من الميدان: العمل في دائرة الخطر

حمزة مصطفى
حمزة مصطفى
TT

من الميدان: العمل في دائرة الخطر

حمزة مصطفى
حمزة مصطفى

تراوحت ألقاب الصحافة بين «صاحبة الجلالة» وبين «مهنة البحث عن المتاعب». وعلى الرغم من التناقض بين ما يتوجب أن يفرضه «بلاط» صاحبة الجلالة من امتيازات لمن ينتسب إليه وبين قضاء العمر، طولا وعرضا، بحثا عن المتاعب. في العراق حيث المرء، فضلا عن الصحافي، لا يحتاج إلى البحث عن المتاعب بل يحتاج إلى البحث عن طريقة لتصدير الفائض منها في حال وجدت أسواق لتصريف المتاعب، فإن الصحافة عندنا في العراق يطلق عليها لقب أيضا «مهنة البحث عن المتاعب»، وقبلها بالطبع «صاحبة الجلالة». لكن «صاحبة الجلالة» هذه لا تحمي حتى كبير الياوران فيها من الاعتداءات شبه اليومية التي تنفذها حمايات المسؤولين أو السيطرات وما أكثرها، راجلة وثابتة، في شوارع المدن العراقية وأزقتها، باستثناء مدن كردستان، مما يجعلك تمشي مرفوع الرأس بعد حادث الاعتداء هو صدور بيانات احتجاج من منظمات بالعشرات، تعنى بحرية الصحافة عندنا، وهو غالبا ما يأتي بنتائج عكسية حيث يزيد من جرعة النقمة ضدك أو التحريض عليك.
شخصيا أنتمي إلى جيل يمكن وصفه بالمخضرم على صعيد تجربتي الصحافية التي تربو، هواية واحترافا، على الأربعة عقود من الزمن قضيتها ببر المهنة وتقواها ماشيا في العهدين، الشمولي السابق قبل عام 2003، والتعددي الحالي بعد عام 2003، جنب كل الحيطان التي لها رغم ذلك في كلا العهدين آذان. عملي في معظم وسائل الإعلام العراقية في العهد السابق وكلها تقريبا رسمية وتابعة بشكل أو بآخر للدولة الراعية لها والممسكة بكل خيوطها والتي لا تفوتها منها شاردة ولا واردة لم يحل دون أن أتسلل إلى الصحافة العربية كاتبا ومراسلا منذ تسعينات القرن الماضي وحتى اليوم. وبالمقارنة بين العهدين فإن العمل في وسائل الإعلام العربية أو الأجنبية في العهد السابق تتطلب موافقات تبلغ في كثير من الأحيان حدود الصرامة مع عدم التساهل في ارتكاب ليس الأخطاء فحسب بل حتى الهفوات. بينما الأمر أسهل بكثير بعد عام 2003 حيث رافق الانفتاح السياسي غير المسبوق انفتاح إعلامي هو الآخر غير مسبوق تزامنت معه ثورة هائلة في الفضاء الإعلامي عبر ما بات يعرف بوسائل التواصل الاجتماعي وتطور تقنيات الاتصال في مختلف الميادين.
في ظل النظام السابق كانت الصحف اليومية لا تزيد على خمس والفضائيات اثنتان. اليوم تربو أعداد الصحف على العشرات وكذلك القنوات الفضائية. سمة العهد السابق هي عائدية الإعلام إلى الحزب الواحد بينما سمة العهد الجديد عائديتها إلى سلطة عشرات الأحزاب والمكونات حيث الدولة هي الحلقة الأضعف فيها. لا أحد كان يفكر في العهد الماضي بالتمويل بسبب بطريركية الدولة. أما اليوم فإن نقص التمويل أدى إلى إغلاق عشرات الصحف ومثلها الفضائيات ومن بقي منها يعاني الآن ضائقة مالية خانقة نتيجة انخفاض أسعار النفط وهو ما يهدد بإغلاق معظم ما تبقى منها على قيد الصدور أو البث.
بين العهدين كانت نافذتي للعمل بالصحافة الخارجية وبالذات العربية. بين جريدتي «الاتحاد» الإماراتية بين (1998 - 2008) و«الشرق الأوسط» السعودية بدءا من عام 2011 وحتى اليوم تبلورت تجربتي الصحافية على وفق صيغة تجمع بين التعبير عن الهم الوطني في بلادي وما أكثره وبين الطبيعة الاحترافية للصحف التي أتولى مراسلتها من بغداد وهو ما يتطلب الحيادية التي غالبا ما فسرت في كلا العهدين أما التواطؤ على حساب الوطن أو تنفيذ الأجندات على حسابه. وبين ما هو حرفي من جهة ومهني من جهة أخرى وحيادي في كل الحالات تهض أمامك شتى علامات الاستفهام ليس بالضرورة في كيفية التوفيق بين الأمرين بل في الكيفية التي تجد نفسك فيها قادرا على التعبير عما تريد قوله بما يجعلك في دائرة الخطر والمخاطر مرة أو الاتهام وحتى التحريض مرة أخرى.
المشكلة تكمن دائما في التفسير مرة وفي التأويل في كل المرات. في كلا العهدين - مع فارق نسبي للعهد الجديد بسبب هامش واسع من حرية الصحافة ليس بمقدورك الاختفاء خلف العرف الصحافي المعروف والمتمثل في إخفاء مصدر المعلومات أو عدم البوح به. في العهد السابق ليس بوسعك نشر معلومة ما لم تخضع لرقيبك الذاتي قبل الرقيب الرسمي في وزارة الإعلام. أما اليوم فإن المعلومة الخاصة قد لا تطالب بالبوح بها تحت التهديد بل قد تعرض نفسك لكل المخاطر المحتملة من جهات لا علاقة لها بالحكومة ولا علاقة للحكومة بها. قبل سنتين أغلقت الحكومة العراقية على عهد نوري المالكي الطبعة العراقية من «الشرق الأوسط» بسبب مفردة «مجزرة». ففي تقرير نشرته الجريدة من بغداد بخصوص مقتل قادة إحدى الفرق العسكرية العراقية ورد أن القائد المذكور كان أحد منفذي «مجزرة الحويجة». التقرير لم يحمل اسمي وكانت مصدر معلوماته الوكالات. أغلقت طبعة بغداد بسبب هذه المفردة التي كان يستخدمها البرلمان العراقي في مخاطباته الرسمية بدءا من رئيسه آنذاك أسامة النجيفي إلى رئيس لجنة حقوق الإنسان آنذاك رئيس البرلمان الحالي سليم الجبوري.
بلغت متاعب الإغلاق حد المطالبة بإعلان البراءة من ذنب لم ترتكبه أو تقديم الاستقالة عبر بيان علني من منطق أن موقف الجريدة من العراق سلبي ما دام أنها تطلق على ما حصل في ساحة الحويجة للتظاهرات والتي قتل خلالها أكثر من 60 مواطنا «مجزرة». للإنصاف تغير الوضع بوصول حيدر العبادي إلى السلطة رغم حدوث متغير خطير وهو تمدد «داعش» باحتلالها ثلاث محافظات عراقية. العبادي أوقف كل الدعاوى القضائية ضد الصحافيين المرفوعة من مكتب رئيس الوزراء السابق. لكن المفارقة أن حجم المخاطر زاد لجهة ما بات نموذجا لخلط الأوراق بعد دخول تنظيم داعش العراق وتمدده في الكثير من المحافظات والمدن العراقية. فبسبب فتح الباب واسعا أمام الجماعات والفصائل المسلحة إما لمقاتلة «داعش» أو الانخراط في حماية البلاد فإن منحى التفسير مرة والتأويل مرات أخذ أبعادا أكثر خطورة. الحكومة معك وتقدم لك ما تيسر من تسهيلات لكن عليك إرضاء ليس الحكومة بل حكومات الظل أو الدول العميقة التي يتعين عليك تقديم أوراق اعتمادك إليها بوصفك مواطنا صالحا لا تنفذ أجندات لصالح الغير.



تساؤلات بشأن سياسات «ميتا» لحماية المستخدمين بعد حذف مليوني حساب

شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن سياسات «ميتا» لحماية المستخدمين بعد حذف مليوني حساب

شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)

أثار قرار شركة «ميتا» بحذف أكثر من مليونَي حساب على منصات «فيسبوك»، و«إنستغرام»، و«واتساب»، خلال الأشهر الماضية، تساؤلات بشأن سياسات الشركة حول حماية بيانات المستخدمين، لا سيما أن القائمين على القرار برّروا الخطوة بأنها جاءت بهدف «مواجهة عمليات الاحتيال الرقمي». ووفق خبراء تحدَّثوا مع «الشرق الأوسط» فإن «الخطوة تعد تطوراً في سياسات (ميتا) لحماية البيانات».

«ميتا» ذكرت، في تقرير صدر نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن السبب وراء حذف الحسابات هو «رصد عمليات احتيال رقمي كانت قد قامت بها تلك الحسابات». ويُعدّ هذا التقرير الأول الذي تكشف من خلاله «ميتا» عن تفاصيل استراتيجيتها للتصدي للأنشطة الاحتيالية العابرة للحدود. وعدّ مراقبون هذه الخطوة تعزيزاً لاتباع سياسة واضحة تجاه أي اختراق لحماية المستخدمين. وكتبت الشركة عبر مدونتها «لا مكان على (فيسبوك) أو (إنستغرام) أو (واتساب) للمجموعات أو الأفراد الذين يروّجون للعنف، والإرهاب، أو الجريمة المنظمة، أو الكراهية».

هيفاء البنا، الصحافية اللبنانية والمدرّبة في الإعلام ومواقع التواصل، رأت في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «ميتا» تعمل على تحديث أدواتها لحماية المستخدمين. وأضافت: «تركز سياسات (ميتا) على الحدِّ من الجريمة المنظمة عبر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) المتطورة، وتعمل هذه التقنيات على تحليل النشاطات المُريبة على المنصات واكتشاف المحتويات المرتبطة بالجريمة المنظمة».

ووفق البنا فإن «(ميتا) تُراجع وتحدّث سياساتها بشكل دوري، كي تتفادى أي تهديدات تلاحق المستخدمين، وكانت الشركة قد أوضحت أن خوادمها الـ(Servers) المنتشرة في الدول يتم تحديثها بشكل دوري؛ لضمان مواكبة أي تغييرات، ولضمان بيئة أكثر أماناً لمستخدمي منصاتها حول العالم».

وأردفت: «التزاماً بلائحة حماية البيانات العامة، تتعامل (ميتا) مع الأشخاص الذين تُحلّل بياناتهم عبر رموز مشفّرة، وليس عبر أسمائهم الحقيقية، ما يضمن الحفاظ على خصوصياتهم»، مشيرة إلى أن حماية بيانات المستخدمين لا تتوقف على «ميتا» فقط.

إذ شدّدت الإعلامية والمدرّبة اللبنانية على تدابير يجب أن يتخذها المستخدم نفسه لحماية بياناته، إذ توصي مثلاً «بتفعيل خاصية (التحقق بخطوتين/ Two-Factor Authentication)؛ لضمان أمان الحسابات، ويمكن أيضاً استخدام تطبيقات مثل (Google Authentication)، التي تولّد رموزاً سرية تُستخدم للدخول والتحقق من هوية المستخدم، وكذا يمكن استخدام خاصية الإبلاغ التي توفّرها (ميتا) بسرية تامة، حيث يصار إلى التعامل مع هذه البلاغات من خلال فرق مختصة أو تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ لضمان بيئة آمنة للجميع».

معتز نادي، المدرّب المتخصص في الإعلام الرقمي، عدّ خلال حوار مع «الشرق الأوسط» تحرّكات «ميتا» الأخيرة انعكاساً لـ«تفاقم مشكلة الاحتيال عبر الإنترنت وزيادة التهديدات السيبرانية التي تواجه المستخدمين». ورأى أن «تحديات (ميتا)» تصطدم بتطور الاحتيال، وازدياد عدد المستخدمين بما يتجاوز نحو مليارَي مستخدم، وتشديد الرقابة الرقمية التي تضعها في مرمى نيران الانتقادات، خصوصاً مع انتقاد خوارزمياتها الكثير من الأحداث السياسية التي شهدها العالم أخيراً.

وحول جدية «ميتا» في حماية بيانات المستخدمين، قال معتز نادي: «بنظرة إلى المستقبل، سيكون الأمان الرقمي بحاجة إلى مجاراة التطور من حيث تقنيات الذكاء الاصطناعي، والعمل على تثقيف المستخدمين عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية لمنع أي اختراق لخصوصياتهم».