تعد وظيفة المدير الفني في كرة القدم واحدة من أصعب الوظائف على الإطلاق، وهذا هو السبب في أن كل من يحاول العمل في هذه الوظيفة يفشل في مكان ما على الأقل. وهذا هو الحال حتى لو انتهى به الأمر في مانشستر يونايتد، الذي تعود مكانته في اللعبة منذ الحرب العالمية الثانية إلى إنجازات رجلين فقط: مات بيسبي وأليكس فيرغسون. إن الذي يميز هذين الرجلين، جنباً إلى جنب مع جميع المديرين الفنيين الآخرين الذين حققوا نجاحاً لا بأس به في هذا المنصب - تومي دوكيرتي، ورون أتكينسون، ولويس فان غال، وجوزيه مورينيو، في مقابل فرنك أوفاريل، وديف سيكستون، وديفيد مويز، وأولي غونار سولسكاير - هو الكاريزما.
في الحقيقة، ليس من الصعب فهم السبب وراء ذلك. وفي أيامه الأولى بـ«أولد ترافورد»، كان من الممكن سماع فيرغسون نفسه وهو يتمتم عن ضغوط «العمل في هذا النادي الكبير»، كما أن نمو النادي المتسارع منذ ذلك الحين يعني أنه، بعد عقد تقريباً من سنوات ما بعد فيرغسون، تبدو الكاريزما صفة أساسية لأي شخص يأمل في تحقيق النجاح مع هذا النادي العريق. وإذا كان المدير الفني الهولندي إريك تن هاغ يمتلك أي شيء من هذه الكاريزما، فإن هذا لم يظهر على الفور. لكن كما يقول المثل: «كاريزما رجل ما هي غثيان لا يطاق على الإطلاق لرجل آخر»، نظراً لأنه غالباً ما يتم الخلط بين الكاريزما وتضخيم الذات بصوت عالٍ وعدواني، وتجسيد فكرة الذكورة السامة التي جعلت العالم مكاناً غير جيد.
لكن الكاريزما الحقيقية مختلفة تماماً عن ذلك، ولا تعتمد على الغطرسة أو الثرثرة، فلم يكن بيسبي يتحدث إلا عند الضرورة، وكان فيرغسون - على الرغم من أنه كان يعتمد على الخطابة لإثارة حماس اللاعبين - مشابهاً، إلا أن تأثيره كان مدعوماً بقدرته على الاهتمام بأدق التفاصيل والعناية بلاعبيه بشكل كبير. ويتفهم تن هاغ هذا الأمر جيداً أيضاً، ووضح مؤخراً أن التحسن الكبير الذي طرأ على مستوى ماركوس راشفورد يعود إلى بيئة العمل السعيدة التي يعمل بها. لكن العلاقات الوثيقة لا تُبنى بين عشية وضحاها، لذلك ففي هذه الأثناء سيكون المدير الفني الهولندي بحاجة إلى إظهار قدراته بكرة القدم لكي يقنع لاعبيه ويجذبهم نحوه.
يبدو هذا معقولاً تماماً. لكن على الرغم من أن تن هاغ قاد فريقه السابق أياكس لتقديم كرة قدم ممتعة وهجومية ومثيرة، فإنه يجب أن يدرك أنه من الصعب للغاية تطبيق الأمر نفسه في الدوري الإنجليزي الممتاز. لكن لحسن الحظ أن هذا الرجل يمتلك ثقة كبيرة للغاية في نفسه ورغبة هائلة في تحقيق النجاح. لقد أخبر المدير الفني البالغ من العمر 52 عاماً أصدقاءه بأنه سيعمل جاهداً خلال أول عامين له في مانشستر يونايتد على «فرز» هذا الفريق، والتخلص من اللاعبين غير المناسبين والتعاقد مع لاعبين جدد قادرين على صناعة الفارق. ويؤمن المدير الفني الهولندي تماماً بفلسفته التدريبية للدرجة التي تجعله يفضل الاعتماد على سكوت مكتوميناي في خط الوسط على حساب كاسيميرو، لأن اللاعب البرازيلي لم يحضر فترة الاستعداد للموسم الجديد وبحاجة إلى بعض الوقت لفهم الدور الذي يتعين عليه القيام به.
ومع ذلك، فإن غرس روح مماثلة في لاعبيه ليس بالمهمة السهلة، خصوصاً أنه يعمل في فريق اعتاد خلال السنوات الأخيرة على إقالة عدد كبير من المديرين الفنيين بسبب سوء النتائج. لقد أصبح مانشستر يونايتد، منذ فترة، جيداً بما يكفي للتغلب على أفضل المنافسين، وخاض عدداً من المباريات من دون أي خسارة. كما أن أبرز عيوب الفريق ليست فنية، وإنما ذهنية في المقام في الأول: الافتقار إلى الدقة، وغياب التركيز.
وتبع ذلك أداء أسوأ أمام برينتفورد، في المباراة التي خسرها مانشستر يونايتد برباعية نظيفة، لكن الأمور تحسنت بشكل ملحوظ، وبعد الفوز المفاجئ على ليفربول في مباراة مانشستر يونايتد التالية، أوضح تن هاغ الفارق في الأسلوب المميز للفريق، حيث قال: «يمكننا التحدث عن الجوانب الخططية والتكتيكية، لكن الأمر كله يتعلق بالسلوك. الآن يمكنك أن ترى أننا نلعب بشكل مختلف على أرض الملعب وأن هناك تواصلاً وروحاً قتالية، وهناك فريق، ويمكنك أن ترى ما يمكنه تحقيقه لأنهم يستطيعون لعب كرة قدم جيدة».
في البداية، تمكن فيرغسون بعبقريته من مواصلة الفوز بالبطولات والألقاب. لكن منذ تقاعد المدير الفني الاسكوتلندي، فشل عدد من المديرين الفنيين المتعاقبين في إعادة النادي إلى المسار الصحيح، وتم تقويض عملهم من قبل جشع المالكين متعدد الأبعاد. وإذا لم يكن ديفيد مويز وأولي غونار سولسكاير على مستوى الوظيفة، وإذا كان المنحنى التدريبي لفان غال ومورينيو في تراجع، فإن تن هاغ في حالة تقدم وفي أوج عطائه. وبالتالي، إذا خذل مانشستر يونايتد تن هاغ أيضاً، فسيصبح النادي منبوذاً من أي مدير فني قادر على صناعة الفارق.
على هذا النحو، كان التعاقد مع ثلاثة لاعبين جدد فقط قبل بداية الموسم يمثل مشكلة كبيرة. وحتى بعد الهزيمة المذلة أمام برينتفورد كان مانشستر يونايتد لا يزال يسعى للتعاقد مع أدريان رابيو وماركو أرناوتوفيتش - بمقابل مادي زهيد رغم أنهما أقل من المستوى المطلوب. لذا فإن التعاقد مع كاسيميرو وأنتوني بدلاً منهما قد أعطى الفريق دفعة كبيرة للغاية وكان بمثابة إضافة قوية كان الفريق في أمس الحاجة إليها - على الرغم من أن الطريقة العشوائية في اتخاذ القرارات توضح عدم الكفاءة الخطيرة التي يشتهر بها مانشستر يونايتد الآن!
لكننا لا نعرف الأسباب التي أدت إلى تغيير هذه الخطة بالكامل. ربما كان السبب في ذلك هو البداية السيئة للفريق هذا الموسم، وخوف عائلة غليزر من انخفاض الأرباح. أو ربما هدد تن هاغ بالاستقالة في حال عدم تدعيم صفوف الفريق كما ينبغي. لكن في كلتا الحالتين، يمكن القول إن الهزيمة الثقيلة أمام برينتفورد كانت بمثابة نعمة للفريق، لأن ذلك ساعد تن هاغ في إجراء تغييرات جذرية في صفوف الفرق واستبعاد كل من هاري ماغواير ولوك شو وكريستيانو رونالدو، والاعتماد على لاعبين قادرين على تطبيق أفكاره وفلسفته.
عند هذه النقطة، من المفيد النظر إلى اللاعبين الذين تعاقد معهم الفريق. في العادة، يبدو إصرار المدير الفني الهولندي على التعاقد مع اللاعبين الذين عمل معهم من قبل ويعرفهم جيداً كأنه يذكرنا بتعاقد هاري ريدناب مع نيكو كرانشار للمرة السابعة والستين، لكن الظروف هنا أكثر تسامحاً. في أياكس، لم يكن تن هاغ هو المسؤول عن اكتشاف المواهب التي يضمها الفريق، لذلك فمن المنطقي أن أولئك الذين يثق بهم هم الذين يعرفهم جيداً، وبالنظر إلى الحالة الصعبة التي يمر بها مانشستر يونايتد مقارنة بالحالة الجيدة لأياكس، فقد يكون هؤلاء اللاعبون هم أفضل اللاعبين المتاحين له. وعلاوة على ذلك، فإن جميع اللاعبين الآخرين لا يعرفون ما إذا كان يمكنهم أن يثقوا في مانشستر يونايتد الآن أم لا، على عكس لاعبي أياكس الذين يمكنهم الوثوق تماماً بمديرهم الفني السابق.
أو بعبارة أخرى، فإن مهارات تن هاغ كمدير فني وكشخص - ما يمكن أن نطلق عليه اسم كاريزما – هي التي جذبت لاعبين ربما كان من الصعب على مانشستر يونايتد التعاقد معهم لولا وجوده. لقد نجح تن هاغ في ضم كريستيان إريكسن رغم أن اللاعب كانت أمامه خيارات أخرى، وتيريل مالاسيا الذي كان على وشك الانضمام إلى ليون، وليساندرو مارتينيز الذي رفض الانضمام إلى آرسنال، وأنتوني الذي يعرف تماماً أن تن هاغ مدير فني «مثالي» بالنسبة له، لذلك دخل في إضراب من أجل إجبار أياكس على بيعه.
وبالنظر إلى أن هؤلاء اللاعبين مدينون لتن هاغ، إما لجعلهم أفضل أو لأنه ساعدهم في تأمين مستقبلهم المالي، أو لكليهما، فإن أقل ما يمكن أن يتوقعه منهم هو الالتزام الشديد - لكن هناك ما هو أكثر من ذلك بالفعل. إن السيرة الذاتية لكاسيميرو وحدها تدل على قوة الشخصية، وعندما رحل عن ريال مدريد، وصفه لوكا مودريتش بأنه «قائد حقيقي» و«أفضل حارس شخصي في العالم»، بينما كتب توني كروس: «معك حتى الحمام التركي كان يتحول إلى صالة ألعاب رياضية. أنت لا تسمح للناس بالاستلقاء إلا عندما يحين وقت تمارين الجلوس».
وبالمثل، فإن العمل الدؤوب من جانب إريكسن الذي كان قريباً من الموت، جنباً إلى جنب مع ذكائه الهائل في كرة القدم، يجعله قادراً على رفع مستوى من يلعبون من حوله، كما أن ثقة وشراسة وحماس مالاسيا ومارتينيز؛ كل ذلك أحدث بالفعل فرقاً كبيراً حتى الآن.
ولأن تن هاغ اختار لاعبين أصحاب شخصيات قوية ومشرقة، فقد أصبحت لديه الآن أصوات قوية ومشرقة في غرفة خلع الملابس وقادرة على تطبيق فلسفته. ويعني هذا أن أفضل أنواع الكاريزما هي الكاريزما التي تلهم الآخرين للعثور على الكاريزما الخاصة بهم، وفي هذا الصدد، فإن تن هاغ يملك كاريزما لا مثيل لها لتحقيق النجاح المستمر.