تغيرات المناخ تقود الصومال لسيناريو مجاعة 2011

تقرير أكاديمي أسترالي اعتبرها رسالة للدول الغنية قبل «كوب 27»

نازحون صوماليون في أحد المخيمات (أ.ب)
نازحون صوماليون في أحد المخيمات (أ.ب)
TT

تغيرات المناخ تقود الصومال لسيناريو مجاعة 2011

نازحون صوماليون في أحد المخيمات (أ.ب)
نازحون صوماليون في أحد المخيمات (أ.ب)

أكثر من ربع مليون شخص ماتوا من الجوع في الصومال في عام 2011، نصفهم من الأطفال دون سن الخامسة، وقد يكون الوضع في الأشهر المقبلة أسوأ بكثير، وفق تقرير أعده جوشوا هالرايت، نائب مدير مركز القيادة الإنسانية بجامعة ديكن الأسترالية، وذلك على الرغم من الالتزامات العالمية بعدم السماح بتكرار حدوث مجاعة عام 2011 مرة أخرى.
وتتوقع الأمم المتحدة أن أكثر من 300 ألف شخص في الصومال سيكونون في مجاعة بحلول ديسمبر (كانون الأول)، بسبب أحد تداعيات التغيرات المناخية، وهي الجفاف الشديد.
والصومال هي موطن لـ16 مليون شخص، ولها تاريخ غني يعود إلى ما قبل الإمبراطورية الرومانية؛ حيث كان الشعب الصومالي ينتج الفن الصخري الجميل في الألفية الثالثة قبل الميلاد، وكان يتاجر مع مصر القديمة، وأنشأ المساجد المهمة في مقديشو بين القرنين السابع والثالث عشر، ولكن في الآونة الأخيرة، عانى الشعب الصومالي من الحروب وأوبئة الجراد والفيضانات والأوبئة، والآن الجفاف الشديد.
ويقول هالرايت في تقرير منشور أمس (الثلاثاء) بموقع «ذا كونفرسيشن»: «الأزمة الجارية تعني أن 7 ملايين شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية، أي أكثر بمليوني شخص عما كان عليه الحال قبل 3 أشهر فقط».
وعلى الرغم من المستويات التاريخية للجفاف والجوع، يواصل المجتمع المدني الصومالي البحث عن طرق لدعم الأشخاص المعرضين لخطر المجاعة؛ لكن هناك حاجة إلى مساعدة إضافية، وحتى الآن، خذل المجتمع الدولي الشعب الصومالي إلى حد كبير، وبات خطر المجاعة موجوداً، كما يؤكد هالرايت.
وهناك نظام راسخ ومعترف به عالمياً لتصنيف مدى قرب الناس من المجاعة، فحتى يتم إعلان منطقة ما في «مجاعة»، يجب أن يكون هناك دليل قوي على وجود مستويات عالية جداً من سوء تغذية الأطفال (أكثر من 30 في المائة)، ومستويات عالية جداً من الوفيات (لكل 10 آلاف شخص، يموت أكثر من شخصين كل يوم)، ومستويات شديدة من الجوع (أكثر من واحدة من كل 5 أسر تعيش من دون طعام).
وفي عام 2011، أطلقت وكالات المعونة الإنسانية، ومنظمات المجتمع المدني، ميثاق القضاء على الجوع المدقع في الأمم المتحدة في نيويورك، والذي حدد بوضوح 5 خطوات يجب اتخاذها لتجنب المجاعة. ومنذ ذلك الحين تمت المصادقة عليه من قبل الأمم المتحدة وقادة العالم وعشرات المنظمات الإنسانية، غير أن سيناريو مجاعة 2011 بات أقرب للتحقق وبصورة ربما تكون أشد قسوة بسبب الجفاف، كما يوضح هالرايت.
وشهدت المواسم الأربعة الماضية للأمطار في الصومال مستويات متدنية للغاية من هطول الأمطار. ومن المرجح جداً أن يكون أداء الموسم الخامس دون المستوى أيضاً، ولا يمكن أن يساعد هذا الوضع على نمو المحاصيل إلى أقصى إمكاناتها، كما لا تملك قطعان الإبل والماعز والماشية التابعة للرعاة الصوماليين ما يكفي من الغطاء النباتي للأكل، ولا توجد مياه متاحة للشرب، وبالفعل نفقت ملايين الماشية في الجفاف الحالي.
ويدعم تغير المناخ هذا النقص المستمر في هطول الأمطار؛ حيث تحتل الصومال المرتبة الثانية (بعد النيجر) من حيث التعرض للتأثيرات الضارة لتغير المناخ، والذي من المرجح أن يتسبب في زيادة الجفاف في الصومال، مما يؤثر على مساحة أكبر من الأرض، مع تقليل مواسم الأمطار المنتظمة.
ويقول هالرايت: «يصعب على أي شخص التكيف مع الصعوبات الشديدة الناجمة عن الجفاف لفترات طويلة؛ خصوصاً إذا كانت هناك شبكة أمان قليلة أو معدومة لدعم الناس في الأوقات الصعبة. وفي الواقع، أسعار المواد الغذائية الآن أعلى مما كانت عليه خلال مجاعة عام 2011».
والصومال لديها شبكة أمان اجتماعي ناشئة تسمى «باكسنانو»، وتهدف إلى بناء جسر يتجاوز النهج الإنساني، ومعالجة قضايا الأمن الغذائي والتغذية الفورية؛ لكنها لا تزال في المرحلة التجريبية.
وينقسم البلد إلى 3 أجزاء، هي: جنوب وسط الصومال، ومنطقة صوماليلاند المعلنة ذاتياً، ودولة بونتلاند المتمتعة بالحكم الذاتي في الشمال، ولا تستطيع مختلف الحكومات الوصول إلى بعض أجزاء البلد، أو توفير شبكات أمان مناسبة للصوماليين الذين يواجهون تحديات قاسية من جراء تغير المناخ.
ويقول هالرايت: «مع ذلك، فقد تعلمت الحكومات الصومالية بعض الدروس من الكوارث السابقة. ففي عام 2021، تم إنشاء المركز الوطني لمراقبة الجراد الصحراوي ومكافحته، جنباً إلى جنب مع مركز تنسيق عمليات الجفاف في بونتلاند، والذي يتنبأ بحالات الجفاف والظواهر المناخية القاسية».
وحذر هذا المركز الصوماليين والعالم من خطورة الجفاف المتوقع في أوائل عام 2020، واستمروا في تكرار هذه التحذيرات مع تدهور الوضع، ولم تلقَ هذه التحذيرات آذاناً صاغية إلى حد كبير حتى وقت قريب جداً، كما لم تتلقَّ الخطة المنسقة للاستجابة للأزمة الصومالية سوى 56 مليون دولار أميركي في مارس (آذار)، ولكنها تحتاج إلى 1.5 مليار دولار أميركي ليتم تنفيذها بشكل صحيح.
وبينما تكثفت جهود المجتمع الدولي في الأشهر الأخيرة، لا تزال خطة تقديم الدعم المنقذ للحياة تفتقر إلى 409 ملايين دولار أميركي.
ويختتم التقرير بإثارة تساؤل: ما الذي يجب فعله؟ وخلص إلى أنه ما بين أكتوبر (تشرين الأول) وديسمبر، من المتوقع أن يجبر الجفاف 6.7 مليون شخص في جميع أنحاء الصومال على انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهو مصطلح تقني يعني أن الناس على وشك الجوع.
ويعني ذلك ضرورة تقديم المساعدة الدولية على نطاق واسع، عن طريق دعم المبادرات الوقائية وبناء القدرة على الصمود، مثل إعادة تأهيل نقاط المياه، وإنشاء صوب زراعية صغيرة، وستمكن مثل هذه المبادرات الصوماليين من الاستعداد للأوقات الصعبة، والتغلب على أسوأ آثار تغير المناخ.
وربما الأهم من ذلك، أن الدول الغنية يجب أن تعوض الصوماليين عن الآثار الكارثية لتغير المناخ على حياتهم.
وهذا التعويض المعروف باسم «تمويل الخسائر والأضرار» في دوائر الأمم المتحدة، سيكون موضوعاً رئيسياً في القمة الدولية المقبلة لتغير المناخ (كوب 27) التي ستعقد في مصر في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وتشير الخسائر والأضرار إلى أضرار تغير المناخ التي لا يمكن منعها أو تخفيفها أو حتى الاستعداد لها في بعض الأحيان، مثل الجفاف وارتفاع مستويات سطح البحر الذي يدمر أساليب الحياة جميعها.
وينتج الصوماليون كمية ضئيلة للغاية من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، مقارنة بالدول ذات الدخل المرتفع في العالم، ومع ذلك فإنهم يعانون بعض أسوأ آثار تغير المناخ، كما هو واضح من أزمة الجفاف والجوع الحالية.
ويقول هالرايت: «يجب أن يؤدي (كوب 27) إلى تعويض الصوماليين، والملايين العديدة الأخرى حول العالم المتضررين بشدة من تغير المناخ، فالبلدان والشركات الأكثر مسؤولية عن تغيير المناخ يجب أن تتحمل مسؤوليتها».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».