مصر: «حوكمة السناتر» تُجدد الجدل بشأن أزمة «الدروس الخصوصية»

«التعليم» تُكلف شركة خاصة لإدارة «مجموعات التقوية» في المدارس

وزير التربية والتعليم المصري داخل أحد الفصول في أول أيام الدراسة (صفحة وزارة التعليم على فيسبوك)
وزير التربية والتعليم المصري داخل أحد الفصول في أول أيام الدراسة (صفحة وزارة التعليم على فيسبوك)
TT

مصر: «حوكمة السناتر» تُجدد الجدل بشأن أزمة «الدروس الخصوصية»

وزير التربية والتعليم المصري داخل أحد الفصول في أول أيام الدراسة (صفحة وزارة التعليم على فيسبوك)
وزير التربية والتعليم المصري داخل أحد الفصول في أول أيام الدراسة (صفحة وزارة التعليم على فيسبوك)

فيما بدا تغييراً لرؤية الحكومة المصرية بشأن أزمة «الدروس الخصوصية»، أعلنت وزارة التربية والتعليم المصرية اعتزامها «حوكمة السناتر» (مراكز الدروس الخصوصية)، وتقنينها، تزامناً مع إسناد إدارة مجموعات التقوية في المدارس إلى شركة خاصة، مما جدد الجدل حول هذه القضية التي تشكل صداعاً مستمراً في رأس الأسرة المصرية، وتكلف ميزانيتها أعباء مالية ضخمة.
طوال سنوات مضت اعتادت الحكومة المصرية انتقاد مراكز الدروس الخصوصية المعروفة باسم «السناتر»، حتى أنها شنت حملات لغلقها بين الحين والآخر. ودأب وزير التربية والتعليم المصري السابق الدكتور طارق شوقي على مهاجمة أصحاب هذه المراكز، حتى أنه قال إن «ذهاب أولادكم إلى الدروس الخصوصية أذى... هذه (السناتر) تكلف أولياء الأمور أموالاً، إضافة إلى أن كثيراً ممن يدرسون بها غير مؤهلين». لكن يبدو أن خلفه الدكتور رضا حجازي، الذي تولى مهام منصبه في تعديل وزاري في أغسطس (آب) الماضي، له رأي آخر، حيث أعلن (الثلاثاء) أمام مجلس النواب (البرلمان) أن «الوزارة بصدد حوكمة (السناتر)، وتقنين وضعها، وإعطاء المعلمين الذين يدرسون بها رخصة»، مشيراً إلى أن «عائدات الدروس الخصوصية تبلغ 47 مليار جنيه سنوياً (الدولار بـ19.68 جنيه)، لا تعلم عنها الحكومة شيئاً». وقال إن هذه الخطوة تستهدف «ضمان سلامة البيئة التي يدرس فيها الطلاب من جهة، وأن تأخذ الدولة حقها من جهة أخرى».
خطة الحكومة للتعامل مع الدروس الخصوصية امتدت إلى مجموعات التقوية في المدارس، التي أعلن حجازي تغيير اسمها إلى «مجموعات الدعم»، مع إسناد إدارتها لشركة خاصة، تتحمل مسؤولية دفع أجر المعلم حصة بحصة، بهدف «تحسين الخدمة المقدمة للطالب»، بحسب وزير التربية والتعليم.
أعادت هذه التصريحات قضية الدروس الخصوصية إلى الواجهة، وفرض وسم «الدروس الخصوصية» حضوره على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد يرى في الإجراءات الجديدة تقنيناً لوضع قائم، ربما يسهم في «تحسين الخدمة المقدمة»، وبين معارض يرى فيه «نهاية لفكرة التعليم والمدرسة».
ودخل على خط التعليقات عدد من المشاهير المصريين، بينهم الدكتور مصطفى الفقي، المفكر السياسي والدبلوماسي ومدير مكتبة الإسكندرية السابق، الذي قال في تصريحات تلفزيونية ضمن برنامج «يحدث في مصر» على شاشة MBC مصر، إن «تقنين السناتر يلغي دور المدارس».
https://twitter.com/DrMostafaElFeky/status/1582689529462681600
فيما حذر الفنان المصري نبيل الحلفاوي، عبر حسابه الرسمي على موقع «تويتر»، من تداعيات هذه الإجراءات، وقال إنه «لا يظن أن تداعيات هذه الفكرة قد خطرت ببال صاحبها».
https://twitter.com/nabilelhalfawy/status/1582697130472640512
وتعددت الآراء الآخرة التي تفاعلت مع كلمات الوزير، منها ما اعتبر أن القرار «يخلق مساراً موازياً للتعليم العام والخاص»
https://twitter.com/doaaseleat/status/1582696231767138304
ومنها ما توقع «ارتفاع تكلفة الدرس على أولياء الأمور»
https://twitter.com/ibrahim_korayem/status/1582434309117710336
أو «انهيار منظومة التعليم»، وكذلك «إلغاء دور المدرسة»:
https://twitter.com/Mohsen14612/status/1582474101373177856

https://twitter.com/SecuEgy/status/1582485055179399170
فيما أيد آخرون القرار، لافتين إلى غلق غالبية «السناتر»، التي لا تنطبق عليها المواصفات التي حددتها الوزارة.
https://twitter.com/amrhamdon/status/1582464027812560896
من جانبه، انتقد الدكتور محمد عبد العزيز، أستاذ العلوم والتربية بجامعة عين شمس المصرية، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، المقترحات التي أعلن عنها الوزير، معتبراً إياها بمثابة «إعلان وفاة المدرسة المصرية»، وقال إن «تقنين مراكز الدروس الخصوصية يعني نقل العملية التعليمية من المدرسة إلى الشارع، فغالبية من يعملون في (السناتر) غير مؤهلين وأكثرهم ليسوا معلمين في الأساس». مطالباً البرلمان بـ«رفض هذه المقترحات».
من ناحية أخرى، قال شادي زلطة، المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم، إن «الدروس الخصوصية تمثل ثقافة متجذرة تاريخياً داخل المجتمع المصري»، مشيراً إلى أن «تقنين (السناتر الخاصة) من قبل الحكومة ومنح رخصة للمعلم يهدف للسيطرة على ظاهرة أثرت بالسلب على المجتمع على مدار أعوام». وأضاف زلطة، في تصريحات تلفزيونية: «نحن لا نتحدث عن شعارات رنانة فيما يخصص الدروس الخصوصية ولكن نتحدث عن تقنين للأوضاع التعليمية، والوزارة تتخذ حالياً خطوات على الأرض لتقنين ظاهرة أثرت بالسلب على المجتمع». مشيراً إلى أن «حوكمة السناتر تضعها تحت أعين ورقابة وزارة التعليم».



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.