بريق النجوم يخطف وهج «باريس لربيع وصيف 2023»

الرغبة في لفت الأنظار ضيّعت محاولات الابتكار في أسبوع «عاصمة الأناقة»

كايني ويست في عرض «جيفنشي» (أ.ف.ب)
كايني ويست في عرض «جيفنشي» (أ.ف.ب)
TT

بريق النجوم يخطف وهج «باريس لربيع وصيف 2023»

كايني ويست في عرض «جيفنشي» (أ.ف.ب)
كايني ويست في عرض «جيفنشي» (أ.ف.ب)

انتهت دورة الموضة لموسمي ربيع وصيف 2023 في باريس. آخر محطاتها بمشاركة أكثر من مائة علامة تجارية. المحطة الأولى كانت منذ أكثر من شهر في نيويورك. هناك بدأت هادئة، لتنتقل بعدها إلى لندن التي توشحت بالحزن حداداً على ملكتها إليزابيث الثانية. عندما حطت في ميلانو كانت قد اكتسبت بعض الدفء. أما في باريس فكانت الصورة مختلفة تماماً، من ناحية أن إيقاعها تسارع بشكل غير مسبوق شبّهه البعض باضطراب فرط الحركة. السبب لا يتعلق بحركة السير أو الازدحام الذي شهدته شوارعها فحسب، بل أيضاً في نوعية الحضور، الذين غيروا الكثير من شخصيتها الفرنسية. بات أسبوعها يُشبه أسبوع نيويورك عندما كانت الشوارع والصفوف الأمامية تعج بالنجوم والنجمات. كان حضورهم يُضفي على العروض أهمية، بيد أنها أهمية تُكلف المصممين الكثير حين تُغطي صورهم وأخبارهم على صور إبداعاتهم. هكذا كانت باريس في أسبوعها لربيع وصيف 2023. باقة من النجوم شاركت في العروض أو احتلت الصفوف الأمامية، من إيفا لونغوريا، ومونيكا بيلوتشي في عرض «إيلي صعب»، وكريستين ستيوارت في عرض «شانيل»، وزيندايا في «فالنتينو»، والمغنية شير في «بالمان»، وكيني ويست في «بالنسياغا». هذا فضلاً عن العارضات جيجي وبيلا حديد وناعومي كامبل وأميرتا موناكو شارلين وشارلوت، والفنان جيف كونز... وهلم جرا. غنيّ عن القول أن الأسبوع كان أيضاً فرصة لإقامة الحفلات الضخمة. فاليري ميسيكا، مصممة دار المجوهرات «ميسيكا»، أقامت حفلاً ضخما دعت إليه كل النجوم والنجمات الذين كانوا في باريس، إلى جانب باقة من المؤثرات من كل أنحاء العالم. كانت ليلة تنافس بها النجوم مع بريق الألماس والذهب،


بيلا حديد في عرض «فيكتوريا بيكام» (أ.ف.ب)

بيد أن اللافت في الأسبوع أنه لم يتعرض إلى غزو النجوم أو الحركة المفرطة فحسب، بل تميز أيضاً بجدل أُثير تارة من باب «خالف تُعرف»، كما هو الحال بالنسبة لكيني ويست، وتارة للتميز بطرح جديد يبدو غير مسبوق، لكن كتب التاريخ تُذكرنا بأنه مُقتبس، وبشكل حرفي أحياناً. في هذه الحالات يراهن المصمم على أن جيل «زي» لا يتذكر تفاصيل من الثمانينات أو التسعينات أو ما قبلهما، ويُغلف فكرة قديمة بشكل جديد تساعد عليه أدوات العصر. أكبر مثال على هذا ما قامت به علامة «كوبرني» بخلقها فستاناً من لا شيء أمام أعين الحضور. كان يبدو مبتكراً بالنسبة للجيل الجديد الذي تداول بانبهار على «تيك توك» وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي العملية بحذافيرها. بواسطة «سبراي» تم رشه على جسد العارضة بيلا حديد العاري لنحو 10 دقائق تقريباً، تحول كالسحر إلى قماش وفستان أبيض أنيق. الجيل المخضرم في المقابل تذكر عملية مماثلة للراحل ألكسندر ماكوين يعود تاريخها إلى عام 1999. نعم تغيرت الوجوه، لكن الفكرة واحدة، كذلك الصورة النهائية. عِوض العالمين مُبتكري «السبراي» الجديد اللذين ظهرا في عرض «كوبرني» لتنفيذ الفستان، استعمل ماكوين روبوتات لرش «سبراي» بمواصفات قريبة، على جسم العارضة شالوم هارلو. النتيجة أيضاً كانت فستاناً أبيض أنيقاً.


المصممة فاليري ميسيكا مع كارلا بروني (غيتي)

إلى جانب محاولة «كوبرني»، كانت هناك محاولات أخرى للفت الانتباه وتحريك وسائل التواصل الاجتماعي، صبّ أغلبها في طريقة العرض والديكورات. فهذه تباينت بين مغارات تستحضر قصوراً، كما في عرض «ديور»، وبين طرقات موحلة وحفرات طينية مضاءة بشكل خافت تفوح منها رائحة التربة الرطبة، كما في عرض «بالنسياغا».
الأزياء هي الأخرى فاحت منها روائح الماضي. ملامح من أسلوب ماكوين مثلاً ظهرت في عرض «بالمان» من خلال أحذية «البلاتفورم» العالية. وفي عرض «جيفنشي» من خلال مجموعة من جاكيتات «التويد» لا تختلف كثيراً عما تقدمه «شانيل» منذ عقود. في عرض إيزابيل مارون ظهرت ملامح من أسلوب «بالنسياغا»، فيما ذكرتنا بعض الإطلالات التي اقترحتها فيكتوريا بيكام بأسلوب مارتن مارجيل وعز الدين علايا.


مونيكا بيلوتشي في عرض «إيلي صعب»

أما بالنسبة للجانب الذي يتعلق بالجدل، فيبقى بطله النجم كيني ويست دون منازع. ليس جديداً وصفه بالمُدمن على إثارة الجدل. هذه المرة أيضاً حاول استعماله من باب الدعاية لنفسه. سواء كان يتوقع أن يكون الهجوم عليه شرساً بهذا الحجم أو لا، فستجيب عنه الأيام فقط، لكن قد يُكلفه الكثير على المدى البعيد. ففضلاً عن أنه جعل الحضور ينتظرون عرضه «ييزي» لنحو ساعتين، فإن من جلس منهم صابراً، لم يتمكن من رؤية الكثير من المجموعة؛ لأنه وبكل بساطة قدمها في حلكة الظلام. وكأن هذا لا يكفي لإثارة حفيظة الحضور، ظهر مع كانديس أوينزي، المذيعة والناشطة السياسية الأميركية، بـ«تي شيرت» كُتبت عليه عبارة: «حياة البيض مهمّة»، وهو الشعار العنصري الذي يتبناه المتشدّدون البيض رداً على شعار: «حياة السود مهمّة». بالنظر إلى ردود الفعل، فقد نجح في إثارة الجدل وإن لم ينجح في تقديم أي جديد. العارضة المخضرمة ليندا إيفانجيلستا، اختزلت كل ردود الفعل بتصريحها بأن حال الموضة حالياً «يجعلني حزينة».


الممثلة التركية بينار دينيز في حفل مجوهرات «ميسيكا» (غيتي)

 


مقالات ذات صلة

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة النجمة المصرية نيللي كريم كما ظهرت في عرض هنيدة الصيرفي (هيئة الأزياء)

الرياض... لقاء الثقافة والأناقة

غالبية العروض في الدورة الثانية من أسبوع الرياض منحتنا درساً ممتعاً في كيف يمكن أن تتمازج الثقافة والهوية بروح الشباب التواقة للاختلاف وفرض الذات.

جميلة حلفيشي (لندن)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
TT

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

انتهى عرض إيلي صعب في الرياض، أو الأحرى احتفالية «1001 موسم من إيلي صعب» بمرور 45 على انطلاقته في بيروت، ولم تنته ردود الأفعال. فالعرض كان خيالياً، شارك فيه باقة من نجوم العالم، كان القاسم المشترك بينهم إلى جانب نجوميتهم وشعبيتهم العالمية، حبهم لإيلي صعب... الإنسان.

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع. طبعاً تقديم العرض الضخم بدعم الهيئة العامة للترفيه ضمن فعالية «موسم الرياض 2024» كان له دور كبير في إنجاح هذه الفعالية. فقد توفرت كل اللوجيستيات المطلوبة لتسليط الضوء على أيقونة عربية لها تأثير كبير على الساحة العربية والعالمية، نذكر منها:

1-أول عربي يقتحم باريس

عرضه لخريف وشتاء 2024 ضمن عروض «الهوت كوتور» كان لوحة رومانسية من «ألف ليلة وليلة» (إيلي صعب)

هو أول من وضع الموضة العربية ضمن الخريطة العالمية بوصفه أول مصمم عربي يخترق العالمية وينافس كبار المصممين بأسلوب شرقي معاصر. استقبلته باريس بالأحضان ودخل البرنامج الرسمي لـ«هوت كوتور» من باب الفيدرالية الفرنسية للموضة كأول مصمم عربي مُبدع. فالصورة المترسخة في أذهان خبراء الموضة العالميين عن المصممين العرب في الثمانينات من القرن الماضي أنهم مجرد خياطين يقلدون إصداراتهم. كان عز الدين علايا الاستثناء الوحيد قبله.

2-احترام المرأة العربية

من تشكيلته لخريف وشتاء 2024... أزياء تتميز بالرومانسية وسخاء التطريز (إيلي صعب)

هو من فتح عيون الغرب، ليس على قدرة المرأة العربية الشرائية فحسب، بل وعلى تأثيرها على المشهد الإبداعي، بالتالي رد لها اعتبارها. فرغم أنها ومنذ السبعينات تُنعش قطاع «الهوت كوتور» كزبونة متذوقة ومقتدرة، فإنها لم تحصل على الحظوة نفسها التي كانت تتمتع بها مثيلاتها في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً. نجاحه في الثمانينات وبداية التسعينات يعود إلى هذه المرأة، التي أقبلت على تصاميمه، وهو ما استوقف باقي المصممين، وفتح شهيتهم لدخول «الهوت كوتور» ومخاطبتها بلغة أكثر احتراماً. دار «فيرساتشي» مثلاً أطلقت خطها في عام 1989، فيما أطلق جيورجيو أرماني خطه «أرماني بريفيه» في عام 2005 إلى جانب آخرين وجهوا أنظارهم شرقاً متسابقين على نيل رضاها.

3- ارتقى بمهنة التصميم

تحول إلى مدرسة قائمة بذاتها، كما تخرج على يده العديد من المصممين الشباب الذين نجحوا (إيلي صعب)

نجاحه غيّر النظرة إلى مهنة تصميم الأزياء في الوطن العربي، من المغرب الأقصى إلى الشرق. بدأ الجميع يأخذها بجدية أكبر، فلا المجتمع بات يراها قصراً على المرأة أو على الخياطين، ولا الرجل يستسهلها. أصبحت في نظر الجميع صناعة وفناً يحتاجان إلى صقل ودراسة وموهبة.

4-قدوة للشباب

من تشكيلته لـ«هوت كوتور خريف وشتاء 2024» (إيلي صعب)

تخرج على يده العديد من المصممين الشباب. كان قدوة لهم في بداية مشوارهم، ثم دخلوا أكاديميته وتعلموا على يده وفي ورشاته. كلهم يشهدون له بالإبداع ويكنون له كل الاحترام والحب. من بين من هؤلاء نذكر حسين بظاظا ورامي قاضي وغيرهم كثيرون.

5-اقتناع برؤيته الفنية

لم يغير جلده أو أسلوبه رغم كل التحديات. كان له رؤية واضحة تمسك بها وكسب (رويترز)

أكد للجميع أنه يمتلك رؤية خاصة لم يغيرها في أي مرحلة من مراحل تطوره. حتى الانتقادات التي قُوبل بها في باريس في البداية، واجهها بقوة وتحدٍ، ولم يخضع لإملاءاتهم لإرضائهم أو لتجنب هجماتهم الشرسة على شاب عربي يتكلم لغة فنية جديدة في عُقر دارهم. بالعكس زاد من جرعة الرومانسية وسخاء التطريز، وأعطاهم درساً مهماً أن الرأي الأول والأخير ليس لهم، بل للمرأة عموماً، والسعودية تحديداً. كانت خير مساند له بحيث أدخلته القصور والبلاطات، وجعلته ضيفاً مرحباً به في أعراسها ومناسباتها المهمة.