البائعون على المكشوف.. يراهنون على ما لا يملكون في وول ستريت

البعض يعتبرونهم آفة «وول ستريت». ومع ذلك فإن البائعين على المكشوف - وهم المستثمرون الذين يراهنون على الأسهم التي لا يملكونها - هم في غالب الأمر من يدقون ناقوس الخطر عند غليان السوق أو احتيال إحدى الشركات.
والآن، وبعد مرور ست سنوات من ارتفاع الأسعار في السوق، ومع تحطيم الأسهم في الولايات المتحدة لرقم قياسي تلو الآخر ارتفاعا، فإن أولئك المتشائمين قد اقتربوا بالكاد من فقدان أصواتهم.
يقول ويليام إيه. اكمان، الذي يتوقع له أن يسود في رهان بمليار دولار ضد شركة «هيربالايف»، إنه سوف «يفكر مليا وكثيرا» قبل التقدم برهان آخر على أسهم لا يملكها. أما جيمس إس. شانوس، البائع على المكشوف الذي ساعد في فضح شركة إنرون للطاقة، والذي ينظر إليه منذ فترة طويلة باعتباره أعنف البائعين على المكشوف، يعمل الآن على إضافة الأموال التي سوف تركز بدلا من الرهان على شراء الأسهم.
ويقول السيد اكمان في مقابلة شخصية معه: «إن البيع على المكشوف ليس إلا عرضا منفردا ووحيدا».
يتهم المنتقدون البائعين على المكشوف بأنهم غير وطنيين ويقولون بأن استراتيجية تتبع الهدف العام لقاء شركات معينة - ومن ثم التربح من التداعي اللاحق - هي أقرب ما يكون إلى التلاعب بالسوق. ولكن المؤيدين يقولون إنهم يلعبون دورا مهما وحاسما في التخفيف من الفائض في السوق.
ويتابع السيد اكمان فيقول: «الناس في الغالب لا يلاحظون أهمية البيع على المكشوف من حيث كشف حالات الاحتيال، وإضعاف الفقاعات الاقتصادية، وكونهم مشتري الملاذ الأخير حينما تنخفض الأسهم». والسيد اكمان ظل يجادل على الملأ لعامين كاملين بأن شركة صناعة الفيتامينات الدوائية المعروفة باسم «هيربالايف» ليست إلا مخططا هرميا. (وترفض شركة هيربالايف ذلك التوصيف تماما).
ومع استمرار ارتفاع أسعار الأسهم، يساور البعض القلق من غياب درجة معينة وصحية من التشكيك في السوق، تدفع المستثمرين إلى المشاركة في السباق المحموم الذي يرسي الأساس للأزمة المالية المقبلة.
إن البقاء في مجال البيع المكشوف لم يعد يستحق العناء للكثير من مديري صناديق التحوط. ولا يريد المستثمرون فوات فرصة المشاركة في سباق ساهم في رفع قيمة مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» للأسهم إلى أعلى مستوى قياسي مسجل له في مايو (أيار). ودعما لذلك الطلب، تخلت صناديق التحوط، أو قلصت، من مراكز البيع على المكشوف لديها. إن التعرض الإجمالي للمراكز طويلة الأجل بواسطة صناديق التحوط قد بلغت درجة عالية لم تشهدها منذ عام 2007، وهو العام السابق مباشرة على الأزمة المالية الأخيرة. ومراكز البيع على المكشوف القصيرة، في هذه الأثناء، هي أقل انخفاضا مما كانت عليه في ذلك الوقت، وفقا لدراسة أجريت لدى «بنك أوف أميركا - ميريل لينش».
والرهان مقابل السوق لا يستحق النفقات، كذلك. للبيع على المكشوف لأجل قصير، يبيع المتداولون الأسهم المقترضة في شركة يعتقدون أنه مبالغ في تقدير أسهمها أملا منهم في الشراء مجددا بسعر منخفض. فإذا ارتفع سعر السهم بدلا من ذلك، يتعين على البائعين على المكشوف شراء المزيد من الأسهم لتغطية مركزهم، وهو تصرف يزيد من ارتفاع الأسعار بكل تأكيد. عبر السنوات القليلة الماضية، استنزف المتداولون الأموال عبر مثل تلك الرهانات، والإبلاغ عن نسبة الخسائر التي تأتي أحيانا في خانة العشرات، وفقا للبيانات المتحصل عليها بواسطة مؤسسة «إتش إف آر» للأبحاث.
في عام 2014، انسل أكثر من 1.3 مليار دولار خارج الأموال قصيرة الأجل، نتيجة للخسائر والمستثمرين الذين يسحبون أموالهم، وفقا لتقديرات مؤسسة «إتش إف آر» للأبحاث. ومن بين 8431 صندوقا للتحوط، هناك 17 صندوقا منها فقط قصيرة الأجل، وفقا لبيانات مؤسسة «إتش إف آر» للأبحاث. (وقد صدر تقرير إخباري في وقت مبكر من صحيفة «فاينانشيال تايمز» حول بيانات مؤسسة «إتش إف آر» للأبحاث).
وقد تم سحق صناديق التحوط التي قللت من تعرض بعض الأسهم ذات الأسعار العالية. ولنضرب مثالا بشركة تسلا، العاملة في صناعة السيارات الكهربائية الفاخرة. عبر سنوات، كانت الشركة المفضلة بين مجموعة البائعين على المكشوف، الذين يشككون في كل شيء من نموذج أعمال الشركة وحتى توقعات الأرباح. وعلى الرغم من حالة التشاؤم، اكتسب السهم فجأة أكثر من 600 في المائة من مطلع عام 2013 وحتى سبتمبر (أيلول) العام الماضي. ثم انخفض سعر السهم انخفاضا طفيفا، ولكن مع ما يقرب من 260 دولارا للسهم الواحد فإنه لا يزال في أعلى مستوياته بأكثر من قيمة 30 دولارا للسهم الواحد الذي كان يتداول به قبل الارتفاع.
يقول جوزيف لاروشي، وهو المؤسس المشارك لشركة استشارات صناديق التحوط المعروفة باسم «اكسيا»: «لقد كانت فترة عصيبة للغاية لكثير من مديري الصناديق قصيرة الأجل، حيث أدى الأداء السلبي خلال الارتفاع الطويل لأسعار سوق الأسهم إلى تدفقات في رأس المال، دافعا البعض إلى التخلي عن الأمر برمته في حين يناضل البعض الآخر للحفاظ على بعض الزخم».
لم يكن الأمر دائما على هذا النحو؛ ففي خضم الأزمة المالية، كان البائعون على المكشوف ملوكا. فأولئك الذين راهنوا على انهيار ليمان براذرز وبير ستيرنز حققوا نجاحا. ومع هبوط السوق بتلك الصورة العنيفة نحو الأسفل في عام 2008، ألقت بنوك وول ستريت التي ما زالت قائمة باللائمة على البائعين على المكشوف. وفي سبتمبر من العام نفسه، أصدرت لجنة الأوراق المالية والبورصة حظرا مؤقتا على البيع على المكشوف.
ومع ذلك، بحلول نهاية 2008، حققت صناديق التحوط قصيرة الأجل عائدا متوسطا بنسبة 28 في المائة، مقارنة بانخفاض بنسبة 38 في المائة عبر أسهم «ستاندرد آند بورز 500»، وفقا لبيانات مؤسسة «إتش إف آر» للأبحاث.
وفي خطوة هادفة إلى إصلاح ما فسد عقب الأزمة المالية، ضخ بنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة تريليونات الدولارات في النظام المالي، مما أدى إلى ارتفاع في أسعار الأصول. كما قللت الحكومة أيضا من أسعار الفائدة إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، مما دفع بالمستثمرين الفرديين في صناديق التقاعد والمعاشات إلى البحث عن استثمارات تعود بأرباح أكبر من سندات الخزانة الأميركية.
يقول السيد شانوس، وهو مؤسس صندوق التحوط باسم «كاينيكوس وشركاه»: «لكل سوق خصائصه، ولكل منها قصته وخطابه، وإن ذلك الأمر يدور فعليا عن البنك المركزي». والخطاب، كما يستطرد، يدور حول أن «يقف البنك المركزي داعما لك، وإن ذلك الأمر كامن في نفسية وحافظة كل شخص».
وتلك الثقة، بدورها، سببت طفرة في عمليات الدمج والاستحواذ وحفزت الشركات لإعادة شراء أرقام الأسهم القياسية من المساهمين - وهو أحد أبشع كابوسين يمكن أن يواجههما البيع على المكشوف. وللتخفيف من المخاطر، انتقل الكثير إلى تنويع عدد الشركات التي يبيعون على المكشوف حيالها.
سعى المستثمرون، من جانبهم، إلى وضع أموالهم مع صناديق التحوط التي توفر الأموال طويلة الأجل فقط، وفقا لمسح أجراه دويتشه بنك الألماني لعدد 435 مستثمرا في صناديق التحوط ويملكون نصف أصول الصناعة البالغة 3 تريليونات دولار تحت إدارتهم. تم تخصيص نصف الذين شملهم المسح تقريبا إلى صناديق التحوط طويلة الأجل، بينما نسبة 38 في المائة تقول إنهم خططوا لزيادة مخصصاتهم في تلك الصناديق.
مع هذا التحول القوي في الطلب، سعى البائعون على المكشوف إلى زيادة الأموال عن طريق ضبط زاويتهم ناحية المستثمرين. فصندوق «كاينيكوس وشركاه» للسيد شانوس، على سبيل المثال، سوف يفتح صندوقا جديدا للمستثمرين يأخذ من خلاله حافظة عمليات الشراء طويلة الأجل ويغطي حافظة العمليات قصيرة الأجل التقليدية للشركة، وفقا لمستندات التسويق التي خضعت للمراجعة بواسطة صحيفة «نيويورك تايمز». وقد انخفض مقدار الأموال التي تديرها شركة «كاينيكوس وشركاه» إلى النصف خلال السنوات الخمس الأخيرة، وصولا إلى 2.5 مليار دولار من واقع 6 مليارات دولار، وفقا للسجلات التنظيمية.
وحتى مع تبني المستثمرين لسباق السوق المحموم، هناك إشارات تفيد بأنه لا يعتقد الجميع أن ذلك السباق سوف يستمر طويلا.
يقول إريك بيترز من «بيترز كابيتال غروب»: «أعتقد أنها سوق للأسهم المرتفعة مكروهة للغاية. وهي بكل تأكيد على العكس من أي سوق أسهم كبيرة أخرى كنت قد رأيتها خلال تلك الارتفاعات الأخيرة في الأسعار التي جاءت خلال غبطة غائبة عن الجميع».
وبالإشارة إلى خيارات التداول، قال السيد بيترز إن تكلفة المستثمرين للضمان مقابل تراجع نسبة 10 في المائة لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500» والمتناسبة مع تكلفة الضمان مقابل الارتفاع إلى نسبة 10 في المائة في مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» هي أعلى بمقدار ثلاثة أضعاف عن المتوسط التاريخي المسجل.
ويستطرد فيقول: «إنها تخبرك أن الناس على استعداد لدفع الكثير من الأموال للحماية على الجانب السلبي وبشكل كبير للغاية».
وبدأ بعض المستثمرين في البحث عن البائعين على المكشوف لمساعدتهم في العثور على مخرج. ولقد حقق جيم كاروثرز، وهو مدير سابق لدى «دانيال إس. لوب ثيرد بوينت»، أكثر من 200 مليون دولار من المستثمرين - ومن بينهم صندوق الوقف لجامعة ييل - خلال العام الماضي ليبدأ في تأسيس صندوق التحوط قصير الأجل خاصته.
أما البائعون على المكشوف الباقون، في هذه الأثناء، فثبتت أحقية مواقفهم في بعض الأحيان، حيث حقق ويتني تيلسون ثروة مفاجئة هذا العام حينما وقعت شركة «لامبر ليكويداتور»، وهي إحدى شركات الأرضيات التي هاجمها لما يربو على العام، متهما إياها ببيع منتجات غير آمنة للاستهلاك، تحت ضغوط هائلة بعد صدور تقرير بواسطة برنامج «60 دقيقة» في مارس (آذار)، حيث هوت أسهم الشركة المذكورة بنسبة 25 في المائة في اليوم التالي لبث البرنامج، الذي كان يتهم الشركة ببيع نوع من الأرضيات الخشبية الصينية التي تحتوي على مستويات خطيرة من الفورمالديهايد.
ينتظر البائعون على المكشوف الآخرون بصبر كبير في الظلال، ومن بينهم بيل فليكينشتاين، حيث خطط للبدء في صندوق تحوط قصير الأجل العام الماضي، ولكنه قرر في وقت لاحق أنه من غير الممكن النجاح في ذلك في الوقت الذي يستمر فيه البنك المركزي في ضخ الأموال داخل النظام المالي. وقال: «يمكنك الاستمرار في الاحتفال، ولكن سوف ينتهي الأمر بصداع رهيب». ولقد استخدم السيد شانوس تشبيها مماثلا في وصف السوق اليوم.
«كما قال أحد المصرفيين الكبار ذات مرة»، حيث يتذكر السيد شانوس، مشيرا إلى تعليق شهير لتشارلز أو. برينس يرجع لعام 2007 وهو المدير التنفيذي لـ«سيتي غروب»: «يصعب التوقف عن الرقص بينما تستمر الموسيقى في العزف».
* خدمة «نيويورك تايمز»