4 فنانين سوريين يسردون حكايات إنسانية في معرض قاهري

على عكس المتوقع، لم تستغرق «حكايات» الفنانين السوريين الأربعة المشاركين في المعرض القاهري المقام بغاليري «آزاد»، في الحرب ببلادهم، ولم تتناول بشكل مباشر ندوبها التي لا تُمحى وطبَعَت رجالها ونساءها وأطفالها، إنما جاء المعرض المشترك الذي يضم نحو 30 لوحة من أعمال التشكيليين سهيل بدور، أكسم طلاّع، إيڤا جحجاح وسمير الصفدي، ليشكل فرصة لاطّلاع الجمهور على تجارب فنية ثرية ومتجددة حتى بالنسبة لأصحابها، وهو ما يؤسس لحالة من التواصل الثقافي بين الجمهور المصري والفن السوري بكل خصوصيته وجمالياته.
تبين الأعمال المعروضة تنوع الأساليب والتقنيات للفنانين المنتميين لأجيال مختلفة؛ ما بين الأسلوب التعبيري، والانطباعية، والحرف العربي، في تجارب تنحاز إلى الجمال وعمق المعنى، فقد خَبِر الفنانون الحياة في بلادهم، بينما زادتهم أسفارهم في داخلها وخارجها تجارب عبروا عنها بحميمية ودفء، مستلهمين واقعهم وذكرياتهم، كاشفين عن أعماق ذواتهم وتواصلهم مع الآخرين.
الفنان سهيل بدور يصف لوحاته في المعرض المستمر حتى 7 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بأنها «حكايات إنسانية» في المقام الأول، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «هي قصص تواجه الإنسان في أي مكان، قد تغلب عليها السعادة والعاطفة، وربما يأتي ذلك كمقابل تشكيلي لحالة طفت على السطح أخيراً خلال الـ15 سنة الأخيرة في الساحة الفنية العربية».
ويتابع: «إذ باتت هناك ألوان باهتة يسكبها البعض على لوحاته، وكأنهم قرروا أن يسردوا حكايات المآسي والحزن والغضب، وأصبح الفنان يحمّل لوحاته أكبر قدر ممكن من الأفكار والقضايا، في حين أنه في رأيي لا يتحمل الفن ذلك كله، وليس المطلوب منه إبداء مواقف بقدر ما يُنتظر منه بث الجمال والسلام».

ولأن شكل العالم الآن مختلف وأصبح أكثر اشتراكاً وتبادلاً في الأفكار والأقدار، كما باتت المشكلات نفسها قاسماً مشتركاً بين كل دول العالم بحسب بدور، يقول إن «الفنان حين يقدم تجارب إنسانية فهو يتناول مشكلات عالمية، فالعالم الآن ليس في أفضل أوقاته على كل الأصعدة، وهناك تراجع بارز في الثقافة والفكر والإبداع لا أجد له تفسيراً».
لا يزال مفهوم الانتظار يطل برأسه من أعمال بدور (مواليد 1957)؛ ففي هذا المعرض أيضاً نجد بعض شخوصه في حالة انتظار كما اعتدنا في معارضه السابقة، لكن ربما تكون هذه المرة في أعماله من التصوير الزيتي أكثر قلقاً وترقباً رغم ما يسودها من ألوان البهجة والفرحة، يقول: «كلنا في حالة انتظار دائم، بعض ما ننتظره يتحقق وفي الغالب الكثير لا يأتي، فهو انتظار بلا طائل، وهو في كل الأحوال يمثل حالة من الإزعاج والقلق والقليل من الفرحة للمرء».
لكن بدور، خان طفولته هذه المرة، وربما في عدد من تجاربه الفنية الأخيرة أيضاً، فالفنان الذي طالما شاهدنا أعماله تزخر بمخزونه الطفولي ومؤثرات انتمائه لقرية صلفة التي تُعد لوحة ساحرة تجسدها الطبيعة، لم نجده في هذا المعرض يحتفي بها، وقال: «نعم خنت طفولتي، قد يكون لأنني فنان محترف، ولي أدواتي الخاصة، وتتملكني الرغبة في أن أكون حاضراً في مستوى أعلى من الطفولة، وهو أمر لا أرحب به ولا أسعد به، وأتمنى أن أعود لترجمة طفولتي في أعمالي، حتى أستطيع أن أرقص وأغني بكل براءة كما أشاء، خصوصاً أنني أنتمي إلى قرية أمامها مشهد بصري ملهم».
في المعرض نفسه، تحمل أعمال الفنان أكسم طلّاع (مواليد 1963) في تجربته الحروفية بين طياتها جماليات الخط العربي بشكل معاصر. ويتميز طلّاع بأسلوب خاص في بناء اللوحات، وكأنها عمل معماري، معتمداً في تجسيد الحرف على بصيرته وإرثه من فنون الحضارة العربية، مبحراً في عوالمه التشكيلية والدلالية، ولا يسرف طلّاع في استخدام اللون أو الزخارف والحشو الشكلي في حروفه، وكأنما أراد أن يمنحها قدراً أكبر من الروحانية والصوفية، وللسبب نفسه يمنحها مساحات واسعة من الفراغ، فهو لا يملأ فضاء اللوحة بكاملها بحروفه التي يسعى دوماً لتحقيق تنوعات فيها من دون تكرار لحرف ما مع حضور الإيقاع. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا يعني كون الحرف العربي مرتبطاً بالحضارات القديمة أن يتصف بالجمود، أو أن يسعى الفنان إلى تقديمه بشكله الكلاسيكي المعتاد، لكن عليه أن يسعى إلى التجديد والاستمرارية في الإضافات المستمرة، مع البحث المستمر عن الإمكانات البصرية للحرف العربي، باعتباره (نصاً تجريدياً) له، وهو ما أعمل عليه في مشروعي الفني».

فيما تقودنا الفنانة الشابة إيفا جحجاح (مواليد 1998) إلى حكايات النساء المتّشحات بالسواد؛ إذ يجمعهن اللون الأسود في ملابسهن ونظراتهن الحائرة أيضاً، بينما فرّقهن اختلاف اتجاهات عيونهن الحزينة، وربما تروي حكايات حقيقية لنساء التقت بهن أثناء عملها في تجربتها التطوعية مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حيث نفذت كثيراً من الجداريات من أجل ترميم مدرسة دمرتها الحرب في حمص، وكذلك مع فريق المتطوعين الشباب من أجل الجوار، وعقدت عديداً من الأنشطة التعليمية والفنية لأطفال ونساء الحي، إضافة إلى أطفال ميتم «نور الهدى» التابع لهيئة الشؤون الاجتماعية، وأثناء ذلك قابلت كثيراً من الأمهات والأرامل بقصصهن التي تحمل تفاصيل صادمة وموجعة.
وفي أعمال الفنان سمير الصفدي يتجلى أسلوبه التعبيري التراجيدي، الذي يجعل لوحاته تقترب من المشاهد المسرحية التي تفجر حكايات من المعاناة الإنسانية بمختلف أنواعها وأطيافها وتناقضاتها المثيرة للدهشة، ويستوقف المشاهد الأجساد المتعبة لشخوصه التي تصرخ من الألم، ليكون الصفدي (مواليد 1982) أقرب الفنانين الأربعة إلى تجسيد روح الحرب أو تبعاتها في المعرض، وربما تتفق معه في التناول إيفا جحجاح؛ ما يطرح التساؤل: هل الفنانون الشباب أكثر تأثراً بوجع الحرب؟ وهل نشأة الصفدي في مجدل شمس الجولان كان له تأثيره أيضاً في نوعية قضاياه؟ يجيب الصفدي عن هذا التساؤل قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «بالتأكيد الفنان هو ابن بيئته، ولا يمكن أن أشعر برسالتي أو صدقي من دون التعبير عن معاناة الناس الذين أشعر بمدى تأثرهم بالحروب بكل قسوتها وظلمها».