لا ينفي رئيس الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت، الدكتور ميشال معوض، أن كل القطاع التعليمي في لبنان يمر بمرحلة صعبة جداً «لأن البلد يمر بالمرحلة نفسها، وتقريباً الانهيار، ولا توجد ميزانية لأي من القطاعات»، وعد أن «القطاع التعليمي مثل الصحي، يعانيان جداً من نقص الموارد».
ويقول الدكتور معوض في حوار مع «الشرق الأوسط»: «نواجه في الجامعة صعوبات كثيرة، ونحمد الله أننا نتخطاها واحدة تلو الأخرى. الصعوبة الكبيرة التي لا ينتبه لها الناس، هي هجرة الأدمغة من لبنان والجامعة. ونحن اليوم خسرنا بين الـ20 إلى 25 في المائة من الأطباء الذين يدرسون ولديهم تخصصات من الخارج، وهذا يؤثر على تربية الطالب وتعليمه الطب أو الصيدلة أو التمريض، لأن الأساتذة الذين أتينا بهم من الخارج من أميركا وأوروبا قد يغادرون البلد، وهؤلاء يملكون شهادات عالية من أميركا، خصوصاً صغار العمر ومن مصلحة لبنان والجامعة أن يبقوا».
هجرة الأدمغة
تلك المشكلة هي الأبرز التي يعاني منها قطاع التعليم، وتتشاركها معظم الجامعات اللبنانية. ويقول إن «هجرة الأدمغة والطاقة التعليمية في قطاع التعليم العالي خطرة جداً، لأنها طويلة الأمد وتحتاج لسنوات عديدة ومال». وإضافة إلى خسارة الطاقة البشرية والتعليمية في قطاع التعليم العالي التي يراها «مضرة للقطاع»، تخرج مسألة الطلاب الذين «لم يعد الكثير منهم قادراً على تحمل التكاليف، لأن القدرة الشرائية تدنت قيمتها نحو 15 ضعفاً»، مشدداً على «أننا نعمل أقصى جهدنا لنأتي بالمال لنحتفظ بالطلاب». وتنطلق هذه الأولوية لأن الجامعة اللبنانية باتت شبه غائبة، ما سيضطر الطلاب للذهاب إلى أعمال صغيرة أو الانخراط في أحزاب ومنظمات تكفيرية، «وهذا سيشكل خطراً على الدول الأكبر منا»، وانطلاقاً من قناعة تعزيز الرقي وتغيير تفكير الشباب.
هذه المهمة، كلفت الجامعة 70 مليون دولار في العام الماضي منحاً دراسية، وتضاعف هذا المبلغ إلى 100 مليون في العام الحالي «سعياً قدر الإمكان لإبقاء الطلاب، لكن حتى الآن زاد نحو 3 في المائة من الجسم الطلابي»، فقد كان لدى الجامعة في العام الماضي 8360 طالباً، أما العام الحالي «فلدينا 8500». وقال: «نحن بحاجة لإدخال أموال بالدولار لتغطية مصاريفنا، فالمحروقات بالدولار، وكنا نضع مليونا و300 ألف دولار سنوياً، أما الآن فأصبحت الميزانية 8 ملايين و700 ألف دولار، مصاريف للكهرباء والإنترنت والمياه والتدفئة»، مشدداً على «أننا مؤسسة خاصة لا تبغي الربح، ولكننا مجبورون لنؤمن البديل عما لم تستطع الدولة تأمينه، وهذا يشكل ضغطاً علينا».
عجز بالملايين
يقول معوض: «بلغ عجز الجامعة في العامين الماضيين 72 مليون دولار، أي نحو 36 مليون دولار في السنة، ما أجبرها على سحب 72 مليون دولار من «الوقفية» في أميركا لتغطية مصاريفها، وترك الطلاب في الصفوف، وتمكين الأساتذة ليواصلوا التدريس»، مشيراً إلى «أننا وصلنا إلى مرحلة إطفاء أضواء بعض الأبنية ليس فقط بسبب غلاء المازوت بل بسبب فقدانه أيضا».
ورغم كل التحديات، يقول معوض:«لم تتوقف الجامعة عن مواكبة التطورات العلمية الحديثة، وكان لها السبق في إطلاق اختصاصات جديدة تواكب آخر الإنجازات العلمية الحديثة في (الذكاء الصناعي)، و(هندسة النانو) و(الروبوتيك)». إضافة إلى افتتاح مختبرات حديثة في كليات الطب والهندسة في مجالات عدة تواكب آخر التطورات الأكاديمية والعلمية في العالم. ومن الإنجازات المهمة افتتاح المركز الطبي للجامعة في جونية، مستشفى سان جون (مار يوحنا) استكمالاً لرسالة الجامعة في التفاعل مع مجتمعها والارتقاء به نحو الأفضل.
توسع إلى الخارج
وفيما تحتاج الجامعة إلى 5 سنوات لتعيد تنظيم أمورها، يرى معوض أن خروج لبنان من أزمته مرهون بالوقت. ويحتاج لضخ سيولة، «ونسعى بشتى الطرق لنجد مصادر تمويل من الخارج».
وتبدأ الجامعة بخطة التحصيل العلمي عبر الإنترنت (أونلاين) رغم أن «وزارة التربية هنا لم تسمح بعد بأن تأخذ شهادة أونلاين». وقال: «تعاقدنا مع شركة لكي تسوق لنا اختصاصاتنا أونلاين من أجل الطلاب خارج لبنان، ونقول لجميع الطلبة الذين يدرسون أونلاين لدينا، إن هذه الشهادة غير معترف بها في لبنان، ولكن معترف بها بالخارج»؛ وأضاف: «نقدم التعليم عن بُعد عبر شركات عالمية منها أسترالية وأميركية، لنسوق مشاريع الأونلاين ونحصل على عائدات مالية من الخارج».
فضلاً عن ذلك، «لدينا مكاتب في نيويورك منذ 2013 والآن بدأنا تحويلها إلى حرم جامعي يستطيع أن يعطي شهادات لأن الطلب كبير في الولايات المتحدة لطلاب غير أميركيين يريدون الذهاب إلى أميركا للتعليم». ويستطرد: «في نيويورك لدينا فريق عمل صغير يحول مكاتب الجامعة اللبنانية الأميركية هناك من مكاتب عادية إلى حرم جامعي يقدم شهادات، والهدف الرئيسي هو أن نأتي بالواردات من الخارج لتساعدنا على الاستمرار». موضحاً: «إننا نسعى أيضاً لتعميم التجربة في البلدان العربية، ووكلنا شركات لتدرس السوق في السعودية، ونصحتنا أن هناك مجالاً في الرياض، وخياراً في بغداد».
وتتجه «LAU» إلى التوسع في المحيط العربي من خططها الطموحة لبناء حرم جامعي في بغداد، خلال السنوات الثلاث المقبلة، تشتمل على بناء حرم جامعي، وكليات للعلوم الطبية، إلى جانب مشاريع للتوسع نحو السعودية ومصر. وتستند الاتفاقية إلى الخطط والمبادرات الاستراتيجية التي تبنتها الجامعة اللبنانية الأميركية (LAU) وقضت بتوسيع أطر رسالتها التعليمية إلى خارج لبنان.
توسع الجامعة
يتابع معوض: «تكبر الجامعة اليوم، ولدينا شغف بالطلاب اللبنانيين وغيرهم الذين يعيشون في لبنان، نحن منفتحون على كل العالم. لسنا مسيسين أو نتبع ديناً محدداً، ولا نفرق بين الطلاب، ونستخدم جميع طاقاتنا للتعليم وتحسين الطلاب، كما أننا نؤمن لهم فرص عمل في لبنان والخارج». ويوضح: «يفترض أن يساعد القطاع التعليمي الخاص والاستشفائي الخاص القطاع العام، والعكس صحيح، لكن في ظل تعثر الدولة اللبنانية، بات القطاع الخاص بمستوى جيد فيما انخفض مستوى القطاع العام». ويرى أن واجب القطاع الخاص مساعدة القطاع العام، وهو واجب على المواطن أيضاً لجهة مكافحة التهرب الضريبي والمساهمة بإنماء الدولة.
وفي ظل ضعف الرقابة الحكومية التي أنتجت جامعات عشوائية أدت في نهاية المطاف إلى تزوير في الشهادات، يصر على أن الجامعات العريقة التي لا تبغي الربح مثل «AUB» و«LAU» و«USJ» وغيرها، «من مصلحتها أن تكون جودة التعليم فيها عالية، وأي شيء يدخل إلى الجامعة هو من أجل تغطية مصاريفنا، وإنماء بناء الجامعة، والمختبرات، والأبحاث العلمية، وأيضاً مساعدة التلاميذ»، ويأسف لأن بعض الجامعات أساءت استخدام سمعة لبنان وأضرت بسمعة التعليم فيه. ويطالب الدولة بمراقبة الجامعات والمستوى التعليمي والمستشفيات وبمنع الغش والتزوير.