نسخة من «مرتفعات وذرينغ»... موسيقى ومستنقعات وأرواح جامحة

جانب من مسرحية «مرتفعات وذرينغ» المعروضة حاليا في نيويورك (نيويورك تايمز)
جانب من مسرحية «مرتفعات وذرينغ» المعروضة حاليا في نيويورك (نيويورك تايمز)
TT

نسخة من «مرتفعات وذرينغ»... موسيقى ومستنقعات وأرواح جامحة

جانب من مسرحية «مرتفعات وذرينغ» المعروضة حاليا في نيويورك (نيويورك تايمز)
جانب من مسرحية «مرتفعات وذرينغ» المعروضة حاليا في نيويورك (نيويورك تايمز)

بسوط في يد وغصن شجرة انحنى تحت وطأة الرياح في اليد الأخرى، تدخل الفتاة حافية القدمين بسخرية، وتشع قوة تجعلها أشبه ببعض الأرواح الخبيثة. هذه كاثرين إيرنشو، الكائن الجامح في رواية «مرتفعات ويذرينغ».
في الواقع، تعد مسألة خلق انطباع أول يكشف عن جوهر الشخصية بمثابة فن نادر، وواحد من الأمور الكثيرة التي تنجزها فرقة «وايز تشيلدرينز ووندروس» المسرحية في النسخة التي تقدمها لرواية «مرتفعات ويذرينغ» على نحو استثنائي الروعة. جرى تعديل خطوط القصة على يد المخرجة البريطانية إيما رايس، بناءً على الرواية التي أبدعتها أنامل الكاتبة إميلي برونتي في القرن التاسع عشر. وتأتينا هذه النسخة الجديدة مفعمة بالموسيقى وتلف ببراعة خيوطها حول الجمهور، لتجذبنا إلى أعماق القصة بما فيها من سخف وحزن.
ومع كون كاثرين وهيثكليف المتيم والمعذب بحبها من منطقة مستنقعات يوركشاير، ينفتح أمامنا مشهد يبدو مناسباً لانطلاق الخيال، والذي تتوقف فيه الحركة من وقت لآخر لضمان أننا نتابع الأحداث عن قرب. ومثلما يقول أحد الغرباء الذي يجد نفسه فجأة في قلب هذه الملحمة الممتدة عبر عدة عائلات وعدة أجيال، فإنه: «الجميع مرتبطون ببعضهم البعض، وجميع الأسماء تبدو متشابهة».
بوجه عام، هذا العرض يبدو مكرساً للغاية لمبدأ الوضوح، بحيث إنه يعيننا على تتبع كل حالة وفاة جديدة (والأمر الصادم أن الأشخاص يموتون في هذا العمل بمعدل ينذر بالخطر) عن طريق وضع اسم الشخص الذي توفي على لوحة بحجم شاهد قبر صغير والسير بها ببطء عبر المسرح. ويعتبر هذا أيضاً بمثابة دليل لإرشادنا على أنه في المرة القادمة التي نرى فيها الممثل الذي ماتت شخصيته في العمل، من المرجح أنه يلعب هذه المرة الجديدة دور شخص آخر ـ ربما نجل الشخص المتوفى. علاوة على ذلك، فإن المستنقعات في هذا العمل الذي يجرى عرضه على خشبة مسرح مؤسسة «سانت آنز ويرهاوس»، سبق وأن جرى عرضه الشتاء السابق على خشبة «المسرح الوطني» في لندن، لا تمثل المشهد المحلي فحسب، الذي تعبر عنه ديكورات فيكي مورتيمر الخشبية بصورة أساسية من خلال سحب رمادية منخفضة تتحرك عبر شاشة فوق خشبة المسرح، وإنما كذلك يجري التعبير عنها من خلال كورس يغني ويرقص ويعبر عن آراء خاصةً به ـ خاصةً زعيم يوركشير مورز والذي يتولى دوراً مبهراً في توفير بعض الخلفية للعمل ـ ذات الدور الذي تضطلع به الخادمة العجوز، إيلين، في الرواية الأصلية.
وفي قلب كل ذلك توجد كاثرين وهيثكليف، اللذين يعدان بمثابة نصفين لروح واحدة. والتقيا عندما عثر والد كاثرين على هيثكليف الصغير على أرصفة ليفربول دونما أبوين واصطحبه معه إلى المنزل لينضم إلى الأسرة في «مرتفعات ويذرينغ». ويبدي شقيق كاثرين الأكبر، هيندلي، كراهيته للوافد الجديد ويعامله بقسوة، ويشعر بأن حقوقه التي اكتسبها منذ المولد مهددة من جانب هذا الصبي الذي يتسم ببشرة داكنة أكثر عن بشرته.
ويطلق هيندلي على هيثكليف لقب «الغجري»، ولا يتوانى عن ضربه كلما سنحت له الفرصة لذلك.
أما فيما يخص كاثرين، فإن هيثكليف يمثل أفضل صديق وشريك في الأذى. في البداية، يجري لعب شخصياتهما وهما صغار بواسطة الدمى، ثم يتبع ذلك بسلاسة الممثلان البالغان لوسي ماكورميك ويليام تامني، اللذان يضفيان تناغماً لافتاً فيما بينهما على ما سيصبح هوس يائسا ومتبادلا ما بين كاثرين وهيثكليف. وفي الوقت الذي يتحدثان ويلهوان في منطقة المستنقعات في تلك السنوات المبكرة، فإن الفرح الذي يفوزان به في رفقة بعضهما البعض، والحرية التي يشعران بها أثناء وجودهما معاً، هي ما يخلق رابطة غير قابلة للكسر بينهما تتجاوز الموت.
ومثلما الحال مع السكان الآخرين في ضيعة «مرتفعات ويذرينغ» والضيعة المجاورة، «ثرشكروس غرينج» ـ موطن الشقيقين لينتون المدللين على نحو يثير السخرية، إدغار (سام آرتشر) وإيزابيلا (كاتي أوين، التي تعد بمثابة المنجم الأكبر للكوميديا في العمل) ـ جرت صياغة شخصية كل من كاثرين وهيثكليف وتشويهها بسبب البيئة المحيطة بهما ـ فهي مكان من السهل أن يكون المرء فيه وحيداً، وأن يولد بداخله الحقد والكراهية وأن يسعى للانتقام.
وبقدر ما هي وحشية شخصية كاثرين بشكل عام، وبقدر ما جاءت خيانتها لهيثكليف مروعة، فإن الرجال بوجه عام، بدءاً من الصبية، يمارسون عنفاً كبيراً تجاه بعضهم البعض، على المستويين البدني والنفسي، ويقضون حياتهم في إطالة أمد هذا العنف. ويجسد هيثكليف، بطبيعة الحال، المثال الرئيسي هنا، ذلك أنه يترعرع من طفل بارع إلى شخص بالغ متوهج يحول كل الشر المروع الذي تعرض له طوال حياته ـ والذي جاء الكثير منه على بسبب عرقه وطبقته الاجتماعية ـ إلى مبرر للعبة الانتقام الطويلة.
ومع ذلك، فإن رايس تحرص على ألا تتحول «مرتفعات ويذرينغ» الخادعة هذه إلى كرنفال كئيب. وتتميز أوين، على وجه الخصوص، بأنها من النوع المرح المدلل، وكذلك المدلل ليتل لينتون، وهو مخلوق ضعيف للغاية بسبب نشأته المرهفة لدرجة أنه يبدو بلا عظم تقريباً. أيضاً، تعد فرانسيس (إليانور ساتون)، الشخصية الهشة التي تتسم بذوق سيئ في الزواج لدرجة أنها تتزوج شقيق كاثرين، هيندلي (تاما فيثيان)، مصدراً لذيذاً للكوميديا. من ناحيته، يبدي هيندلي العطف تجاه فرانسيس فقط. وعندما تموت، يتداعى تماماً. ورغم أن هاريتون، نجله، يتعرض لضربات موجعة من جانب والده وهيثكليف، فإنه يختار عدم محاكاتهما من خلال استهداف ضحايا له. بوجه عام، يتميز العمل بروعة الأداء وخفته.
* خدمة {نيويورك تايمز}
ومع حلول مشهد مطاردة هيثكليف من جانب شبح كاثرين والذي تتخلله الموسيقى الحية التي أبدعتها أنامل إيان روس، يبدو العمل برمته تعبيراً عن روح جامحة.
وعلى امتداد ما يقرب من ثلاث ساعات، بما في ذلك الاستراحة، يبدو هذا العرض استثماراً جيداً للوقت. أنا، على سبيل المثال، تخالجني الرغبة في العودة إليه مرة أخرى.


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

سيميوني: النظام الجديد لدوري الأبطال ليس سهلاً

دييغو سيميوني مدرب أتلتيكو مدريد (د.ب.أ)
دييغو سيميوني مدرب أتلتيكو مدريد (د.ب.أ)
TT

سيميوني: النظام الجديد لدوري الأبطال ليس سهلاً

دييغو سيميوني مدرب أتلتيكو مدريد (د.ب.أ)
دييغو سيميوني مدرب أتلتيكو مدريد (د.ب.أ)

قال دييغو سيميوني، مدرب أتلتيكو مدريد، قبل مباراة الفريق أمام مضيفه سبارتا براغ التشيكي، الثلاثاء، في دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، إن النظام الجديد للبطولة يعني أن الأمور ليست سهلة بالنسبة لأي فريق.

ويتنافس في مرحلة الدوري بالبطولة، وفقاً للنظام الجديد، 36 فريقاً على أن يلتقي كل فريق مع 8 فرق أخرى، وقد حلت مرحلة الدوري مكان دور المجموعات الذي كان يخوض فيه كل فريق 6 مباريات، منها 3 على أرضه و3 خارج ملعبه.

وتتأهل الفرق التي تحتل المراكز الثمانية الأولى مباشرة إلى دور الـ16، بينما تخوض الفرق التي تحتل المراكز الـ16 التالية، دوراً فاصلاً من جولتي ذهاب وإياب لانتزاع بطاقات التأهل الثماني الأخرى.

وقال سيميوني، في مؤتمر صحافي الاثنين: «من خلال ما تظهره النتائج لنا وما يحدث في المباريات، أرى أن هذا النظام يدعو الجميع إلى المزيد من الانتباه. بمجرد أن نمضي قدماً وتنتهي هذه التجربة الأولى، ستكون لدينا فكرة أوضح عما نفكر فيه حقاً (حول التجربة). هناك ضغط دائماً عليك من أجل الفوز. كان هذا قائماً في الماضي أيضاً، لكن المنافسة تقام الآن بنظام دوري يلعب فيه الجميع ضد الجميع ولم يعد الأمر سهلاً على أحد».

ويبدو أن أتلتيكو لا يزال يعمل للتأقلم مع التغيير، إذ حقق فوزين مقابل هزيمتين ويحتل المركز الـ23 في الترتيب الذي يضم 36 فريقاً، وبالتالي يوجد ضمن المراكز المؤهلة للدور الفاصل.

وحوّل أتلتيكو تأخره بهدف إلى الفوز 2 - 1 على باريس سان جيرمان في مباراته الماضية، مستفيداً من هدف في الوقت القاتل سجله أنخيل كوريا.

وقال سيميوني الذي احتفل قبل أيام بالمباراة رقم 700 في مسيرته التدريبية: «دوري أبطال أوروبا يتطلب منك الكثير. ويتطلب الفوز».

وحقق سبارتا براغ، صاحب المركز الرابع في الدوري التشيكي، انتصاراً واحداً خلال أول 4 مباريات له في دوري الأبطال، ولم يحقق سوى انتصار واحد خلال آخر 7 مباريات له في كل المسابقات.