عدنان ناجي... «شاهد على زمن الفن الجميل» بعدسة محترفة

واكب حقبة عمالقة الفن فترجمها في معرض

عدنان ناجي مع واحدة من أحب الصور إلى قلبه (الشرق الأوسط)
عدنان ناجي مع واحدة من أحب الصور إلى قلبه (الشرق الأوسط)
TT

عدنان ناجي... «شاهد على زمن الفن الجميل» بعدسة محترفة

عدنان ناجي مع واحدة من أحب الصور إلى قلبه (الشرق الأوسط)
عدنان ناجي مع واحدة من أحب الصور إلى قلبه (الشرق الأوسط)

هي مجموعة قصص عاشها المصور الفوتوغرافي عدنان ناجي مع عمالقة أهل الفن، فترجمها بكاميرته معرضاً بعنوان «شاهد على زمن الفن الجميل».
ناجي الذي يبلغ اليوم 76 عاماً، نقل في هذا المعرض قسماً صغيراً من أرشيفه الغني، فاختار واحدة من الفترات الذهبية التي عاشها هؤلاء النجوم في لبنان منذ كان في العشرين من عمره لغاية الـ40 منه. تألقت الصور ندرة وحنيناً، وهي معلقة على جدران مبنى صحيفة «السفير» التي صارت هي أيضاً جزءاً من زمن لبنان الجميل.
ينقسم معرض ناجي إلى قسمين، يتضمن كل منها نحو 40 صورة فوتوغرافية، بينها ما يحكي عن مطربين وممثلين تركوا بصمتهم عبر التاريخ. فيما القسم الآخر أراده صاحب المعرض رحلة مع بيروت أيام زمان عندما كان المثقفون والفنانون والإعلاميون يجتمعون في مقاهي شارع الحمراء. كما صور بيروت ومنطقة المنارة والصنائع، وغيرها في حقبة زمنية تعود إلى الستينات والسبعينات.

فيروز بعدسة عدنان ناجي (الشرق الأوسط)

وأنت تتجول في المعرض تستوقفك صور تمثل لحظات نجاح وشهرة. تطالعك واحدة لفيروز من إحدى مسرحياتها، وكذلك للراحلة صباح بكامل أناقتها المعهودة، وثالثة ورابعة وأكثر لوديع الصافي وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وغيرهم.
يوضح ناجي لـ«الشرق الأوسط»: «بسبب طبيعة عملي في جريدة (السفير)، وكذلك في دار البيرق والأسبوع العربي وغيرها، عايشت تلك الحقبة الجميلة. وكنت أحرص على توضيب الصور وأرشفتها بشكل منظم. فهي بمثابة محطات من حياتي لم أرغب في إهمالها أو في ضياعها. وعندما قررت اليوم إقامة المعرض، عدت إلى أرشيفي واخترت منه ما يناسب. فمجموع ما أملكه يتجاوز الآلاف، ولا يمكن جمعها في معرض واحد».

صورة تجمع ما بين الراحلين صباح ورشدي أباظة ونادية لطفي (الشرق الأوسط)

يخبرنا ناجي الذي لم يفارقه حب كاميرته حتى اليوم، عن طبيعة هذه الصور والزمان والمكان اللذين رافقا لحظات التقاطها. «لكل صورة قصتها وحيثياتها وذكريات طويلة عندي. وعندما أسترجع تلك اللحظات أشعر بالحنين للبنان السلام والازدهار. فالفنانون كانوا يقصدونه باستمرار ويحيون الحفلات فيه من جنوبه إلى شماله».
أكثر ما يتذكره ناجي عن علاقته بهؤلاء الفنانين، تدور حول جلسات خاصة وأخرى عامة. «لقد كانوا يثقون بكاميرتي وتربطني بهم علاقة صداقة وطيدة وفرت لي الفرصة تلو الأخرى للقائهم باستمرار».
من الفنانين الذين يطيب له ذكرهم، محمد عبد الوهاب، وصباح، ورشدي أباظة، إضافة إلى فيروز وسميرة توفيق وغيرهم. فهو كان رفيقهم في حفلاتهم الغنائية وفي عروض مسرحياتهم وحتى في جلساتهم الضيقة في فندق «بارك أوتيل» شتورا وغيره.
صور بالأبيض والأسود تجمع بين رشدي أباظة وصباح ونادية لطفي، وأخرى لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفاتن حمامة، بالألوان تأخذك إلى أوقات ثمينة لن تتكرر. تتوقف أمامها تتأمل في ملامحها وفي الأماكن التي التقطت فيها، فتشعر وكأنك تشاهد فيلماً سينمائياً طويلاً، جميع شخصياته أبطال دخلوا التاريخ من بابه الواسع.

كان مقرباً من عمالقة الفن وبينهم أم كلثوم (الشرق الأوسط)

«هذه الصورة التي ترينها هنا للراحل عبد الحليم حافظ التقطتها له في بيروت. يومها جلنا في شوارع العاصمة. تحدث مع الناس في المقاهي وجلس القرفصاء يقرأ الجرائد التي كانت تعرض للبيع على الأرصفة. كان متواضعاً جداً حتى إن الناس تفاجأت بتصرفاته ولم تستوعب أنه عبد الحليم شخصياً».
يصف عمالقة ذلك الزمن بالفنانين الأصيلين الذين كانوا لا يكثفون من إطلالاتهم خوفاً من أن يمل الناس منهم. «كانوا يتمتعون بالموهبة وبإحساس مرهف، بحيث لا يغنون إلا الكلمات التي تلامسهم عن قرب. فيخاطبون مستمعيهم بنغمة من المستوى الرفيع وليس كما هو اليوم».

العندليب الأسمر في صورة نادرة بعدسة عدنان ناجي (الشرق الأوسط)

صور أخرى تأخذك إلى عالم الرحابنة من كبيرهم إلى صغيرهم، تبدأ مع فيروز وعاصي الرحباني وصولاً إلى الراحل جوزيف صقر وزياد الرحباني. «لها معزة خاصة عندي، إذ لم يكن من السهل أبداً التقاط صور لفيروز. وبعد أن توطدت علاقتي بالرحابنة صار اسمي يندرج على الـ(كتيب) الخاص بمسرحياتهم، فيذكر مع باقي فريق العمل التقني من مهندسي صوت وإضاءة وكاميرا مان».
وعلى مقلب آخر من المعرض تتفرج على بيروت ومقاهيها وشوارعها المزدحمة بالمارة. أسواقها وشارع الحمراء وحديقة الصنائع وصالات السينما والمسارح وغيرها، صورها ناجي بعدسة كاميرته فحلت ضيفة شرف على المعرض. ويروي: «في إحدى المرات ارتدت نجوى فؤاد بدلة الرقص من أجل جلسة تصويرية في شوارع العاصمة. تخيلي أنها تنقلت بين أزقة وأحياء بيروت بملابسها هذه. ولم تتوان عن ركوب الباص معي كي ألتقط لها صوراً تقربها من الناس. فأنا صاحب كاميرا جريئة، أتطرق إلى موضوعات في صوري تخرج عن المألوف. والأهم أن الفنانين كانوا يطاوعونني ويتقبلون أفكاري. ففي إحدى المرات ارتدى الراحل رشدي أباظة ملابس عامل ماسح الأحذية. جلس على قارعة الرصيف في شارع الحمراء وراح يمارس المهنة بشكل جدي. أما أنا فوقفت أصوره من بعيد وأنقل تفاعل المارة معه، إذ لم يصدقوا أنه بينهم ويمسح أحذيتهم».

فاتن حمامة بعدسة عدنان ناجي (الشرق الأوسط)
 

لحظات نادرة وقيمة يقدمها ناجي في معرضه. ملحنون أمثال محمد الموجي ومطربون من بينهم وديع الصافي ونجاح سلام وسميرة توفيق وفريد الأطرش وطروب يعيدهم ناجي إلى ذاكرتنا بقوة. ويختم: «هذه المهنة تحيا بشغف صاحبها، لأنها تسكن الروح. وعندما أنظر إلى الصور المعروضة أدرك أنني لا أزال أحبها، وكأنني أمارسها لأول يوم لي في عالم الصحافة».



بعد تعليق حزب «البعث» عمله في سوريا... ما مصير فرعه اللبناني؟

علي حجازي (وسط) أمين عام «حزب البعث العربي الاشتراكي» في لبنان يتلو بياناً لاجتماع اللجنة المركزية للحزب عام 2022 (أرشيفية)
علي حجازي (وسط) أمين عام «حزب البعث العربي الاشتراكي» في لبنان يتلو بياناً لاجتماع اللجنة المركزية للحزب عام 2022 (أرشيفية)
TT

بعد تعليق حزب «البعث» عمله في سوريا... ما مصير فرعه اللبناني؟

علي حجازي (وسط) أمين عام «حزب البعث العربي الاشتراكي» في لبنان يتلو بياناً لاجتماع اللجنة المركزية للحزب عام 2022 (أرشيفية)
علي حجازي (وسط) أمين عام «حزب البعث العربي الاشتراكي» في لبنان يتلو بياناً لاجتماع اللجنة المركزية للحزب عام 2022 (أرشيفية)

ألقى قرار تعليق حزب «البعث العربي الاشتراكي» في سوريا عمله السياسي بثقله على «حزب البعث ـ فرع لبنان»، ووضع مصير الأخير أمام المجهول، وطرح أسئلة عمّا إذا كان سيلقى مصير الأول؛ بالنظر للارتباط العضوي بينهما، ولا سيما أن قيادة حزب «البعث» في لبنان تُعيّن بقرار من الرئيس السوري شخصيّاً باعتباره الرئيس الفعلي للحزب في كلّ الدول العربية، وهذا ما كان يعلنه صراحة الأمناء العامّون الذين تعاقبوا على قيادة الحزب في لبنان.

ويرفض حزب «البعث» اللبناني حتى الآن أن يحذو حذو «البعث» السوري، «ما دام يمارس العمل السياسي والوطني تحت سقف القانون والدستور». وأعلن قيادي في الحزب أن «(البعث اللبناني) مستقلّ تماماً عن الحزب السوري، وهو حائز ترخيصاً رسمياً، ولديه علم وخبر من وزارة الداخلية اللبنانية منذ عام 1942؛ أي قبل 30 عاماً من وصول حافظ الأسد إلى سدّة الحكم في دمشق».

وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «هيكلية الحزب في لبنان منفصلة عن سوريا؛ إذ إنه يختار قيادته بانتخابات وتصويت من قاعدته ومحازبيه»، نافياً «تعيين قيادة الحزب من قبل الرئيس السوري»، موضحاً أن «القيادة القومية لحزب (البعث العربي الاشتراكي)، ومقرها في دمشق، تصادق على نتائج الانتخابات الحزبية التي تحصل في لبنان، وليس صحيحاً أن القيادة تعيّنها دمشق».

واستدرك قائلاً: «صحيح أنه كلما انتخب الحزب في لبنان قيادة جديدة، وصادقت على النتائج القيادة القومية في دمشق، يسارع الأمين العام الجديد إلى الإعلان أن الرئيس السوري منحه ثقته، وكان بذلك يعطي انطباعاً بأنه عُيّن بقرار من الرئيس السوري»، مذكّراً بأن الحزب «هو تنظيم فكري سياسي قومي عروبي، وفلسفة وجوده تقوم على أساس وحدة الأمة العربية وحماية شعوبها ومصالحها».

وشارك حزب «البعث» في الحياة السياسية اللبنانية، وبرز حضوره أكثر في مطلع تسعينات القرن الماضي، مع إحكام النظام السوري قبضته على لبنان، حيث تمثّل في البرلمان وفي الحكومات المتعاقبة، إلّا أن هذا الدور تقلّص بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في عام 2005.

ودافع القيادي البعثي الذي رفض ذكر اسمه، عن النظام السوري، رافضاً تحميله الجرائم التي تتكشّف فصولها الآن. وقال: «بالتأكيد لم يكن حزب (البعث) في سوريا موافقاً على الجرائم والفظائع التي ارتكبتها أجهزة أمنية أو ضباط؛ إذ تبيّن في الأيام القليلة الماضية أن كلّ جهاز كان يعمل لحسابه الخاص، ولا أعتقد أن أحداً لديه ذرّة من الإنسانية يمكنه أن يدافع أو يبرر الجرائم البشعة التي تم اكتشافها في السجون وخارجها»، داعياً إلى «محاسبة كلّ من أخطأ ومحاكمته وإنزال القصاص به، وعدم تحميل (البعث) كحزب سياسي مسؤولية ما حصل». وختم قائلاً: «بغضّ النظر عن قرار حزب (البعث) في سوريا تعليق عمله السياسي، نحن في لبنان مستمرون في دورنا السياسي والوطني، وليس لدينا ما نخشاه أو نُتهم به لا في السياسة ولا في الأمن ولا في الفساد».

وأعلن حزب «البعث العربي الاشتراكي» في سوريا تعليق عمله ونشاطه الحزبي «حتى إشعار آخر»، وذلك بعد 3 أيام من إسقاط فصائل المعارضة السورية المسلحة نظام الرئيس بشار الأسد وفراره من البلاد، مُنهياً بذلك 61 عاماً من حكم الحزب و53 عاماً من حكم آل الأسد. وقال إبراهيم الحديد الأمين العام المساعد للحزب، في بيان رسمي، إن «القيادة المركزية للحزب قررت تعليق العمل الحزبي بجميع أشكاله وتسليم جميع الآليات والمركبات والأسلحة إلى وزارة الداخلية...». وأكد أن «حزب (البعث) في سوريا يعلق عمله حتى إشعار آخر»، مشيراً إلى «إعادة كافة الرفاق المعارين والمندوبين إلى ملاك وزاراتهم ومؤسساتهم ودوائرهم الأصلية، وأن يضعوا أنفسهم تحت تصرف الجهات التي كانوا يعملون بها أصلاً».

كما أعلن الحديد أن الحزب «سيسلم كافة الآليات والمركبات والأسلحة التي كانت بحوزته إلى وزارة الداخلية، أو إلى أقرب وحدة أو مركز للشرطة تابع لوزارة الداخلية، وتحرير ضبط رسمي بذلك، ووضع كافة أملاك وأموال الحزب تحت إشراف وزارة المالية ورقابة وزارة العدل، وإيداع ريعها في مصرف سوريا المركزي ليتم صرفها وفق القانون من الحكومة الحالية».

صورة ممزقة للرئيس السوري السابق بشار الأسد على أحد الجدران في حماة (أ.ب)

وتخضع قوانين الأحزاب السياسية إلى معايير دقيقة، لا بدّ من أخذها بالاعتبار، وأشار مرجع قانوني إلى أن «مقاربة وضعية حزب (البعث) في لبنان مرتبطة بمدى الترابط بين الحزبين في سوريا ولبنان، وهذا يحتاج إلى تدقيق».

وسأل المرجع عبر «الشرق الأوسط»: «هل تعليق عمل الحزب في سوريا سيؤدي حتماً إلى تعليق عمل حزب (البعث) في لبنان؟»، معتبراً أن «المسألة حساسة وتحتاج إلى التدقيق في الأوراق وفي الترخيص الذي حازه حزب (البعث)، فإذا كان الارتباط عضوياً؛ بمعنى أن «بعث» لبنان هو «فرانشيز» لـ(البعث) في سوريا، يعني أن وضعه يكون صعباً، أما إذا كان حزباً مستقلاً، فإن وقف نشاطه يحتاج إلى قرار معلل يصدر عن مجلس الوزراء، وتكون لديه أسباب موجبة لذلك».

وتأسس حزب «البعث» عام 1947 في دمشق، مستنداً إلى فكرة إقامة «دولة عربية اشتراكية واحدة». واندمج الحزب مع «الحزب العربي الاشتراكي» في خمسينات القرن الماضي، لكنّه استولى على السلطة في سوريا عام 1963 عبر انقلاب عسكري، قبل أن يقود حافظ الأسد الذي كان وزيراً للدفاع ما سُمّي بـ«الحركة التصحيحية» مع عدد من الضباط، وهذه الحركة أوصلته إلى رئاسة الجمهورية، ليطيح بعدها برفاقه الضبّاط ويرسّخ من بعدها نفوذ آل الأسد على رأس السلطة في سوريا.