لقد مر وقت طويل منذ أن سمعتْ كرة القدم لأول مرة عن نيليو لوكاس. وبصفته الوجه العام لصندوق «دويين سبورتس» الاستثماري الذي يتخذ من مالطا مقراً له، كان رجل الأعمال البرتغالي اللطيف لفترة وجيزة أحد وكلاء اللاعبين الأكثر شهرة في عالم كرة القدم، حيث تفاوض بشأن انتقال ماركوس روخو إلى مانشستر يونايتد، وانتقال إلياكيم مانغالا إلى مانشستر سيتي مقابل 42 مليون جنيه استرليني، من بين صفقات أخرى كثيرة.
لكن كل هذا تغير في سبتمبر (أيلول) 2015 عندما نشر مخترق يطلق على نفسه اسم «جون» تفاصيل اتفاقات ملكية من طرف ثالث بين صندوق «دويين سبورتس» ونادي تيفينتي على موقع «فوتبول ليكس»، وهو ما أدى إلى منع النادي الهولندي من المشاركة في المنافسات الأوروبية لمدة ثلاثة مواسم.
وقال لوكاس في فيلم وثائقي جديد بعنوان «لعبة الأسرار»: «عندما قمت بهذه النقرة على جهاز الكمبيوتر، فتحت الباب؛ وأخذ هو كل شيء كان يريده».
وبعد أكثر من سبع سنوات من تلك النقرة، وصلت محاكمة روي بينتو - الذي استخدم اسم جون المستعار - أخيراً إلى نهايتها في البرتغال.
ويحكي المخرج الدنماركي نيلز بورشيرت هولم، قصة كيف انتهى الأمر باتهام طالب التاريخ السابق بأكثر من 90 جريمة - بما في ذلك محاولة الابتزاز المزعومة وابتزاز صندوق دويين.
ورفض بينتو الظهور على الشاشة، وهو ما مهد الطريق أمام لوكاس ليستحوذ على كل الأضواء، على الرغم من أنه من المتوقع أن يدلي بينتو بشهادته في المحكمة يوم الإثنين، بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة على تسليمه من المجر.
واتهم لوكاس بينتو في شهادته أمام المحكمة العام الماضي بإلحاق «جريمة قتل علنية حقيقية»، وشبه نفسه بـ«تلك السيدة التي تعرضت للاغتصاب، ثم يتعين عليها أن تشرح سبب اغتصابها»! ولم يتراجع الشاب البالغ من العمر 41 عاماً في الفيلم أيضاً. لكن لوكاس ينفي بشدة أنه حاول مع عارف أفندي - رجل الأعمال الكازاخستاني التركي الذي يقف وراء دويين - تنظيم حفلة عاهرة في ميامي لإقناع فلورنتينو بيريز بالتعاقد مع لاعب خط الوسط الفرنسي جيفري كوندوغبيا من موناكو.
يقول بورشيرت هولم: «لقد قضيت شهوراً وشهوراً أحاول إجراء تلك المقابلة. كان علي أن أوضح له أنه من مصلحته الجلوس ورواية هذه القصة من وجهة نظره: (قصة حدث مع فوتبول ليكس)، والقصة الأكبر حول دوره في صناعة كرة القدم. كان هذا هو التحدي الذي واجهته هنا - إقناع الناس بأنني لا أسعى لتصويرهم على أنهم هؤلاء الأشرار الكرتونيون الذين يستيقظون في الصباح ويقولون: حسناً، سنذهب الآن ونفسد كرة القدم».
ويناقش جوناثان بارنيت ردة الفعل على ما كشفه موقع «فوتبول ليكس» من أن انتقال موكله غاريث بيل من توتنهام في عام 2013 قد تجاوز أغلى صفقة في تاريخ ريال مدريد، والتي كانت مسجلة باسم النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، ويتعمق الفيلم في بعض القصص الكبيرة الأخرى التي أحدثت صدمة في عالم كرة القدم.
وبدءاً من التفاصيل الدقيقة للشؤون الضريبية لرونالدو وجوزيه مورينيو وصولاً إلى رسائل البريد الإلكتروني المسربة التي أدت إلى قيام الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بفتح تحقيق في صفقات رعاية مانشستر سيتي، أصبح بينتو المتواضع يحظى بشهرة كبيرة بين المشجعين المعارضين للفساد في كرة القدم، بل ووُصف بأنه «إدوارد سنودن كرة القدم».
يقول بورشيرت هولم: «ما كشفه روي بينتو عن مجال كرة القدم هو في الحقيقة أمر لا يُصدق. لكن عندما قرأت عن بعض الأشياء الأخرى التي قام بها، قلت لنفسي إن هذا يضيف حقاً بُعداً آخر. لقد أصبح من غير الواضح من هو البطل، ومن هو الشرير في هذه القصة».
وبعد القبض على بينتو في عام 2019، كانت هناك مزاعم بأنه تم دفع 34.627 ألف يورو في أحد حسابات بنك «دويتشه بنك لشبونة» المسجل لديه من قبل بنك «كالدونيان»، وهي شركة خارجية مسجلة في جزر كايمان، في سبتمبر (أيلول) 2013 بعد أن اخترق شخص ما نظامهم المصرفي. وتبع ذلك بعد بضعة أسابيع إيداع مبلغ آخر، هذه المرة من صندوق معاشات تقاعد ألماني، ومبلغ 230 ألف يورو لنفس الحساب.
أُعيد المبلغ الأخير على الفور بعد إخطار السلطات، ووافق بينتو - الذي يواصل إنكار ارتكاب أي مخالفات - في النهاية على تسوية خارج المحكمة لسداد نصف المبلغ الأصلي بعد استدعائه من قبل الشرطة.
يقول بورشيرت هولم: «هناك عدة طبقات من السخرية في هذا الأمر، بمعنى أن موقع فوتبول ليكس قد بدأ بيانه بالقول: اللعبة التي نحبها كثيراً هي لعبة فاسدة، فلنستعد لعبة الناس من كل هؤلاء الرجال الجشعين».
وأضاف بورشيرت هولم: «إنه مبدأ روبن هود... بالنسبة لي فإن التفاصيل المهمة هي تلك التي تتعلق بأن 230 ألف يورو جاءت من صندوق معاشات تقاعدية».
وأصر بينتو ومحاميه، ويليام بوردون، الذي مثل سنودن المُبلغ عن المخالفات الأميركية، على أن بينتو لم يسرق أي أموال من بنك «كالدونيان»، وأنه «لم يُدفع له قرش واحد» أثناء المراسلات مع دويين. ويُزعم أنه استخدم هوية أرتيم لوبوزوف في محاولة لابتزاز ما وُصف بأنه «تبرع جيد» بقيمة مليون دولار.
وقال بينتو، الذي يواجه السجن لمدة تصل إلى 30 عاماً إذا ثبتت إدانته، في مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية في عام 2019: «لا أعتبر نفسي متسللاً أو مخترقاً، لكن أرى نفسي مواطناً تصرف من أجل المصلحة العامة. كانت نيتي الوحيدة هي كشف الممارسات غير المشروعة التي تؤثر على عالم كرة القدم. أنا لا أعتبر نفسي مخترقاً، بل أرى أنني مستخدم عادي للكمبيوتر. بالإضافة إلى ذلك، لا أرى أي فرق بين قيام الشخص بنقل وثائق إدانة من داخل الشركة إلى الجمهور، أو ما إذا كان يفعل ذلك بالمواد التي يتلقاها من الخارج».
يقول رافائيل بوشمان، مراسل مجلة «دير شبيغل» الألمانية الذي التقى لأول مرة مؤسس موقع «فوتبول ليكس»، روي بينتو، منذ ما يقرب من 7 سنوات: «بينتو يشعر بخوف أكبر مما سيحدث على الساحة السياسية؛ لأن كرة القدم متوغلة تماماً في آليات الدولة البرتغالية».
يقول بوشمان: «حتى الآن، الكثير من قوانين الاتحاد الأوروبي بشأن الإبلاغ عن المخالفات لم تحمِ سوى الأشخاص الموجودين داخل الشركات أو المنظمات التي بها الفساد ، لكنني أعتقد أنه في المستقبل قد يكون هناك الكثير ممن يتصرفون مثل روي بينتو أو مثل جون دو الذي سرب وثائق بنما، وكلاهما من خارج المؤسسات التي كشفا فسادها للعامة. عندما لا يستطيع القانون منحهم أي نوع من أنواع الحماية، فإنهم سيواجهون حياة قاسية، ومن الضروري مساعدتهم قدر المستطاع».
ويضيف: «لقد استلهم روي ما قام به من فكرة محاولة تنظيف شركة ما من الفساد. لقد تحدثت إليه عدة مرات حول هذا الموقف وحول التضحيات التي يقدمها. إنه ينظر إلى الأمر على أنه مسألة خطيرة للغاية، لأن كرة القدم لم تصبح مجرد لعبة هذه الأيام، لكنها تطورت لتصبح آلة غسل أموال كبيرة للأثرياء. لقد كشفت هذه الأمور أن بعض المشجعين يفكرون بشكل مختلف قليلاً عن بعض هذه القضايا وعن الأندية التي يشجعونها».