ارتبط منصب «رئيس التحرير» بمجالات الإعلام، من الصحف والمجلات وبرامج التلفزيون، لكن أن يترأس دار النشر قائد بهذا المسمى الوظيفي، فيبدو ذلك سابقة في عالم النشر العربي؛ حيث يأتي إبراهيم آل سنان، وهو رئيس تحرير دار «رف» للنشر، التابعة للمجموعة السعودية للأبحاث والإعلام، ليبين أن الأصل فيمن يهتم بالمحتوى الخاص بالكتب أن يكون «رئيس تحرير»، وهو مسمى عالمي درج في أعرق دور النشر.
وأشار آل سنان، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، داخل أروقة معرض الرياض الدولي للكتاب، إلى أن منصب «مدير النشر» نشأ في العالم العربي، وهو ما يرجعه لكون معظم دور النشر العربية إما صغيرة وإما عائلية، ولا تضم هيكلاً إدارياً أو أقساماً متعددة، وتغيب عنها المسميات الوظيفية والمهام الواضحة، ومن هذا المنطلق درجت تسمية مالك الدار بمدير النشر أو أن يُعيّن من يكون بهذا المسمى الوظيفي، بينما هو في الواقع لا يمثل حقيقة الدور الذي يقوم به.
ويوضح آل سنان أن «دار رف» للنشر لديها هيكلة، بالنظر لكونها تتبع شركة كبيرة وعريقة في المنطقة، ما خوّلها لأخذ أفضل المعايير في عالم النشر، بما في ذلك وجود «رئيس تحرير» للدار. ويستند آل سنان هنا إلى أن كلمة تحرير مرتبطة بالكتاب مباشرة، من حيث اللغة والترجمة والتدقيق وغير ذلك، فضلاً عن كونها النموذج العالمي المتعارف عليه في صناعة النشر.
الريادة الثقافية
يتناول آل سنان، خلال حديثه، مفهوم «الريادة الثقافية» باعتبارها أحد المفاهيم الجديدة، في ريادة الأعمال بالمجال الثقافي، مع وجود المسرّعات ووفرة الدورات التي تتناول نظم التحرير ونظم إدارة النشر وغيرها من موضوعات تُقدم للناشرين، مبيناً أن هذه الجزئية كانت ضعيفة في صناعة النشر العربي، مع غياب المؤسسات آنذاك؛ حيث كانت في أغلبها مبادرات من أشخاص شغفوا بالكتابة والتأليف، وجاءوا من خلفية ولعهم بالكتب وعوالم القراءة.
6 من كل 10 قراء يشترون الكتب الورقية بعد قراءتها رقمياً (ت: بشير صالح)
رقمنة الثقافة
ورغم توغل الرقمنة في شتى المجالات، بما فيها الثقافة، يرى آل سنان أن الكتاب الورقي ما زال متوهجاً ومطلوباً، لكن لماذا ندفع لرقمنة الثقافة؟ يجيب: «لأن رقمنة الثقافة تحل الكثير من المشكلات، خصوصاً المتعلقة بتوزيع الكتب، وكذلك النواحي اللوجستية، فالرقمنة أصبحت الآن وسيلة لوصول الكتاب بشكل أفضل، ولذلك نحن ندفع إليها، من خلال جهود وزارة الثقافة أو من خلال دور النشر».
ويبدو مفاجئاً ما ذكره آل سنان من أن القراء الذين يقرأون الكتاب الرقمي يعود 6 منهم من كل 10 لشراء ذات الكتاب ورقياً، مشيراً إلى أن الكتاب الرقمي والصوتي بدأ يتجاوز مشكلات التوزيع والتسويق؛ حيث أصبح الكتاب في السعودية يصل لبلدان بعيدة حول العالم رقمياً وصوتياً، بما فيها المناطق التي لا يصلها الشحن لأسباب متعددة. وعلى الرغم من إيمانه بأن الكتاب الرقمي مهم جداً لتوسيع قاعدة القراء وضمان وصول الكتب لأقاصي المعمورة، فإنه يؤكد أن ذلك ليس من شأنه إنهاء الكتاب الورقي، الذي يؤكد استمراريته.
مزاج القارئ
هذه التحوّلات الثقافية انعكست بدورها على ذائقة القارئ ومزاجه، وهنا يوضح آل سنان أن القراء أصبحوا أكثر ثقافة وعلماً ومعرفة، وصار من الضروري بالنسبة لهم أن يكون المحتوى ذا قيمة معرفية وثقافية عالية، مبيناً أنه في السابق كانت هناك ندرة في وجود المؤلفين آنذاك في مجالات معينة، الأمر الذي جعل القراء محدودين من حيث الاهتمام بموضوعات معينة.
وأفاد بأن هناك حالة من التسابق بين المؤلفين على صناعة المحتوى، بما يشمله ذلك من محتوى الأفلام والبودكاست وغير ذلك، وهذه المنطقة يعتقد أنها أسهمت في رفع ذائقة القراء؛ حيث صاروا يرون ويسمعون ويشاهدون منتجات ثقافية ذات جودة تنافسية عالية، وهو ما رفع من سقف مطالبهم تجاه دور النشر، فالأمر لم يعد هيناً كما السابق، بحسب وصفه، بالنظر لارتفاع وعي القارئ اليوم، مما يراه يشكّل تحدياً لدور النشر.
ويشير آل سنان إلى ارتفاع الطلب على الكتب الفلسفية في الآونة الأخيرة، وهو ما أرجعه لاهتمام إحدى دور النشر بالفلسفة وتقديمها بطريقة معاصرة وحديثة تتناسب مع متطلبات القراء الشباب، مما رفع الإقبال على الكتب الفلسفية، بينما في السابق كانت قراءة الكتب الفلسفية مقتصرة على النخبة المثقفة، كما يفيد.
معرض الرياض للكتاب
بسؤال آل سنان عن دورة هذا العام من معرض الرياض الدولي للكتاب، أكد أنها الأفضل مقارنة بالدورات السابقة من النواحي كافة، ويضيف: «أنا سعيد اليوم بازدياد عدد دور النشر السعودية الناشئة، ومعظمها دور ناشئة لديها أسماء كبيرة وموضوعات مهمة في شتى المجالات».
كما يرى أن حركة التأليف صارت مرتفعة كذلك، لدرجة أن الكثير من دور النشر باتت غير قادرة على مواكبة هذا النشاط الكبير. ويرجع آل سنان هذا الوهج الثقافي إلى جهود وزارة الثقافة السعودية التي عملت على تشجيع الشباب الشغوفين في مجال الكتابة والتأليف من خلال عدد من المبادرات والمشروعات الداعمة.
وعن دار «رف» للنشر، يفيد رئيس تحريرها بأن الثقافة من شأنها أن تكون مستدامة، بينما في الماضي كانت الثقافة تقتات على المبادرات والدعم المتقطع. ويشير إلى أن جناح الدار المشارك في معرض الرياض الدولي للكتاب يضم أجهزة استبيان للقراء، لتصنيفهم ومعرفة اهتماماتهم وتوجهاتهم القرائية، وبناء على ذلك تحدد الدار خطتها للعام المقبل.