رواندا تنهض بنجاح مذهل رغم جرح «الإبادة العرقية»

واشنطن تريد توثيق علاقاتها بها بسبب قدراتها العسكرية لمواجهة نفوذ روسيا

روانديون يرفعون أياديهم وهم يقتربون من جنود بلجيكيين طالبين الحماية خلال الإبادة العرقية، في 13 أبريل 1994 (أ.ب)
روانديون يرفعون أياديهم وهم يقتربون من جنود بلجيكيين طالبين الحماية خلال الإبادة العرقية، في 13 أبريل 1994 (أ.ب)
TT

رواندا تنهض بنجاح مذهل رغم جرح «الإبادة العرقية»

روانديون يرفعون أياديهم وهم يقتربون من جنود بلجيكيين طالبين الحماية خلال الإبادة العرقية، في 13 أبريل 1994 (أ.ب)
روانديون يرفعون أياديهم وهم يقتربون من جنود بلجيكيين طالبين الحماية خلال الإبادة العرقية، في 13 أبريل 1994 (أ.ب)

ما إن تبدأ الطائرة باختراق الغمام الأبيض الكثيف في سماء رواندا عند انبلاج خيوط الفجر الأولى، حتى تتبدى الهضاب المكسوة بخضرة زمردية لا متناهية منحت هذه البلاد لقب «سويسرا أفريقيا» قبل أن يطلق البعض عليها «سنغافورة الجديدة».
وأول تنبيه تسمعه قبل أن تطأ قدمك أرض كيغالي، يذكرك بأن هذه المدينة كانت الأولى في العالم التي منعت استخدام أكياس البلاستيك، لتتبين لاحقاً أنها، على فقرها، من أنظف العواصم الأفريقية والعالمية.
لكن ثمة جرحاً عميقاً في صدر هذا البلد الذي ينهض بنجاح مذهل من أبشع حروب الإبادة التي شهدها العالم في العقود الأخيرة، والتي تمت أمام أعين الأسرة الدولية التي كان بعض أفرادها ضالعاً فيها بشكل مباشر. جرح يحمل أنين أكثر من 800 ألف ضحية سقطت في عام 1994، وما زال ينزف من ذاكرة مضطربة تبحث عن المسؤولين عن عذابها وتلاحقهم.
الشائع عن رواندا بين المراقبين عن بعد للواقع الأفريقي، أنها كانت مستعمرة بلجيكية حتى أواسط القرن الماضي، وأنها عانت واحدة من أفظع الإبادات في العصر الحديث، وأنها اليوم قدوة تحتذى على الصعيدين الإنمائي والأمني في قارة منكوبة بالفقر والعنف.
لكن الواقع لا يطابق تماماً هذه الصورة عن البلد الذي يحكمه بول كاغامي بيد من حديد منذ عام 1994، والذي تسعى الدول الكبرى منذ سنوات لاجتذابه إلى دائرة نفوذها.
في مطلع تسعينات القرن الماضي، عادت قيادات الجبهة الوطنية الرواندية من منفاها الطويل في أوغندا، وأجبرت حكومة الهوتو الراديكالية التي كان يرأسها جوفينال أبيرايامانا على تقاسم السلطة قبل أن تسقط الطائرة التي كان يستقلها إلى جانب نظيره رئيس بوروندي، لتندلع في إثر ذلك المجازر العرقية التي قضت على مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال التوتسي وبعض المعتدلين من قبائل الهوتو.
ولم تتوقف تلك المجازر إلا بعد دخول الجبهة الوطنية وإسقاطها النظام الذي كان قد بدأها. لكن أكثر من مليوني شخص كانوا قد غادروا البلاد، فيما كانت الوعود بالمصالحة والعدالة تتحول تدريجياً إلى كابوس يحول دون الاندماج العرقي الذي لا يزال النظام الحالي يرفع في طليعة شعاراته.
معظم الدول الكبرى، ومعها المنظمات والمؤسسات الدولية، تبنت أسطورة كاغامي البطل الذي أنهى حرب الإبادة، بينما كانت منظمات حقوق الإنسان توثق عشرات المجازر التي كان النظام يدبرها ضد معارضيه داخل البلاد وخارجها.
يقول المراقبون المحايدون إن المسؤول الرئيسي عن هذا الوضع هو بول كاغامي الذي كان قد أحكم سيطرته على الجبهة الوطنية بعد وفاة زعيمها في ظروف لا تزال غامضة، قبل أن يمسك بزمام السلطة بعد الإبادة، ويبدأ بمغازلة الدول الكبرى التي فتحت له أبوابها، وخصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين أغدقتا عليه مساعدات مالية ضخمة ووضعته في عين اهتمامات المنظمات الدولية، متجاهلة التقارير العديدة للمنظمات الحقوقية والإنسانية التي وثقت جرائم النظام وانتهاكاته. ولا شك في أن كاغامي كان بارعاً في استغلال المنافسة المحمومة بين الدول الكبرى لتوسيع دائرة نفوذها في القارة الأفريقية، خصوصاً في البلدان القليلة التي تنعم باستقرار سياسي وأمني مثل رواندا، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.
وبعد الجولة التي قام بها مؤخراً وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى عدد من الدول الأفريقية شملت مصر وأوغندا وإثيوبيا والكونغو، وزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الكاميرون وبنين وغينيا بيساو، اختار وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن رواندا محطة رئيسية في جولته الأفريقية الأخيرة التي قال إنها تهدف إلى تصويب العلاقات الأميركية - الأفريقية بعد الاهتزاز الذي تعرضت له خلال الرئاسة السابقة، وتأكيد حرص واشنطن على دعم الديمقراطية في أفريقيا.
تجدر الإشارة إلى أن الكونغرس الأميركي كان قد أقر في أبريل (نيسان) الفائت «قانون مكافحة الأنشطة الروسية الخبيثة في أفريقيا»، والذي يستهدف محاصرة الجهود التي تبذلها موسكو لتوسيع دائرة نفوذها في القارة السمراء، معتمدة على قوات مجموعة «فاغنر» المنتشرة في عدد من البلدان الأفريقية من السودان إلى مالي وتشاد وأفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو، وعلى وسائط التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام لبث معلومات ضد الغرب والأنظمة الديمقراطية.
ويشير مراقبون إلى أن حرص واشنطن على توثيق علاقاتها مع رواندا، رغم سجلها الأسود في مجال حقوق الإنسان، يعود إلى القدرات العسكرية الرواندية التي يمكن الاعتماد عليها لمواجهة النفوذ الروسي، بقدر ما هو ناشئ عن مخاوفها من اتساع دائرة النزاع المسلح الذي نشب مؤخراً في المناطق الشرقية من جمهورية الكونغو الديمقراطية، واحتمال دخول موسكو على خط هذا النزاع في منطقة استراتيجية مثل الكونغو.
وكانت الإدارة الأميركية قد أعربت عن قلقها من التقارير الموثقة عن الدعم الذي تقدمه رواندا للثوار المتمردين من حركة «23 مارس»، وهي مجموعة كونغولية مسلحة من قبائل التوتسي استأنفت نشاطها مطلع هذا الصيف واستولت على عدد من المدن الواقعة على الحدود مع أوغندا. وتفيد التقارير التي وضعت على طاولة مجلس الأمن الدولي، بأن قوات رواندية تتدخل عسكرياً داخل أراضي جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ أواخر العام الماضي، وأن رواندا قدمت دعماً للثوار المتمردين.
تجدر الإشارة إلى أن التوتر الشديد يسود العلاقات بين الكونغو ورواندا منذ أن بدأ الهوتو الروانديون يتدفقون على الكونغو بعد ارتكابهم مجازر عام 1994.
وما يزيد من مخاوف واشنطن أن الثوار الذين تدعمهم رواندا في شرق الكونغو، يتعاونون مع منظمات أخرى متحالفة مع تنظيم الدولة الذي يعتبرها ركيزته في أفريقيا الوسطى والشرقية. وتخشى الإدارة الأميركية من أن تدخل موسكو من ثغرة هذا النزاع للدخول إلى الكونغو، ومنه إلى موزمبيق ومدغشقر.


مقالات ذات صلة

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

أفريقيا هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

بينما تستعد بريطانيا لتتويج الملك تشارلز الثالث (السبت)، وسط أجواء احتفالية يترقبها العالم، أعاد مواطنون وناشطون من جنوب أفريقيا التذكير بالماضي الاستعماري للمملكة المتحدة، عبر إطلاق عريضة للمطالبة باسترداد مجموعة من المجوهرات والأحجار الكريمة التي ترصِّع التاج والصولجان البريطاني، والتي يشيرون إلى أن بريطانيا «استولت عليها» خلال الحقبة الاستعمارية لبلادهم، وهو ما يعيد طرح تساؤلات حول قدرة الدول الأفريقية على المطالبة باسترداد ثرواتها وممتلكاتها الثمينة التي استحوذت عليها الدول الاستعمارية. ودعا بعض مواطني جنوب أفريقيا بريطانيا إلى إعادة «أكبر ماسة في العالم»، والمعروفة باسم «نجمة أفريقيا»، وا

أفريقيا «النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

«النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

مع تركيز مختلف القوى الدولية على أفريقيا، يبدو أن الاقتصادات الهشة للقارة السمراء في طريقها إلى أن تكون «الخاسر الأكبر» جراء التوترات الجيو - استراتيجية التي تتنامى في العالم بوضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وتوقَّع تقرير صدر، (الاثنين)، عن صندوق النقد الدولي أن «تتعرض منطقة أفريقيا جنوب الصحراء للخسارة الأكبر إذا انقسم العالم إلى كتلتين تجاريتين معزولتين تتمحوران حول الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقابل». وذكر التقرير أن «في هذا السيناريو من الاستقطاب الحاد، ما يؤدي إلى أن تشهد اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انخفاضا دائماً بنسبة تصل إلى 4 في الما

أفريقيا السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، اليوم (الثلاثاء)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف المتنازعة في السودان، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضها، بما يضمن أمن واستقرار ورفاهية البلاد وشعبها. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية السعودي، برئيس المفوضية، وتناول آخر التطورات والأوضاع الراهنة في القارة الأفريقية، كما ناقش المستجدات والموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا «مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

«مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، التي تؤرق غالبية دول القارة الأفريقية، الأجندة الأوغندية، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الأفريقي، في شهر مايو (أيار) الجاري. ووفق المجلس، فإنه من المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة الإرهاب في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان له، أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيناقش نتا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة «التطرف والإرهاب»، التي تقلق كثيراً من دول القارة الأفريقية، أجندة أوغندا، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في مايو (أيار) الحالي. ومن المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي؛ لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب الإرهابية» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة «الإرهاب» في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان، أنه سيناقش نتائج الحوار الوطني في تشاد، ولا سيما المسألتين ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
TT

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباحثات هاتفية مع الرئيس السنغالي بشيرو ديوماي فاي، ناقشا خلالها الوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء، حيث يتصاعد خطر الجماعات الإرهابية، حسب ما أعلن الكرملين. وقال الكرملين في بيان صحافي، إن المباحثات جرت، الجمعة، بمبادرة من الرئيس السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل».

الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي (أ.ب)

الأمن والإرهاب

وتعاني دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، المحاذية للسنغال، من تصاعد خطر الجماعات الإرهابية منذ أكثر من عشر سنوات، ما أدخلها في دوامة من عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية المتتالية.

وتوجهت الأنظمة العسكرية الحاكمة في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، نحو التحالف مع روسيا التي أصبحت الشريك الأول لدول الساحل في مجال الحرب على الإرهاب، بدلاً من الحلفاء التقليديين؛ فرنسا والاتحاد الأوروبي.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ.ف.ب)

وبموجب ذلك، نشرت روسيا المئات من مقاتلي مجموعة (فاغنر) في دول الساحل لمساعدتها في مواجهة تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول، حصلت الأخيرة بموجبها على طائرات حربية ومعدات عسكرية متطورة ومسيرات.

ومع ذلك لا تزالُ الجماعات الإرهابية قادرة على شن هجمات عنيفة ودامية في منطقة الساحل، بل إنها في بعض الأحيان نجحت في إلحاق هزائم مدوية بمقاتلي «فاغنر»، وقتلت العشرات منهم في شمال مالي.

في هذا السياق، جاءت المكالمة الهاتفية بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، حيث قال الكرملين إن المباحثات كانت فرصة لنقاش «الوضع في منطقة الصحراء والساحل وغرب أفريقيا، على خلفية عدم الاستقرار المستمر هناك، الناجم عن أعمال الجماعات الإرهابية».

وتخشى السنغال توسع دائرة الأعمال الإرهابية من دولة مالي المجاورة لها لتطول أراضيها، كما سبق أن عبرت في كثير من المرات عن قلقها حيال وجود مقاتلي «فاغنر» بالقرب من حدودها مع دولة مالي.

الرئيس إيمانويل ماكرون مودعاً رئيس السنغال بشير ديوماي فاي على باب قصر الإليزيه (رويترز)

وفي تعليق على المباحثات، قال الرئيس السنغالي في تغريدة على منصة «إكس» إنها كانت «ثرية وودية للغاية»، مشيراً إلى أنه اتفق مع بوتين على «العمل معاً لتعزيز الشراكة الثنائية والسلام والاستقرار في منطقة الساحل، بما في ذلك الحفاظ على فضاء الإيكواس»، وذلك في إشارة إلى (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا)، وهي منظمة إقليمية تواجه أزمات داخلية بسبب تزايد النفوذ الروسي في غرب أفريقيا.

وكانت الدول المتحالفة مع روسيا (مالي والنيجر وبوركينا فاسو) قد جمدت عضويتها في المنظمة الإقليمية، واتهمتها بأنها لعبة في يد الفرنسيين يتحكمون فيها، وبدأت هذه الدول الثلاث، بدعم من موسكو، تشكيل منظمة إقليمية جديدة تحت اسم (تحالف دول الساحل)، هدفها الوقوف في وجه منظمة «إيكواس».

صورة جماعية لقادة دول مجموعة «إكواس» في أبوجا السبت (رويترز)

علاقات ودية

وفيما يزيد النفوذ الروسي من التوتر في غرب أفريقيا، لا تتوقف موسكو عن محاولة كسب حلفاء جدد، خاصة من بين الدول المحسوبة تقليدياً على فرنسا، والسنغال تعد واحدة من مراكز النفوذ الفرنسي التقليدي في غرب أفريقيا، حيث يعود تاريخ الوجود الفرنسي في السنغال إلى القرن السابع عشر الميلادي.

ولكن السنغال شهدت تغيرات جذرية خلال العام الحالي، حيث وصل إلى الحكم حزب «باستيف» المعارض، والذي يوصف بأنه شديد الراديكالية، ولديه مواقف غير ودية تجاه فرنسا، وعزز هذا الحزب من نفوذه بعد فوزه بأغلبية ساحقة في البرلمان هذا الأسبوع.

وفيما وصف بأنه رسالة ودية، قال الكرملين إن بوتين وديوماي فاي «تحدثا عن ضرورة تعزيز العلاقات الروسية السنغالية، وهي علاقات تقليدية تطبعها الودية، خاصة في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية».

ميليشيا «فاغنر» تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)

وأضاف بيان الكرملين أن الاتفاق تم على أهمية «تنفيذ مشاريع مشتركة واعدة في مجال الطاقة والنقل والزراعة، خاصة من خلال زيادة مشاركة الشركات الروسية في العمل مع الشركاء السنغاليين».

وفي ختام المباحثات، وجّه بوتين دعوة إلى ديوماي فاي لزيارة موسكو، وهو ما تمت الموافقة عليه، على أن تتم الزيارة مطلع العام المقبل، حسب ما أوردت وسائل إعلام محلية في السنغال.

وسبق أن زارت وزيرة الخارجية السنغالية ياسين فال، قبل عدة أشهر العاصمة الروسية موسكو، وأجرت مباحثات مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، حول قضايا تتعلق بمجالات بينها الطاقة والتكنولوجيا والتدريب والزراعة.

آثار الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين بدكار في 9 فبراير (رويترز)

حياد سنغالي

رغم العلاقة التقليدية القوية التي تربط السنغال بالغرب عموماً، وفرنسا على وجه الخصوص، فإن السنغال أعلنت اتخاذ موقف محايد من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وطلبت قبل أشهر من السفير الأوكراني مغادرة أراضيها، بعد أن أدلى بتصريحات اعترف فيها بدعم متمردين في شمال مالي، حين كانوا يخوضون معارك ضد الجيش المالي وقوات «فاغنر».

من جانب آخر، لا تزالُ فرنسا الشريك الاقتصادي الأول للسنغال، رغم تصاعد الخطاب الشعبي المعادي لفرنسا في الشارع السنغالي، ورفع العلم الروسي أكثر من مرة خلال المظاهرات السياسية الغاضبة في السنغال.

ومع ذلك، لا يزالُ حجم التبادل التجاري بين روسيا والسنغال ضعيفاً، حيث بلغت صادرات روسيا نحو السنغال 1.2 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يمثل 8 في المائة من إجمالي صادرات روسيا نحو القارة الأفريقية، في المرتبة الثالثة بعد مصر (28 في المائة) والجزائر (20 في المائة). ولا يخفي المسؤولون الروس رغبتهم في تعزيز التبادل التجاري مع السنغال، بوصفه بوابة مهمة لدخول أسواق غرب أفريقيا.