ما علاقة المومياوات الفرعونية بفوز سفانتي بابو بـ«نوبل الطب»؟

العالم السويدي اعترف بفضلها قبل 14 عاماً

العالم السويدي سفانتي بابو (معهد ماكس بلانك)
العالم السويدي سفانتي بابو (معهد ماكس بلانك)
TT

ما علاقة المومياوات الفرعونية بفوز سفانتي بابو بـ«نوبل الطب»؟

العالم السويدي سفانتي بابو (معهد ماكس بلانك)
العالم السويدي سفانتي بابو (معهد ماكس بلانك)

لم يذكر بيان اللجنة التي منحت العالم السويدي سفانتي بابو، جائزة نوبل في الطب هذا العام، أي إشارة، إلى أبحاث جينية أجراها على المومياوات المصرية، غير أن فوز العالم بالجائزة، أعاد الاهتمام بمقابلة صحافية عمرها 14 عاماً، اعترف خلالها بدور المومياوات المصرية في توجيه اهتمامه البحثي.
وتدور أبحاث العالم السويدي حول جمع المعلومات الجينية من فترات زمنية أبعد بكثير من نشأة الحضارة المصرية، غير أنه قال في المقابلة الصحافية التي نشرتها دورية «بلوس جينتكس» في 28 مارس (آذار) 2008، إن شغفه بالحضارة المصرية والمومياوات الفرعونية، قاده إلى استخلاص الحمض النووي من عينة إحدى المومياوات، ليدرك حينها أن الحمض النووي يمكن أن يظل في نواة الخلايا رغم مرور السنين.
وحكى بابو، خلال المقابلة، أنه كان مهتماً بعلم المصريات منذ أن كان عمره 14 سنة، وهو ما دفع والدته إلى اصطحابه في رحلة إلى مصر، وجعلته هذه الرحلة مفتوناً أكثر بالأهرامات والمومياوات الفرعونية، فعاد وزار مصر مجدداً مع والدته مرتين.
ورغم عشقه للآثار وكل ما هو قديم، فإنه عندما درس علم المصريات بجامعة «أوبسالا» بالسويد أصيب بخيبة أمل، فلم يكن الأمر رومانسياً كما اعتقد، فتحول إلى دراسة الطب، ليتخصص لاحقاً في علم دراسة الجينات، غير أن عشقه القديم للآثار، حرك بداخله شغفاً بالدراسة الجينية للمومياوات المصرية.
ويقول خلال المقابلة، إنه أثناء إعداد بحث الدكتوراه، قام بالتوازي بتنفيذ مشروع بحثي آخر كان يحلم به، وهو محاولة تحليل الحامض النووي (دي إن أيه) لمومياوات قدماء المصريين، وحصل بالفعل على 36 عينة من مومياوات مصرية من متاحف في أوروبا، وكانت المفاجأة التي شكلت اهتماماً بحثياً جديداً لديه، هي اكتشافه أن خلايا أحد الأنسجة بدأت تشع عند صبغها بالفلوريسن ليعلن بذلك وجود بقايا حامض نووي في نواة الخلايا يمكن فحصه، رغم مرور كل هذه السنوات.
ومنذ ذلك الحين، بات بابو مفتوناً بدراسة الحامض النووي (دي إن أيه) في الحفريات القديمة التي يسبق وجودها المومياوات المصرية بآلاف السنين، وتمكن من تطويره تقنيات تسمح بدراسة بقايا الجينوم المستخرجة من حفريات أسلاف البشر (النياندرتال) و(الدينوسوفان)، وهي المهمة التي قالت عنها لجنة نوبل إنها كانت «شبه مستحيلة».
وتبدو صعوبة المهمة بسبب طول الفترة الزمنية التي تسبق المومياوات المصرية بآلاف السنين، وهي كافية لجعل الحامض النووي يتحلل إلى أجزاء قصيرة، وما يتبقى منه يكون ملوثاً بشكل كبير بالحامض النووي من البكتيريا، غير أنه استطاع التغلب على هذه المشكلة وتطوير تقنيات سمحت له باستخراج الحامض النووي من حفريات عمرها نحو 40 ألف سنة، وهو ما مكنه من نشر أول تسلسل جينوم لإنسان «نياندرتال» في عام 2010، وأظهرت التحليلات المقارنة أن أحدث سلف مشترك لإنسان «نياندرتال» والإنسان العاقل عاش منذ نحو 800 ألف عام.
وأصبح بإمكان بابو وزملائه التحقيق في العلاقة بين إنسان «نياندرتال» وبشر العصر الحديث، من أجزاء مختلفة من العالم، وأظهرت التحليلات المقارنة أن تسلسلات الحمض النووي من «نياندرتال» كانت أكثر تشابهاً مع تسلسلات من البشر المعاصرين الذين نشأوا من أوروبا أو آسيا أكثر من البشر المعاصرين القادمين من أفريقيا، وهذا يعني أن «النياندرتال» والإنسان العاقل تزاوجوا خلال آلاف السنين من التعايش، في البشر المعاصرين من أصل أوروبي أو آسيوي.
وأكدت أبحاثه أيضاً وجود نسب من الحامض النووي لـ«نياندرتال» في كثير من شعوب الأرض، ووجد أن من لديه نسبة ولو بسيطة من جينات هذا الإنسان المنقرض تكون إصابته بـ«كوفيد – 19» شديدة جداً.


مقالات ذات صلة

للمرة الأولى... لجنة «نوبل» تتواصل عبر الفيديو مع الإيرانية نرجس محمدي

شؤون إقليمية للمرة الأولى... لجنة «نوبل» تتواصل عبر الفيديو مع الإيرانية نرجس محمدي

للمرة الأولى... لجنة «نوبل» تتواصل عبر الفيديو مع الإيرانية نرجس محمدي

تحدثت لجنة نوبل للمرة الأولى مع الإيرانية نرجس محمدي، التي حازت جائزتها للسلام لعام 2023 وأُفرِج عنها موقتاً في بلادها لأسباب طبية.

«الشرق الأوسط» (أوسلو)
شؤون إقليمية نرجس محمدي (رويترز)

تدهور صحة السجينة الإيرانية نرجس محمدي ونقلها إلى المستشفى

وافقت السلطات الإيرانية على نقل السجينة الحائزة على جائزة نوبل للسلام نرجس محمدي إلى المستشفى بعد نحو تسعة أسابيع من معاناتها من المرض.

«الشرق الأوسط» (دبي)
الاقتصاد الخبير الاقتصادي سايمون جونسون بعد فوزه المشترك بجائزة نوبل في الاقتصاد بمنزله في واشنطن يوم الاثنين 14 أكتوبر 2024 (أ.ب)

الفائز بـ«نوبل الاقتصاد»: لا تتركوا قادة شركات التكنولوجيا العملاقة يقرّرون المستقبل

يؤكد الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد سايمون جونسون على ضرورة أن يستفيد الأشخاص الأقل كفاءة من الذكاء الاصطناعي، مشدداً على مخاطر تحويل العمل إلى آلي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق خلال إعلان الأكاديمية الملكية السويدية عن فوز ثلاثة أميركيين بجائزة نوبل للاقتصاد (رويترز)

«نوبل الاقتصاد» لـ 3 أميركيين

فاز خبراء الاقتصاد الأميركيون دارون أسيموغلو وسايمون جونسون وجيمس روبنسون، بجائزة «نوبل» في العلوم الاقتصادية، أمس، عن أبحاثهم في مجال اللامساواة في الثروة.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
الاقتصاد شاشة داخل «الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم» خلال الإعلان عن جائزة «نوبل الاقتصاد» في استوكهولم (رويترز)

عقد من التميز... نظرة على الفائزين بجائزة «نوبل الاقتصاد» وأبحاثهم المؤثرة

على مدار العقد الماضي، شهدت «الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم» تتويج عدد من الأسماء اللامعة التي أحدثت تحولاً جذرياً في فهم الديناميات الاقتصادية المعقدة.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.