مصر تحتفي بكامل كيلاني رائد أدب الطفل العربي

تطلق مُجلداً ومسابقة ومؤتمراً لـ«حارس الفصحى» في ذكراه الـ125

كامل كيلاني (أرشيفية)
كامل كيلاني (أرشيفية)
TT

مصر تحتفي بكامل كيلاني رائد أدب الطفل العربي

كامل كيلاني (أرشيفية)
كامل كيلاني (أرشيفية)

ترك الأديب المصري كامل كيلاني (20 أكتوبر (تشرين الأول) 1897 - 10 يناير (كانون الثاني) 1959) تراثاً أدبياً كبيراً يعكس وعياً ثقافياً مبكراً، فحين اختار أدب الطفل درباً له في النصف الأول من القرن العشرين حرص على تقديم مختلف ألوان المعرفة بأسلوب سرد مشوق معتمداً على الفصحى من دون نصوص وعظية مباشرة، ومازجاً بين ترسيخ القيم في نفوس الصغار وبين الحكايات المتنوعة التي تأخذهم إلى عوالم ثرية وآفاق واسعة، كما حرص على النهل من مختلف آداب العالم من دون الاقتصار على رافد واحد بعينه، فاستقى من الأدب العربي والفارِسِي، والصيني، والهِندي، والغربي، لينال لقب رائد أدب الطفل في العالم العربي.
وفي الذكرى الـ125 على ميلاده قررت وزارة الثقافة المصرية الاحتفاء به عبر مجموعة من الفعاليات والنشاطات المميزة، تقديراً لدوره في إثراء وجدان وعقل الطفل العربي وفق دكتور محمد عبد الحافظ ناصف رئيس المركز القومي لثقافة الطفل الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «يُعد كيلاني أول أديب مصري يكتب بشكل متخصص للطفل، متنازلاً عن الكتابة للكبار، وذلك وسط كوكبة من كبار الأدباء في العشرينات من القرن الماضي، ولم يكن وقتها ليغامر أي كاتب بخوض هذا المجال وسط هؤلاء العظماء، فلم يكن من المعتاد بعد التفرغ لهذا اللون الأدبي، إلا أن كيلاني فعلها بشغف وحب وفهم، وهو ما يحسب له ويرفع من قيمته ودوره الثقافي».
وتابع: «من هنا تبرز أهمية احتفاء وزارة الثقافة به، وهو الاحتفاء الذي اعتبره المثقفون والكتاب تقديراً علنياً كبيراً بأدب الطفل بشكل عام، باعتبار أن كيلاني رمز له في الساحة العربية كلها، لا مصر وحدها». وأشار إلى أن تكريمه يتزامن مع احتفالات الوزارة برموز الفكر والثقافة التي كانت موجودة في القرن العشرين، ومنها كامل كيلاني الذي أقام أول مكتبة متخصصة للأطفال في العصر الحديث».

إلى ذلك، يتضمن احتفال مصر برائد أدب الطفل العربي مجموعة من الفعاليات المهمة، منها اختيار معرض الكتاب في دورته الـ54. كيلاني، كشخصية معرض الطفل الذي سيقام في إطاره في يناير المقبل، وسيكون لهذه الفعالية خططها وبرنامجها الخاص للاحتفاء به وفق ناصف.
كما أطلق المجلس الأعلى للثقافة أول جائزة كبرى تحمل اسمه في الآداب والرسوم، وهي لها طبيعة خاصة، إذ إنها ليست جائزة عن عمل واحد، إنما عن مجمل أعمال وسيرة الكاتب المتقدم لها، بمعنى أنه عليه المشاركة لها بخمسة أعمال، فهي في النهاية جائزة لتقدير سيرة الكاتب أو الرسام، وتبلغ قيمتها 100 ألف جنيه، وسيتم الإعلان عن نتيجتها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل».
كما أصدر أخيراً المركز القومي لثقافة الطفل عدداً خاصاً كاملاً عن «حارس الفصحى» في يوبيله الذهبي، أي في العدد الخمسين من مُجلد ثقافة الطفل، الذي تضمن نحو 8 دراسات لعدد من الكُتاب والأدباء والباحثين، يتناولون فيها بالشرح والنقد أعماله الرائدة، وسيرة حياته ودوره في تشكيل عقول وعاطفة أجيال كاملة، لا سيما أن هناك مؤسسات ودور نشر لا تزال تهتم بإصدار طبعات جديدة لأعماله.
وأضاف ناصف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «سيكون هناك مؤتمر أدبي موسع عن كامل كيلاني في نهاية أكتوبر الحالي، فيما يُعد استكمالاً لاحتفالية قديمة أقيمت في عام 1997. ويضم الملتقى جلسة افتتاحية وجلستين لمناقشة الأبحاث المُقدمة عنه، وعرض فيلم رسوم متحركة حول إحدى قصصه من إنتاج المركز نُفذ خصيصاً لهذه المناسبة، حيث قامت الفنانة رشا منير بتقديمها كوميكس».
من جهته، أثنى الكاتب عبده الزراع عضو مجلس إدارة اتحاد كُتَّاب مصر، ورئيس شعبة أدب الطفل بالاتحاد، على قرار الاحتفاء بكامل كيلاني، قائلاً إن «إطلاق اسمه على معرض الطفل هو إعلاء للقيمة وترسيخ للريادة الحقة في أدب الأطفال العربي، فهو أول من ألف للصغار بعد مرحلة الترجمة والاقتباس، وذلك في النصف الأول من القرن العشرين، وبالتحديد في عام 1928 عندما ألف باكورة إنتاجه القصصي بعنوان «السندباد البحري»، وهي قصة مستلهمة من كتاب ألف ليلة وليلة، وبهذه البداية فتح الباب على مصراعيه أمام كتاب الأطفال وأمام نفسه أيضاً، فكتب بعدها العديد من القصص المأخوذة من «ألف ليلة» مثل قصص: عبد الله البري وعبد الله البحري، علاء الدين والمصباح السحري، على بابا والأربعين حرامي، ومن ثم قدم قصصاً مستلهمة من الأساطير، ومنها كتاب «قصص أساطير هندية».
ويلفت الزراع إلى أن كيلاني كتب قصصاً لجميع المراحل العمرية المختلفة، بداية من أطفال ما قبل المدرسة وصولاً إلى مرحلة الطفولة المتأخرة، وكان يذيل كل قصة بمقطوعة شعرية تلخص فحوى القصة، وبعد رحيله جمع الكاتب الراحل عبد التواب يوسف هذه الأشعار وطبعها في ديوان مستقل سُمى ديوان كامل كيلاني للأطفال، وكان رحمه الله يهتم اهتماماً خاصاً بالفصحى، وكان بعض الكلمات الصعبة في قصصه يصوبها أسفل القصة حتى يتعرف عليها الطفل، وتضاف إلى قاموسه اللغوي.

كما اهتم كيلاني أيضاً في قصصه بالمضمون القيمي والتربوي، والقصص العلمية والخيالية، بحسب الزراع الذي أضاف قائلاً: «ترك للمكتبة العربية ما يربو على مائتي قصة للأطفال إضافة إلى ما نشره نجله رشاد من قصص له بعد وفاته، وأسس مكتبة كيلاني لأدب الأطفال في وسط القاهرة، وهي ما زالت قائمة حتى الآن لتبع قصصه للأطفال، وفي هذا السياق نشكر د. نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة المصرية لدعمها لهذا التوجه والاهتمام الكبير بأدب وثقافة الطفل».



مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج (جنوب مصر). وذكرت البعثة الأثرية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» في مصر وجامعة «توبنغن» الألمانية أنه جرى اكتشاف الصرح خلال العمل في الناحية الغربية لمعبد أتريبس الكبير.

وعدّ الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، هذا الكشف «النواة الأولى لإزاحة الستار عن باقي عناصر المعبد الجديد بالموقع»، وأوضح أنّ واجهة الصرح التي كُشف عنها بالكامل يصل اتساعها إلى 51 متراً، مقسمة إلى برجين؛ كل برج باتّساع 24 متراً، تفصل بينهما بوابة المدخل.

ولفت إسماعيل إلى أنّ الارتفاع الأصلي للصرح بلغ نحو 18 متراً، وفق زاوية ميل الأبراج، ما يضاهي أبعاد صرح معبد الأقصر، مؤكداً على استكمال أعمال البعثة في الموقع للكشف عن باقي المعبد بالكامل خلال مواسم الحفائر المقبلة، وفق بيان للوزارة.

جانب من صرح المعبد المُكتشف (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، قال رئيس «الإدارة المركزية لآثار مصر العليا»، ورئيس البعثة من الجانب المصري، محمد عبد البديع، إنه كُشف عن النصوص الهيروغليفية التي تزيّن الواجهة الداخلية والجدران، خلال أعمال تنظيف البوابة الرئيسية التي تتوسَّط الصرح، كما وجدت البعثة نقوشاً لمناظر تصوّر الملك وهو يستقبل «ربيت» ربة أتريبس، التي تتمثّل برأس أنثى الأسد، وكذلك ابنها المعبود الطفل «كولنتس».

وأوضح أنّ هذه البوابة تعود إلى عصر الملك بطليموس الثامن الذي قد يكون هو نفسه مؤسّس المعبد، ومن المرجح أيضاً وجود خرطوش باسم زوجته الملكة كليوباترا الثالثة بين النصوص، وفق دراسة الخراطيش المكتشفة في المدخل وعلى أحد الجوانب الداخلية.

وقال رئيس البعثة من الجانب الألماني، الدكتور كريستيان ليتز، إنّ البعثة استكملت الكشف عن الغرفة الجنوبية التي كان قد كُشف عن جزء منها خلال أعمال البعثة الأثرية الإنجليزية في الموقع بين عامَي 1907 و1908، والتي زُيّن جانبا مدخلها بنصوص هيروغليفية ومناظر تمثّل المعبودة «ربيت» ورب الخصوبة «مين» وهو محوط بهيئات لمعبودات ثانوية فلكية، بمثابة نجوم سماوية لقياس ساعات الليل.

رسوم ونجوم تشير إلى ساعات الليل في المعبد البطلمي (وزارة السياحة والآثار)

وأضاف مدير موقع الحفائر من الجانب الألماني، الدكتور ماركوس مولر، أنّ البعثة كشفت عن غرفة في سلّم لم تكن معروفة سابقاً، ويمكن الوصول إليها من خلال مدخل صغير يقع في الواجهة الخارجية للصرح، وتشير درجات السلالم الأربع إلى أنها كانت تقود إلى طابق علوي تعرّض للتدمير عام 752.

يُذكر أنّ البعثة المصرية الألمانية المشتركة تعمل في منطقة أتريبس منذ أكثر من 10 سنوات؛ وأسفرت أعمالها عن الكشف الكامل لجميع أجزاء معبد أتريبس الكبير، بالإضافة إلى ما يزيد على 30 ألف أوستراكا، عليها نصوص ديموطيقية وقبطية وهيراطيقة، وعدد من اللقى الأثرية.

وعدَّ عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، «الكشف عن صرح معبد بطلمي جديد في منطقة أتريبس بسوهاج إنجازاً أثرياً كبيراً، يُضيء على عمق التاريخ المصري في فترة البطالمة، الذين تركوا بصمة مميزة في الحضارة المصرية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذا الاكتشاف يعكس أهمية أتريبس موقعاً أثرياً غنياً بالموروث التاريخي، ويُبرز تواصل الحضارات التي تعاقبت على أرض مصر».

ورأى استمرار أعمال البعثة الأثرية للكشف عن باقي عناصر المعبد خطوة ضرورية لفهم السياق التاريخي والمعماري الكامل لهذا الصرح، «فمن خلال التنقيب، يمكن التعرّف إلى طبيعة استخدام المعبد، والطقوس التي مورست فيه، والصلات الثقافية التي ربطته بالمجتمع المحيط به»، وفق قوله.

ووصف عبد البصير هذا الاكتشاف بأنه «إضافة نوعية للجهود الأثرية التي تُبذل في صعيد مصر، ويدعو إلى تعزيز الاهتمام بالمواقع الأثرية في سوهاج، التي لا تزال تخفي كثيراً من الكنوز».