معركة حقوقية يمنية في جنيف.. وتوقعات بلجنة دولية لتقصي الحقائق

انتهاكات ميليشيات الحوثيين وقوات صالح أمام مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة

أطفال يمنيون جالسون على الأرض في انتظار وصول المساعدات الغذائية لهم في تعز أول من أمس (إ.ب.أ)
أطفال يمنيون جالسون على الأرض في انتظار وصول المساعدات الغذائية لهم في تعز أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

معركة حقوقية يمنية في جنيف.. وتوقعات بلجنة دولية لتقصي الحقائق

أطفال يمنيون جالسون على الأرض في انتظار وصول المساعدات الغذائية لهم في تعز أول من أمس (إ.ب.أ)
أطفال يمنيون جالسون على الأرض في انتظار وصول المساعدات الغذائية لهم في تعز أول من أمس (إ.ب.أ)

قالت مصادر سياسية وحقوقية يمنية في جنيف، أمس لـ«الشرق الأوسط»، إن ضغوطا دبلوماسية دولية تمارس، حاليا، لإدراج موضوع الانتهاكات التي ارتكبتها الميليشيات الحوثية في اليمن، ضمن بنود التحاور، وتخوض الحكومة اليمنية والمنظمات الناشطة في مجال حقوق الإنسان، معركة حقوقية وتبذل جهودا لإظهار حجم الانتهاكات التي ارتكبتها وترتكبها الميلشيات الحوثية في اليمن طوال الأشهر الماضية، وقالت مصادر حقوقية يمنية، في اتصالات أجرتها «الشرق الأوسط» إنه وبالتزامن مع المشاورات التي عقدت في جنيف بسويسرا، الأسبوع الماضي، بين الأطراف اليمنية، انطلقت حملة لحقوقيين يمنيين لدى المنظمات المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة وغيرها، وقالت المصادر إن وفدا حقوقيا شبابيا يتكون من 13 عضوا، هم عبارة عن نشطاء حقوقيين، يقوم، حاليا، بزيارة المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية في جنيف والالتقاء بأعضاء الدول في مجلس حقوق الإنسان ليطلعهم على انتهاكات ميليشيات الحوثي وصالح التي ترتكبها في المدن اليمنية: تعز وعدن والضالع ولحج ومأرب وغيرها من المدن، وقد أعد الفريق تقريرا خاصا بالانتهاكات وجرى توزيعه على المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية في جنيف، وعقد الفريق الكثير من الاجتماعات والتقي الأمانة العامة للفريق المعني بالاختفاء القسري، كما قدم الوفد حالات وبيانات عن معتقلين ومختفين قسريا، من قيادات الدولة وقيادات حزبية وناشطين حقوقيين وأيضا صحافيين وإعلاميين، وقد استمعت المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى شهادات خاصة بشأن انتهاكات الميليشيات الحوثية، وبين الحالات التي جرى التطرق إليها، المعتقلان: الناشط الحقوقي أكرم الشوافي والصحافي جلال الشرعبي، مراسل وكالة الأنباء السعودية (واس)، في صنعاء، الذي تحتجزه وتخفيه ميليشيات الحوثي.
وقال لـ«الشرق الأوسط»، عضو وفد الحقوقيين اليمنيين إلى جنيف، رياض الدبعي إن الوفد تقدم بطلب إلى مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية بشأن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها وترتكبها الميليشيات الحوثية والقوات الموالية للمخلوع علي عبد الله صالح في اليمن، وأن الطلب يدرس من قبل المفوضية «وستتم مخاطبة الجهات ذات العلاقة لتسهيل قدوم اللجنة»، وأضاف الدبعي أن «الوفد أظهر للمنظمات الدولية حجم الجرائم التي ترتكبها الميليشيات في حق اليمنيين ومنها جرائم ضد الإنسانية، كاستخدام المدنيين دروعا بشرية وحرب الإبادة التي تتعرض لها مدينتا عدن وتعز، وكذلك العقاب الجماعي للمدنيين والذي يتمثل في محاصرة المدن واستهداف قوافل الإغاثة والطواقم الطبية والمؤسسات الصحية»، وأشار الدبعي إلى أن المنظمات التي جرى اللقاء بها، أشادت «بعمل الوفد من رصد وتوثيق لانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون من قبل ميليشيات الحوثي وصالح»، إضافة إلى الإشادة بـ«مهنية التقارير التي سلمت لهم، ووعدوا بمتابعة الملف والحالات بجدية الحالات وفق آليات الأمم المتحدة في حماية حقوق الإنسان ومتابعة مرتكبي هذه الجرائم»، ولعل من المفارقات العجيبة أن الحوثيين أوفدوا وفدا حقوقيا إلى جنيف لـ«تبرير أعمال القتل والانتهاكات التي يقومون بها»، حسبما يقول أحد النشطاء اليمنيين في جنيف، حيث أكدت إحدى الناشطات اليمنيات التي أوفدها الحوثيون على أن «كل من يعارض الحوثي، يستحق القتل»، بحسب ما نقل عنها في بعض مداخلات الصحافية في جنيف.
ومن سيطرتها على المحافظات اليمنية بالقوة المسلحة وانقلابها على شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، العام الماضي، سجلت الكثير من المنظمات الحقوقية انتهاكات خطيرة لجماعة الحوثي، بينها اختطاف وإخفاء المعارضين والمناوئين للحوثيين والانقلاب على الشرعية الدستورية ووضع الكثير منهم كدروع بشرية في مواقع هي عبارة عن مخازن للأسلحة والذخائر وهي مستهدفة من قبل قوات التحالف، إضافة إلى تفجير منازل الخصوم وملاحقتهم وإخراج أسرهم وأطفالهم من منازلهم، وقطع أسباب الرزق عن قطاع واسع ممن لا يؤيدونهم، وبالأخص في صفوف القوات المسلحة الموالية للشرعية، وبحسب حقوقيين يمنيين في صنعاء، فإن من أبرز الانتهاكات التي تحدث بحق اليمنيين، هي عمليات القتل خارج القانون «وبدم بارد» من قبل عناصر الميليشيات للمواطنين، كل يوم، في مختلف المناطق والمحافظات، وذلك لأسباب تافهة، ويرى الحقوقيون أن سيادة النظام الميليشوي وغياب الدولة والقانون والحساب والعقاب، شجع ويشجع هذه الميليشيات في التمادي في عمليات القتل اليومية التي يتعرض لها اليمنيون.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.