بعد يوم عراقي صاخب، بدأ بجلسة منح الثقة لرئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، واختيار نائبه، محسن المندلاوي، من «الإطار التنسيقي»، وانتهى باشتباكات متقطعة في محيط المنطقة الخضراء، غرد زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، بطريقة بدا فيها أنه «يسلم للأمر الواقع»، فيما كان جمهور القوى الشيعية يحتفل بالاستحواذ على مفاتيح المعادلة السياسية؛ فهل فقد الصدر قدرته على المناورة، وتضاءلت في يده أوراق التأثير؟
منذ اقتحام أنصار «التيار الصدري» المنطقة الخضراء، في أغسطس (آب) الماضي، واشتباكهم مع قوات موالية لـ«الإطار التنسيقي»، كسر الصدر قاعدة الاحتجاج السلمي في أنه لن ينجر إلى العنف، قبل أن يعتكف بطريقة «إطفاء الفتنة». منذ ذلك الحين، لم يجرؤ أحد على استقطاب الجمهور الاحتجاجي للخروج ضد الأحزاب السياسية، حتى وإن كانت قاب قوسين من استعادة معادلة الحكم القديمة.
ضريبة ليلة الاشتباك في المنطقة الخضراء لم تقتصر على نفور القوى المدينة من تيار سياسي سن العنف، كإحدى وسائل التظاهر والاحتجاج، بل وصلت إلى ارتباك الموقف الإقليمي والدولي من السلوك السياسي للتيار الصدري، الذي كان يحاول تقديم نموذج سياسي جديد لإصلاح الدولة، في مشروع حكومة الأغلبية.
ومع أن الفاعلين العراقيين والدوليين يعلمون أن القوى الشيعية الموالية لإيران خططت، منذ مطلع العام الحالي، لتقويض جهود الصدر، باستخدام نفوذها وتأثيرها في المؤسسات التشريعية والقضائية، لكن المجتمع الدولي، وفي توقيت حرج، لا يمكنه الركض وراء فكرة سياسية تربك الاستقرار في المنطقة، هذا الاستقرار مطلوب بأي طريقة حتى لو أمّنها «الإطار التنسيقي»، فيما كان الصدر، كما يبدو، بحاجة إلى إدراك الجانب البراغماتي في صياغة تحالفاته المحلية والإقليمية.
والحال أن حلفاءه من المحليين فشلوا في الصمود أمام ضغوط القوى الشيعية. مناورة الحلبوسي تكشف ما تسفر عنه الضغوط المركبة بين الحليف والخصم، والإفلات منها يتطلب صوغ معادلة بأقل الخسائر. أما بالنسبة للكرد، فإن «الحزب الديمقراطي الكردستاني» الذي يواجه وضعاً مقلقاً مع شركات النفط الأجنبية التي باتت تضغط على أربيل بصياغة تسوية مع الحكومة المركزية، وهذا لن يتم إلا بفتح باب التفاوض على حكومة جديدة «ضرورية ومطلوبة» مع القوى الشيعية، التي من سوء حظ الصدر باتت بيد خصومه.
هكذا، لم يعد الصدر يملك ما يجعله قادراً على حماية حلفائه، الذين لم يكونوا قادرين على الاستمرار دون الانخراط في كابينة حكومية تضمن لهم فرص البقاء، وهي نفس الحاجة التي استدعتهم للانخراط في مشروع الصدر.
وانخفضت حماسة القوى الإقليمية تجاه الصدر، الذي قد يكون، من وجهة نظر كثيرين، مرتبكاً في اتخاذ القرارات الحاسمة، ومتردداً في صياغة ردود الأفعال المناسبة، حتى إن السؤال عن استراتيجيته الأكثر شيوعاً في مطابخ السياسة منذ شهور.
ومع فقدان مفاتيح التأثير في الحياة السياسية، نتيجة تقويضها ومحاصرتها سياسياً وميدانياً، فإن الصدر اليوم لا يراهن إلا على محاولات غير مضمونة مع القضاء العراقي باستعادة التوازن السياسي الذي فرضته الانتخابات الأخيرة، على الأقل قبول الطعن بالنواب البدلاء لأعضاء كتلة التيار المستقيلين من البرلمان.
ما الذي خسره الصدر في مواجهة «الإطار التنسيقي»؟
(تحليل إخباري)
ما الذي خسره الصدر في مواجهة «الإطار التنسيقي»؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة