«نشرة الطقس» في لبنان... رحلة بين الشمس والضباب توصل إلى الشهرة

بعض مقدّميها تحولوا إلى ممثلين وإعلاميين

جو القارح
جو القارح
TT

«نشرة الطقس» في لبنان... رحلة بين الشمس والضباب توصل إلى الشهرة

جو القارح
جو القارح

عادة ما يحرص مشاهدو التلفزيون على متابعة فقرات نشرات الطقس في أوقاتها المحددة، وتكون مواعيدها ضمن نشرات الأخبار المتلفزة في بدايتها أو في نهايتها. أما إذا كانت أحوال الطقس سيئة إلى درجة تتطلب تسليط الضوء عليها من باب التوعية والحذر، فحينها تخترق هذه النشرات في أي وقت ومن دون استئذان.
البعض يعتبر هذه النشرة من أسهل المهمات التي في إمكانها أن تقع على عاتق أي مذيع، في حين يرى البعض الآخر فيها مسؤولية كبيرة تحتاج إلى إجادة التخاطب مع عامة الناس؛ لأنها مشاهدة بنسب مرتفعة من شرائح اجتماعية مختلفة.
من ناحية ثانية، غالبية مقدمي نشرات الطقس من الجنس اللطيف، وغالباً ما يتمتعن بإطلالة بهية تجذب المشاهد. وهذا الأمر يدفع بالبعض مرات بعيداً عن التركيز على حالة الطقس، والانصراف إلى التمعن أكثر في تفاصيل أزياء المقدمة، ووقفتها، وحضورها عموماً. وأحياناً ينطبق هذا على المقدم الرجل، إذا ما كانت إطلالته مميزة تخرج عن المألوف. ولكن -باختصار- تُعد فقرة نشرة الطقس من أكثر الفقرات التلفزيونية متابعة لدى الناس؛ لا سيما في حالة الطقس العاصف أو غير المعتاد في موسم معين. ثم إنها من ناحية ثانية بمثابة جسر وصول لمقدمها إلى عالم الشهرة، فعبرها يدخل المذيع من بابها إلى مجالات عديدة أخرى.
وإذا ما راجعنا لائحة من افتتحوا مسيراتهم بتقديم نشرات، تطالعنا أسماء كثيرة قاربت النجومية، منها على سبيل المثال كارين سلامة التي تحولت بعدها إلى تقديم البرامج والتمثيل. والأمر نفسه ينطبق على إيميه صيّاح، ودارين شاهين، وكارلا حداد، وجلال شهدا، وجيسيكا عازار، وغيرهم.


تيما زلزلي

أما الرجل الوحيد الذي يفرض وجوده على الساحة في لبنان اليوم، فهو جو القارح. وبالمناسبة، لم يدخل جو هذا المجال من باب المصادفة؛ بل لكونه متخصصاً في مجال الأرصاد الجوية. ومنذ 8 سنوات حتى اليوم يمارس القارح هذه المهمة بإتقان، فيقدم نشرة طقس غنية بالمعلومات وتتميز بالدقة.

المباشرة... ميزة القارح
لا يلجأ جو القارح إلى تسجيل نشرة الطقس كغيره من الزملاء في محطات تلفزيونية أخرى؛ بل يفضل أن تكون مساهمته مباشرة على الهواء، ينقل خلالها حالة الطقس، وما يمكن أن يطرأ عليها من تغييرات بين يوم وآخر. ولقد خرج القارح عن المألوف في إطلالاته من خلال اختياره مرات مناطق جبلية وأخرى ساحلية ليذيع عبرها النشرة. وبين تساقط المطر والثلوج مرة، وعلى شاطئ بحر أزرق وهادئ مرات أخرى، يمد مشاهده بحالة طقس لبنان من أرض الواقع. وهو يحرص -إذا ما نقلها عبر الاستوديو- على أن يزود مشاهد محطة «إل بي سي آي» التي يطل عبرها، بمعلومات دقيقة، كما يلقي التحية على مذيعي نشرة الأخبار، تأكيداً على بث الفقرة مباشرة.


إيميه صياح - أورسولا دكاش

في لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال القارح: «أحب ممارسة المصداقية في عملي، وهي تنبع من طبيعة شخصيتي. أما الصعوبة فتكمن في المتابعة الحثيثة لأحوال الطقس عبر خرائط جوية خاصة». وبالفعل، يعتمد القارح على نماذج جوية عالمية مشتراة ليتزود بمعلومات عن الطقس لمراحل متقدمة. كذلك فهو لا يتكل على الأرصاد محلية فقط؛ بل يتوسع في أبحاثه لتشمل منطقة المتوسط. ويوضح: «أحلل هذه الخرائط الجوية التي نحصل عليها من مصادر موثوقة ومعترف بها. وعلى أساسها أركب نشرة الطقس والمعلومات التي تتضمنها عن الرطوبة والحرارة، وغيرها من عوامل الجو». ويتابع: «أبدأ أبحاثي من خرائط جوية عالمية لأستقر بعدها على أخرى خاصة بالمنطقة... بهذه الطريقة أستطيع الوقوف على تقلبات الطقس في العالم، وعن مدى تأثيرها على منطقتنا. وهذه الخرائط العالمية كلفتها باهظة وتعرف بـ(الغلوبال فوركاست). وإذا ما احتجت إلى تفاصيل أكثر، فإني ألجأ إلى خرائط أكثر دقة، وتكون محلية، كي أقف على تحركات المنظومة الجوية فيها».
جو، الموظف في أحد المصارف اللبنانية، تسرق منه مهمته هذه -أحياناً- اليوم كله حسب النشاط الجوي السائد، فـ«الأمور ممكن أن تتبدل في أوقات النهار، ولذلك أفضل أن أكون مطلعاً دائماً على أي تغيير متوقع». في توقعات حالات الطقس، يمكن بواسطة خرائط جوية خاصة الاستعلام عن تغييرات الطقس لمدة 9 أشهر مقبلة؛ إلا أن جو القارح «من باب الدقة» يرى أن أقصى ما يمكن توقعه هو لخمسة أيام. وللعلم، يملك القارح حالياً صفحة إلكترونية خاصة به اسمها «ويذر ليبانون»، ويتابعه عبرها نحو 400 ألف شخص. كذلك، على حسابه في موقع «تويتر» هناك نحو 100 ألف شخص يتفاعلون معه باستمرار.

سيطرة الجنس اللطيف
في أي حال، غالبية الإطلالات في نشرات الطقس اللبنانية ترتبط ارتباطاً مباشراً بالجنس اللطيف، وخصوصاً الجميلات منهن. ومعهن يكون «مسك ختام» نشرة الأخبار المتخمة بأحداث قاسية وحزينة. ومعهن أيضاً يمكن بدء النشرة كي يتابعها المشاهد حتى النهاية. وبهذا، تشكل مذيعة نشرة الطقس إضافة جيدة، لرفع نسبة المشاهدة في محطة معينة. وطيلة تاريخ نشرة الطقس على التلفزيونات اللبنانية، قلة من المقدمين الرجال شاركوا فيها، تاركين الساحة للمقدمات.
وتُعد تيما زلزلي، مذيعة نشرة الطقس في محطة «الجديد»، واحدة من أبرز مقدمات هذه الفقرة الشهيرات في لبنان. وترى فيها محطة لا يمكن أن تنساها أبداً، مهما تقدمت في عملها وتنوّعت مهماتها. منذ أكثر من سنة تمارس تيما مهمتها هذه، وبموازاتها قدمت برامج تلفزيونية كـ«آلو تيما»، و«مشاهير». وهي لا تنكر أنها وفرت لها فرصاً كثيرة، إذ تقول لـ«الشرق الأوسط» معلقة: «هذه الفقرة أساسية في نشرات الأخبار اليومية التي يتابعها الملايين من اللبنانيين، ما ينعكس إيجاباً على مقدمتها، ويوفر لها دخول عالم التلفزيون من بابه العريض. زميلات كثيرات بدأن مشوارهن مع المرئي من خلالها، واليوم أصبحن مقدمات نشرات أخبار أو محاورات لبرامج فنية، وحتى معدات لمحتوى برامج عدة».
في رأي تيما زلزلي، أن جمال المقدمة جواز سفرها إلى هذه الفقرة، بجانب أن شخصيتها تلعب دوراً كبيراً في تقريبها من المشاهد، أو العكس. وهي متيقنة من أنها لن تستمر في تقديم هذه الفقرة طيلة عمرها من دون إحداث تطوّر وتقدم في مشوارها. وتضيف: «البعض ينصحني بالانتقال إلى تقديم نشرات الأخبار؛ لكنني أفضل عليها البرامج الفنية الشبيهة بـ(آي تي بالعربي)، و(إم بي سي تراندينغ)». وتستطرد بأن هذه الفقرة المسجلة توفر لها الأمان؛ بحيث لا تواجه مفاجآت غير مستحبة كالحال في البث المباشر. تقول: «في إحدى المرات وخلال مشاركتي في أحد البرامج المباشرة، واجهت موقفاً حرجاً لا أحسد عليه... لكن في المسجلة هذه المواقف غير موجودة، كما أنها سريعة وقصيرة، فأكون مرتاحة مع نفسي».

بداية معاكسة لأورسولا
البداية مع أورسولا دكاش، المقدمة في قناة «إم تي في» كانت مختلفة، إذ دخلت مجال تقديم نشرة الطقس بأسلوب مغاير لما هو سائد؛ إذ إنها بدأت مشوارها التلفزيوني مع «إم تي في» بالإعداد للبرامج، وفي تحرير نشرات الأخبار وتقديم فقرة فيها. وبقيت كذلك منذ عام 2009 حتى عام 2017. إلا أن عينها كانت على نشرة الطقس، قائلة: «لطالما أحببت تقديمها. صحيح أن فكرتها تبدو بسيطة وسهلة؛ لكنها في الحقيقة صعبة؛ لأن نسبة مشاهدتها عالية جداً؛ حتى أن بعض المشاهدين قد يفوّتون نشرة الأخبار؛ لكنهم يتمسكون بمتابعة أحوال الطقس».
وحقاً، العلاقة الوطيدة التي تولد بين مقدمة نشرة الطقس والمشاهد يواكبها إيقاع يومي يتكرر ثلاث مرات في اليوم الواحد، تبعاً لمواعيد بث نشرات الأخبار. وهنا تشرح أورسولا دكاش: «من هذا المنطلق على مذيعة الأحوال الجوية أن تكون قريبة من المشاهد، وتتمتع بأسلوب بسيط في التخاطب معه. كما أنها تدخل في صميم حياة اللبنانيين اليومية، لا سيما في فصل الشتاء. فبناء على المعلومات التي تذكرها يستطيعون برمجة يومياتهم». ثم تصف فقرة نشرة الطقس بـ«السهل الممتنع» الذي لا يعرف كثيرون كيفية ممارسته والسير بين النقاط لإيصاله على المستوى المطلوب: «إنها فقرة تدخلني إلى بيوت المشاهدين كضيفة، فإما أن يحبوني وإما لا. وهو ما يتطلب مني طريقة تعاطٍ بسيطة غير معقدة أو مبالغ فيها. كما أن ثمة أسلوباً معيناً يتحكم في إطلالة مذيعة الطقس».
وتتابع دكاش بأن «ما لا يعرفه كثر هو أن خطوطاً وقواعد محددة على المذيعة عامة التقيد بها بالنسبة لأزيائها وشكلها الخارجي. فما ترتديه في نشرة الصباح لا يشبه إطلالتها ظهراً أو في المساء؛ لأن لكل وقت أحكامه» وتؤكد: «يجب أن أشبه مشاهدي في كل وقت، ولا أطل بشكل ينفر منه. ففي نشرات الطقس في الغرب يستحسن التقرب من المشاهد بأسلوب مباشر، فترتدي المذيعة مثلاً المعطف الخاص بالوقاية من المطر للإشارة إلى هطول أمطار غزيرة. كما تقصد ارتداء فستان بسيط ومصنوع من قماش صيفي خفيف، لتأكيد أن الطقس مشمس».
وعن كيفية تحضيرها للنشرة الجوية، تقول: «أتشارك مع المنتجين المنفذين للبحث عن عوامل الطقس المنتظر عبر أرصاد جوية مختلفة. ونقوم معاً بإعدادها، بحيث يضع كل منا أفكاره وأسلوبه الخاص فيها. فالوقت الذي تستغرقه نشرة الطقس على الهواء هو نحو 90 ثانية. ولكن يلزم -في المقابل- تحضيرات مسبقة لنحو ساعتين، وذلك حسب حالة الطقس السائدة وما نحتاجه من معلومات». وتشرح: «بين كل فترة وأخرى يتجدد أسلوب تقديم نشرات الطقس، وتقترب من المزج بين المعلومة الأكيدة والاحتراف. أما الفرق بينها وبين المقدمة في الغرب، فهو أخذها هناك بعين الاعتبار وبجدية أكبر». وهنا يوضح جو القارح: «يأخذونها (في الغرب) على محمل الجد بصورة أكبر؛ لأن العوامل الجوية في الغرب أقسى، وتستلزم أخذ الحيطة والحذر، فيما لو كان هناك تشكل للجليد على الطرقات مثلاً. الطقس بالنسبة لهم هو من أولويات اهتماماتهم؛ لأنه يؤثر على حياة الإنسان مباشرة».


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
TT

رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)

في ظل صراعات وحروب إقليمية متصاعدة وتطورات ميدانية متسارعة، لعب الإعلام أدواراً عدة، سبقت في بعض الأحيان مهمات القوات العسكرية على الأرض؛ ما ألقى بظلال كثيفة على وسائل الإعلام الدولية. تزامن ذلك مع زيادة الاعتماد على «المؤثرين» ونجوم مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار؛ ما دفع رئيسة «منتدى مصر للإعلام»، نهى النحاس، إلى التحذير من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار.

وفي حوارها مع «الشرق الأوسط»، عدّت نهى دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار «خطأً مهنياً»، وقالت إن «صُناع المحتوى و(المؤثرين) على منصات التواصل الاجتماعي يقدمون مواد دون التزام بمعايير مهنية. ودمجهم في غرف الأخبار كارثة مهنية».

وأشار تقرير نشره «معهد رويترز لدراسات الصحافة»، أخيراً، إلى «نمو في الاعتماد على مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار». ومع هذا النمو باتت هناك مطالبات بإدماج صناع المحتوى في غرف الأخبار. لكن نهى تؤكد أن الحل ليس بدمج المؤثرين، وتقول: «يمكن تدريب الصحافيين على إنتاج أنواع من المحتوى تجذب الأجيال الجديدة، لكن يجب أن يكون صانع المحتوى الإعلامي صحافياً يمتلك الأدوات والمعايير المهنية».

وتعد نهى «الإعلام المؤسسي أحد أبرز ضحايا الحروب الأخيرة»، وتقول إن «الإعلام استُخدم باحة خلفية للصراع، وفي بعض الأحيان تَقدمَ القوات العسكرية، وأدى مهمات في الحروب الأخيرة، بدءاً من الحرب الروسية - الأوكرانية وصولاً إلى حرب غزة».

وتبدي نهى دهشتها من الأدوار التي لعبها الإعلام في الصراعات الأخيرة بعد «سنوات طويلة من تراكم النقاشات المهنية ورسوخ القيم والمبادئ التحريرية».

وتاريخياً، لعب الإعلام دوراً في تغطية الحروب والنزاعات، وهو دور وثّقته دراسات عدة، لكنه في الحروب الأخيرة «أصبح عنصراً فاعلاً في الحرب؛ ما جعله يدفع الثمن مرتين؛ أمام جمهوره وأمام الصحافيين العاملين به»، بحسب نهى التي تشير إلى «قتل واغتيال عدد كبير من الصحافيين، واستهداف مقرات عملهم في مناطق الصراع دون محاسبة للمسؤول عن ذلك، في سابقة لم تحدث تاريخياً، وتثبت عدم وجود إرادة دولية للدفاع عن الصحافيين».

وتقول نهى: «على الجانب الآخر، أدت ممارسات مؤسسات إعلامية دولية، كانت تعد نماذج في المهنية، إلى زعزعة الثقة في استقلالية الإعلام»، مشيرة إلى أن «دور الإعلام في الحروب والصراعات هو الإخبار ونقل معاناة المدنيين بحيادية قدر المستطاع، لا أن يصبح جزءاً من الحرب وينحاز لأحد طرفيها».

نهى النحاس

وترفض نهى «الصحافة المرافقة للقوات العسكرية»، وتعدها «صحافة مطعوناً في صدقيتها»، موضحة أن «الصحافي أو الإعلامي المرافق للقوات ينظر للمعركة بعين القوات العسكرية التي يرافقها؛ ما يعني أنه منحاز لأحد طرفَي الصراع». وتقول: «عندما ينخرط الصحافي مع جبهة من الجبهات لا يعود قادراً على نقل الحقائق».

وضعت الحروب الأخيرة الصحافيين في غرف الأخبار «أمام واقع جديد جعل أصواتهم غير مسموعة في مؤسساتهم، في بعض الأحيان»، وتوضح نهى ضاربة المثل بالرسالة المفتوحة التي وقّعها عدد من الصحافيين في صحيفة «لوس أنجليس تايمز» الأميركية ضد تغطية حرب غزة وتجاهل قتل عدد كبير من الصحافيين، والتي أدت في النهاية إلى إيقافهم عن تغطية حرب غزة.

زعزعت الانحيازات الإعلامية في التغطية، الثقة في استقلالية الإعلام، وأفقدت مؤسسات إعلامية كبرى مصداقيتها، بعد أن كانت حتى وقت قريب نماذج للالتزام بالمعايير المهنية. ورغم ما فقدته مؤسسات الإعلام الدولية من رصيد لدى الجمهور، لا تتوقع نهى أن «تقدم على تغيير سياستها؛ لأن ما حدث ليس مجرد خطأ مهني، بل أمر مرتبط بتشابك مصالح معقد في التمويل والملكية». ولفتت إلى أن «الحروب عطّلت مشروعات التطوير في غرف الأخبار، وأرهقت الصحافيين نفسياً ومهنياً».

وترى أن تراجع الثقة في نماذج الإعلام الدولية، يستدعي العمل على بناء مدارس إعلامية محلية تعكس الواقع في المجتمعات العربية، مشيرة إلى وجود مدارس صحافية مميزة في مصر ولبنان ودول الخليج لا بد من العمل على تطويرها وترسيخها بعيداً عن الاعتماد على استلهام الأفكار من نماذج غربية.

بناء تلك المدارس الإعلامية ليس بالأمر السهل؛ فهو بحسب نهى «يحتاج إلى نقاش وجهد كبير في التعليم وبناء الكوادر وترسيخ الإيمان بالإعلام المستقل». وهنا تؤكد أن «استقلالية الإعلام لا تعني بالضرورة تمويله من جهات مستقلة، بل أن تكون إدارته التحريرية مستقلة عن التمويل قدر الإمكان»، مشددة على أن «التمويل العام لوسائل الإعلام مهم ومرحّب به، لا سيما في لحظات الاستقطاب السياسي؛ حتى لا يلعب المال السياسي دوراً في تخريب مصداقية المؤسسة».

غيّرت الحروب غرف الأخبار وألقت بظلالها على طريقة عملها، لتعيد النقاشات الإعلامية إلى «الأسس والمعايير والأخلاقيات»، تزامناً مع تطورات تكنولوجية متسارعة، ترى نهى أنها «ضرورية لكن كأدوات لإيصال الرسالة الإعلامية بفاعلية».

من هذا المنطلق، ترفض نهى التوسع في مناقشة قضايا الذكاء الاصطناعي على حساب القضايا المهنية، وتقول: «نحتاج إلى إعادة تثبيت وترسيخ القواعد المهنية، ومن ثم الاهتمام بالأدوات التي تسهل وتطور الأداء، ومن بينها الذكاء الاصطناعي الذي لا يمكن إنكار أهميته».

وتضيف: «إذا كان الأساس به خلل، فإن الأداة لن تعالجه؛ لذلك لا بد من مناقشات في غرف الأخبار حول الأسس المهنية لاستعادة الجمهور الذي انصرف عن الأخبار».

وبالفعل، تشير دراسات عدة إلى تراجع الاهتمام بالأخبار بشكل مطرد، تزامناً مع تراجع الثقة في الإعلام منذ جائحة «كوفيد-19»، وتزايد ذلك مع الحرب الروسية - الأوكرانية. ووفقاً لمعهد «رويترز لدراسات الصحافة»، فإن «نحو 39 في المائة من الجمهور أصبحوا يتجنبون الأخبار».

وهنا تقول نهى إن «الثقة تتراجع في الإعلام بشكل مطرد؛ لأن الجمهور يشعر أن صوته لم يعد مسموعاً، إضافة إلى تشبع نسبة كبيرة من الجمهور بأخبار الحرب، إلى حد مطالبة البعض بنشر أخبار إيجابية». وتضيف أن «هذا التراجع امتزج مع صعود منصات التواصل التي أصبحت يُخلط بينها وبين الإعلام المؤسسي، لا سيما مع ما قدمته من متابعات للحروب والصراعات الأخيرة».

وتشير رئيسة «منتدى مصر للإعلام» إلى أن «الحروب الأخيرة في أوكرانيا وغزة وضعت أعباء مالية، وفرضت محتوى مختلفاً على المؤسسات الإعلامية أدى إلى زيادة تجنب الجمهور للأخبار»، بحسب ما جاء في دراسة نشرها معهد «رويترز لدراسات الصحافة»؛ ما يستلزم البحث عن وسائل لإعادة جذبه، أو لـ«غرفة أخبار ثالثة» كما فعلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، مستهدفة «جذب مزيد من القراء وزيادة الموارد».

وتستهدف «غرفة الأخبار الثالثة» إنشاء محتوى خاص لمنصات التواصل الاجتماعي، ومقاطع فيديو قصيرة تتناول موضوعات متنوعة لجذب الأجيال المرتبطة بالهواتف الذكية.

ويعد التدريب واحداً من أدوار المنتديات الإعلامية، ومن بينها «منتدى مصر للإعلام». وأوضحت نهى، في هذا المجال، أن «المنتديات الإعلامية هي تعبير عن الواقع الإعلامي لدولةٍ أو منطقةٍ ما، ونقطة تلاقٍ لمناقشة قضايا ومعارف مهنية، وملاحقة التطورات التكنولوجية».

وكان من المقرر عقد النسخة الثالثة من «منتدى مصر للإعلام» نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن تم تأجيلها «بسبب الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في المنطقة والتي كانت ستؤثر على حضور بعض ضيوف (المنتدى)»، بحسب نهى التي تشير إلى أنه «سيتم عقد النسخة الثالثة من (المنتدى) منتصف 2025».

وتوضح أنه «يجري حالياً مراجعة أجندة (المنتدى) وتحديثها وتغييرها استعداداً للإعلان عنها في الربع الأول من العام المقبل»، مشيرة إلى أنه لم يتم الاستقرار بعدُ على عنوان النسخة الثالثة، وإن كان هناك احتمال للإبقاء على عنوان النسخة المؤجلة «يمين قليلاً... يسار قليلاً!».

وتقول نهى إن «منتدى مصر للإعلام» سيركز كعادته على المناقشات المهنية والتدريبات العملية، لا سيما «منصة سنة أولى صحافة» المخصصة لتقديم ورش تدريبية لطلاب الإعلام تتناول الأساسيات والمعايير المهنية.

وتختتم حديثها بالتأكيد على أن الالتزام بالمعايير المهنية هو الأساس لبقاء الإعلام المؤسسي، مجددة الدعوة لفتح نقاشات جادة بشأن مأسسة نماذج إعلام محلية في المنطقة العربية.