدروز في سوريا في حالة انقسام كبير. فالكثير منهم يعتبر أن الخيار الأضمن يتمثل في حماية مناطقهم عسكريًا مع محاولة الإحجام عن الدخول في الصراع قدر الإمكان. وفي حين تدخّل بعض الدروز في معركة مطار الثعلة بجانب حامية النظام، رفض آلاف منهم (نحو 28 ألفا) الانضمام إلى صفوف الجيش.
وفي هذا الصدد يشير الشوفي إلى «أن أكثرية الشباب الدرزي لا تريد الانخراط في هذه الحرب وتفضل البقاء على الحياد». كذلك يرى شُهيّب أن موقف دروز سوريا «تطوّر من داعم للنظام إلى التوقف عن الالتحاق بالجيش، فنحو 4 آلاف درزي كانوا يلتحقون بالجيش سنويًا، وذلك توقف لأن إيمانهم بالدولة تزعزع، فضلاً عن إيوائهم أعدادا كبيرة من جيرانهم من درعا ومحيط دمشق، وهو ما أدى إلى تغيير موقفهم من دعم نظام الأسد إلى النأي بالنفس».
وبالتالي، فإن الموحِّدين الدروز هم اليوم في وضع انتظار وترقب، وخوفا من وقوع مزيد من الأحداث، أرسل وليد جنبلاط، زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان، مبعوثين إلى كل من الأردن وتركيا محاولا الحصول على ضمانات. وهنا يعتبر الوزير شهيب أن «الدول المجاورة تلعب دورًا أساسيًا في إعطاء هذه الضمانات من خلال الواقع الجغرافي والسياسي. ولقد سعينا إلى تأكيد هذه العلاقة (الحسنة)، لكن الضمانة الرئيسية تبقى العلاقة بين الموحِّدين الدروز وجيرانهم، ولو أن تدخل الدول الأخرى سيساعد بالتأكيد. نحن مع الشعب السوري، والاتصالات تلعب دورًا أساسيًا في تذليل العقبات، لكن الضمانات لا تأتي فقط من الخارج؛ لأن الضمانة الأساسية هي العلاقة الجيدة التي يجب أن تكون وتبقى بين الدروز وجيرانهم. الدروز جزء من النسيج السوري الذي يعاني من نظام لم يترك وسيلة لم يمارسها، وللتذكير فإن الثورة بدأت سلمية».
ويضيف الوزير اللبناني أن التواصل مستمر في الداخل السوري مع كل من له تأثير على الأحداث الحالية مثل «الجيش السوري الحر» في الجبهة الجنوبية (محافظات درعا والسويداء والقنيطرة وريف دمشق)، وكذلك مع «جبهة النصرة» من خلال «الائتلاف الوطني السوري» أو بعض القيادات السورية الموجودة في الخارج، مؤكدًا أيضا «أن التواصل دائم مع تركيا التي بسبب موقعها الجغرافي والسياسي لها تأثير كبير على مجرى الأحداث».
وحول البحث الإسرائيلي في منطقة عازلة للدروز في جنوب سوريا، قال شُهيّب أن «المشكلات مع النظام كافية من دون تدخل إسرائيلي، فالنظام وإسرائيل يريدان تفتيت سوريا». ومن ناحية ثانية، نفى وجود أي مخطط لإخراج دروز إدلب من منطقتهم إلى تركيا المجاورة، مؤكدا أن ارتباط الدروز بأرضهم وثيق «ففي الجليل ارتبطنا بأرضنا، وفي لبنان ارتبطنا بأرضنا، كما سنرتبط بأرضنا في سوريا». واختتم كلامه بالقول: «في الوقت الذي نجد فيه الاصطفافات الشعبية اليوم في أوجها، يبقى أن الحل السياسي في النهاية هو الذي سينتصر. كذلك سينتصر الشعب السوري، ونحن مع التوصل إلى تسوية سياسية؛ لأننا نؤمن بأنه من غير الممكن لأي فئة أن تنتصر على فئة أخرى؛ لأن ذلك سيؤدي إلى التقسيم. نحن نحبذ اليوم انخراط الموحِّدين الدروز مع جيرانهم لأخذ النظام إلى الزوال».
وحقًا، يؤيد معظم الموحِّدين الدروز الذين تحدثت معهم «الشرق الأوسط» موقف شُهيّب هذا، معتبرين أنه لو كانت حادثة قلب لوزة حادثة مقلقة، فسيبقى الدروز في أرضهم معتبرين أن الميزة الديموغرافية لديهم يعززها انتشار السلاح في الجبل، كما أن علاقاتهم الجيدة مع بعض فصائل المعارضة ستحول دون وقوع مجازر أخرى في منطقتهم.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».