فكرة السفر إلى جنوب فرنسا ورؤية المياه اللازوردية عند ساحل «كوت دازور» تكفي لدغدغة المشاعر وبثّ جرعة من الأندرينالين المحفز على استكشاف هذا القسم المتوسطي الرائع من فرنسا، مرتع الأغنياء ومرسى اليخوت العملاقة وواحة الطعام الفرنسي المطعم بالنكهة الإيطالية، والتعرف أكثر إلى الريفييرا الفرنسية.
لكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن على مسافة 10 دقائق بواسطة القارب من كان، هناك عالم آخر لا يشبه تاريخه ما تراها في «لا كروازيت» والريفييرا، من مشاهير ورقي وأزياء وفنادق فخمة، هناك 4 جزر تعرف باسم Iles Des Lerins وأكبرها جزيرة سانت مارغريت Sainte Marguerite والأصغر منها جزيرة Saint Honorat، هذه الجزر ليست خاصة ومفتوحة أمام الزوار للتمتع بجمال طبيعتها والجلوس تحت أشجار الصنوبر الوارفة التي تعبق رائحتها وتمتزج مع رائحة البحر.
فخلف سور عالٍ، وباب من الحديد باللون الأبيض من جهة البحر، وباب آخر مخفي بين الخضرة من الجهة الأخرى من جزيرة سانت مارغريت، التي يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر، تقبع حديقة كبيرة يطلق عليها اسم Le Grand Jardin فيها 12 غرفة (فيلا) صديقة للبيئة موزعة في 6 أبنية متفرقة في ثناياها الممتدة على مساحة 14 متراً مربعاً، تقدم للنزلاء خصوصية تامة، لأنها تؤجر لمدة أقلها 7 ليالٍ تحجز بالكامل مع فريق عمل يقوم بتلبية جميع طلبات الضيوف من طعام يطهى بحسب الطلب إلى بركة سباحة كبيرة ومركز صحي مجهز بأحدث المعدات وخدمة على مدار الساعة.
جزيرة سانت ماغريت كانت مملوكة من قبل الملك لويس الرابع عشر، وبحسب الأسطورة الشهيرة يقال إن الرجل بالقناع الحديدي The man with the iron mask كان شقيق الملك التوأم، وأسره في قلعة لا تزال موجودة في الجزيرة، ولم يكشف عن هويته حتى بعد موته، ويقال أيضاً إن هذا الرجل الغامض دفن في مدافن لا تزال موجودة، ووضع سيف من الحديد عند قبره.
من أكثر ما سيشدك في «لو غران جاردين» مبنى على شكل قلعة قديمة جداً تحكي الأساطير أن نابليون كان يستخدمها لإطلاق المدافع على قوارب العدو صوب البحر، وتم تحويل هذه القلعة إلى غرفة نوم في الطابع العلوي مع شرفة مطلة على البحر، وفي الطابق السفلي غرفة استقبال، يستطيع الزائر تحويلها إلى أي شيء يفضله (نادٍ خاص أو غيره).
وفي حدائق هذا الملاذ الآمن والخاص، كان نابليون يرعى خيوله، باختصار في «لو غران جاردين» تتنفس التاريخ وتتمتع بالجغرافيا الفريدة من نوعها.
في هذا المكان تشعر بالأهمية من لحظة وصولك إلى مطار نيس حيث يكون بانتظارك سائق يرحب بك ويعطيك لمحة سريعة عن المشوار الذي ينتهي في مرفأ كان، وهناك يكون القارب الخاص بـ«لو غران جاردين» بالانتظار، وبعد 10 دقائق تصل إلى جزيرة سانت مارغريت لتجد زحمة غير عادية، وهذا لأن الجزيرة مفتوحة للجميع الذين يقصدونها لتقضية اليوم والمشي والأكل في الهواء الطلق على طريقة «البيك نيك».
من هناك تكون سيارة أخرى بانتظارك لتقلّك إلى مكان الإقامة الذي يبعد نحو 7 دقائق فقط، وعند المدخل يصطف فريق العمل الكامل الذي سيكون بخدمتك على مدار الساعة، تذكر أن المكان كله محجوز لمجموعة واحدة، ما يقدم قدراً كبيراً من الخصوصية التامة.
الديكور عصري جداً، لكنه غير معقد، والأهم هو الشعور بالأمان، فلن تحتاج لوضع القفل على الباب بعد ترك غرفتك، كما أن العاملين يتعاملون مع الضيوف بطريقة مميزة جداً، فهم موجودون في جميع الأوقات، لكن بنفس الوقت لا تراهم إلا عند حاجتك إليهم، وهذا ما يعطي كثيراً من الخصوصية.
تختار الوقت الذي تود أن تتناول الفطور فيه، تستيقظ لترى بحراً من الأطايب على طاولة كبيرة بالقرب من بركة السباحة، يأتي الطاهي الخاص لإلقاء التحية وسؤالك عما إذا كنت تود أي شيء آخر، ويسأل أيضاً عما تفضل أن تتناوله فترة الغداء والعشاء، ويأخذك إذا أردت إلى حديقة الأعشاب الخاصة به، التي يستقصي منها كل الأعشاب التي يستعملها في أطباقه.
اللافت في هذا المكان هو أنه تمت فيه المحافظة على المفردات التاريخية للحدائق، حتى الأعشاب وأنواع الأشجار، وبحسب ما أخبرتنا به باميلا إحدى المزارعات، فقد تم إجراء مسح للتربة ودراسة لما تبقى من أشجار من الماضي ليزرع مكانها نفس النوع من الخضرة، وبما أن المكان افتتح منذ أشهر قليلة فمن المنتظر بأن تصبح الحدائق أجمل في الأشهر المقبلة.
ومن الحكايات التي سمعناها من باميلا أن تسمية الجزيرة تيمناً بمارغريت التي كانت تدير في القرن الخامس مجموعةً من الراهبات، وهي شقيقة هونورا الذي كان يعيش في الجزيرة المقابلة لسانت مارغريت، ولم يكن باستطاعته أن يراها، لأن الجزيرة كانت تمنع زيارة النساء، فقام هونورا بوعد مارغريت بأنه سيأتي لرؤيتها مرة واحدة في العام، تحديداً عندما تزهر شجر اللوز، فتضرعت مارغريت لله وطلبت منه أن يجعل الأشجار تزهر كل شهر لكي ترى أخاها، وهذه الأعجوبة جعلت هونورا يزهد بالحياة، ويغير من أسلوبه المغرور.
واليوم يعتبر الدير الموجود في جزيرة سانت هونورا (لا يزال يعيش فيه الرهبان) هو الأكبر في الغرب. ويمكن زيارته.
خلال إقامتك في «لو غران جاردين» ستشعر براحة غير عادية، ومن أجمل ما يمكن أن تقوم به هو جلسة يوغا على يد مدربة محترفة تعمل هناك، بعدها تمشي في الجزيرة لنحو ساعتين، ومن الممكن أيضاً أن تزور جزيرة سانت هونورا القريبة الذي يقصدها الزوار لرؤية الدير وشراء المنتجات الغذائية التي يحضرها الرهبان، كما يتوجهون إلى مطعم فرنسي يقدم الأطباق المحلية مثل الأسماك، واسمه «لا تونيل».
أما على جزيرة سانت مارغريت حيث يقع «لو غران جاردين» فتجد المتحف البحري، ومطعم «لا غيريت» La Guerite الذي يستقطب أهم مشاهير العالم، وشوهد فيه مؤخراً كل من ديفيد بيكهام وزوجته فكتوريا والمغني ألتون جون، وهذا المطعم في الهواء الطلق، ويأتيه الزبائن بواسطة اليخوت، ويقدم المأكولات اليونانية التي يحضّرها الشيف يانيس كيوروغلو.
يشار إلى أن «لو غران جاردين» تابع لمجموعة «أولتيما» Ultima التي تدير فنادق راقية وفخمة في أوروبا.
وقام رجل الأعمال الهندي فياج ماليا صاحب فريق «الفورمولا 1» في الهند بشراء العقار التاريخي ليحوله إلى واحة للإقامة الخاصة جداً، مشدداً على مسألة الحفاظ على البيئة من خلال زرع شجرة لقاء كل ليلة يقضيها الزبون، إضافة إلى اتباع أساليب أخرى، واستعمال منتجات صديقة للبيئة في جميع أرجاء المشروع.