العلم الكونفدرالي رمز العبودية في أميركا إلى الزوال

شركات كثيرة تتوقف عن تسويق سلع رسم عليها

العلم الكونفدرالي رمز العبودية في أميركا إلى الزوال
TT

العلم الكونفدرالي رمز العبودية في أميركا إلى الزوال

العلم الكونفدرالي رمز العبودية في أميركا إلى الزوال

أعلنت عدة شركات أميركية أمس، الثلاثاء، وقف تسويق منتجات تحمل العلم الكونفدرالي الذي يرمز إلى ماضي العبودية في الولايات المتحدة، تعاطفًا منها مع ردود الفعل على مجزرة تشارلستون، وبعد قرار مماثل اتخذته متاجر وولمارت.
وسلسلتا متاجر سيرز وكاي مارت وموقعا إي باي وأمازون للبيع على الإنترنت، هي من الشركات التي توقفت عن بيع أي سلع أو ملابس عليها هذا العلم الأحمر والأزرق والأبيض بثلاث عشرة نجمة، الذي يعتبر رمزًا قويًّا للجنوب الأميركي في زمن الحرب الأهلية.
وبينما يرى أنصاره أنه يرمز إلى تراث الجنوب الأميركي، فإن منتقديه يرون فيه رمزا للعنصرية ولنظرية تفوّق العرق الأبيض.
وتجدّد الجدال حول هذا العلم، بعد المجزرة التي أسفرت قبل نحو أسبوع، عن تسعة قتلى في كنيسة عريقة للسود في تشارلستون بكارولاينا الجنوبية (جنوب شرق)، التي ارتكبها شاب أبيض في الـ21 من عمره، وقد ظهر في عدد من الصور المنشورة على الإنترنت يلوح بالعلم الكونفدرالي.
وعلى موقع «أمازون» ارتفعت مبيعات العلم الكونفدرالي بنسبة 3600 في المائة خلال 24 ساعة، كما قال الموقع الذي أعلن أمس سحب هذه السلع من البيع.
وكانت وولمارت، كبرى متاجر البيع بالتجزئة في الولايات المتحدة، أول من اتخذ هذا القرار مساء، الاثنين، حرصًا منها على «عدم الإساءة إلى مشاعر أحد». معلنة أنها سحبت «جميع السلع التي تروج للعلم الكونفدرالي».
وفي مقابلة مع التلفزيون الأميركي أمس، اعتبر رئيس مجلس إدارة المتاجر دوغ ماكميلون أنه «اتخذ القرار الصائب»، مشيرًا إلى أنه ليس على علم بأن شركته تبيع هذه السلع.
كما أعلن حاكم فرجينيا (شرق) من جهة أخرى أمس، أنه سيمنع العلم على لوحات تسجيل السيارات.
أمّا تيري ماكوليف حاكم كارولاينا الجنوبية، فاعتبر في بيان أن الولاية «لم تعد تستطيع السماح باستخدام هذا الرمز الذي يستمر في تقسيم سكانها». قائلاً «أعتقد أن الأمر نفسه في فيرجينا. حتى عرضه على لوحات التسجيل يستمر في إثارة الانقسام بين الناس وصدم مشاعر الكثيرين منهم».
كما ذكر الحاكم بأن المحكمة العليا حكمت في 18 أبريل (نيسان)، لصالح الولايات التي ترفض الموافقة على رسالة دعائية توجه بواسطة لوحة تسجيل.
وتسمح فيرجينيا في الوقت الراهن لأصحاب السيارات بلصق العلم الكونفدرالي على لوحات سياراتهم.
وكانت حاكمة كارولاينا الجنوبية الجمهورية نيكي هيلي قد أعربت عن أسفها «لرمز يقسم الناس»، معتبرة أنه «بعد 150 سنة على نهاية الحرب الأهلية، حان الوقت لسحب العلم حتى لو أنه يشكل جزءا من تاريخنا».
من ناحيتها رحبت هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية إلى البيت الأبيض أمس، بدعوة الحاكمة إلى إنزال العلم الكونفدرالي عن البرلمان المحلي في العاصمة كولومبيا. مضيفة أنه علم «يرمز إلى الماضي العنصري لبلادنا».
وكان مطلق النار في تشارلستون ديلان روف برر في بيان نشر على موقع إلكتروني منسوب إليه جريمته بكراهيته للسود «الأغبياء والعنيفين».
ونشر فيه أيضا صورًا يبدو فيها وهو يحرق العلم الأميركي ويضع بدلاً منه العلم الكونفدرالي، الذي يرمز في نظر كثيرين من الأميركيين إلى إرث الجنوب على صعيدي العبودية والتمييز العنصري.
وبثت الشرطة أمس شريط فيديو عن اعتقال أربعة من عناصرها لديلان روف، غداة أسوأ مجزرة عنصرية في التاريخ الحديث للولايات المتحدة.



الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك
TT

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

قليلاً ما يتحول حفل تكريم مبدع كبير إلى احتفاءٍ بكل الحلقة الخلاّقة التي تحيط به. هذا يتطلب رقياً من المكرّم والمنظمين، يعكس حالةً من التسامي باتت نادرة، إن لم تكن مفقودة.

فمن جماليات حفل تكريم الشاعر الفذّ طلال حيدر على «مسرح كركلا»، برعاية وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري وحضوره، الأحد الماضي، هذا التحلق اللافت لجمع من الشعراء وأهل الفكر والثقافة والفنانين والإعلاميين، حول شاعرهم الذي رفد الأغنية اللبنانية بأجمل القصائد، وأغنى الشعر بصوره المدهشة وتعابيره المتفجرة.

طلال حيدر قبل التكريم مع الفنان عبد الحليم كركلا ووزير الإعلام زياد المكاري

طربيه ودور البطل

قدم الحفل الممثل القدير رفعت طربيه الذي هو نفسه قيمة فنية، معتبراً أن حيدر «كان دائماً البطل الأول على (مسرح كركلا). فهو ابن الأرض، وابن بعلبك، لكنه في الوقت عينه واكب الشعر العالمي ودخل الحداثة فكراً وصورةً وإيقاعاً، راكباً صهيل الخيل». فليس شائعاً أن يترجم شاعر بالعامية إلى لغات أجنبية كما هي دواوين المكرّم وقصائده.

عبد الحليم كركلا مع الشاعر نزار فرنسيس (خاص - الشرق الأوسط)

ومن أرشيف المايسترو عبد الحليم كركلا، شاهد الحضور فيلماً قصيراً بديعاً، عن طلال حيدر، رفيق طفولته ودربه طوال 75 عاماً. قال كركلا: «لقاؤنا في طفولتنا كان خُرافياً كَأَسَاطِيرِ الزَمَان، غامضاً ساحراً خارجاً عن المألوف، حَصَدنَا مَواسم التراث معاً، لنَتَكَامل مع بعضنا البعض في كل عمل نبدعه».

فيلم للتاريخ

«طلال حيدر عطية من عطايا الله» عنوان موفق لشريط، يظهر كم أن جيل الستينات الذي صنع زهو لبنان ومجده، كان متآلفاً متعاوناً.

نرى طلال حيدر إلى جانبه كركلا، يقرآن قصيدة للأول، ويرسمان ترجمتها حركةً على المسرح. مارسيل خليفة يدندن نغمة لقصيدة كتبها طلال وهو إلى جانبه، وهما يحضّران لإحدى المسرحيات.

لقطات أثيرة لهذه الورشات الإبداعية، التي تسبق مسرحيات كركلا. نمرّ على مجموعة العمل وقد انضم إليها سعيد عقل، ينشد إحدى قصائده التي ستتحول إلى أغنية، والعبقري زكي ناصيف يجلس معه أيضاً.

عن سعيد عقل يقول حيدر: «كنا في أول الطريق، إن كان كركلا أو أنا، وكان سعيد عقل يرينا القوى الكامنة فينا... كان يحلم ويوسّع حلمه، وهو علّمنا كيف نوسّع الحلم».

في أحد المشاهد طلال حيدر وصباح في قلعة بعلبك، يخبرها بظروف كتابته لأغنيتها الشهيرة «روحي يا صيفية»، بعد أن دندن فيلمون وهبي لحناً أمامه، ودعاه لأن يضع له كلمات، فكانت «روحي يا صيفية، وتعي يا صيفية، يا حبيبي خدني مشوار بشي سفرة بحرية. أنا بعرف مش رح بتروح بس ضحاك عليي».

في نهاية الحوار تقول له صباح: «الله ما هذه الكلمات العظيمة!»، فيجيبها بكل حب: «الله، ما هذا الصوت!» حقاً ما هذا اللطف والتشجيع المتبادل، بين المبدعين!

كبار يساندون بعضهم

في لقطة أخرى، وديع الصافي يغني قصيدة حيدر التي سمعناها من مارسيل خليفة: «لبسوا الكفافي ومشوا ما عرفت مينن هن»، ويصرخ طرباً: «آه يا طلال!» وجوه صنعت واجهة الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين، تتآلف وتتعاضد، تشتغل وتنحت، الكلمة بالموسيقى مع الرقصة والصورة. شريط للتاريخ، صيغ من كنوز أرشيف عبد الحليم كركلا.

المقطع الأخير جوهرة الفيلم، طلال حيدر يرتجل رقصة، ويترجم بجسده، ما كتبه في قصيدته ومعه راقصو فرقة كركلا، ونرى عبد الحليم كركلا، أشهر مصمم رقص عربي، يرقص أمامنا، هذه المرة، وهو ما لم نره من قبل.

عبد الحليم كركلا يلقي كلمته (خاص - الشرق الأوسط)

روح الألفة الفنية هي التي تصنع الإبداع. يقول حيدر عن تعاونه مع كركلا: «أقرأه جيداً، قرأنا معاً أول ضوء نحن وصغار. قبل أن أصل إلى الهدف، يعرف إلى أين سأصل، فيسبقني. هو يرسم الحركة التصويرية للغة الأجساد وأكون أنا أنسج اللغة التي ترسم طريق هذه الأجساد وما ستذهب إليه. كأن واحدنا يشتغل مع حاله».

طلال حيدر نجم التكريم، هو بالفعل بطل على مسرح كركلا، سواء في صوغ الأغنيات أو بعض الحوارات، تنشد قصائده هدى حداد، وجوزف عازار، وليس أشهر من قصيدته «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان» التي غنتها فيروز بصوتها الملائكي.

أعلن رئيساً لجمهورية الخيال

طالب الشاعر شوقي بزيع، في كلمته، بأن ينصّب حيدر «رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير» بصرف النظر عمن سيتربع على عرش السياسة. ورغم أن لبنان كبير في «الإبداعوغرافيا»، كما قال الشاعر هنري زغيب، فإن طلال حيدر «يبقى الكلام عنه ضئيلاً أمام شعره. فهو لم يكن يقول الشعر لأنه هو الشعر».

وقال عنه كركلا: «إنه عمر الخيام في زمانه»، و«أسطورة بعلبك التي سكبت في عينيه نوراً منها، وجعلت من هيبة معابدها حصناً دفيناً لشعره». وعدَّه بطلاً من أبطال الحضارة الناطقين بالجمال والإبداع. سيعيش دوماً في ذاكرة الأجيال، شعلةً مُضيئةً في تاريخ لبنان.

الفنان مارسيل خليفة الذي تلا كلمته رفعت طربيه لتعذّر حضوره بداعي السفر، قال إن «شعره مأخوذ من المتسكعين والباعة المتجولين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة». ووصفه بأنه «بطل وصعلوك في آن، حرّ حتى الانتحار والجنون، جاهليّ بدويّ فولكلوريّ خرافيّ، هجّاء، مدّاح، جاء إلى الحياة فتدبّر أمره».

وزير الإعلام المكاري في كلمته توجه إلى الشاعر: «أقول: طلال حيدر (بيكفّي). اسمُك أهمّ من كلّ لقب وتسمية ونعت. اسمُك هو اللقب والتسمية والنعت. تقول: كبروا اللي بدهن يكبروا، ما عندي وقت إكبر. وأنا أقول أنتَ وُلِدْتَ كبيراً»، وقال عنه إنه أحد أعمدة قلعة بعلبك.

أما المحامي محمد مطر، فركزّ على أن «طلال حيدر اختار الحرية دوماً، وحقق في حياته وشعره هذه الحرية حتى ضاقت به، لذا أراه كشاعر فيلسوف ناشداً للحرية وللتحرر في اشتباكه الدائم مع تجليات الزمان والمكان».

الحضور في أثناء التكريم (خاص - الشرق الأوسط)

وفي الختام كانت كلمة للمحتفى به ألقاها نجله علي حيدر، جاءت تكريماً لمكرميه واحداً واحداً، ثم خاطب الحضور: «من يظن أن الشعر ترف فكري أو مساحة جمالية عابرة، إنما لا يدرك إلا القشور... الشعر شريك في تغيير العالم وإعادة تكوين المستقبل».