فريق من الخبراء لتطوير «ويكيبيديا»

التحول إلى الهاتف الجوال يهدد بمشاكل طويلة الأمد

فريق من الخبراء لتطوير «ويكيبيديا»
TT

فريق من الخبراء لتطوير «ويكيبيديا»

فريق من الخبراء لتطوير «ويكيبيديا»

أُدخلت معلومات الممثل فيليب سيمور هوفمان (الحاصل على جائزة الأوسكار والذي توفي عن 46 عاما الأحد الماضي) بموقع «ويكيبيديا» على آي فون. و«ويكيبيديا» بطيئة في التكيف مع آي فون. فلا يزال عملاقا الإنترنت «غوغل» و«فيسبوك» يثبتان مقدرتيهما على اجتذاب المستخدمين والمعلنين؛ حيث تحولت حركتهما إلى أجهزة الهاتف الجوال. لكن تحول موسوعة الإنترنت العملاقة إلى عالم الهاتف الجوال يثير سؤالا وجوديا مختلفا: هل سيستمر الناس في كتابة المقالات وتنقيح التسعة ملايين مقال الموجودة حاليا على شاشة صغيرة لهاتف ذكي أو كومبيوتر لوحي. يقول إيريك مولر نائب مدير موقع «ويكيبيديا»: «هذا شيء يقلقنا بالتأكيد في عام 2013» ولمواجهة ذلك كون الموقع فريقا من 10 مطوري برامج للتركيز على الهاتف الجوال. وفي يوليو (تموز) سيتمكن مستخدمو الهاتف الجوال من كتابة وتحرير المقالات لأول مرة، بحسب «نيويورك تايمز».
وقلت التغييرات والإضافات في موقع «ويكيبيديا» ربما بسبب تحول الناس إلى أجهزة الهاتف الجوال وصعوبة التنقيح على شاشاتها. وبحسب دراسة لمؤسسة ويكيميديا فإن 20 في المائة فقط من قراء «ويكيبيديا» باللغة الإنجليزية يقومون بذلك عبر الهاتف الجوال. وهي نسبة ضئيلة مقارنة بمجموع الحركة على الهاتف الجوال لغيرها من المواقع حيث يبلغ معظمها 50 في المائة. وفي المواضيع بأكثر من 250 لغة لا يجري التحرير على الهاتف الجوال إلا بنسبة واحد في المائة فقط.
ويهدد التحول إلى الهاتف الجوال بمشاكل طويلة الأمد للموقع الذي ظل «موسوعة مجانية يمكن للجميع تنقيحها».
تقول جوديث دوناث مؤلفة كتاب «الماكينة الاجتماعية: تصاميم للحياة على الإنترنت» إنه على الرغم من تناسب الهاتف الجوال بصورة جيدة لخدمات مثل «تويتر» بمداخله الـ140 لكنه «ليس الوسيلة لشخص يريد كتابة مقال طويل مع حواشي» وإن الشاشات الصغيرة للهواتف الذكية والكومبيوترات اللوحية لا تتيح البحث وكتابة المذكرات أو كتابة مواضيع طويلة للموسوعة. وكذلك يقول إيان بوغوست أستاذ الحوسبة التفاعلية في معهد جورجيا للتقنية «من الصعب في أفضل الأحوال الكتابة والتحرير على شاشة الهاتف الجوال ومن المستحيل في أسوأها». ويعتمد موقع «ويكيبيديا» على جيش مجتهد من نحو 75 ألف متطوع يقومون بتنقيح المقالات كل شهر لمجموعة كبيرة من القراء. وتحتل «ويكيبيديا» بمجموع تصفح قدره 18 مليار صفحة ونحو 500 مليون زائر شهريا الموقع الخامس بعد «ياهو» و«فيسبوك» و«مايكروسوفت» و«غوغل» وهو الأعلى بمجموع 1.2 مليار زائر.
وتوضح صفحة الممثل الراحل فيليب هوفمان على «ويكيبيديا» قلة التنقيح على الهاتف الجوال. فمنذ وفاته تصفح أكثر من 4 ملايين صفحته ومن بين أكثر من 200 محرر قاموا بمئات التغييرات لم يكن هناك سوى اثنين فقط من خلال الهواتف الجوالة أو الكومبيوترات اللوحية بحسب معلومات «ويكيبيديا». لكن لا يتوقع أحد أن تختفي «ويكيبيديا» وقد توقع البعض مخطئين اختفاءها منذ بدايتها عام 2001. ويبدو السيد مولر من مؤسسة ويكيميديا متفائلا بشأن التكيف مع عالم الهاتف الجوال فهو يقول إنه سيتيح لـ«ويكيبيديا» إضافة مجموعات تحريرية أكثر تنوعا سواء من حيث العمر أو النوع أو الموقع الجغرافي.
أما السيد سجاد ألطاف من ولاية أوهايو وكان يحرر عادة من جهاز اللابتوب فأصبح يستخدم الهاتف الجوال في ذلك بصورة متزايدة وكتب مقالات كاملة لـ«ويكيبيديا» على هاتفه الجوال أحدها عن بلدته نور بوباغان في باكستان وهو يفند الفكرة بأن الهواتف الذكية أجهزة سالبة.
ولـ«ويكيبيديا» مآرب أخرى من الدخول إلى عالم الهاتف الجوال، فالموسوعة التفاعلية تريد الانتشار في العالم النامي. وقد أقنعت «ويكيبيديا» شركات الاتصالات بالسماح بتصفح موقعها مجانا على الهاتف الجوال في دول مثل الكاميرون وبنغلاديش وماليزيا.



كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
TT

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)

سواء في الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط راهناً، لعب الإعلام دوراً مثيراً للجدل، وسط اتهامات بتأطير مخاتل للصراعات، وصناعة سرديات وهمية.

هذا الدور ليس بجديد على الإعلام، حيث وثَّقته ورصدته دراسات دولية عدة، «فلطالما كانت لوسائل الإعلام علاقة خاصة بالحروب والصراعات، ويرجع ذلك إلى ما تكتسبه تلك الحروب من قيمة إخبارية بسبب آثارها الأمنية على الجمهور»، حسب دراسة نشرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2000.

الدراسة أوضحت أن «الصراع بمثابة الأدرينالين في وسائل الإعلام. ويتم تدريب الصحافيين على البحث عن الخلافات والعثور على الحرب التي لا تقاوم. وإذا صادفت وكانت الحرب مرتبطة بهم، يزداد الحماس لتغطيتها».

لكنَّ الأمر لا يتعلق فقط بدور وسائل الإعلام في نقل ما يدور من أحداث على الأرض، بل بترويج وسائل الإعلام لروايات بعضها مضلِّل، مما «قد يؤثر في مجريات الحروب والصراعات ويربك صانع القرار والمقاتلين والجمهور والمراقبين»، حسب خبراء وإعلاميين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «الإعلام في زمن الحروب يتخندق لصالح جهات معينة، ويحاول صناعة رموز والترويج لانتصارات وهمية».

يوشنا إكو

حقاً «تلعب وسائل الإعلام دوراً في الصراعات والحروب»، وفق الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، الذي قال إن «القلم أقوى من السيف، مما يعني أن السرد حول الحروب يمكن أن يحدد النتيجة».

وأشار إلى أن قوة الإعلام هي الدافع وراء الاستثمار في حرب المعلومات والدعاية»، ضارباً المثل بـ«الغزو الأميركي للعراق الذي استطاعت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تسويقه للرأي العام الأميركي باستخدام وسائل الإعلام».

وأضاف إكو أن «وسائل الإعلام عادةً ما تُستخدم للتلاعب بسرديات الحروب والصراعات للتأثير في الرأي العام ودفعه لتبني آراء وتوجهات معينة»، مشيراً في هذا الصدد إلى «استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسائل الإعلام لتأطير الحرب ضد أوكرانيا، وتصويرها على أنها عملية عسكرية وليست حرباً».

لكنَّ «الصورة ليست قاتمة تماماً، ففي أحيان أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً مناقضاً»، حسب إكو، الذي يشير هنا إلى دور الإعلام «في تشويه سمعة الحرب الأميركية في فيتنام مما أجبر إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على الاعتراف بالخسارة ووقف الحرب».

وبداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عُقدت الحلقة الدراسية الإعلامية الدولية الثلاثية للأمم المتحدة حول السلام في الشرق الأوسط بجنيف، لبحث التحديات في متابعة «حرب غزة». وأشارت المناقشات إلى «تأطير الإعلام إسرائيل على أنها بطل للرواية، حيث تكون إسرائيل هي الأخيار وفلسطين وحماس الأشرار»، ولفتت المناقشات إلى أزمة مماثلة خلال تغطية الحرب الروسية - الأوكرانية. وقالت: «من شأن العناوين الرئيسية في التغطية الإعلامية أن تترك المرء مرتبكاً بشأن الوضع الحقيقي على الأرض، فلا سياق للأحداث».

ستيفن يونغبلود

وهنا، يشير مدير ومؤسس «مركز صحافة السلام العالمية» وأستاذ الإعلام ودراسات السلام في جامعة بارك، ستيفن يونغبلود، إلى أن «الصحافيين يُدفعون في أوقات الحروب إلى أقصى حدودهم المهنية والأخلاقية». وقال: «في هذه الأوقات، من المفيد أن يتراجع الصحافي قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً ويتمعن في كيفية تغطية الأحداث، والعواقب المترتبة على ذلك»، لافتاً في هذا الصدد إلى «صحافة السلام بوصفها وسيلة قيمة للتأمل الذاتي». وأضاف أن «الإعلام يلعب دوراً في تأطير الحروب عبر اعتماد مصطلحات معينة لوصف الأحداث وإغفال أخرى، واستخدام صور وعناوين معينة تخدم في العادة أحد طرفي الصراع».

وتحدث يونغبلود عن «التباين الصارخ في التغطية بين وسائل الإعلام الغربية والروسية بشأن الحرب في أوكرانيا»، وقال إن «هذا التباين وحرص موسكو على نشر سرديتها على الأقل في الداخل هو ما يبرر تأييد نحو 58 في المائة من الروس للحرب».

أما على صعيد «حرب غزة»، فيشير يونغبلود إلى أن «أحد الأسئلة التي كانت مطروحة للنقاش الإعلامي في وقت من الأوقات كانت تتعلق بتسمية الصراع هل هو (حرب إسرائيل وغزة) أم (حرب إسرائيل وحماس)؟». وقال: «أعتقد أن الخيار الأخير أفضل وأكثر دقة».

ويعود جزء من السرديات التي تروجها وسائل الإعلام في زمن الحروب إلى ما تفرضه السلطات عليها من قيود. وهو ما رصدته مؤسسة «مراسلون بلا حدود»، في تقرير نشرته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشارت فيه إلى «ممارسة إسرائيل تعتيماً إعلامياً على قطاع غزة، عبر استهداف الصحافيين وتدمير غرف الأخبار، وقطع الإنترنت والكهرباء، وحظر الصحافة الأجنبية».

خالد القضاة

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، يرى أن «الدول والمنظمات التي تسعى لفرض الإرادة بقوة السلاح، عادةً ما تبدأ حروبها بالإعلام». وأوضح أن «الإعلام يُستخدم لتبرير الخطوات المقبلة عبر تقديم سرديات إما مشوَّهة وإما مجتزَأة لمنح الشرعية للحرب».

وقال: «في كثير من الأحيان تُستخدم وسائل الإعلام للتلاعب بالحقائق والشخوص وشيطنة الطرف الآخر وإبعاده عن حاضنته الشعبية»، وأشار إلى أن ذلك «يكون من خلال تبني سرديات معينة والعبث بالمصطلحات باستخدام كلمة عنف بدلاً من مقاومة، وأرض متنازع عليها بدلاً من محتلة».

وأضاف القضاة أن «تأطير الأحداث يجري أيضاً من خلال إسباغ سمات من قبيل: إرهابي، وعدو الإنسانية، على أحد طرفَي الصراع، ووسم الآخر بـ: الإصلاحي، والمدافع عن الحرية، كل ذلك يترافق مع استخدام صور وعناوين معينة تُسهم في مزيد من التأطير»، موضحاً أن «هذا التلاعب والعبث بسرديات الحروب والصراعات من شأنه إرباك الجمهور والرأي العام وربما التأثير في قرارات المعارك ونتائجها».

ولفت إلى أنه «قياساً على الحرب في غزة، يبدو واضحاً أن هذا التأطير لتغليب السردية الإسرائيلية على نظيرتها في الإعلام الغربي». في الوقت نفسه أشار القضاة إلى «إقدام الإعلام على صناعة رموز والحديث عن انتصارات وهمية وزائفة في بعض الأحيان لخدمة سردية طرف معين، وبث روح الهزيمة في الطرف الآخر».

منازل ومبانٍ مدمَّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

كان «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» قد أشار في تقرير نشره في ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى أن «اللغة التحريضية لتغطية وسائل الإعلام الأميركية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تؤثر في تصور المجتمعات المختلفة بعضها لبعض ويمكن أن تكون سبباً لأعمال الكراهية». وأضاف: «هناك تحيز في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بهدف إثارة رد فعل عاطفي، بدلاً من تقديم رؤية حقيقية للأحداث».

حسن عماد مكاوي

عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد مكاوي، يرى أن «توظيف الدول وأجهزة الاستخبارات لوسائل الإعلام أمر طبيعي ومتعارف عليه، لا سيما في زمن الحروب والصراعات». وقال إن «أحد أدوار الإعلام هو نقل المعلومات التي تؤثر في اتجاهات الجماهير لخدمة أهداف الأمن القومي والسياسة العليا». وأضاف أن «وسائل الإعلام تلعب هذا الدور بأشكال مختلفة في كل دول العالم، بغضّ النظر عن ملكيتها، وانضمت إليها حديثاً وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجري توظيف شخصيات تبدو مستقلة للعب نفس الدور ونقل رسائل الدولة أو الحكومة».

وأشار مكاوي إلى أن «هذه العملية لا تخلو من ترويج الشائعات ونشر أخبار مضللة، والتركيز على أمور وصرف النظر عن أخرى وفق أهداف محددة مخططة بالأساس». وضرب مثلاً بـ«حرب غزة» التي «تشهد تعتيماً إعلامياً من جانب إسرائيل لنقل رسائل رسمية فقط تستهدف تأطير الأحداث في سياق معين».