قصة عائلة أفغانية طاجيكية تفر من قيود «طالبان» إلى مدينة الموسيقى الأميركية

هربا من «طالبان»، غادرت الأسرة الطاجيكية أفغانستان متوجهة إلى ناشفيل، وهي مدينة تشتهر بموسيقاها الريفية أكثر من سكانها المهاجرين. وسؤالهم الأول كان: «كيف نبدأ حياتنا؟».
قال إلياس طاجيك إن «الحياة في أفغانستان، وفي كابل تحديداً، كانت مثالية». كان صباحاً مشرقاً في شهر سبتمبر (أيلول)، وكان الشاب البالغ من العمر 20 عاماً يجلس في غرفة المعيشة في منزل مستأجر من طابقين حديث البناء في جنوب ناشفيل برفقة والديه وشقيقين صغيرين، كما ورد في تقرير موسع لـ«نيويورك تايمز» أمس.
أوضح إلياس أنه قبل الهجرة كان يعيش هو وعائلته وزوجته في شقة في كابل يملكونها في حي «خير خان» السكني. قال إدريس، شقيق إلياس البالغ من العمر 13 عاماً: لقد «حظينا باحترام الجيران بفضل أمي وأبي».
والدتهما، مانيزا طاجيك، تعمل في عيادة محلية كمساعدة طبية محترفة، فيما يعمل والدهما عبد اللطيف طاجيك لدى متعاقدين مع الحكومة الأميركية. تعيش الأسرة متقارب بعضها من بعض ويجتمعون في عطلات نهاية الأسبوع لقضاء بعض الوقت معاً.
في عام 2021، تزوج إلياس وكان يستعد لدخول الجامعة. كان يهوى الخروج مع الأصدقاء لتناول البيتزا في وقت متأخر من الليل. وذات ليلة في أغسطس (آب) من ذلك العام، دخلت «طالبان» كابل، ولم يدرك ما حدث إلا عندما شاهد وجه والدته المرتعب في صباح اليوم التالي.
أصبحت العائلة الطاجيكية جزءاً من عملية «عملية إنقاذ اللاجئين»، التي تهدف إلى إجلاء المواطنين الأفغان بعد سقوط حكومة البلاد التي كانت، وفقاً لسلاح الجو الأميركي، «أكبر عملية إجلاء لغير مقاتلين في التاريخ الأميركي». جرت إعادة توطين أكثر من 7600 لاجئ أفغاني في جميع أنحاء الولايات المتحدة، في مدن من بينها باتون روج بولاية لويزيانا، وأنكوراج بولاية ألاسكا الأميركية.
ينتمي الطاجيك إلى مجموعة من 540 أفغانياً أُعيد توطينهم في ناشفيل، بعد أن كانوا 350 أفغانياً بسبب ترحيب المنطقة باللاجئين. تم بالفعل وضع الأثاث والأطباق والديكورات في المنزل الجديد، والتذكار الوحيد الذي أحضروه من أفغانستان هو زوج من تماثيل جميلة صغيرة وضعوها أسفل تلفزيون بشاشة مسطحة، على جانبي كتاب بعنوان «موسيقى الريف والشعر»، والتي جاءت أيضاً ضمن أثاث المنزل.
بصفته المتحدث باسم عائلته ومترجمها، روى إلياس رحيلهم المحموم من كابل، حيث كان الطاجيك قلقين بشأن سلامتهم نظراً لعمل عبد اللطيف مع متعاقدين مع الحكومة الأميركية. ومع انتشار حركة «طالبان» في جميع أنحاء المدينة، طالب عبد اللطيف الأسرة باللحاق به في المطار، حيث كان ضمن المغادرين المحظوظين. وسرعان ما تركوا شقتهم بغالبية محتوياتها، ووصلوا أخيراً بعد ليلة مروعة في الشارع مختبئين من أعين «طالبان».
رتب عبد اللطيف سيارة من داخل المطار الآمن لاصطحاب الأسرة. وبينما كانوا على وشك الدخول، تذكر إلياس مؤخراً أن أحد جنود «طالبان» قال له: «إذا عدت مرة أخرى، أقسم أننا سنقتلك». غادرت الأسرة كابل على متن طائرة شحن عسكرية ووصلت إلى الولايات المتحدة في 29 أغسطس 2021. أمضت الأشهر الثلاثة الأولى في «فورت بيكيت»، وهي قاعدة عسكرية في فرجينيا كانت تؤوي مؤقتاً أفغاناً ينتظرون إعادة توطينهم، وكان التواصل مع العالم الخارجي متقطعاً.
هبط الطاجيك في ناشفيل في الساعة الثانية صباحاً أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. لم يكونوا يعرفون شيئاً عن المدينة، وكان المطار فارغاً وفي البداية لم يتمكنوا من العثور على أحد. يتذكر إلياس أنه سأل نفسه أسئلة لم تكن لديه أجوبة فورية عنها: كيف سنقضي وقتنا؟ كيف سنبدأ حياتنا؟».
ما جعل الانتقال أكثر صعوبة هو انفصال إلياس عن زوجته خوشبو أيوبي. كانت تزور عائلتها في طاجيكستان، ولكن بسبب سرعة استيلاء «طالبان» على السلطة، لم تتمكن من الوصول إلى مطار كابل والانضمام إلى إلياس وعائلته في هجرتهم إلى الولايات المتحدة، وبقيت هي وعائلتها في طاجيكستان. قال إلياس: «لم تكن خطتنا أن أذهب وحدي وأترك زوجتي. تساءلتْ: أنت ذاهب، ماذا سأفعل هنا؟ أجاب: دعيني أذهب، وسوف أجد طريقة لإحضارك إلى هنا».
تشتهر مدينة ناشفيل بحياة مهرجانات الموسيقى وحفلات توديع العزوبية، وليس بالضرورة كنقطة دخول للاجئين والمهاجرين. لكنّ عدداً متزايداً من العائلات مثل الطاجيك يعدّونها موطناً. يبلغ عدد الجالية الكردية في ناشفيل، على سبيل المثال، أكثر من 22000 شخص، وهي الأكبر في الولايات المتحدة وتتمتع بقوة اقتصادية وثقافية وسياسية كبيرة. يسميها الأكراد «نشميل» وهو اسم أنثوي كردي.
في حين تشتهر ناشفيل بموسيقى «هونكي تونك» الريفية ووجبات الدجاج الساخن، فقد باتت أيضاً مركزاً مزدهراً للاجئين، حيث يبدأ المئات حياتهم الأميركية الجديدة هناك كل عام.
الجدير بالذكر أن عمدة ناشفيل السابق كارل دين، قال ذات مرة: «ناشفيل مدينة صديقة للمهاجرين وجاذبة لهم وأنا أفتخر بذلك». (في عام 1990 كان 2.5 في المائة من سكان منطقة ناشفيل مولودين في الخارج، مقارنةً بـ12.9 في المائة خلال الفترة بين عامي 2016 و2020، وفقاً للإحصاء الأميركية).
وقال روبن كوهين، مؤلف كتاب «الشتات العالمي» والأستاذ الفخري بجامعة أكسفورد، إن هذه التجربة ليست غريبة على المهاجرين اليوم، إذ يشير مفهوم الهجرة المتمثل في إرساء الجذور إلى وجود صلة مادية بين الأرض والهوية التي تراجعت في عالمنا الحديث المتصل. وأضاف: «نحن جميعاً الآن متصلون رقمياً. لقد تم توجيهنا بدلاً من تجذيرنا».
على الرغم من انشغال الأسرة الطاجيكية بمخاوفها التي خلّفتها وراءها الحياة التي انتهت في أغسطس 2021، فإنها تبدو عازمة على بناء حياة جديدة في ناشفيل. لكل فرد من أفراد الأسرة آمال محددة: مثلاً يرغب عبد اللطيف في فتح محل بقالة، ويحلم إلياس في إكمال تعليمه، ويود خوشي أن يصبح طبيب أسنان، ويريد إدريس أن يكون نجم كرة قدم. ولدى مانيزا خطط أخرى غير تعلم اللغة الإنجليزية واستئناف مسيرتها الطبية. اختتمت مانيزا قائلة: «بعد ذلك، أريد توفير المال لشراء منزل. الشيء المهم الآن هو المنزل».

https://www.nytimes.com