بعد إعلان الحكومة.. «المستقبل» وحزب الله مستعدان لـ«فتح صفحة جديدة»

الرئيس اللبناني يطلب غطاء دوليا لتسهيل تسليح الجيش من الهبة السعودية

حسن نصر الله و الحريري، بوادر تقارب.
حسن نصر الله و الحريري، بوادر تقارب.
TT

بعد إعلان الحكومة.. «المستقبل» وحزب الله مستعدان لـ«فتح صفحة جديدة»

حسن نصر الله و الحريري، بوادر تقارب.
حسن نصر الله و الحريري، بوادر تقارب.

فتح تشكيل الحكومة اللبنانية ثغرة في جدار الأزمات السياسية المتواصلة منذ مطلع عام 2011. بإعلان وزير الصحة وائل أبو فاعور استعداد تيار المستقبل، أكبر المكونات اللبنانية تمثيلا في البرلمان، وحزب الله: «استعدادهما لفتح صفحة جديدة في العلاقات بينهما». ومن شأن هذا التقارب أن يبدد، إلى حد ما، العقبة الأساس التي تنتظر أولى جلسات الحكومة غدا (الثلاثاء) وتتمثل في الاتفاق على البيان الوزاري.
وتلقى الرئيس اللبناني ميشال سليمان، أمس، عددا من الاتصالات المهنئة بتشكيل الحكومة الجديدة أبرزها من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي أبدى استعداد المنظمة الدولية لمساعدة الحكومة، في حين أكد سليمان «أهمية وضع خلاصات المجموعة الدولية لدعم لبنان التي انعقدت في نيويورك موضع التنفيذ وتأمين الدعم للاجتماعات التي ستعقد في كل من فرنسا وإيطاليا لتنفيذ هذه الخلاصات، وتأمين الغطاء الدولي لتمكين الجيش من الحصول على احتياجاته من الأسلحة من الهبة السعودية من دون عوائق أو قيود، وذلك لتمكينه من الدفاع عن لبنان وضبط الوضع الداخلي وحفظ السلم الأهلي والتصدي للإرهاب».
وضخ الوزير أبو فاعور جرعة تفاؤلية على صعيد تجاوز العقبات السياسية للخروج من الأزمات المتراكمة، إذ أشار إلى أن هذه الحكومة «تحمل بذور الانقسام»، لكنها «تحمل إمكانيات التلاقي أيضا»، لافتا إلى «أن النائب وليد جنبلاط تابع اتصالاته السياسية بعد إعلان الحكومة بشكل خاص مع رئيس كتلة المستقبل النيابية الرئيس الأسبق فؤاد السنيورة ومع قيادة حزب الله».
وقال: إن الطرفين «أكدا إيجابيتهما واستعدادهما لفتح صفحة جديدة في العلاقات بينهما»، عادا «أن التشكيلة الحكومية الأخيرة أعادت التوازن السياسي إلى البلد، وخلقت جوا من الارتياح يجب استثماره أمنيا واقتصاديا وسياسيا».
وقال عضو كتلة المستقبل النائب غازي يوسف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أمس: «ننظر بإيجابية إلى الوضع في لبنان بعد تشكيل الحكومة ومتفائلون لناحية تجاوز الأزمات الداخلية التي يتسبب بها الانقسام السياسي»، متوقعا أن «تظهر ملامح التعبير عن حُسن النية في أول جلسة لمجلس الوزراء بعد غد (غدا)».
وتشكل الحكومة، في أولى جلساتها، لجنة لصياغة البيان الوزاري، أي الخطوط العريضة لبرنامج عملها، تمهيدا لإحالته إلى مجلس النواب بهدف نيل ثقته على أساسه. ويعد البيان الوزاري أبرز عقبات الحكومة، نظرا لتمسّك حزب الله، بمعادلة «الجيش والشعب والمقاومة» التي وردت في البيانات الوزارية لحكومات الرؤساء فؤاد السنيورة وسعد الحريري ونجيب ميقاتي السابقة، فيما تعارض قوى 14 آذار ورود هذه العبارة في الفقرة السياسية من البيان.
وقال يوسف إن هذه العقبة «سيجري تجاوزها»، مستدلا إلى ما أوحى به رئيس البرلمان نبيه بري في السابق، بقوله إن اللغة العربية مليئة بالتعابير. ورأى أنه «يمكن تجاوز هذا البند إذا حصر البيان الوزاري باعتماد (إعلان بعبدا) (الذي ينص على تحييد لبنان أزمات المنطقة)، و(بيان بكركي) (الصادر عن البطريركية المارونية قبل نحو أسبوعين)»، مؤكدا أنه «إذا اعتمدت الوثيقتان، نكون قد تجاوزنا الكثير من المشاكل والعراقيل».
وكان يوسف أكد في تصريح لإذاعة الشرق، أمس، أن «تشكيل الحكومة لم يتحقق إلا بجهد وتضحية من الرئيس سعد الحريري»، مذكرا بخطاب الأخير أمام باب المحكمة الدولية ودعوته إلى مشاركة الجميع في تأليف حكومة وحدة وطنية. وقال: إن الحريري «رضي بالجلوس في مجلس الوزراء مع متهم باغتيال والده ورضي بأن يجلس مع من طعن به»، لافتا إلى أن «البلد منقسم اليوم على نفسه وسعد الحريري لديه بطاقة واحدة وهي بطاقة وطنية».
ولاقى حزب الله الأجواء الإيجابية بتأكيد رئيس كتلته النيابية النائب محمد رعد أن «المطالبة بحكومة جامعة كانت لأن الآخرين كانوا يريدون حكومة إقصائية وحيادية وأمر واقع»، لافتا إلى أن «البلد يعيش أزمة».
بدوره، أوضح نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق أن «حصة حزب الله في الحكومة تعبر عن حجم تضحيتنا وحرصنا على تشكيلها لا عن حجم تمثيلنا»، عادا أن الحكومة المصلحة الوطنية «ضمنت مشاركة الجميع، وتعبّر عن رغبة حزب الله وحركة أمل منذ أكثر من عشرة أشهر». وأكد أن الحزب «كسر الإرادة والفيتو الخارجي الذي أرادوا من خلاله عزل المقاومة والضغط عليها لتغيير موقفها في الداخل أو في سوريا من خلال تشكيل هذه الحكومة الجامعة التي فيها شراكة فاعلة وعادلة للجميع».
وفور إعلان الحكومة، وضعت الكتل السياسية اللبنانية برنامجا لها، بمطالبتها بالسعي لإجراء انتخابات رئاسية في 25 مايو (أيار) المقبل، وإجراء انتخابات نيابية في الخريف المقبل، ووضع حد للتفجيرات وضبط الوضع الأمني والقيام بإصلاحات اقتصادية على ضوء التدهور في البلاد على خلفية الأزمة السورية ودخول ما يزيد على مليون لاجئ سوري إلى الأراضي اللبنانية.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم