آمنة الوزير: المثقف التونسي بين توق لشرق لا يراه وغرب لا يهتم به

الشاعرة والإذاعية التونسية آمنة الوزير، أحد الأصوات الشعرية الحديثة في تونس التي تجمع بين الثقافتين العربية والفرنسية، صدر لها عددٌ من المجموعات الشعرية: (رنين - 2003)، (صمت البراكين - 2006)، (صبرى - 2009)، و(خبرتني الريح 2017)... تُرجمت قصائدها إلى اللغات الإيطالية والإنجليزية والفرنسية، كما أدرجت بعض نصوصها ضمن برنامج الأدب العربي بجامعة برايتون بإنجلترا... وشاركت في العديد من المهرجانات العالمية، مثل: أصوات المتوسط بلوديف (فرنسا)، ومهرجان باري بإيطاليا، ومهرجان سكوبيي بمقدونيا، وهي عضو الهيئة الإدارية لمهرجان «سيدي بوسعيد» العالمي للشعر.
وتشارك الشاعرة التونسية في البرنامج الثقافي لمعرض الرياض الدولي للكتاب، ضمن الاحتفاء بتونس (ضيف شرف) لهذه الدورة من المعرض، وتدير ندوة حول الإبداع والإعلام؛ «حدود المساحة والعزلة قراءات سعودية - تونسية في الواجهة».
وبهذه المناسبة؛ التقت «الشرق الأوسط» الشاعرة التونسية آمنة الوزير، وأجرت معها الحوار التالي:
> كيف ترين الاحتفاء بالثقافة التونسية في مهرجان الرياض الدولي للكتاب؟
- شرفٌ لتونس أن تكون ضيف معرض الرياض الدولي للكتاب، هذه الاستضافة تخلق جسراً آخر بين المملكة العربية السعودية وقرطاج، وتفتح للناشرين والأدباء والنقاد والقراء نافذة على الآخر بما يحمله من هواجس وتساؤلات وآمال.
هذا المعرض وغيره من المعارض الدولية يمثل فرصة مهمة للأدباء التونسيين الشبان وغيرهم حتى يعرفوا بنصوصهم وكتاباتهم خارج أرض الوطن.
فللأسف تعاني دور النشر في تونس بصفة عامة من محدودية التوزيع داخل البلاد وخارجها. يصعب على القارئ مهما كانت جنسيته أن يتحصل على كتاب لأديب تونسي خارج تونس.
هذا الوضع ونحن على أبواب 2023، والعالم يسري سرياناً على مواقع التواصل الاجتماعي، يخلق حالة اختناق لدى المبدعين. لذا؛ يمثل هذا المعرض - حسب رأيي - متنفساً ضرورياً كي لا يكون الفعل الإبداعي شبيهاً بحالة اعتكاف صامتة غير مرغوب فيها.

الشاعرة التونسية أمنة الوزير (الشرق الأوسط)

ثم إن هذا اللقاء شبيه بإعادة المصافحة بعد أن أبعدتنا الجائحة عن بعضنا بعضاً، وهو فرصة كي نجدد العهد والصداقة بين البلدين من خلال مثقفيهما والتاريخ يشهد أن هذه العلاقة ولدت منذ قبل الاستقلال التونسي.
> ما هي طبيعة مشاركتك في البرنامج الثقافي لمعرض الراض الدولي للكتاب؟
- أشكر معرض الرياض الدولي للكتاب على دعوته الكريمة لشخصي، والذي أتاح لي فرصة المشاركة في البرنامج الثقافي المصاحب للمعرض والمتمثل في إدارة ندوة حول الإبداع والإعلام؛ «حدود المساحة والعزلة قراءات سعودية تونسية في الواجهة».
> كيف ترين التواصل الثقافي والفكري بين المثقفين في تونس والشرق العربي؟
- هذا التواصل يعيش أزمة تعود نشأتها إلى أزمنة غابرة. ولقد خلفت هذه الأزمة عُقداً كثيرة يمكن أن نسميها أزمة الصاحب بن عباد معلقاً على كتاب «العقد الفريد» من خلال قولته الشهيرة «هذه بضاعتنا ردت إلينا». فبُنيت العلاقة على باطلٍ يغذيه الإعجاب واللوم والتوق والتجاهل. علاقة معقدة بين الطرفين، ولكن لا يمكننا نفي وجودها رغم صعوبتها وحدتها أحياناً.
المثقف التونسي وُلد بين «تمشرق وتمغرب» كما يقول الدكتور جعفر ماجد. وفي هذه المفارقة المتعلقة بهويته نشأ المثقف التونسي بين توق إلى شرق لا يراه وغرب لا يهتم به. قلتُ فيما سبق، إن العلاقة بُنيّت على باطل، ولكن كل ما بني على باطل ليس بالضرورة باطلاً. لا يخفى على أحد أنه رغم هذا الوضع، فإن مبادرات التواصل بين المشرق والمغرب قائمة رغم العوائق من خلال مشاركات المثقفين في مختلف التظاهرات هنا وهناك.
> التقيتم في الدورة الماضية من مهرجان «سيدي بوسعيد» عدداً من الشعراء السعوديين، كيف تقيّمين حركة الشعر الحديث في السعودية؟
- كنتُ محظوظة؛ إذ إنني واكبت نشأة «أنطولوجيا الشعر السعودي» عن قرب وقدمتها بمركز «إثراء» بالدمام في المملكة العربية السعودية. هذا المشروع مكّنني من التعرف على شعراء، مثل غسان الخنيزي، وإبراهيم الحسين ومحمد الحرز، وغيرهم. وكانت لي فرصة لقاء عدد من الشعراء السعوديين في مهرجان «سيدي بوسعيد» من خلال دعوتهم في الدورة الفارطة.
يعيش الشعر السعودي تطوراً كبيراً وملحوظاً بدأ منذ السبعينات نلمسه في «تجديد النص والسير به إلى مدى جمالي أبعد مما كان عليه الجيل السابق» كما يقول الأستاذ عبد الله السفر الذي أشرف على إعداد هذه الأنطولوجيا. حيث يضيف السفر كذلك؛ «الحرية هي العنوان الذي تنكتب في ضوئه القصيدة الجديدة في المملكة العربية السعودية».
> كيف يتفاعل المثقف في المغرب العربي، وتحديداً في تونس مع الإبداع الصادر من السعودية والخليج؟
- أصبح من الواضح اليوم أن الخليج العربي صار منبراً ثقافياً في المشرق بعد أفول عدد من المراكز التي كانت تتصدر المشهد في الستينات والسبعينات على غرار بغداد ودمشق وبيروت. لذلك؛ فإن المثقف العربي عدّل ساعته على العواصم الخليجية لمواكبة نبض الحركة الثقافية في المشرق العربي. فاليوم صارت أهم المنابر والمنصات تنشط انطلاقاً من الخليج، وبطبيعة الحال فإن المثقف التونسي اليوم لا يفوته شيء من الإبداع الصادر من هذه المنطقة.
> تُرجمت قصائدكِ إلى الإيطالية والإنجليزية والفرنسية، كما أُدرجت بعض نصوصك ضمن برنامج الأدب العربي بجامعة برايتون بإنجلترا... ماذا يعني لك ترجمة شعرك إلى لغات العالم؟
- الترجمة تمنح للكاتب تجاوز حدود حيزه الجغرافي. ترجمت قصائدي في ورشات بإيطاليا ووقع تقديمها في جامعة برايتون بإنجلترا ونشرت في أنطولوجيا عن جامعة فيكتوريا بكندا. ففكرة أن يتلقى قصائدي طالب أو طالبة في مكان بعيد عني دون أن أكون هناك يجعلني أؤمن أن الترجمة قادرة على كسر حواجز بنتها السياسة والآيديولوجيات على مدى القرون.
كل الشعراء يتمنون أن يحظى شعرهم بترجمة تعبر به حدود اللغة نحو الثقافات الأخرى. والترجمة في حد ذاتها هي المعيار الحقيقي لقيمة الشعر. فإن هو حافظ على شعريته في اللغة التي يعبر إليها فهذا دليل على أنه يحمل في طياته جمالية لا تقترن ببلاغة لغة الكتابة، وإنما تحاكي الروح الإنسانية أينما كانت. حلم كل كاتب هو أن يكون له قراء في العالم.
> أنتِ أيضاً منتجة برامج ثقافية في إذاعة باللغة الفرنسية... ماذا تمنحك هذه اللغة؟
- اللغة الفرنسية هي لغة أمي. فوالدتي فرنسية من مواليد تولوز، أتت إلى تونس في السبعينات وأحبت البلاد واشتغلت بمؤسساتها العمومية طيلة 35 سنة وتحصلتْ على الجنسية التونسية.
أنا أحمل الضفتين في شراييني واللغة الفرنسية لغتي تماماً مثل اللغة العربية.

معرض الرياض للكتاب في ثاني أيامه (واس)

> كونك ابنة مسرحي معروف... هل أثرت الدراما في رؤيتك للعالم وما مدى انعكاسها في شعرك؟
- كانت لي تجربة جدية في المسرح في سن المراهقة، ثم حين كنت طالبة ووقفت على أهم مسارح تونس. أنا ولدت في عالم المسرح وقضيت جزءاً من طفولتي بين كواليس الإذاعة والتلفزة والبروفات.
لذلك؛ فهو من الطبيعي أن تؤثر تلك المناخات في رؤيتي للعالم. المسرح مدرسة من أهم مدارس الحياة تعلمت فيها احترام الوقت واحترام الآخر واحترام الجمهور.
رغم ذلك، أنا لا أعتقد أن المسرح أثر في كتابتي الشعرية بقدر ما أثرت الفلسفة؛ فهي الوحيدة - وفق رأيي - التي تحمل التساؤلات وإن بدت متضاربة. فالشعر وطن وحّد بيني وبين ذاتي الصامتة. الشعر هو بيتنا وذاكرتنا المفقودة.
بين التشاؤم والخوف
> في قصيدة «فرار»، نقرأ لكِ «تركت خيمتي على هذا الشاطئ/ وضعت فيها ما أملك/ قصائد لم تكتب/ أحلامي المنسية/ شيء من ذاتي/ أو ما تبقى قطرات الندى...»، ثم تنتهي «سيعود الصيف حتماً ولن أجد خيمتي»... لماذا تكسو قصائدك مسحة من الحزن والتشاؤم؟
- الإنسان المتشائم لا يرى من الحياة إلا سلبياتها. لا أظن أنني أنتمي إلى هذا الصنف؛ «أنا في طريقي إليك فهلا فتحت لي المدى» لو كنت من المنكسرين لما كتبت الحياة.
منذ البداية، بداية العودة إلى الذات عبر الفلسفة والشعر، وأنا أنظر إلى المنسي والمسكوت عنه واللامرغوب فيه. وحين ننظر إلى الأرصفة ونعانق المدينة في ليلها الأبدي العنيف، حين ننظر إلى زرقة البحر ونرى على سطحه أجساداً تناثرت هنا وهناك. أجساد كانت تحمل رغبة الهروب من وطن لم يعد وطناً، فمن الطبيعي أن تكون كلماتنا تشبه ما نراه.
عندما أكتب «نغرق في اليوم ألف مرة» فأنا أشير إلى يوم ممطر عادي في تونس. يوم ممطر عادي يموت فيه أطفال وكهول لا لشيء إلا لأن البنية التحتية للبلاد باتت مهترئة فتتحول أمطار الخريف إلى فيضانات قاتلة. وفي المقابل، نرى رجال السلطة يتهافتون على مناصبهم وامتيازاتهم غير مبالين بحال الوطن.
لكنّ، هل أنا متشائمة؟ الجواب: لا. أنا حزينة لأن تونس بعد 2011 وثورة «اللا ياسمين» تعيش «على قيد وهم» وهذا عنوان قصيدة أخرى.
> لماذا يضطرم لديك الإحساس بالفقد؟، في ديوانك «على قيد وهم»، تقولين «أسدلت الستار على ابتسامة امرأة، كاد عطرها أن يعيدني إلى الحياة» وفي قصيدة «ستبقى»، نقرأ «ستبقى ظلاً كوحدتي يجالسني، وستبقى همسة تروي لي ألف قصة وقصة».
- الإحساس بالغياب مرتبط بطفولتي وطفولتي مقترنة بالرحيل وهنا يبدأ القصيد حتى نجدد اللقاء أو نحاول على الأقل أن لا ترحل الذاكرة مع رحيل من نحب.
> ما هي رسالة ديوانك «على قيد الوهم»؟
- هل يحمل الشعر رسالة؟... قد يكون ذلك في الشعر الملتزم. وفيما عدا ذلك فهو ينتهك الحدود والخطاب والمحظور. الكتابة مقاومة، بحث عن النور حين يعم السواد. وهو بحث عن الأفق في سماء يئست منا. والحياة حلم وما نحن إلا على قيد وهم.
> في مجموعتك الشعرية «رنين» هناك اتجاه نحو التجديد الشعري، رغم أن المجموعة حافلة بنصوص «الغزل»... كيف ترين شعر الغزل في الشعر الحديث...؟
- أرى أن مكانة الغزل تقلصت في الشعر الحديث مقارنة بما كانت عليه في التراث. قد يكون ذلك ناتجاً من ظهور مواضيع وهواجس مستجدة شدت اهتمام الشعراء الحداثيين كالفلسفية الوجودية منها والنفسية وغيرها، وذلك تحت تأثير الحركة السريالية في القرن العشرين.
لكن يبقى الغزل حاضراً دوماً في المدونة الشعرية كما نراه عند السياب ودرويش ونزار القباني طبعاً؛ فالحب مقترن بالذات الإنسانية دوماً وما الشعر إلا مرآتها.