يوثق الباحث العراقي سيف الدين الدوري لمرحلة مفصلية من تاريخ العراق الحديث، تمتد إلى ثلاثة عقود ونيف، تنطلق بـ«بداية مريبة» وتصل إلى «النهاية المأساة»، كما جاء في عنوان كتابه الصادر «انقلاب 17 تموز 1968 – 2003... البداية المريبة والنهاية المأساة»، الصادر حديثاً عن «دار الحكمة» بلندن.
جاء الكتاب في 470 صفحة، وهو مزود بشهادات وروايات وصور تُوثق لـ«كثير مما حصل من قتل وتشريد لكل فئات الشعب العراقي»، منذ 17 يوليو (تموز) عام 1968، حيث حصل انقلاب قاده إبراهيم عبد الرحمن الداود، الذي كان قائداً للحرس الجمهوري، وعبد الرزاق النايف، نائب رئيس الاستخبارات آنذاك، بالإضافة إلى سعدون غيدان، آمر كتيبة دبابات الحرس الجمهوري، بالتنسيق مع بعض القادة البعثيين، مثل أحمد حسن البكر، وصالح مهدي عماش، وحردان التكريتي.
وهذه البدايات التي سماها المؤلف «البدايات المريبة»، هي كذلك فعلاً؛ فبعد 13 يوماً من ذلك اليوم، أي في الثلاثين من يوليو، غدر البكر والتكريتي وعماش بالداود والنايف، «فكان الجزاء من جنس العمل».
ثم توالى مسلسل القتل والغدر -حسب تعبير الناشر- فقُتل ناصر الحاني أول وزير خارجية بعد الانقلاب، واغتيل حردان في الكويت سنة 1971، وأُبعد صالح مهدي عماش، ثم قُتل مئات من الضباط في سنة 1971، بحجة ما سُميت «مؤامرة عبد الغني الراوي».
وفي 1973، تمت أيضاً تصفية العشرات بعد «مؤامرة ناظم كزار»، حسب الإعلان الرسمي آنذاك.
وكان المخطِّط الأساسي لكل هذه العمليات الدموية هو صدام حسين الذي انقلب لاحقاً على حزب «البعث» نفسه، وأعدم أغلب قياداته فيما تسمى «مجزرة قاعة الخلد» سنة 1979، وعلى البكر نفسه، وأصبح الحاكم المطلق في العراق.
لقد غدر صدام بالجميع، ومنح نفسه رتبة «مهيب»، وهو لم يخدم يوماً واحداً في الجيش، ثم بعد حروبه الداخلية قاد العراق إلى حروب خارجية مدمرة، انتهت بغزو الكويت.
ولا يغفل المؤلف عن «البدايات الإيجابية» لانقلاب 1968، فيقول: «في 17 تموز 1968 وصل حزب البعث مرة ثانية إلى السلطة، وأخذ يحكم العراق عن طريق مجلس قيادة الثورة، وكانت خطواته الأولى جيدة جداً؛ إذ أطلق سراح جميع المعتقلين السياسيين وأعاد جميع المفصولين السياسيين إلى دوائرهم، وبذل جهداً كبيراً من أجل حل القضية الكردية، وأسفرت تلك الجهود عن صدور بيان 11 آذار (مارس) الذي منح الأكراد حكماً ذاتياً. وبعد عامين تقريباً صدر القرار التاريخي بتأميم النفط، وذلك في الأول من حزيران (يونيو) 1972. وقبل ذلك بشهرين؛ أي في 9 نيسان (أبريل) وقع العراق مع الاتحاد السوفياتي معاهدة التعاون والصداقة، تمهيداً لإقامة الجبهة الوطنية والقومية التقدمية التي ضمت القوى الشيوعية والقومية».
ومن الخطوات الإيجابية أيضاً، كما يضيف المؤلف، صدور بيان لحزب «البعث» في جريدة الحزب المركزية «الثورة»، يحمل جملة أفكار؛ منها مكافحة الاستعمار، والتمسك بالتضامن العربي. وكان ينتظر العراق آنذاك «مستقبل اقتصادي واعد على المدى البعيد؛ لكونه يتملك ثاني أضخم احتياطي نفطي في منطقة الشرق الأوسط، ولامتلاكه الموارد المائية الهائلة الكفيلة بدعم قاعدة زراعية قوية، إلى جانب الطاقة البشرية الكافية لتلبية احتياجاته الزراعية والصناعية».
لكن هذه الخطوات كانت -كما يبدو من الوقائع اللاحقة- من أجل تثبيت أقدام الحزب في السلطة، التي ما إن تمكن من السيطرة عليها حتى «أخذ يطبق مفاهيم العنف المطلق على تكوين الدولة السياسي. ولم تكن تلك السلطة قد عملت بالأساليب العُنفية ضد خصومها السياسيين فحسب، بل إن تعقُّلية العنف المطلق قد انطلقت من عقالها ضد حزب البعث نفسه، فتمت تصفية الجماعة البعثية التأسيسية من الجيل الأول والثاني عن بكرة أبيها تقريباً، باستثناء قلة قليلة للغاية من الرموز. فقد تم إعدام 20 قيادياً عسكرياً ومدنياً بتهمة التآمر مع نظم الحكم في سوريا...».
لقد حكم حزب «البعث» العراق لمدة 35 عاماً، مرتكزاً، كما يختتم المؤلف، «على تأليه القائد وعبادة البطل والفرد الواحد، وليس منطق الجماعات، فالزعيم القائد هو الذي يصنع التاريخ، وأبناء الشعب هم ضحايا تلك المفاهيم الشريرة؛ بل وأتباع القائد وجنود البطل المجيد... ولو أن صدام حكم بالديمقراطية لما وقع ما وقع، ولما اعتُقل وأُدخل قفص الاتهام، وبالتالي نُفِّذ فيه حكم الإعدام».
كتاب يؤرخ لحكم البعث في العراق: 35 عاماً من الخديعة والقتل والحروب
كتاب يؤرخ لحكم البعث في العراق: 35 عاماً من الخديعة والقتل والحروب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة