يأسرك الحديث مع أنس صباح فخري؛ الفنان الذي يرفض النجومية مع أنها متاحة له! متعمق في الفن والموسيقى على أنواعها وصاحب صوت طربي أصيل. وعلى الرغم من ذلك رفض السير وراء قافلة الفن العادي، فرسم طريقاً خاصاً به يليق بالرزق «الذي ساقه الله لنا»، كما يقول. فهناك أشخاص يُنعم رب العالمين عليهم بميزات كثيرة، ولكن شاء القدر أن يدمغه بقامة فنية عملاقة لن تتكرر؛ ألا وهي والده الراحل صباح فخري.
وفي ذكرى مرور عام على وفاة والده تسأله «الشرق الأوسط»: ماذا تغيّر، اليوم، في حياتك بعيد رحيله؟ يردّ: «لا شك أن غياب الأب قاسٍ، ولكنه لم يرحل فجأة فوهبني الوقت كي أكون مستعداً وجاهزاً لغيابه». ويتابع: «أذكر جيداً أني في عام 2005 كتبت خاطرة عنونتها (وداع الملائكة)، يومها ودّعته وبكيت وأدركت أنه عندما سيرحل أستطيع أن أقف منتصباً وجاهزاً لكل الصعوبات التي ستواجهني».
ويشير أنس أبو قوس؛ وهو اسمه غير الفني، إلى أنه لا خليفة لصوت صباح فخري؛ لأنه لن يتكرر، ولكنه خليفته بمواقفه وفي كيفية تلقف ملف قانوني أو إداري وغيرها من المواقف التي يجيد إقفالها على طريقته. «هذه الأمور ليست مستجدّة عليّ؛ إذ كنت أمارسها وهو لا يزال على قيد الحياة، فهو سلّمني الأمانة على حياته. لقد ترجّل الفارس، وكان عليّ أن أحمل الراية، فالفراغ الذي تركه صباح فخري على الصعيد الفني لا يمكن أن نسدّه، ولكن في المقابل أقوم بملء فراغات أخرى لقضايا عالقة أعمل على إيجاد حلول لها».
وكيف تُحضّرون للذكرى الأولى لغيابه؟ يردّ: «هناك أغنية كتبها الشاعر نزار فرنسيس لحّنتها بنفسي عُرضت في الذكرى الأربعين لرحيله، ولكني أصررت على عدم نشرها إلا في الذكرى السنوية الأولى لرحيله. لن أستطيع البتّ تماماً بما نحضر له في هذه المناسبة؛ إذ هناك اتصالات ومشاورات علينا القيام بها. قد يشاركنا الذكرى طلابه في (معهد صباح فخري للموسيقى) في حلب، ويمكن أن يحضرها عدد من الفنانين. لا أعرف بعدُ طبيعة البرنامج الخاص في هذه الذكرى، سيما أن صباح فخري ليس بالفنان العادي، فهناك جهات رسمية، وأخرى من فعاليات اجتماعية علينا التشاور معها في هذا الخصوص».
أنس الابن البار، يعمل في الفن من بابه العريض. فهو مطرب ومُوزع موسيقي ومنتج فني قام بأعمال عديدة في هذا الإطار، بينها مع موسيقيين كسعيد مراد ورواد عبد المسيح. يجيد الغناء الأوبرالي، كما القدود الحلبية، ولكنه لم يؤلف لحناً لغيره. ويوضح: «عندما لحّن صباح فخري (خمرة الحب) و(قُل للمليحة) و(سمراء) وغيرها، غناها بصوته. في المقابل راح كثيرون يقلدونه ويسعون لغنائها. أنا ابن أبي في هذا الأمر، عندما ألحن يكون الباب مفتوحاً أمام كل من يرغب في الغناء، فأنا أُغني بصوتي ولا أريد أن أعطي ألحاناً لأحد».
هذه الدمغة «الفخرية» التي تطبع أنس الفنان تشعرك بأنه يتفوق على غيره ويتجاوزهم بأشواط، ولكنه يدافع عن نفسه: «لا، أبداً لا يهمني هذا التفوق الذي تتحدثين عنه. هناك نماذج كثيرة عن التفوق في العالم، ولكنها تُحدد ضمن مقاييس معينة. أما أنا فأحكي عما رزقني به رب العالمين وكل منا مسؤول عن نفسه».
يتابع أنس فخري الساحة الفنية ولا ينكر إعجابه بفنانين كثر؛ مثل حسين الجسمي، ويارا، وناصيف زيتون، وصابر الرباعي، وغيرهم. ويعلق: «البعض يتهمني بأن لا أحد يعجبني، ولكن هذا غير صحيح؛ فالفنان الموهوب يجب أن يحترم غيره على الساحة، شئنا أو أبينا هناك من أثبت حضوره على الساحة، ومن البديهي أن أعترف بذلك».
وعلى الرغم من احتكاكه بالشهرة عن قرب، فإن أنس صباح فخري رفض النجومية. ويقول في هذا الصدد: «هذا خياري الشخصي، مع أنه كان من السهل عليّ جداً الوصول إليها، لماذا ابتعدت عنها؟ لأن النجومية لا تعنيني؛ فأنا شخص حقيقي لا مزاج عندي للكرتون، هذا لا يعني أن النجومية أمر خاطئ أو بشع، ولكن بالنسبة لي أعتبر نفسي فناناً، وهذا يكفيني؛ فالنجاح لا مقياس خاصاً له، وكل شخص يفرح بما ينجزه وعلى طريقته».
يكمل أنس مشوار صباح فخري ضمن وجوه مختلفة ومتعددة. ومن بين المهام التي يقوم بها الإشراف على معهد الموسيقى الذي يحمل اسم والده في حلب. «أقابل الطلاب وأتحدث معهم وأترقب مواهبهم في الغناء والعزف، أحافظ على ميراثه ويبادلونني الوفاء؛ وهو أمر أعتز به، إنهم يمثلون أجيالاً فنية عايشت المعهد أباً عن جد. اليوم يرافقني في فرقتي أحد المغنّين من الطلاب الذي سبق وعمل مع والدي الراحل. نعم هناك أجيال تنمو معي، وإلا فكيف أكون خليفته؟!».
أن تكون نجل عملاق بالفن ليس بالأمر السهل، فهل فكّر مرة أن يتفرغ لنفسه ولحياته؟ يردّ: «كل عمري هو لي، تعبت واشتغلت وحلمت، وشاء القدر أن أتميز عن غيري كابن لصباح فخري، كما أني شخص مزاجيّ؛ إذ يمكن اليوم أن أكون فناناً، وفي الغد عالماً جيولوجياً، وإلى ما هنالك من اختصاصات تجذبني».
وهل يمكن أن تكون فيلسوفاً؟ يجيب بسرعة: «ومن قال إني لست كذلك أيضاً أو لست مؤرخاً يغوص في تاريخ الأمم والدول، كما لديّ أبحاثي في المطبخ وفن العمارة والثقافة، على أنواعها وكل مظاهر الحضارة وغيرها».
وعندما تقف على رأيه بالساحة الفنية، اليوم، يردّ بوضوح: «إنها جيدة تعكس واقعاً نعيشه، فالتاريخ يعيد نفسه ويتكرر لأن الواقع هو الذي يتحكم بنا».
لم يصدر أنس صباح فخري يوماً ألبوماً غنائياً؛ فهذا الأمر ليس بواردٍ عنده، ويعلق لـ«الشرق الأوسط»: «لستُ من هواة فنون الـ(سي دي)، حتى إن والدي لم يصدر ألبوماً يوماً. أعتبر نفسي منشطاً ثقافياً أطلق مشروعات فنية وثقافية تدور في فلك النشاطات الأسبوعية، يمكن أن أنظم أسبوعاً ثقافياً أوزع خلاله (سي دي) للحضور كي يستمتعوا ويطّلعوا على موسيقى معينة، ويمكنني أن أطلق هذه النشاطات من (دار الأوبرا) في سوريا، أو من معلم في لبنان أو مراكش والقاهرة. إنها أفكار تدور في رأسي وسأطبقها قريباً، تابعوني...».
أنس صباح فخري: ترجّل الفارس وحملت الراية
في ذكرى مرور عام على رحيل والده
أنس صباح فخري: ترجّل الفارس وحملت الراية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة