أفريقيا في انتظار النهضة الموعودة

«الشرق الأوسط» تجول في القارة التي تستنزف الديون الخارجية مواردها... ومعدلات الجوع تبلغ مستويات قياسية

مظاهرة احتجاجية ضد تداعيات التغير المناخي في كينشاسا في 23 سبتمبر (أ.ف.ب)
مظاهرة احتجاجية ضد تداعيات التغير المناخي في كينشاسا في 23 سبتمبر (أ.ف.ب)
TT

أفريقيا في انتظار النهضة الموعودة

مظاهرة احتجاجية ضد تداعيات التغير المناخي في كينشاسا في 23 سبتمبر (أ.ف.ب)
مظاهرة احتجاجية ضد تداعيات التغير المناخي في كينشاسا في 23 سبتمبر (أ.ف.ب)

(خاص)
على الضفة الشرقية لنهر الكونغو الهادر تقوم مدينة كينشاسا، ثالث أكبر عاصمة في أفريقيا بعد القاهرة ولاغوس، وأحد العناوين الرئيسية للنهضة الأفريقية الموعودة منذ عقود، والتي تبدو اليوم بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى فيما ترزح تحت وطأة مديونية هائلة واعتماد مفرط على الخارج وجفاف مزمن في شرايين الاقتصاد الإنتاجي.
مطالع هذا القرن، كانت الكونغو تجسّد الآمال الكبرى المعقودة على القارة الأفريقية بعد أن بدت النزاعات الدموية صفحة من الماضي، وعادت معدلات النمو الاقتصادي تتجاوز 5 في المائة سنوياً، فيما كانت المواد الخام تتدفّق بوفرة لتلبية الاحتياجات المتنامية في أسواق الصين وتركيا والهند والبرازيل، والاستثمارات الخارجية تعود لتمويل البنى التحتية والقطاعات الإنتاجية وتحديثها. في موازاة ذلك، كانت القوى الإقليمية الكبرى، مثل نيجيريا وجنوب أفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبلدان المغرب العربي، تدفع بقاطرة القارة السمراء نحو آفاق غير مسبوقة من النمو الموعود. لكن ما لبث أن استقرّ ذلك التفاؤل في المخيّلة الجماعية، حتى اصطدم بواقع يكاد يكون قدرياً في هذه القارة: النمو الاقتصادي لم يخفف من وطأة الفقر الذي استمر في الانتشار، وعادت الرياح تنفخ في جمر الصراعات والنزاعات المسلحة، فيما كانت تداعيات تغيّر المناخ تستنزف الموارد وتقضي على العديد من الفرص الإنمائية، قبل أن يأتي زلزال الجائحة، وبعده الحرب في أوكرانيا، ليكشفا مدى هشاشة هذه القارة المكبّلة باعتمادها على المصادر الخارجية رغم الموارد الهائلة التي تزخر بها.
يقول ديمبا ديمبيليه، رئيس المعهد الأفريقي للبحوث والتعاون، إن ذلك النمو الاقتصادي لم تستفد منه سوى حفنة ضئيلة من رجال الأعمال الذين أودعوا أرباحهم في المصارف الأميركية والأوروبية، وإنه كان في الواقع أقرب إلى السراب إذ كان ثمرة عوامل خارجية مثل خفض الديون الخارجية بمبادرة من مجموعة الدول الصناعية أواخر تسعينات القرن الماضي، فضلاً عن بعض التحولات الإيجابية على الساحة الدولية، في الوقت الذي بقيت البنى التحتية تعاني من المشاكل نفسها، والمخاطر المالية تحطم أرقاماً قياسية، بينما القطاع الزراعي يسجّل أدنى المستويات الإنتاجية في العالم.
ومع ظهور جائحة «كوفيد-19» التي، رغم تداعياتها الصحية المعتدلة نسبياً في أفريقيا، دخل اقتصاد القارة لأول مرة منذ عقدين في مرحلة من الانكماش العميق، حيث تراجع إجمالي الناتج القومي بنسبة 5.6 في المائة ليشكّل، وفقاً لبيانات المؤسسات المالية الدولية، 4.7 في المائة فقط من إجمالي الناتج العالمي، وهو أدنى مستوى منذ مطالع القرن الحالي. في غضون ذلك، كان إنتاج المراكز الصناعية الأفريقية الكبرى يتراجع بنسبة 7.2 في المائة، بينما كانت تقارير البنك الدولي تفيد بالتحاق 29 مليون أفريقي إضافي بقوافل الفقر المدقع، وأن القارة تحتاج لفترة لا تقلّ عن خمس سنوات لاستعادة معدلات النمو السابقة.
ورغم أن تداعيات الجائحة عمّت العالم بأسره، فإن القارة الأفريقية انفردت بثلاث ميزات عن الأقاليم الأخرى: أولاً، أنها انعزلت عن الخارج بسبب سوء المواصلات الجوية فيما حال عدم وجود شبكات تجارية وطيدة دون التواصل البيني داخل القارة. ثانياً، عدم قدرة الحكومات الأفريقية على اتّخاذ تدابير نقدية لتحفيز الاقتصاد للتخفيف من حدة الجمود الإنتاجي كما فعلت جميع الدول الغربية تقريباً. وثالثاً، ضخامة القطاع الاقتصادي غير المنظم التي حالت دون اعتماد إجراءات فاعلة للحماية الاجتماعية.
إلى جانب ذلك، كانت الديون الخارجية تواصل استنزاف موارد البلدان الأفريقية التي تخصص حوالي 30 في المائة (في بعض البلدان تصل هذه النسبة إلى 60 في المائة) من موازناتها لجدولة هذه الديون المستحقة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبعض الحكومات الأجنبية، مثل الصين، والمصارف الخاصة. وقد فشلت المحاولات التي بذلها بعض القادة الأفريقيين لإقناع الدول الغنية بشطب الديون الخارجية للقارة التي لم تحصل سوى على 5 في المائة من المساعدات الطارئة لصندوق النقد، وبقيت وحدها معزولة في مواجهة الأزمة.
لكن التجربة الأقسى التي واجهتها القارة الأفريقية خلال الجائحة نشأت عن استئثار الدول الغنية بالجزء الأكبر من اللقاحات التي لم تكن أفريقيا تنتج سوى 1 في المائة منها. وما زالت نسبة التغطية اللقاحية المتدنية، التي لا تتجاوز حتى الآن 20 في المائة من مجموع السكان الأفارقة، تحول دون الانتعاش الاقتصادي في القارة، بينما كان الاهتمام الدولي يتّجه نحو أوروبا الشرقية مع اندلاع الحرب في أوكرانيا أواخر فبراير (شباط) الماضي، وما تأتّى عنها من كارثة تموينية في البلدان الأفريقية التي تستورد نصف استهلاكها من القمح من روسيا وأوكرانيا، فيما كان ارتفاع أسعار المحروقات يدفع نحو مستويات غير مسبوقة في أسعار المواد الأساسية التي لم تعد في متناول أعداد كبيرة من السكان.
وتقول مديرة المكتب الإقليمي لبرنامج الغذاء العالمي في أفريقيا الوسطى إن معدلات الفقر والجوع بلغت مستويات قياسية في المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة أو تعرّضت لفترات طويلة من الجفاف أو الأمطار الغزيرة، مثل القرن الأفريقي والكونغو وموزامبيق وإثيوبيا وتشاد حيث يعتمد الملايين من السكان على المعونة الغذائية التي يقدمها البرنامج، والتي انخفضت إلى النصف في الأشهر الأخيرة، فيما كانت معدلات سوء التغذية بين الأطفال تتضاعف ثلاث مرات في مدغشقر وتشاد والرأس الأخضر.
وكان من الطبيعي أن تنعكس هذه الأزمات الاقتصادية والمعيشية المتراكمة على الأوضاع السياسية، حيث شهدت القارة الأفريقية في الفترة الأخيرة سلسلة من الانقلابات، بدأت في السودان ثم في غينيا ومالي وبوركينا فاسو وتشاد وغينيا بيساو والنيجر، في الوقت الذي تتسع دائرة المخاوف من تطورات مماثلة في العديد من البلدان الأخرى.
ويجهد المسؤولون في الاتحاد الأفريقي منذ أشهر لتفعيل معاهدة التجارة الحرة التي وقّعها القادة الأفارقة عام 2018 في العاصمة الرواندية كيغالي، والتي تُعلَّق عليها آمال كبيرة لإنشاء سوق أفريقية موحدة للسلع والخدمات، وتسمح بحرية التنقل داخل بلدان الاتحاد، وتلغي 90 في المائة من الرسوم الجمركية على التجارة البينية.
ويعوّل الخبراء على هذه المعاهدة لتحقيق الحلم الأفريقي بإزالة الحواجز الداخلية في القارة، التي ورثت من الاستعمار سلسلة من الانقسامات الجغرافية والعرقية تولّدت منها خصومات وعداوات حالت حتى الآن دون تحقيقه. ويتفق الخبراء على أن وراء هذا الحلم يكمن مفتاح التغيير الحقيقي الكبير الذي تحتاج إليه أفريقيا، وهي النهضة الصناعية في القارة التي، رغم مواردها الطبيعية الهائلة، لا تساهم بأكثر من 2.7 في المائة من الإنتاج الصناعي العالمي. وتجدر الإشارة إلى أن القارة الأفريقية التي يقترب تعداد سكانها من المليارين، تختزن أيضاً نسبة عالية من جميع المعادن الأساسية للتحولات التكنولوجية الكبرى.
ولمواجهة التحديات الهيكلية واللوجيستية الضخمة أمام هذه المعاهدة التجارية التي يتوقف على تفعيلها مستقبل الاقتصاد الأفريقي، انطلقت عدة مشاريع كبرى للبنى التحتية مثل مصفاة النفط التي يجري إنشاؤها في نيجيريا بكلفة تزيد على 21 مليار دولار، والتي ستكون الأكبر في العالم. وفي ساحل العاج، وضعت الحكومة حجر الأساس لبناء مصنع بطاقة معالجة 50 ألف طن من الكاكاو سنوياً، علماً أن هذا البلد ينتج، إلى جانب جارته غانا، 60 في المائة من الكاكاو في العالم بنسبة من الأرباح الصافية لا تزيد على 6 في المائة في سلسلة القيمة، ينتظر أن تصل إلى 25 في المائة في حال تصدير الإنتاج بعد معالجته.
الغابون من جهتها، وبعد أن كان اقتصادها يعتمد على صادرات النفط، تتجه الآن إلى الرهان على الصناعات الخشبية التي أصبحت المصدر الثاني لمنتوجاتها إلى السوق العالمية. وفي السنغال، بدأت الحكومة بتشييد مصنع ضخم لإنتاج اللقاحات، بدعم من البنك الأوروبي للاستثمار وإشراف معهد باستور الفرنسي، بطاقة إنتاج 300 مليون جرعة سنوياً من اللقاحات لكل أنواع الأمراض.
وتهدف كل هذه المبادرات إلى توفير فرص عمل في قارة تشكّل البطالة فيها بين الشباب واحدة من أخطر القنابل الموقوتة التي تهدد استقرارها الاجتماعي، في الوقت الذي تسعى إلى إحداث تغيير جذري في النمط الإنتاجي الذي كان يقوم حتى الآن على تصدير المواد الخام.
في غضون ذلك، عادت المنظمات الدولية إلى دق ناقوس الخطر بشأن التداعيات الكارثية المرتقبة لتغيّر المناخ في القارة الأفريقية، وناشدت الدول الغنية الإسراع في مد يد العون إلى البلدان الأكثر تضرراً من هذه التداعيات رغم أنها تتحمل أقل قدر من المسؤولية لكونها خارج دائرة الإنتاج الصناعي أو بقيت على هامشها. وكان برنامج الأمم المتحدة للبيئة قد أفاد في تقريره الأخير بأن موجات الجفاف تضاعفت ثلاث مرات في العقود الأربعة المنصرمة، وتسببت في موجات من المجاعة والهجرات الداخلية التي بلغ عدد النازحين فيها 40.5 مليون شخص العام الماضي، منهم 30 مليوناً بسبب ظواهر مناخية مثل الجفاف والأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات.


مقالات ذات صلة

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

أفريقيا هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

بينما تستعد بريطانيا لتتويج الملك تشارلز الثالث (السبت)، وسط أجواء احتفالية يترقبها العالم، أعاد مواطنون وناشطون من جنوب أفريقيا التذكير بالماضي الاستعماري للمملكة المتحدة، عبر إطلاق عريضة للمطالبة باسترداد مجموعة من المجوهرات والأحجار الكريمة التي ترصِّع التاج والصولجان البريطاني، والتي يشيرون إلى أن بريطانيا «استولت عليها» خلال الحقبة الاستعمارية لبلادهم، وهو ما يعيد طرح تساؤلات حول قدرة الدول الأفريقية على المطالبة باسترداد ثرواتها وممتلكاتها الثمينة التي استحوذت عليها الدول الاستعمارية. ودعا بعض مواطني جنوب أفريقيا بريطانيا إلى إعادة «أكبر ماسة في العالم»، والمعروفة باسم «نجمة أفريقيا»، وا

أفريقيا «النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

«النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

مع تركيز مختلف القوى الدولية على أفريقيا، يبدو أن الاقتصادات الهشة للقارة السمراء في طريقها إلى أن تكون «الخاسر الأكبر» جراء التوترات الجيو - استراتيجية التي تتنامى في العالم بوضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وتوقَّع تقرير صدر، (الاثنين)، عن صندوق النقد الدولي أن «تتعرض منطقة أفريقيا جنوب الصحراء للخسارة الأكبر إذا انقسم العالم إلى كتلتين تجاريتين معزولتين تتمحوران حول الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقابل». وذكر التقرير أن «في هذا السيناريو من الاستقطاب الحاد، ما يؤدي إلى أن تشهد اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انخفاضا دائماً بنسبة تصل إلى 4 في الما

أفريقيا السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، اليوم (الثلاثاء)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف المتنازعة في السودان، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضها، بما يضمن أمن واستقرار ورفاهية البلاد وشعبها. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية السعودي، برئيس المفوضية، وتناول آخر التطورات والأوضاع الراهنة في القارة الأفريقية، كما ناقش المستجدات والموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا «مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

«مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، التي تؤرق غالبية دول القارة الأفريقية، الأجندة الأوغندية، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الأفريقي، في شهر مايو (أيار) الجاري. ووفق المجلس، فإنه من المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة الإرهاب في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان له، أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيناقش نتا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة «التطرف والإرهاب»، التي تقلق كثيراً من دول القارة الأفريقية، أجندة أوغندا، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في مايو (أيار) الحالي. ومن المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي؛ لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب الإرهابية» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة «الإرهاب» في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان، أنه سيناقش نتائج الحوار الوطني في تشاد، ولا سيما المسألتين ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

كيف يهدد سقوط الأسد استراتيجية روسيا في أفريقيا؟

بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
TT

كيف يهدد سقوط الأسد استراتيجية روسيا في أفريقيا؟

بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)

قال تقرير لوكالة «بلومبرغ» للأنباء إن الانهيار السريع لنظام بشار الأسد في سوريا يُهدد قاعدة «حميميم» الجوية، التي اعتمدت عليها روسيا لفرض نفوذها في مختلف أنحاء أفريقيا.

وبحسب التقرير، تستخدم موسكو القاعدة لإرسال أفراد وإمدادات عسكرية إلى مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وكل هذه الدول شهدت انقلابات مؤخراً، وقطعت علاقاتها مع الغرب، في حين تقترب من موسكو التي مكّنها هذا الجسر الجوي من إعادة بناء بعض نفوذها الذي اكتسبته في حقبة الحرب الباردة في القارة، خصوصاً في أماكن، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان.

وسمحت قاعدتا «حميميم» الجوية و«طرطوس» البحرية، اللتان تستقبلان الوقود والإمدادات الروسية بتنفيذ توسع رخيص وفعال لنفوذها العسكري والسياسي والاقتصادي في أفريقيا، والآن قد تحتاج الشبكة التي تدعم عمليات روسيا في القارة، والتي تملأ الفراغ الذي خلفته القوات الغربية المغادرة، إلى إصلاح شامل.

استقبال جندي روسي لبشار الأسد خلال زيارته قاعدة «حميميم» العسكرية في اللاذقية 27 يونيو 2017 (أ.ف.ب)

قال أنس القماطي، مدير معهد صادق، وهو مركز أبحاث مقره ليبيا: «من دون جسر جوي موثوق، تنهار قدرة روسيا على فرض قوتها في أفريقيا، والاستراتيجية العملياتية الروسية بأكملها في البحر الأبيض المتوسط ​​وأفريقيا مُعلقة بخيط رفيع».

وقال القماطي إنه وفي حين أن روسيا، التي دعمت السلطات في شرق ليبيا، لديها قدرات تشغيلية في 4 قواعد جوية ليبية (الخادم والجفرة والقرضابية وبراك الشاطئ) فإن هذه القواعد ستكون بعيدة جداً، بحيث لا يمكن استخدامها في جسر مجدد من موسكو بسبب قيود المجال الجوي في أوروبا.

وقال رسلان بوخوف، رئيس مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات ومقره موسكو، إن القاعدة الجوية السورية ستكون «خسارة كبيرة» للعمليات الأفريقية؛ حيث «كانت جميع الإمدادات تمر عبر (حميميم)، وهذا مهم بشكل خاص لبلد من دون ميناء، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى».

وبدأت جهود موسكو لإعادة بناء النفوذ في أفريقيا فعلياً عام 2018، عندما تم نشر مرتزقة من مجموعة «فاغنر» المرتبطة بالكرملين في جمهورية أفريقيا الوسطى غير الساحلية، للدفاع عن رئيسها المحاصر ضد هجوم المتمردين.

وفي عام 2019، لعب المقاتلون دوراً رئيساً في محاولة من قِبَل الزعيم الليبي الشرقي خليفة حفتر للاستيلاء على العاصمة طرابلس.

ومنذ ذلك الحين، أرسلت مقاتلين إلى مالي والنيجر وبوركينا فاسو، جنباً إلى جنب مع الأسلحة، ما أدّى إلى زيادة أكبر لبصمتها العالمية خارج الكتلة السوفياتية السابقة.

الرئيس الروسي يلقي كلمة في قاعدة «حميميم» في اللاذقية على الساحل السوري يوم 12 ديسمبر 2017 (سبوتنيك - أ.ب)

وهذا الدعم في خطر؛ لكن المقربين من تلك الحكومات يزعمون أن روسيا ستجد طريقة لمواصلة مساعدتهم.

وقال فيديل غوانجيكا، مستشار رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، إن روسيا «ستكون لديها خطة بديلة»، حتى تظل طرق إمدادها إلى أفريقيا سليمة، سواء باستخدام ليبيا نقطة انطلاق أكثر قوة، أو الوصول إلى جمهورية أفريقيا الوسطى عبر المواني في الكاميرون أو الكونغو، و«لن تكون هناك عواقب على جمهورية أفريقيا الوسطى».

وأضاف غوانجيكا أن أفريقيا الوسطى مستعدة لمساعدة الكرملين في إرسال الإمدادات والجنود من روسيا إلى الحكومات في منطقة الساحل إذا لزم الأمر.

وأعرب إبراهيم حميدو، رئيس إدارة الاتصالات لرئيس الوزراء علي الأمين زين، الذي عيّنه المجلس العسكري في النيجر عام 2023، عن الأفكار نفسها، وقال: «سقوط الأسد لن يُغير علاقاتنا، ويمكن لروسيا أن تجد طرقاً أخرى، من خلال تركيا على سبيل المثال، لدعم النيجر».

وفي حال سمحت تركيا، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي، لبعض رحلات الشحن الروسية إلى ليبيا بالمرور عبر مجالها الجوي، فلا يوجد اقتراح فوري بأنها ستعمل بديلاً للجسر الجوي السوري لموسكو، خصوصاً أن مصالح الثنائي في أفريقيا غالباً ما تتباعد.

واقترحت مونيك يلي كام، وهي سياسية في بوركينا فاسو، تدعم المجلس العسكري وعلاقاته القوية مع روسيا، ليبيا خياراً لمساعدة موسكو على «الحفاظ على نفوذها في القارة».

كما لعبت روسيا دوراً رئيساً في الحرب الأهلية السودانية التي استمرت 20 شهراً؛ حيث ألقت مؤخراً بثقلها خلف الجيش في قتاله ضد «قوات الدعم السريع»، كما تواصل الضغط من أجل إنشاء قاعدة على ساحل البحر الأحمر في البلاد، وهو حلم طويل الأمد، من شأنه نظرياً أن يوسع شبكتها اللوجستية.

مقاتلة روسية في قاعدة «حميميم» جنوب شرقي اللاذقية في سوريا أكتوبر 2015 (سبوتنيك)

ومع ذلك، فإن الاحتفاظ بشبكة النفوذ الروسية مترامية الأطراف في أفريقيا لن يكون سهلاً، وفقاً لأولف ليسينغ، مدير برنامج الساحل في مؤسسة «كونراد أديناور»، وهي مؤسسة بحثية ألمانية.

وقال: «إن سقوط الأسد سيعيق بشكل كبير العمليات العسكرية الروسية في أفريقيا، وكانت جميع الرحلات الجوية لتوريد المرتزقة، وجلب الذخيرة والأسلحة الجديدة، تمر عبر سوريا. إنها مسافة بعيدة للغاية للطيران بطائرة نقل محملة بالكامل من روسيا إلى أفريقيا، وسيتعين على روسيا تقليص مشاركتها في أفريقيا وسيكون ذلك أكثر تكلفة بكثير».