كيف يحبس ثاني أكسيد الكربون الحرارة؟

باحثون يجيبون عن أحد أسئلة المناخ قبل «كوب 27»

ثاني أكسيد الكربون يحبس الحرارة مسبباً الاحترار العالمي (Public Domain)
ثاني أكسيد الكربون يحبس الحرارة مسبباً الاحترار العالمي (Public Domain)
TT

كيف يحبس ثاني أكسيد الكربون الحرارة؟

ثاني أكسيد الكربون يحبس الحرارة مسبباً الاحترار العالمي (Public Domain)
ثاني أكسيد الكربون يحبس الحرارة مسبباً الاحترار العالمي (Public Domain)

قبل قمة المناخ «كوب 27» الشهر المقبل، دائماً ما يتطرق حديث العلماء حول ضرورة تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لتقليل الاحترار العالمي، ولكن كيف يساهم ثاني أكسيد الكربون في حدوث ذلك؟ هذا هو السؤال الذي دائماً ما تغيب تفاصيله عن أحاديث العلماء.
ويدرك الكثيرون، بمن فيهم أطفال المدارس، منذ أكثر من 150 عاماً، مسؤولية ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى، عن حبس الحرارة، ولكن لماذا وكيف يحدث ذلك، فهذا أمر يبدو أكثر تعقيداً بعض الشيء، وهو ما حاول أن يبسطه مايكل مان، عالم المناخ في جامعة بنسلفانيا الأميركية.
ويقول مان في تقرير نشرته وكالة «أسوشييتد برس»، أول من أمس: «تماماً كما تحبس الصوبة الزراعية الحرارة، أو تُبقيك بطانية دافئاً، فإن ثاني أكسيد الكربون والميثان والغازات الأخرى، التي يُطلق عليها غازات الاحتباس الحراري، تحبس الحرارة من الشمس التي من شأنها أن ترتد مرة أخرى إلى الفضاء».
ويضيف: «البطانية أو الصوبة الزراعية ليست تشبيهات مثالية، لكنها تعطي الإحساس الصحيح بما يحدث».
وتحتاج الأرض إلى بعض من تأثير الاحتباس الحراري، ولكن ليس بالقدر الذي تسببه غازات الدفيئة، فمن دون التأثير المعقول من الاحتباس الحراري، ستكون الأرض متجمدة، ولكن التلوث بالكربون وغازات الدفيئة الأخرى، يزيد من هذا التأثير إلى الحد غير المقبول.
وبسبب التأثير الجامح للاحتباس الحراري لم يعد كوكب مثل كوكب «الزهرة»، الذي يُطلق عليه اسم «شقيق الأرض»، صالحاً للحياة، ولكن جيمس هانسن، كبير علماء المناخ السابق في وكالة «ناسا»، الذي يُطلق عليه اسم «الأب الروحي لأبحاث الاحتباس الحراري»، يحذر الناس من حدوث سيناريو أقل حجماً على الأرض بسبب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ويشرح بمزيد من التفصيل ما يحدث، قائلاً: «تأتي الحرارة القادمة من الشمس عبر الغلاف الجوي، ثم ترتد مرة أخرى كإشعاع تحت أحمر، وهو طول موجي مختلف عما أتت عليه، وإذا وضعت يدك على صخرة داكنة في يوم مشمس دافئ، فقد تتمكن من الشعور بالحرارة تتجه من الأرض، ويحدث تأثير الصوبة الزراعية عندما تحاول هذه الحرارة الهروب من الأرض، لكن بعضها يكون محاصراً بمواد كيميائية مختلفة في الغلاف الجوي، مثل بخار الماء وثاني أكسيد الكربون والميثان».
وتسبب هذا التأثير الذي بات يعرف بـ«تأثير الصوبة الزراعية»، في الاحتباس الحراري، المسؤول عن الظواهر المناخية الجامحة والمتطرفة التي شهدها العالم أخيراً.
ويشير تحليل للأحداث المناخية المتطرفة، قدمه موقع «كربون بريف» في 4 أغسطس من العام الماضي، إلى مسؤولية الاحتباس الحراري عن حدوث معظمها، فمن بين 126 حدثاً من أحداث الفيضانات التي تمت دراستها، وجد معدو التقرير أن 56 في المائة منها سببه النشاط البشري المسبب للاحتباس الحراري، وبلغت النسبة في أحداث الجفاف الـ81 التي تمت دراستها نحو 68 في المائة، وارتفعت إلى 93 في المائة عند تحليل 152 حدثاً حرارياً شديداً تم تقييمها.
وتلقي مسؤولية انبعاثات الكربون عن هذه الأحداث، بمسؤولية كبيرة على قادة العالم الذين سيجتمعون في قمة المناخ بشرم الشيخ بعد أيام، فهل سينجحون في الوصول إلى قرارات تخفض الانبعاثات الكربونية المسببة للمشكلة؟
يقول محمد عبد المنعم، كبير مستشاري منظمة «الفاو» للتغيرات المناخية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «لا تبدو الظروف الدولية مواتية لذلك، بسبب أزمة الطاقة - حالياً - التي أجبرت بعض الدول على العودة إلى الفحم».
وفي قمة المناخ السابقة «كوب 26»، أقر العالم توجّه «الخفض التدريجي لاستخدام الفحم»، والأمل معقود على «كوب 27» لإقرار «التخلص التدريجي من الفحم»، ولكن لا تبدو الظروف مواتية، بسبب تداعيات الحرب الأوكرانية - الروسية، كما يوضح عبد المنعم.
ولا يُعرف حالياً إلى أي مدى ستستمر الدول في هذا التوجّه؛ لأن سيناريوهات الحرب الروسية - الأوكرانية لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات، كما يؤكد عبد المنعم.



تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».